إحذر تركهما

يحيى جبران جباري
1441/03/17 - 2019/11/14 14:45PM

الحمد لله يهب المال والعيال ، احمده سبحانه واشكره الكبير المتعال ، و أستعينه وأستهديه وأستغفره ، عنده يسهل المحال ، ويدفع الغواية والضلال ، ويعفو ويغفر سيء العمال ، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ، هو العزيز هو الحكيم هو الكريم المتعال ،  وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، صادق الأقوال والفعال ، وهادي الأمة لأسباب النوال ، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم المآل

ثم أما بعد : فأوصيكم اخوة الدين ونفسي المقصرة بتقوى الله رب العالمين ، والعمل بما يرضيه ، للفوز بالدارين ، فهذه الدار ، دار الفانين ، كفرة ومسلمين ، ومؤمنين ومنافقين ، ومفسدين ومصلحين ، وظلمة ومظلومين ، وعاصين ومطيعين ، ثم العودة للحساب والجزاء ، ورجحان الموازين ، فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ، وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين  ، وأما ان كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم ، إن هذا له حق اليقين ، يا رب نسألك باسمك الأعظم وبلطفك وكرمك أن نكون من المقربين الناجين ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) (النساء)

ايها المسلمون : سنة الله في الخلق أوجبت الأبوين للمولودين ، الا من خصهم بغير ذلك رب العالمين ،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) (الحجرات) ومن منا أوجد بلا والدين ، أم : تحمل ، ثم تلد ، ثم ترضع ، ثم ترعى وتهتم ، ثم تسهر وأنت تنم ، وتحس بما فيك من ألم ، ثم تفرح لفرحك وتحزن لحزنك ، وتخشى عليك من أن يصيبك أي مكروه وهم ، حتى تعود لربها بعد السقم والهرم ، وأب : يكد ليوفر لك المشرب والمطعم ،  والمكان والمسكن ، ثم يتعب في تربيتك لتكون حياتك أفضل من حياته وأكرم ، ثم لا يبخل عليك بأي شيء يملكه وأنت لا تعلم ، ثم يبذل لك جهده وماله لتدرس وتتعلم ، وعقله وفكره مشغول بك ، حتى من كل مكروه تسلم ، يبذل فوق طاقته ليعطيك ما يرضيك ، و لا يحرمك من شيء ، إلا إن خاف ضرره عليك ، يسخر لك كل ما يملك في حياته ليكون بين يديك ، وإن مات يرجع كل ما جمعه إليك ، فهل من فضل لأحد بعد الله عليك كفضل والديك ، وفي الصحيح قدم رجل على النبي صل الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله من احق الناس بحسن صحابتي ؟ قال امك ، قال ثم من ؟ قال امك ، قال ثم من ؟ قال امك ، قال ثم من ؟ قال ابوك ) وقدم رجل يحمل أمه على ظهره ، يطوف بها الكعبة ، ورأى ابن عمر رضي الله عنهما ، فقال له : هذه المرة التاسعة التي احج فيها بأمي على ظهري ، أتراني أوفيت امي حقها ؟ قال ابن عمر :  ولا بزفرة من زفرات الطلق ) يعني وقت الولادة ) وقد اوردت مرة قصة أبي كلاب ، وما كان من خبره ، من أجل ولده مع عمر بن الخطاب ، اذ قال رضي الله عنه لكلاب ، يا كلاب : إن كنت تريد الجنة ، فتحت قدمي هذا ، يقصد أباه .

أيها الأحبة : لم أورد ما سمعتم ، لأني أريد أن أعظ اليوم ، في الأبوين ، وأثرهم في حياتنا اجمعين ، إنما أريد أن أطرق بابا ، يقع فيه من الأبناء كثيرين ، ربما ليس تعمدا ، ولكن غفلة وسهوا ، وهذا الأمر ، هو أن الابناء اذا كبروا ، وتوظفوا ، وتزوجوا ، وبحياتهم عن والديهم انفردوا ، قل الاهتمام ، والملاحظة والسؤال ، بسبب الانشغال ، بالدنيا والعيال ، فتجد الأب والأم ، يعيشان على الضمان ، ويشكيان قلة المال وضيق الحال ، رغم أن آبن لهم أو أكثر ، ميسوري الحال ، ولكن رفق الأبوين أو أحدهما بالأبناء ، يمنعهم الطلب والسؤال ، فيظن الأبناء ، بأن آباءهم وأمهاتهم ، لا يحتاجون شيئا ، فلا يلقون لهذا الأمر بال ، وهذا ليس على العموم ، ولكنه موجود وحاصل ومعلوم ، وقد يظن البعض بأن هذا ليس من التقصير في شيء ،  مع أن هذا الفعل ، من العقوق المجهول ، وأمر قبيح ومذموم ، إذ كيف تهنأ بعيشك مع زوجك وأبنائك ، وأباك أو أمك ، سكوتهم وصبرهم على الحاجة لا يهمك ، والسبب ، غفلتك عنهم ، وتعففهم عنك ورأفتهم بك ، وقلة اهتمامك ، أو ما علمت هدانا الله وإياك ، بأنهما من في الجنة إن شاء الله يدخلانك ، أوعنها يبعدانك ، وفي حديث جبريل عليه السلام (يا محمد  ، من أدرك ابويه اوحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار ، فأبعده الله ،  قل آمين ، فقلت آمين ) وكلنا في جانب ما ذكرت سلفا مقصرين ، نسأل الله عفوه عنا ، والسلامة لنا من النار أجمعين ، أخبرت عن رجل كبير في العمر ، بل طاعن في السن ، يتردد على امرأة من القواعد ، قريبة له ، يقف بالباب يطرقه ، فمرة يعود راضيا ، وأخرى مبتئسا ، وهي لي من المحارم ، فسألتها ماشأنه ، فقالت يأتي يطلب سلفا ، فإن كان معي مايزيد عن حاجتي اعطيته ، وإن لم يكن اعتذرته ، فتعجبت ، فله عدد من الأبناء ، كل منهم بوظيفته ومرتبه ، إلا أنه يخجل من طلبهم ، وفي نفس الوقت يرأف بهم ، لاستشعاره بمسؤولياتهم وثقل حملهم ، وقد كلمته في هذا  ، فكان رده ، من أين لهم ، أعانهم الله ، أفلا يستحق هذا وأمثاله ، من الأمهات والآباء ، مبادرتهم وإن تعففوا ، وقضاء حوائجهم ولولم يطلبوا ، ومن على شاكلته ، وشاكلة أبنائه كثير وكثير ، هدانا الله وإياكم لما فيه الخير ، وغفر لنا ولكم ولهم التقصير. وآخر وجدته يسير على قدميه وقد ابتعد عن البنيان ، وأبناؤه يعيشون معه في بيته ، وكلهم يملك سيارة ، فوقفت ، وصعد معي ، فسألته اين فلانا وفلانا و فلانا ، قال في الدار ، فقلت له لما لا تطلب منهم أن يوصلوك ، فصمت صمتا ، تمنيت منه أني لم أسأله ، بئساً لهؤلاء ، يا ترى إن ظهر الخضر صاحب موسى عليه السلام في هذا الزمان ، كم سيدع وكم سيقتل من الأبناء ، والله المستعان ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم () وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) (الإسراء) يا رب ارحم والدينا كما ربونا صغارا ، بارك الله لي ولكم فيما اقول وتسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمات والمسلمين ، فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله ذو الإنعام والفضل ، أحمده سبحانه وأشكره ، على الوالدين والذرية والأهل ، وأشهد ان لا إله الا الله منه القبول وله الإخلاص أسأل ، وأشهده أن محمدا عبده المرسل ، صل الله وسلم عليه ، ما سائل يسأل ، وبعد : يامن يسمع او بوجهه لنا أقبل ، اتق الله ،  فمن اتق الله رفعت له درجته ، ووضع عنه وزره الذي يحمل ، (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا 5 (الطلاق) عباد الله : أعلم ، بأن الجل ، إن لم يكن الكل ، بحب الوالدين ، والطاعة لهما ، يعمل ، وعنهم بأي خير وبر ومال لا يبخل ، ولكن من منا لا يقصر أو يغفل ، وأعلم ، بأن كثيرا من الوالدين ، لا يطلب ،  بل ويتعفف عن السؤال ،  وإذا أعطي لا يقبل ،  إلا أن الإحضار بدون طلب ، والمبادرة بدون سؤال ،  والعطاء من غير مباشرة ، أعظم وأجل وأكمل ، وبهذا أمر ربكم تنزل ، فلا تتهاون ، وعن فعل ما سمعت لا تكسل ، فغدا ما قدمت ، وما فعلت ، وما عاملت به والديك ، يرد لك ، إن خفيف تقصير وإهمال فخفيف ، وإن ثقيلا فأثقل ،  والعون والهدى والتوفيق لي ولكم من الله أسأل .

ثم الصلاة والسلام موصل ؛؛؛ إلى النبي الهاشمي يحمل ؛؛؛ مادام للخلق دعاء يقبل .

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد ......

المشاهدات 1117 | التعليقات 0