أيام عشر ذي الحجة الفاضلة
محمد سعيد صديق
1433/11/25 - 2012/10/11 20:54PM
:(الخطبة الأولى العنوان/أيام عشر ذي الحجة الفاضلة
الحمدُ لله رب العالمين ، منَّ على عباده بمواسم الخيرات ليغفر لهم الذُّنُوبَ وَالسَّيِّئَات ، ويجزل لهم العطايا وَالهِبات ، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
أما بعد، فيا عبادَ الله: اعلموا أن أصدقَ الحديثِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
أيها المسلمون، إِنَّ الأَيَّامَ تَمْضِي وَالسِّنِينَ تَتَوَالَى , وَالرَّابِحُ هُوَ مَنِ اغْتَنَمَهَا فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَالْمُفْرِّطُ مَنْ تَوَانَى وَتَكَاسَلَ حَتَّى ذَهَبَ عُمُرُهُ , وَتَفَلَّتَ وَقْتُهُ , وَلَمْ يَسْتَغِلَّ أَيَّامَهُ , وَلَمْ يَسْتَفِدْ مِنْ بَقَائِهِ فِي الدُّنيا , قَالَ اللهُ تَعَالَى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ , كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون). فَالإِنْسَانُ الْمُفَرِّطُ يَتَمَنَّى الرُّجُوعَ لِلدُنيَا لا لِيُعَمِّرَ الأَرَاضِيَ أَوْ لِيَبْنِيَ الْقُصُورَ أَوِ لِيَسْكُنَ فِي الدُّورِ أَوْ لِيَجْمَعَ الأَمْوَالَ ! لا وَاللهِ ! بَلْ يُرِيدُ الدَّنْيَا لِيَعْمَلَ الصَّالِحَاتِ , وَيَتْرُكَ السَّيِّئَاتِ , وَيَتَقَرَّبَ إِلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَات! عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : قَدِ اقْتَرَبَ مِنَّا مَوْسِمٌ عَظِيمٌ , وَأَيَّامٌ فَاضِلَةٌ , وَأَوْقَاتٌ مُبَارَكةٌ ! مَنْ أَدْرَكَهَا فَقَدْ تَفَضَّلَ اللهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ جَدِيدَةٍ , وَمِنَّةٍ أَكْيدَةٍ , وَشُكْرُ النِّعَمِ يَكُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِح !
إِنَّهَا أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ !!! إِنَّهَا الأَيَّامُ التِي هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ عَلَى الإِطْلاقِ , إِنَّهَا الأَيَّام التِي يَجْتَمِعُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ مَا لا يَكُونُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الأَوْقَاتِ ! عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلك بشيء) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا ، قَالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله وَلا أَحَبُ إِلَيْهِ فِيهِنَّ الْعَمَلُ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ : عَشْرِ ذِي الحِجَّة - أَوْ قَالَ : الْعَشْرِ - فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ من التَّهْلِيلِ والتسبيحِ , وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ.
أيها المسلم، إن إدراك عشر ذي الحجة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يَقْدُرُها حقَّ قدرها الصالحون المشَمِّرون، وإن واجب المسلم استشعارُ هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشرَ بمزيد عناية وأن يجاهد نفسه بالطاعة.
وإن من فضل الله على عباده كثرة طرق الخير وتنوع سبل الطاعات ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازمًا لطاعة ربه وعبادته.
ايها الأحبة في الله، عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها وعظم قدرها وحث رسوله صلى الله عليه وسلم على العمل فيها لها وظائف وأعمال، ومن تلكم الأعمال والوظائف:
الصيام، فيسنُ للمسلم أن يصومَ تسعَ ذي الحجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها، والصيامُ من أفضل الأعمال الصالحة، وقد ورد ما يدل على صيامها من حديث هُنَيدَة بنِ خالدٍ عن امرأته قالت: حدثتني بعضُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومُ عاشوراءَ وتسعًا من ذي الحجة وثلاثةَ أيام من كل شهر. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني. وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) [رواه مسلم].
ومن الأعمال والوظائف في هذه العشر: التكبيرُ والتهليلُ، يَجهرُ به الرجال، والمرأةُ تخفضُ به صوتها، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَل فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) أخرجه أحمد والطبراني.
قال البخاري رحمه الله: "وكان عمرُ يكبرُ في قبته بمنى فيسمعه أهلُ المسجد فيكبرونَ ويكبرُ أهلُ الأسواقِ حتى ترتج منى تكبيرًا، وقال: "وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما" اهـ.
والتكبيرُ نوعان: مطلق ومقيد، فالمطلق في سائر الوقت من أول العشر إلى آخر أيام التشريق، والمقيد أي: المقيد بأدبار الصلوات، ويبدأ من فجر يوم عرفة لغير الحاج إلى آخر أيام التشريق مقيدًا بأدبار الصلوات, أما الحاجُ فيبدأ من حين يرمي جمرةَ العقبة يوم العيد. وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع وفعلُ الصحابة رضي الله عنهم. وصيغ التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا)، (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. فحريٌ بنا أن نحيي هذه السنة التي هجرت في هذه الأيام، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير بخلاف ما كان عليه السلف الصالح، تكبِّر في المسجد وفي بيتك وفي السوق وفي طريقك، وذكِّر به أهلك، وعوِّد أولادك على ذلك.
ومن الأعمال والوظائف في هذه العشر التقربُ إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، وهي سنه مؤكدة في أصح قولي العلماء، وتتأكدُ في حق القادر عليها ومَنْ عنده سعة من المال، وليست واجبة, ولا بأس من الاقتراض إن كان قادرًا على الوفاء، فينبغي للمسلم المستطيع القادر أن لا يفرط فيها، لقول أَنَسٍ رضي الله عنه: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ. وقال ابنُ القيم رحمه الله:"ولم يكن يدعُ الأضحية" اهـ.
فليحرص المسلم عليها لأن فيها امتثال أمر الله جل وعلا بذبح القربان على اسمه وحده لا شريك له، وإحياءً لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها التوسعة على الأهل والعيال والفقراء والمساكين يوم العيد، وفيها من الحكم العظيمة ما لا يخفى على ذي بصيرة.
أيها المسلمون، وهناك تنبيه مهم وهو أنه إذا دخلَ عشرُ ذي الحجة فيحرمُ على من أرادَ أن يضحي أن يأخذَ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئًا حتى يضحي يوم العيد، وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذ قبل النية، وذلك لما روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)،وفي رواية له: (فلا يأخذنَّ شعرًا ولا يقلمنَّ ظفرًا)..
وهذا النهي خاصٌ بصاحب الأضحية لا المُضحَّى عنه من زوجةٍ وأولادٍ فلا يعمهم النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحّي عن أهل بيته ولم يُنقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك، وكذا من توكَّلَ عن شخص فإنه لا يَحرُمُ عليه الأخذ، بل هو خاص بالموكِّل لا الوكيل، ومن أخذَ شيئًا من أظفاره أو أبشاره أو شعره معذورًا فلا شيء عليه كالناسي والذي به أذى في شعره أو ظفره، أما العامد فهو آثمٌ ولا كفارةَ عليه، بل عليه التوبة والاستغفار. ومن كان عند الميقات يريد الإحرام وهو سيضحي فإنه لا يأخذُ شيئًا من شعره وأظفاره، وأما عند تحلله من العمرة والحج فإنه يأخذ من شعره فقط لأنه نسك من أنساك العمرة.
باركَ اللهُ لي ولكم في القُرْآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكُم بما فيهِ من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائِرِ المسلمينَ من كُلِّ ذنبٍ، فاستغفِرُوه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيها المسلمون، ومن الأعمال والوظائف في هذه العشر الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا؛ لأن العمل الصالح محبب إلى لله تعالى في كل زمان ومكان، ويتأكد في هذه الأيام المباركة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ)،وهذا يعني فضل العمل فيها وعظيم ثوابه ، فعلى المسلم أن يعمر وقته في هذه العشر بالإكثار من الطاعات: قراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة.
ومن الأعمال الصالحة الصلاة، فيستحب التبكير إلى الفرائض والمسارعة إلى الصف الأول والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات، عن ابنِ مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال:(الصلاة على وقتها)،قلت:ثم أي؟قال: (بر الوالدين)، قلت: ثم أي؟ قال:(الجهاد في سبيل الله) متفق عليه، وعن ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة)) رواه مسلم.
وإن من أفضل ما يعمل في هذه العشر المباركة حج بيت الله الحرام، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب إن شاء الله من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فبادر ــــ أيها المسلم ــــ إلى اغتنام هذه الأيام الفاضلة المباركة بالأعمال الصالحة وكثرة الاجتهاد، وتب إلى الله من تضييع الأوقات، واعلم أن الحرص على العمل الصالح في هذه الأيام المباركة هو في الحقيقة مسارعةٌ إلى الخير ودليل على التقوى، قال تعالى:(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
نسأل الله عز وجل أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، وأن يوفقنا لعمل الصالحات، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم ربكم بذلك فقال عز من قائل : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ). وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً)) رواه مسلم.
اللهمّ صلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد...
الحمدُ لله رب العالمين ، منَّ على عباده بمواسم الخيرات ليغفر لهم الذُّنُوبَ وَالسَّيِّئَات ، ويجزل لهم العطايا وَالهِبات ، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
أما بعد، فيا عبادَ الله: اعلموا أن أصدقَ الحديثِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
أيها المسلمون، إِنَّ الأَيَّامَ تَمْضِي وَالسِّنِينَ تَتَوَالَى , وَالرَّابِحُ هُوَ مَنِ اغْتَنَمَهَا فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَالْمُفْرِّطُ مَنْ تَوَانَى وَتَكَاسَلَ حَتَّى ذَهَبَ عُمُرُهُ , وَتَفَلَّتَ وَقْتُهُ , وَلَمْ يَسْتَغِلَّ أَيَّامَهُ , وَلَمْ يَسْتَفِدْ مِنْ بَقَائِهِ فِي الدُّنيا , قَالَ اللهُ تَعَالَى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ , كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون). فَالإِنْسَانُ الْمُفَرِّطُ يَتَمَنَّى الرُّجُوعَ لِلدُنيَا لا لِيُعَمِّرَ الأَرَاضِيَ أَوْ لِيَبْنِيَ الْقُصُورَ أَوِ لِيَسْكُنَ فِي الدُّورِ أَوْ لِيَجْمَعَ الأَمْوَالَ ! لا وَاللهِ ! بَلْ يُرِيدُ الدَّنْيَا لِيَعْمَلَ الصَّالِحَاتِ , وَيَتْرُكَ السَّيِّئَاتِ , وَيَتَقَرَّبَ إِلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَات! عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : قَدِ اقْتَرَبَ مِنَّا مَوْسِمٌ عَظِيمٌ , وَأَيَّامٌ فَاضِلَةٌ , وَأَوْقَاتٌ مُبَارَكةٌ ! مَنْ أَدْرَكَهَا فَقَدْ تَفَضَّلَ اللهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ جَدِيدَةٍ , وَمِنَّةٍ أَكْيدَةٍ , وَشُكْرُ النِّعَمِ يَكُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِح !
إِنَّهَا أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ !!! إِنَّهَا الأَيَّامُ التِي هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ عَلَى الإِطْلاقِ , إِنَّهَا الأَيَّام التِي يَجْتَمِعُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ مَا لا يَكُونُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الأَوْقَاتِ ! عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلك بشيء) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا ، قَالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله وَلا أَحَبُ إِلَيْهِ فِيهِنَّ الْعَمَلُ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ : عَشْرِ ذِي الحِجَّة - أَوْ قَالَ : الْعَشْرِ - فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ من التَّهْلِيلِ والتسبيحِ , وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ.
أيها المسلم، إن إدراك عشر ذي الحجة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يَقْدُرُها حقَّ قدرها الصالحون المشَمِّرون، وإن واجب المسلم استشعارُ هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشرَ بمزيد عناية وأن يجاهد نفسه بالطاعة.
وإن من فضل الله على عباده كثرة طرق الخير وتنوع سبل الطاعات ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازمًا لطاعة ربه وعبادته.
ايها الأحبة في الله، عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها وعظم قدرها وحث رسوله صلى الله عليه وسلم على العمل فيها لها وظائف وأعمال، ومن تلكم الأعمال والوظائف:
الصيام، فيسنُ للمسلم أن يصومَ تسعَ ذي الحجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها، والصيامُ من أفضل الأعمال الصالحة، وقد ورد ما يدل على صيامها من حديث هُنَيدَة بنِ خالدٍ عن امرأته قالت: حدثتني بعضُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومُ عاشوراءَ وتسعًا من ذي الحجة وثلاثةَ أيام من كل شهر. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني. وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) [رواه مسلم].
ومن الأعمال والوظائف في هذه العشر: التكبيرُ والتهليلُ، يَجهرُ به الرجال، والمرأةُ تخفضُ به صوتها، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَل فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) أخرجه أحمد والطبراني.
قال البخاري رحمه الله: "وكان عمرُ يكبرُ في قبته بمنى فيسمعه أهلُ المسجد فيكبرونَ ويكبرُ أهلُ الأسواقِ حتى ترتج منى تكبيرًا، وقال: "وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما" اهـ.
والتكبيرُ نوعان: مطلق ومقيد، فالمطلق في سائر الوقت من أول العشر إلى آخر أيام التشريق، والمقيد أي: المقيد بأدبار الصلوات، ويبدأ من فجر يوم عرفة لغير الحاج إلى آخر أيام التشريق مقيدًا بأدبار الصلوات, أما الحاجُ فيبدأ من حين يرمي جمرةَ العقبة يوم العيد. وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع وفعلُ الصحابة رضي الله عنهم. وصيغ التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا)، (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. فحريٌ بنا أن نحيي هذه السنة التي هجرت في هذه الأيام، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير بخلاف ما كان عليه السلف الصالح، تكبِّر في المسجد وفي بيتك وفي السوق وفي طريقك، وذكِّر به أهلك، وعوِّد أولادك على ذلك.
ومن الأعمال والوظائف في هذه العشر التقربُ إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، وهي سنه مؤكدة في أصح قولي العلماء، وتتأكدُ في حق القادر عليها ومَنْ عنده سعة من المال، وليست واجبة, ولا بأس من الاقتراض إن كان قادرًا على الوفاء، فينبغي للمسلم المستطيع القادر أن لا يفرط فيها، لقول أَنَسٍ رضي الله عنه: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ. وقال ابنُ القيم رحمه الله:"ولم يكن يدعُ الأضحية" اهـ.
فليحرص المسلم عليها لأن فيها امتثال أمر الله جل وعلا بذبح القربان على اسمه وحده لا شريك له، وإحياءً لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها التوسعة على الأهل والعيال والفقراء والمساكين يوم العيد، وفيها من الحكم العظيمة ما لا يخفى على ذي بصيرة.
أيها المسلمون، وهناك تنبيه مهم وهو أنه إذا دخلَ عشرُ ذي الحجة فيحرمُ على من أرادَ أن يضحي أن يأخذَ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئًا حتى يضحي يوم العيد، وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذ قبل النية، وذلك لما روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)،وفي رواية له: (فلا يأخذنَّ شعرًا ولا يقلمنَّ ظفرًا)..
وهذا النهي خاصٌ بصاحب الأضحية لا المُضحَّى عنه من زوجةٍ وأولادٍ فلا يعمهم النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحّي عن أهل بيته ولم يُنقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك، وكذا من توكَّلَ عن شخص فإنه لا يَحرُمُ عليه الأخذ، بل هو خاص بالموكِّل لا الوكيل، ومن أخذَ شيئًا من أظفاره أو أبشاره أو شعره معذورًا فلا شيء عليه كالناسي والذي به أذى في شعره أو ظفره، أما العامد فهو آثمٌ ولا كفارةَ عليه، بل عليه التوبة والاستغفار. ومن كان عند الميقات يريد الإحرام وهو سيضحي فإنه لا يأخذُ شيئًا من شعره وأظفاره، وأما عند تحلله من العمرة والحج فإنه يأخذ من شعره فقط لأنه نسك من أنساك العمرة.
باركَ اللهُ لي ولكم في القُرْآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكُم بما فيهِ من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائِرِ المسلمينَ من كُلِّ ذنبٍ، فاستغفِرُوه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيها المسلمون، ومن الأعمال والوظائف في هذه العشر الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا؛ لأن العمل الصالح محبب إلى لله تعالى في كل زمان ومكان، ويتأكد في هذه الأيام المباركة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ)،وهذا يعني فضل العمل فيها وعظيم ثوابه ، فعلى المسلم أن يعمر وقته في هذه العشر بالإكثار من الطاعات: قراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة.
ومن الأعمال الصالحة الصلاة، فيستحب التبكير إلى الفرائض والمسارعة إلى الصف الأول والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات، عن ابنِ مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال:(الصلاة على وقتها)،قلت:ثم أي؟قال: (بر الوالدين)، قلت: ثم أي؟ قال:(الجهاد في سبيل الله) متفق عليه، وعن ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة)) رواه مسلم.
وإن من أفضل ما يعمل في هذه العشر المباركة حج بيت الله الحرام، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب إن شاء الله من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فبادر ــــ أيها المسلم ــــ إلى اغتنام هذه الأيام الفاضلة المباركة بالأعمال الصالحة وكثرة الاجتهاد، وتب إلى الله من تضييع الأوقات، واعلم أن الحرص على العمل الصالح في هذه الأيام المباركة هو في الحقيقة مسارعةٌ إلى الخير ودليل على التقوى، قال تعالى:(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
نسأل الله عز وجل أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، وأن يوفقنا لعمل الصالحات، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم ربكم بذلك فقال عز من قائل : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ). وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً)) رواه مسلم.
اللهمّ صلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد...
المشاهدات 2736 | التعليقات 2
جزاكم الله خير
عرجان عرجان
جزاكم الله خير
تعديل التعليق