أي إخواني . . اثبُتُوا على اليقينِ ولا تتردّدُوا ! .
رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/09/17 - 2013/07/25 04:27AM
ملاحظة : يمكن جعل الخطبة الثانية حول الركائز الإيمانية للنصر في غزوة بدر ، وقد أطلقتها لتبقى صالحةً للتذكير في كل مناسبة .
خطبة الجمعة : أي إخواني . . اثبُتُوا على اليقينِ ولا تتردّدُوا ! .
الحمد لله ربّ العالمين ، نحمده سبحانه حقّ حمده ، و نستغفرهُ ونتوب إليه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهيّة والربوبيّة والأسماء والصفات ، شهادةً يُقِرُّ بها اللسان ، و يعتقدُها الجَنَان ، ولا تزولُ عنها الجوارِحُ والأركان ، منهجَ حياة ؛ في اليسر والعسر ، و المنشطِ والمكرَهِ ، والكثرةِ و القِلّة ، و إقبالِ الأيّامِ وإدبارِها ، سواءً في نظرِ العينِ و موقفِ القلب ، لا شكّ في مقالِها ، ولا انفصالَ لاتّصالِها ، و أشهد أنّ محمّدًا عبد الله ورسولُهُ سيّدُ اليقين ، و إمامُ المُرسلين ، وقائدُ الغُرّ المحجّلين ، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ والتابعين على طريق الحق إلى يوم الدّين . . ثم أما بعد :
نستفتحُ بالذي هو خير : عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال:" يا غلام إني أُعلِّمُك كلمات ينفعك الله بهن، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله،وإذا استعنت فاستعن بالله،واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك،وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك،رفعت الأقلام وجفَّتِ الصُّحف"،[1]وفي رواية:"احفظ الله تجده أمامك،تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدَّة ، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب،وأن مع العسر يسرًا ".
أيها الإخوة في الله :
هذه كلماتٌ من النبي صلى الله عليه وسلم علَّمها ابنَ عبّاس رضي الله عنهما ، هي قليلةٌ في اللفظ والحرف، لكنَّها كبيرةٌ في الأثر والمعنى . .
كلماتٌ عظيمةٌ جدًّا حولها تُدندِنُ القلوب و الوصايا الحيّة في كلِّ زمان ومكان ، قلوبُ الأنبياء والمرسلين و ألسنَتُهم و دعواتهم ، قلوبُ الصالحين الزَّاهدين ، وقلوبُ العظماء والفاتحين ، وقلوبُ العلماء العابدين ، وقلوبُ المؤمنين المُخلصين في كلِّ زمانٍ ومكان :
- حفظُ اللهِ تعالى في الرخاء والشدَّة . .
- سؤال ودعاء الله وحده لا شريك له . .[FONT="][/FONT]
- الاستعانة بالله تعالى وحده لا شريك له . .[FONT="][/FONT]
- اليقينُ بأنَّ اللهَ هو النافعُ الضَّار وحده لا شريكَ له ولا منازع . . [FONT="][/FONT]
- النصرُ يُستجلبُ بالصبر، والشدَّة يعقبُها الفَرَجْ ، والعسرُ يعقبُهُ اليُسر . .
إنّهُ حين تتشبَّعُ نفسُ المؤمن بهذه العقائد والمعاني الربَّانية الخالدة تتخلَّصُ روحهُ من الطِّين والقيود . . لتُحلِّقَ عاليًا في سماءِ العزِّ والصُّعود . . :
معشر المؤمنين : تأمّلوا الحديثَ بعين الحكمة ! :
كلماتٌ تتألم منها كلُّ نفس لأنها شاقَّةٌ مؤلمة : " اجتَمَعُوا . . يضرُّوك . . الشدَّة . . الكرب . . العسر . . أصابك " . . كلماتٌ ما أشقّها على النفس !
ولكنها تتحوَّلُ إلى سعادةٍ وراحةٍ وأنسٍ في القلب حين تدخُل عليها كلماتٌ أخرى في الحياة :
" احفظ الله . . تعرَّف على الله . . يعرفك . . فاسأل الله . . فاستعن بالله . . إلا بشيء قد كتبه الله لك . . إلا بشيء قد كتبه الله عليك . . لم يكن ليصيبك . . لم يكن ليخطئك . . النصر . . "
هذه الكلماتُ الربَّانية الخالدة هي التي جعلت النفوس العظيمة لا تتعزى عن شيء أصابها بشيء من غيرها كائنا ما كان في الحياة . . والشيء الذي فيها تتعزَّى به هو الإيمان بالله ربِّ العالمين . . !
هذه الكلمات الربَّانية الخالدة هي التي جعلت النفوس العظيمة لا تنظُرُ إلى الضُّرِّ والألم والشدَّة والكرب إلا كما تنظر إلى شيء عارضٍ مر وانقضى . . ! ، لأن حقيقةَ الإيمان في القلب أنسَتْهَا تلك الكلماتَ ومعانِيَهَا والزمنَ الذي هي فيه . . وجعلتها في القلب بلا حقيقة . . !
أيها الإخوة في الله :
في هذا الحديث العظيم شرطٌ ومشروط : أسبابٌ يقوم بها العبد تجمع بين العلم والعمل، وثمارٌ هي مكافأةٌ من عند الله تعالى على ذلك العلم والعمل :
من حَفِظَ اللهَ في الرخاء والصِّحة والغنى وتعرَّف إليه بإتيانِ أوامره واجتناب نواهيه والقيام بحقوقه التي أوجبها عليه وجد اللهَ معه في وقت الشدَّة والمرض والفقر يحوطُهُ وينصرُهُ ويوفِّقُهُ ويؤيِّدُهُ ويسدِّدُه ، فمن كان مع الله في الرخاء واليُسر كان اللهُ معه عند تقلُّبِ الأحوال ، ومن كان اللهُ معه كانت معه الفئة التي لا تُغلَب ، والحارسُ الذي لا ينام ، والهادي الذي لا يضِل . .
هذه عقيدةٌ لا شكّ فيها ولا ريب ، من جعلها في قلبِه ومنهج حياته قادته ولا بُدّ إلى النصر و التمكين بالأسباب وبغير الأسباب وبضدّها !
ذكر الإمام ابن رجب الحنبلي [2] عن أصبغ بن زيد - وكان صالحًا عابدًا – قال : " مكثت أنا ومن عندي ثلاثًا لم نطعم شيئًا ، فخرجت إلي ابنتي الصغيرة ، وقالت : يا أبت الجوع ! .
فأتيتُ الميضأة فتوضأت وصليت ركعتين وأُلهمتُ دعاء دعوت به وفي آخره : " اللهم افتح علي منك رزقًا لا تجعل لأحد عليَّ فيه مِنّة ، ولا لك علي في الآخرة فيه تبعة ، برحمتك يا أرحم الراحمين" ، ثم انصرفت إلى البيت فإذا بابنتي الكبيرة قد قامت إلي وقالت : يا أبت جاء عمي الساعة بهذه الصرة من الدراهم وحمَّال عليه دقيق ، وحمَّال عليه من كل شيء في السوق ، وقال : أقرئوا أخي السلام ، وقولوا له : إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء تأتك حاجتك" ، قال أصبغ :" والله ما كان لي أخ قط ، ولا أعرف من كان هذا القائل ، ولكن الله على كل شيء قدير ".
ترى من أين جاء هذا الحمّال وتلك الدراهم و ذلك الدّقيق وليس له أخٌ شقيقٌ على الإطلاق ؟! ؛ إنّهُ اليقينُ بالله وصدق الالتجاء إليه يفتح على العبد كنوزَ الرّخاء بالأسباب وبغيرها بل وبضدّها ! .
نسأل اللهَ العظيم ربَّ العرش الكريم أن يرزُقنا معرفته حقَّ المعرفة التي تثمرُ العبادة له ، والأنس به في الشدائد ، واللجوء إليه عند العسر والضيق . . أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم من كلِّ ذنب إنه غفور رحيم .
ونَقَلَ عن الإمام الأوزاعي خبرًا يدلُّ على كمال التعرُّف إلى الله وسؤال الله وحده في الرخاء والشدَّة ، كيف جاء مع ذلك نصرُ الله ورزقهُ واستجابة الدعاء ، قال الإمام الأوزاعي : " رأيت رجلاً في الطواف وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: يا رب ؛ إني فقير كما ترى ، وصبيتي قد عروا كما ترى ، وناقتي قد عجفت كما ترى ، فما ترى يا من يرى ولا يُرى ؟[FONT="][/FONT]
قال:" فإذا بصوت من خلفه : يا عاصم ، يا عاصم ، إلحَق عمَّك ، فقد هلك بالطائف وقد خلف ألف نعجةٍ ، وثلاثمائة ناقةٍ ، وأربعمائةَ دينار ، وأربعةَ أعبد ، وثلاثةَ أسياف يمانية ، فامض وخذها فليس له وارث غيرُك " . قال الأوزَاعي : فقلت له : " يا عاصم : إن الذي دعوتَ لقد كان قريبًا منك ، أما سمعت قول الله تعالى:﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عنِّي فإنِّي قَرِيبْ﴾(البقرة:186).
أيها الإخوة في الله :
اثبُتوا على اليقين بالله ولا تتردّدُوا ! ، فوالله إنَّ جميع هذه الوصية راجعٌ إلى اليقين بأنَّ اللهَ وحده هو النافع الضَّار المعطي المانع ، فإن ذلك سرُّ النصر والتمكين ، وهو حين يستقرُّ في القلب لا يلبثُُ أن تتحرَّك به الجوارح ليغيِّر مجرى حياة العبد :
قال الإمام ابن رجب الحنبلي- رحمه الله - :"واعلم أن مدار جميعِ هذه الوصية من النبي [FONT="]r لابن عباس على هذا الأصل،وما قبله وما بعده متفرِّعٌ عليه وراجعٌ إليه ، فإنَّه إذا علِمَ العبد أنَّه لن يُصيبَهُ إلا ما كتب اللهُ له من خير أو شر أو نفع أو ضر ، وأن اجتهاد الخَلْقِ كلِّهم على خلاف المقدور غيرُ مفيدٍ شيئًا البتَّةَ ، علمَ حينئِذٍ أنَّ اللهَ تعالى وحده هو الضَّارُّ النافع والمعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيدَ ربِّهِ [FONT="]U[/FONT] وإفرادِهِ بالاستعانة والسؤال والتضرُّع والابتهال، وإفراده أيضًا بالعبادة والطاعة . . وتقديمَ طاعته على طاعة الخلقِ كلِّهم جميعًا . . وأن يُتَّقى سخَطُهُ وإن كان فيه سخطُ الخلقِ جميعًا . . " [3]. [/FONT]
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى . .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يعزّ فيه أهل الطاعة و التجرّد ، ويذل فيه أهل المعصية و التمرّد ، يا أرحم الراحمين يا رب .
حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين . . وصل اللهم وسلّم وبارك على نبيّك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][1][/FONT] - صحيح: سنن الترمذي(2516).
[FONT="][2][/FONT] - مجموعة رسائل ابن رجب(3/130).
[FONT="][3][/FONT] - باختصار من: رسائل ابن رجب(3/141-142).
خطبة الجمعة : أي إخواني . . اثبُتُوا على اليقينِ ولا تتردّدُوا ! .
الحمد لله ربّ العالمين ، نحمده سبحانه حقّ حمده ، و نستغفرهُ ونتوب إليه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهيّة والربوبيّة والأسماء والصفات ، شهادةً يُقِرُّ بها اللسان ، و يعتقدُها الجَنَان ، ولا تزولُ عنها الجوارِحُ والأركان ، منهجَ حياة ؛ في اليسر والعسر ، و المنشطِ والمكرَهِ ، والكثرةِ و القِلّة ، و إقبالِ الأيّامِ وإدبارِها ، سواءً في نظرِ العينِ و موقفِ القلب ، لا شكّ في مقالِها ، ولا انفصالَ لاتّصالِها ، و أشهد أنّ محمّدًا عبد الله ورسولُهُ سيّدُ اليقين ، و إمامُ المُرسلين ، وقائدُ الغُرّ المحجّلين ، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ والتابعين على طريق الحق إلى يوم الدّين . . ثم أما بعد :
نستفتحُ بالذي هو خير : عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال:" يا غلام إني أُعلِّمُك كلمات ينفعك الله بهن، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله،وإذا استعنت فاستعن بالله،واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك،وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك،رفعت الأقلام وجفَّتِ الصُّحف"،[1]وفي رواية:"احفظ الله تجده أمامك،تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدَّة ، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب،وأن مع العسر يسرًا ".
أيها الإخوة في الله :
هذه كلماتٌ من النبي صلى الله عليه وسلم علَّمها ابنَ عبّاس رضي الله عنهما ، هي قليلةٌ في اللفظ والحرف، لكنَّها كبيرةٌ في الأثر والمعنى . .
كلماتٌ عظيمةٌ جدًّا حولها تُدندِنُ القلوب و الوصايا الحيّة في كلِّ زمان ومكان ، قلوبُ الأنبياء والمرسلين و ألسنَتُهم و دعواتهم ، قلوبُ الصالحين الزَّاهدين ، وقلوبُ العظماء والفاتحين ، وقلوبُ العلماء العابدين ، وقلوبُ المؤمنين المُخلصين في كلِّ زمانٍ ومكان :
- حفظُ اللهِ تعالى في الرخاء والشدَّة . .
- سؤال ودعاء الله وحده لا شريك له . .[FONT="][/FONT]
- الاستعانة بالله تعالى وحده لا شريك له . .[FONT="][/FONT]
- اليقينُ بأنَّ اللهَ هو النافعُ الضَّار وحده لا شريكَ له ولا منازع . . [FONT="][/FONT]
- النصرُ يُستجلبُ بالصبر، والشدَّة يعقبُها الفَرَجْ ، والعسرُ يعقبُهُ اليُسر . .
إنّهُ حين تتشبَّعُ نفسُ المؤمن بهذه العقائد والمعاني الربَّانية الخالدة تتخلَّصُ روحهُ من الطِّين والقيود . . لتُحلِّقَ عاليًا في سماءِ العزِّ والصُّعود . . :
معشر المؤمنين : تأمّلوا الحديثَ بعين الحكمة ! :
كلماتٌ تتألم منها كلُّ نفس لأنها شاقَّةٌ مؤلمة : " اجتَمَعُوا . . يضرُّوك . . الشدَّة . . الكرب . . العسر . . أصابك " . . كلماتٌ ما أشقّها على النفس !
ولكنها تتحوَّلُ إلى سعادةٍ وراحةٍ وأنسٍ في القلب حين تدخُل عليها كلماتٌ أخرى في الحياة :
" احفظ الله . . تعرَّف على الله . . يعرفك . . فاسأل الله . . فاستعن بالله . . إلا بشيء قد كتبه الله لك . . إلا بشيء قد كتبه الله عليك . . لم يكن ليصيبك . . لم يكن ليخطئك . . النصر . . "
هذه الكلماتُ الربَّانية الخالدة هي التي جعلت النفوس العظيمة لا تتعزى عن شيء أصابها بشيء من غيرها كائنا ما كان في الحياة . . والشيء الذي فيها تتعزَّى به هو الإيمان بالله ربِّ العالمين . . !
هذه الكلمات الربَّانية الخالدة هي التي جعلت النفوس العظيمة لا تنظُرُ إلى الضُّرِّ والألم والشدَّة والكرب إلا كما تنظر إلى شيء عارضٍ مر وانقضى . . ! ، لأن حقيقةَ الإيمان في القلب أنسَتْهَا تلك الكلماتَ ومعانِيَهَا والزمنَ الذي هي فيه . . وجعلتها في القلب بلا حقيقة . . !
أيها الإخوة في الله :
في هذا الحديث العظيم شرطٌ ومشروط : أسبابٌ يقوم بها العبد تجمع بين العلم والعمل، وثمارٌ هي مكافأةٌ من عند الله تعالى على ذلك العلم والعمل :
من حَفِظَ اللهَ في الرخاء والصِّحة والغنى وتعرَّف إليه بإتيانِ أوامره واجتناب نواهيه والقيام بحقوقه التي أوجبها عليه وجد اللهَ معه في وقت الشدَّة والمرض والفقر يحوطُهُ وينصرُهُ ويوفِّقُهُ ويؤيِّدُهُ ويسدِّدُه ، فمن كان مع الله في الرخاء واليُسر كان اللهُ معه عند تقلُّبِ الأحوال ، ومن كان اللهُ معه كانت معه الفئة التي لا تُغلَب ، والحارسُ الذي لا ينام ، والهادي الذي لا يضِل . .
هذه عقيدةٌ لا شكّ فيها ولا ريب ، من جعلها في قلبِه ومنهج حياته قادته ولا بُدّ إلى النصر و التمكين بالأسباب وبغير الأسباب وبضدّها !
ذكر الإمام ابن رجب الحنبلي [2] عن أصبغ بن زيد - وكان صالحًا عابدًا – قال : " مكثت أنا ومن عندي ثلاثًا لم نطعم شيئًا ، فخرجت إلي ابنتي الصغيرة ، وقالت : يا أبت الجوع ! .
فأتيتُ الميضأة فتوضأت وصليت ركعتين وأُلهمتُ دعاء دعوت به وفي آخره : " اللهم افتح علي منك رزقًا لا تجعل لأحد عليَّ فيه مِنّة ، ولا لك علي في الآخرة فيه تبعة ، برحمتك يا أرحم الراحمين" ، ثم انصرفت إلى البيت فإذا بابنتي الكبيرة قد قامت إلي وقالت : يا أبت جاء عمي الساعة بهذه الصرة من الدراهم وحمَّال عليه دقيق ، وحمَّال عليه من كل شيء في السوق ، وقال : أقرئوا أخي السلام ، وقولوا له : إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء تأتك حاجتك" ، قال أصبغ :" والله ما كان لي أخ قط ، ولا أعرف من كان هذا القائل ، ولكن الله على كل شيء قدير ".
ترى من أين جاء هذا الحمّال وتلك الدراهم و ذلك الدّقيق وليس له أخٌ شقيقٌ على الإطلاق ؟! ؛ إنّهُ اليقينُ بالله وصدق الالتجاء إليه يفتح على العبد كنوزَ الرّخاء بالأسباب وبغيرها بل وبضدّها ! .
نسأل اللهَ العظيم ربَّ العرش الكريم أن يرزُقنا معرفته حقَّ المعرفة التي تثمرُ العبادة له ، والأنس به في الشدائد ، واللجوء إليه عند العسر والضيق . . أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم من كلِّ ذنب إنه غفور رحيم .
الخطبة الثانية:
قال:" فإذا بصوت من خلفه : يا عاصم ، يا عاصم ، إلحَق عمَّك ، فقد هلك بالطائف وقد خلف ألف نعجةٍ ، وثلاثمائة ناقةٍ ، وأربعمائةَ دينار ، وأربعةَ أعبد ، وثلاثةَ أسياف يمانية ، فامض وخذها فليس له وارث غيرُك " . قال الأوزَاعي : فقلت له : " يا عاصم : إن الذي دعوتَ لقد كان قريبًا منك ، أما سمعت قول الله تعالى:﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عنِّي فإنِّي قَرِيبْ﴾(البقرة:186).
أيها الإخوة في الله :
اثبُتوا على اليقين بالله ولا تتردّدُوا ! ، فوالله إنَّ جميع هذه الوصية راجعٌ إلى اليقين بأنَّ اللهَ وحده هو النافع الضَّار المعطي المانع ، فإن ذلك سرُّ النصر والتمكين ، وهو حين يستقرُّ في القلب لا يلبثُُ أن تتحرَّك به الجوارح ليغيِّر مجرى حياة العبد :
قال الإمام ابن رجب الحنبلي- رحمه الله - :"واعلم أن مدار جميعِ هذه الوصية من النبي [FONT="]r لابن عباس على هذا الأصل،وما قبله وما بعده متفرِّعٌ عليه وراجعٌ إليه ، فإنَّه إذا علِمَ العبد أنَّه لن يُصيبَهُ إلا ما كتب اللهُ له من خير أو شر أو نفع أو ضر ، وأن اجتهاد الخَلْقِ كلِّهم على خلاف المقدور غيرُ مفيدٍ شيئًا البتَّةَ ، علمَ حينئِذٍ أنَّ اللهَ تعالى وحده هو الضَّارُّ النافع والمعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيدَ ربِّهِ [FONT="]U[/FONT] وإفرادِهِ بالاستعانة والسؤال والتضرُّع والابتهال، وإفراده أيضًا بالعبادة والطاعة . . وتقديمَ طاعته على طاعة الخلقِ كلِّهم جميعًا . . وأن يُتَّقى سخَطُهُ وإن كان فيه سخطُ الخلقِ جميعًا . . " [3]. [/FONT]
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى . .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يعزّ فيه أهل الطاعة و التجرّد ، ويذل فيه أهل المعصية و التمرّد ، يا أرحم الراحمين يا رب .
حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين . . وصل اللهم وسلّم وبارك على نبيّك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="] [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][1][/FONT] - صحيح: سنن الترمذي(2516).
[FONT="][2][/FONT] - مجموعة رسائل ابن رجب(3/130).
[FONT="][3][/FONT] - باختصار من: رسائل ابن رجب(3/141-142).
المشاهدات 2143 | التعليقات 2
جزاك الله خيرًا أستاذ زياد ، تعليقكم حيّ قويّ جمّل الطرح ، و تشجيعاتكم تجعل لنا نحن الخطباء نَفَسًا ليس فيما بيننا وبين الله .. لا .. ؛ ولكن فيما بيننا وبين النّاس ، فلا تقطعوا عنّا كلماتِكم الرائعة . . تقبّل الله منّا ومنكم .
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
خطبة رائعة وأسلوب طرحها راقي شيخ رشيد أجدت وأفدت بارك الله في علمك
نعم إن اليقين أقصر الطرق إلى الله تعالى وأكثرها فاعلية في إيجاد المرغوب وأشد الأسباب الشرعية تأثيرا في المطلوب ومهما بذل العبد من أسباب شرعية ومادية مالم يتمكن القين من قلبه فبذله هواء وهو كباسط يديه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه
تعديل التعليق