أيَهزؤون بسيّد البريّات

صالح العويد
1433/11/03 - 2012/09/19 17:32PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه خطبة الجمعة الماضية

لعل أحداأن يستفيدمنهانفعني

الله وإياكم بمانقول ونقرأونسمع
المشاهدات 2189 | التعليقات 1

الحمدُ للهِ الذي أَبَانَ لخلقِه الهُدى والسَّدادِ ، وهدى أولياءَه للصِّراطِ المستقيمِ وسَبِيلِ الرَّشَادِ ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على ما أَسْبَغَ مِنَ النِّعَمِ وأَعَادَ ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يَهدي من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه أفضلُ المرسلينَ وأكرمُ العباد ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يوم التناد
أما بعد: فيا أيها الناس اتّقوا الله عز وجل حقّ التقوى، فمن اتّقاه أفلح في دنياه وسلِم، واستبشر في أخراه وغنِم، ومن أعلى مراتب تقواه الانتصارُ لسيِّد العرَب والعجَم والذبُّ عن صفوة هذه الأمّة وخيار الأمم،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّ مِنَ الأُمُورِ المُقَرَّرَةِ الثَّابِتَةِ التِي لاَ مَجَالَ فِيهَا للشَّكِّ وَالرَّيبِ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ إِمَامُ المُتَّقِينَ وَصَفْوَةُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَأَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمُ المُرْسَلِينَ، صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ وَاللِّوَاءِ المَعْقُودِ وَالمَقَامِ المَحْمُودِ وَالحَوْضِ المَوْرُودِ، أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، وَيَشْفَعُ للخَلْقِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ المَوْعُودِ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ وَتَقْدِيرَهُ وَاحْتِرَامَهُ حَيًّا وَمِيِّتًا مِنْ أَعْظَمِ الوَاجِبَاتِ التِي لاَ يَتِمُّ إِيمَانُ العَبْدِ إِلاَّ بِهَا، وَأَنَّ مَحَبَّتَهُ وَالدِّفَاعَ عَنْهُ وَنُصْرَتَهُ وَفِدَاءَهُ بِالنَّفْسِ وَالمَالِ وَالأَهْلِ دِينٌ يَدِينُ بِهِ المُسْلِمُ للهِ تَعَالَى، وَأَنَّ كَرَاهِيَتَهُ وَبُغْضَهُ وَانْتِقَاصَهُ وَالاسْتِهْزَاءَ بِهِ وَبِدِينِهِ كُفْرٌ وَرِدَّةٌ عَنْ دِينِ اللهِ تَعَالَى، تُوْجِبُ العُقُوبَةَ وَاللَّعْنَةَ، وَتُهْدِرُ دَمَ فَاعِلِهَا وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ، إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا[الأحزاب:57]، وَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ قَالَ: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)).نَعَمْ عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ بِبِعْثَتِهِ ، وَجَعَلَهُ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، وَأَفْضَلَ الخَلِيقَةِ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَاخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ، وَجَمَعَ لَهُ بَينَ الخُلَّةِ وَالتَّكْلِيمِ وَالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَأَكْثَرَهُمْ أَتْبَاعًا وَأَعْلاَهُمْ قَدْرًا وَمَقَامًا، رَسُولاً للعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)). لَقَدِ اسْتَقَرَّتْ مَحَبَّتُهُ فِي النُّفُوسِ، وَأَجَلَّتْهُ القُلُوبُ، وَشَهِدَ بِعَدْلِهِ وَصِدْقِهِ وَفَضْلِهِ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ، وَالعَدُّو وَالصَّدِيقُ، وَلاَ يَزَالُ أَتْبَاعُهُ فِي ازْدِيَادٍ وَذِكْرُهُ خَالِدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، تَهْتِفُ بِهِ أَعْوَادُ المَنَابِرِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَخْلَدَ ذِكْرَهُ إِذَا قَالَ فِي الخَمْسِ المُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو العَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
عِبَادَ اللهِ، وَمَعَ مَكَانَتِهِ العَالِيَةِ وَمَنْزِلَتِهِ الرَّفِيعَةِ وَأَخْلاَقِهِ الحَمِيدَةِ وَفَضَائِلِهِ العَظِيمَةِ التِي زَكَّاهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ وَأَثْبَتَهَا لَهُ قَبْلَ النَّاسِ وَشَهِدَ بِهَا عُقَلاَءُ البَشَرِ وَمُثَقَّفُوهُمْ حَتَّى مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَهْلِ الكُفْرِ وَالمِلَلِ الأُخْرَى قَبْلَ البِعْثَةِ وَبَعْدَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ مِنَ السُّخْرِيَةِ وَالأَذَى وَالاعْتِدَاءِ وَالشَّتْمِ وَالتَّنَقُّصِ وَالتَّهَكُّمِ منْذُ بِعْثَتِهِ وَإِلَى هَذِهِ الأَيَّامِ، شَأْنُهُ شَأْن إِخْوَانِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ الذِينَ كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ تَعَالَى، وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ حِينَ قَالَ: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون
وَلاَ يَزَالُ مُسَلْسَلُ الفِرَى وَالأَكَاذِيبِ وَتَلْفِيقِ التُّهَمِ بِجَنَابِ النَّبِيِّ وَالاسْتِهْزَاءُ بِهِ مُسْتَمِرًّا، مِنْذُ بَدَأَهُ الكُفَّارُ وَالمُشْرِكُونَ إِبَّانَ البِعْثَةِ وَإِلَى يومناهذا؛ وَصَفُوهُ بِالجُنُونِ وَالسِّحْرِ وَالكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ، وَلَمَزُوهُ فِي عِرْضِهِ، وَغَمَزُوهُ فِي أَهْلِهِ وَنَفْسِهِ، وَأَغْرَوا بِهِ السُّفَهَاءَ يَسُبُّونَهُ وَيُؤْذُونَهُ وَيَنَالُونَ مِنْ عِرْضِهِ وَحُقُوقِهِ، وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا مِنْ قَتْلِهِ وَالتَّنْكِيلِ بِهِ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ. أيَهزَؤون برسول ربِّ الأرض والسماوات؟! أيَهزؤون بسيّد البريّات؟! أيتطاوَلون على الرحمة المهداةِ؟! أيَنتقِصون النعمة المسداةَ؟! إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا[الأحزاب:57].
لَقد جاءَت تلك النفوسُ الباغيَة شيئًا إدًّا، يخرّ له الكون هدًّا، تبَّت لهم يدًا، وخسئوا أبدًا، يَستهزئون ويشتَفون، ويشهِّرون ولا يكتفون، ويتبجّحون بما ائتُفِك ولا يستحون، قال سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[التوبة:61]، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ[الكوثر:3].وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[المائدة:67]، إِنَّا كَفَينَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ[الحجر:95]،
وَهَذِهِ وُعُودٌ ثَابِتَةٌ صَادِقَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ وَخَلِيلِهِ أَن لاَّ يَضُرَّهُ المُسْتَهْزِئُونَ، وَأَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُمْ بِمَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ العُقُوبَةِ، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَهْدًا وَقِيلاً وَنُصْرَةً وَمَقْدِرَةً؟!
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "مِن سنّة الله أن من لم يتمكّن المؤمنون أن يعذِّبوه منَ الذين يؤذون الله ورسوله فإنّ الله سبحانه ينتقِم منه لرسوله ويكفِيه إيّاه، وكلّ من شانَأه وأبغضه وعاداه فإنّ الله يقطَع دابرَه ويمحَق عينَه وأثرَه".
ألا فلنعلم جميعا أن الله عزّ وجلّ ناصرٌ حبيبَه ومصطفاه وخليلَه ومجتباه، إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ
وَهَذَا هُوَ التَّأْرِيخُ بِعِبَرِهِ وَأَحْدَاثِهِ، وَهُوَ شَاهِدٌ لاَ يَكْذِبُ، فَإِنَّهُ مَا تَظَاهَرَ أَحَدٌ بِمُعَادَاةِ رَسُولِ الهُدَى وَالاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَهْلَكَهُ اللهُ تَعَالَى وَأَذَلَّهُ وَخَذَلَهُ وَأَمَاتَهُ شَرَّ مِيتَةٍ وَبَتَرَ نَسْلَهُ وَقَطَعَهُ.
أَينَ أَبُو لَهَبٍ وَأَبُو جَهْلٍ وَالوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةِ وَالعَاصِي بنُ وَائِلٍ وَصَنَادِيدُ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ الذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ فَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَنَاصَبُوهُ العِدَاءَ؟! وَأَينَ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالمُنَافِقُونَ الذِينَ حَارَبُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَطَعَنُوا فِي عِرْضِهِ وَأَهْلِهِ وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ وَدِينِهِ؟! بَلْ أَينَ الأَكَاسِرَةُ وَالقَيَاصِرَةُ وَأَعْدَاؤُهُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ؟! هَلْ بَقِي لَهُمْ نَسْلٌ وَعَقِبٌ وَذِكْرٌ؟! كَلاَّ وَاللهِ، لَقَدْ هَلَكُوا جَمِيعًا، وَقُتِلُوا شَرَّ قِتْلَةٍ، وَقَطَعَ اللهُ نَسْلَهُمْ، وَطَمَرَتْهُمُ الأَرْضُ، وَلَحِقَتْهُمُ اللَّعْنَةُ، وَبَاؤُوا بِثِقْلِ التَّبِعَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ، وَبَقِي ذِكْرُهُ عَلَمًا شَامِخًا، وَعَقِبُهُ مُتَتَابِعًا مَذْكُوَرًا، وَسِيرَتُهُ مَنْبَعًا ثَرًّا للمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكِينَ قَوْمٌ بُهْتٌ خَوَنَةٌ، نَقَضَةٌ للعُهُودِ، قَتَلَةٌ للأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَعْدَاءٌ للهِ تَعَالَى وَلِرُسُلِهِ وَدِينِهِ وَالمُؤْمِنِينَ، وَمَا فِي ذَلِكَ شَكٌّ وَلاَ رَيبٌ؛ فَقَدْ سَبُّوا اللهَ تَعَالَى سَبًّا قَبِيحًا، وَنَسَبُوا إِلَيهِ مِنَ الصِّفَاتِ القَبِيحَةِ مَا يَتَوَرَّعُ عَنْهُ عُقَلاَءُ البَشَرِ جَمِيعًا وَيُنَزَّهُون عَنْهُ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، وَحَارَبُوهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ وَآَذَوْهُمْ، وَرَمَوْهُمْ بِالنَّقَائِصِ وَالقَبَائِحِ، وَنَسَبُوا إِلَيهِم مِنَ البُهْتَانِ وَالفَوَاحِشِ مَا تَعُجُّ بِهِ كُتُبُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ المُحَرَّفَةِ التِي بِأَيدِيهِمْ؛ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا[المائدة:82]، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً[النساء:89].
وَقَدْ قَطَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ مِنْذُ بُعِثَ النَّبِيُّ وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى عَدَاوَةِ الإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ وَالرَّسُولِ مَا عَاشُوا، فِي حَمَلاَتٍ شَعْوَاءَ مُتَتَابِعَةٍ، لاَ يَنْتَهِي مُسَلْسَلُهَا مِنَ العِدَاءِ وَالحِقْدِ وَالاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ بِالرَّسُولِ وَالإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ بَينَ الفَينَةِ وَالأُخْرَى، عَبْرَ وَسَائِلِ إِعْلاَمِهِمْ المُخْتَلِفَةِ، عَلَى مَرْأَى العَالَمِ وَبَصَرِهِ، الذِي يَدَّعِي العَدَالَةَ، وَيُنَادِي بِالحَقُوقِ وَاحْتِرَامِ الأَدْيَانِ وَالشُّعُوبِ وَالحُرِيَّاتِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[آل عمران:118]، وَالتِي كَانَ مِنْ آَخِرِهَا مانبحت به أصوات الإفكِ والبهتان، من إظهارمشاهدوأفلام ومقاطع تنهدّ لها القَامة، وتتزلزل لها الهامَة فسخِروا من أعظم جَناب وأكرمِ من وطئَ الترابَ نبيّنا محمّد يَتَطَاوَلُونَ مِنْ خِلاَلِهَا عَلَى جَنَابِ المُصْطَفَى الرَّفِيعِ وَدِينِهِ الحَنِيفِ، بِطَرِيقَةٍ هَمَجِيَّةٍ قَبِيحَةٍ، تُؤَجِّجُ الفِتَنَ، وَتَزْرَعُ الكَرَاهِيَةَ، وَتُنَمِّي الأَحْقَادَ، وَتُذْكِي العَدَاوَةَ بَينَ الشُّعُوبِ، فِي وَقْتٍ يَتَأَجَّحُ فِيهِ العَالَمُ عَلَى فُوَّهَةِ بُرْكَانِ ثَوْرَةٍ تُوْشِكُ أَنْ تَنْفَجِرَ بَينَ عَشِيَّةٍ أَوْ ضُحَاهَا.
وَمَعَ اسْتِنْكَارِ المُسْلِمِينَ جَمِيعًا فِي العَالَمِ بِأَسْرِهِ لِهَذِهِ الهَجمَةِ الصَّلِيبِيَّةِ عَلَى المُصْطَفَى وَمُطَالَبَتِهِمْ بِمُعَاقَبَةِ أَهْلِهَا وَالاعْتِذَارِ لَهَاوعدم عرض هذه المشاهد إِلاَّ أَنَّ عُبَّادَ الصَّلِيبِ وَالطَّاغُوتِ يُصِرُّونَ عَلَى حِقْدِهِمْ، وَيَرْفُضُونَ قَاتَلَهُمْ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، وَشَتَّتَ شَمْلَهُمْ، وَأَدَالَ دَوْلَتَهُمْ، وَأَخَذَهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.
وَا أَسَفَاهُ ـ إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ ـ عَلَى المُسْلِمِينَ وَأَوْضَاعِهِمْ؛ أَكْثَرُ مِنْ مِلْيَارِ مُسْلِمٍ وَلَكِنَّهُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيلِ، تَكَالَبَتْ عَلَيهِمُ الأُمَمُ الكَافِرَةُ، وَانْتُزِعَتْ مِنْ صُدُورِ عَدُّوهِمُ المَهَابَةُ مِنْهُمْ، فَدِيسَتْ كَرَامَتُهُم، وَضُيِّعَتْ حُقُوقُهُمْ، وَسُلِبَتْ مُقَدَّسَاتُهُمْ، وَأُرِيقَتْ دِمَاؤُهُمْ، وَاحْتُلًَّتْ أَراضِيهِمْ، فِي زَمَنٍ حُفِظَتْ فِيهِ حُقُوقُ البَهَائِم وَصِينَتْ دِمَاءُ المُعْتَدِينَ وَأَمْوَالُهُمْ. قَبْلَ أَعْوَامٍ يُغْزَوْنَ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ، وَيُذْبَحُونَ عَلَى أَرْضِهِمْ وَفِي مَنَازِلِهِمْ، وَيُشَرَّدُونَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، وَقَبْلَ شُهُورٍ يُدَاسُ قُرْآنُهُمْ مَصْدَرُ عِزَّتِهِمْ وَدُسْتُورُ شَرِيعَتِهْم وَمَنْهَجُ حَيَاتِهِمْ، وَاليَوْمَ يُسَبُّ إِسْلاَمُهُمْ، وَيُعْتَدَى عَلَى عِرْضِ نَبِيِّهِمْ وَيُسَبُّ وَيُسْخَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى مَاذَا سَتَكُونُ الدَّائِرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَنَحْنُ نَرَى بَعْضَ المُنْتَسِبِينَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَهُمْ يُوَالُونَ المُعْتَدِينَ، وَيَطْلُبُونَ رِضَاهُمْ، وَيَخْطُبُونَ وُدَّهُمْ، وَبَعْضُهُمْ صَامِتٌ لاَ يَنْطِقُ وَكَأَنَّ الأَمْرَ لاَ يَعْنِيهِ، لاَ يَتَمَعَّرُ وَجْهُهُ غَضْبَةً للهِ وَلِرَسُولِهِ وَدِينِهِ، بَلْ لاَ يُفَكِّرُ أَصْلاً فِي الاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَعْدَاءِ دِينِهِ وَرَسُولِهِ وَمُقَاطَعَتِهِمْ، وَلَكَ أَنْ تُرَدِّدَ بِمِلْءِ فِيكَ أَسَفًا وَحُزْنًا عَلَى أَحْوَالِ المُسْلِمِينَ:
وَلَوْ كَانَ الخطأمن المُسْلِمُينَ لَسَارَعُوا بِالاعْتِذَارِ قَبْلَ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُمْ، وَلَقَدَّمُوا الصَّدَقَاتِ وَالتَّنَازُلاَتِ، وَقَرَّبُوا القَرَابِينَ، وَلَدُكَّتْ أَرْضُهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَوَاللهِ مَا جَرَّأَ أَعْدَاءَ الأُمَّةِ عَلَى المُسْلِمِينَ إِلاَّ صَمْتُهُمْ وَتَخَاذُلُهُمْ عَنْ نُصْرَةِ دِينِهِمْ وَقَضَايَاهُمْ وَالدِّفَاعِ عَنْ حُقُوقِهِمْ، وَلَكَمْ تَذِلُّ بِصَمْتِهَا اَلأَجْيَالُ وَالأَوْطَانُ. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيّد المرسلين، وجعلنا من أنصاره الغالبين، الذّابّين عن سنّته، المفدّين لها بالأنفس والأموال والبنين، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافّة المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه كان غفورا رحيمًا.



الحمد لله الذي أسبغ علينا نِعمًا عِدادًا، وبعث فينا سراجًا وقَّادًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبد الله ورسوله أعظم البريّة قدرًا وشرفًا، وأرأفهم فؤادًا، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الذين عزّروه ووقّروه وأمضوا في محبّته أرواحًا وأجسادًا، وكانوا في نصرته ضَراغمَ وآسادًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، وأطيعوه، وتوبوا إليه واستَغفروه، ونافِحوا عن حياض الحبيب المجتبى، وكونوا خيرَ من شفى في ذلك وكفَى، وحقِّقوا النصرةَ والوفا في الذبِّ عن جناب النبي المصطفى.
أيها الإخوة الأحبة في الله، وما تخوضه الأمّةُ من قمع الإساءةِ لنبيِّها فلِما أوجبه الله عز وجل من تعزيره وحبِّه وتوقيره وحمايته من كلّ مؤذٍ وشاني، ومِن المتقرِّر أنَّ المولى الحقّ سبحانه قد أغناه عن نصرةِ الخلق، ولكن وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ[الحديد:25].ولنامع هذاالحدث هذه الوقفات
أولا (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) إن التهاون في الذبّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته هو من الخذلان الذي يدل على ضعف الإيمان أو زواله بالكلية، فمن ادعى الحب ولم تظهر عليه أثار الغيرة على حرمته وعرضه وسنته فهو كاذب في دعواه.
وثانيا: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) حينما سُخر بالمصطفى صل الله عليه وسلم ونِيلَ من عرضه تميز الدعاة من الأدعياء (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).فأين المعممين وأين العلمانين من إنكارهم
وثالثًا: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) إن هذه الهجمة القذرة على نبينا صلى الله عليه وسلم وإن ألهبت مشاعرنا، فإن في طياتها منحا وخيرا،
ورابعًا: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا) إن المؤمن كيس فطن وليس بالخب ولا الخب يخدعه وإن بعض المشاهدمماعرض لم يكتب لها الذيوع والانتشار لولا أن فئة تنقله وتنشره،
وخامسًا: إن هذا الفعل المشين والحدث الآثم قد ولَّد عند المسلمين مواقف مشرفة تُذكي عزّةَ المسلمين ووَحدتهم، وتعزِّز مكانَتَهم وهيبتهم ولتدرِكوا ـ يا أحباب رسول الله رعاكم الله ـ أن نصرةَ رسول الله ليست في زعومٍ ودعاوى تُنشر، ولا عواطفَ وانفعالات تُبّثّ وتُنثر فحسب، كلاّ، فلن يغنِيَنا صَفّ الحروف إذا لم ننكِر بسنّته المنكرَ ونعرف المعروف. إنّ نصرته الحقيقيّة في اتِّباع هديه وسنته عليه الصلاة والسلام واقتفاء سَنَنه ومحجّته وعَدم مخالفته.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن من أزكى أعمالكم عند مليككم وأرجاها عند بارئكم ذبّكم عن جناب حبيبكم بكثرة صلاتكم وسلامكم على نبيكم محمد ، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولا كريما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56]. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِِكَ وَرَسُوْلِكَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُم بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.اللهم يا حي يا قيوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا جبار السموات والأرض، يا سريع الانتقام، اللهم أرنا فيمن أساء لنبيّك عجائب قدرتك وصنعِك، اللهم شلّ أيديهم وألسنتهم، وأعم بصيرتهم وأبصارهم، اللهم اجعلهم عبرة للعالمين، اللهم يا من له العزة والجلال، ويا من له القدرة والكمال، ويا من هو الكبير المتعال، اللهم لا تبقِ لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم أنت بهم عليم وعليهم قديراللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدِّين. واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرا لشعوبهم وأوطانهم ورحمة على من وليتهم عليهم اللهم ربنا انصر جندك في كل مكان اللهمَّ عجِّل بالفَرَج والنَّصر والتَّمكين، لإخواننا المستضعفين، في كل مكانٍ يا ربَّ العالمين. وخص منهم إخواننافي أرض الشام ياحي ياقيوم اللهم اشف صدورنابانتصارهم وهلاك أعدائهم اللهمَّ رُدَّ كَيْدَ الكائدين، ومكر الماكرين، وإفساد المفسدين، ربناتقبل مناإنك أنت السميع العليم وتب عليناإنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتناوزوجاتنا ولجميع المسلمين الأحياءمنهم والميتين رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ عباد الله:
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه وفضله يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون