أيام التشريق أيام ذكر لله مستفادة من خطبة الشيخ د. محمد جمعه الحلبوسي

محمد سعيد صديق
1444/12/12 - 2023/06/30 02:14AM


الخطبة الأولى   العنوان/  أيام التشريق أيام ذكر لله تعالى

إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

عِبَادَ اللَّهِ: نقف اليـــوم مع ذكر الله تعالى؛ لأننا نعيش في أيـــام أخبرنا عنها ربنا جل وعلا، ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أنها أيام ذكـــــــر لله تعالى؛ فقال سبحانه:(وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)؛ قال أهــــــــل التفسيـر: الأيام المعدودات: هي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم:"أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله". وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر (الحادي عشر من شهر ذي الحجة، والثاني عشر، والثالث عشر)، وسبب التسمية بأيام التشريق؛ لأن الناس كانوا يُشرِّقون فيها لحوم الأضاحي؛ أي: يملِّحونها ويعرضونها للشمس؛ لحفظها من الفساد.

أيها المسلمون: لو نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم وحالهم مع ذكر الله، لَوجدنا الكثير منهم يمسي ويصبح غافلًا، يقضي ليله ونهاره في الحديث عن الدنيا، أصبح أكثرنا غافلين عن ذكر الله، ذاكرين للدنيا.

تُرى كم في دنيا اليوم من لسان ناطق يُحسن الحديث في كل شيء إلا في ذكر الله وما والاه! وكم من قلوب تنبِض بالحياة وهي خاوية على عروشها، قد علاها غبار الغفلة، وعشعشت في زواياها عناكب القسوة! وكم من أجساد تدِب على الأرض وهي إلى الموات أقرب.

هل تدرون أن الكون كله يُسبِّح؟ الطير في الهواء، والحوت في الماء، النملة في جحرها، الدواب والشجر، الجبال والحجر، الهواء والماء، الأرض والسماء؛ ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ).

يونس عليه السلام عندما ابتلعه الحوت وأصبـــــــــــح في ظلمات ثلاث، سمع صوت تسبيح الأسمـاك، فلما سمع الأسماك تسبح أخذ يلهَج بذكـــــــــر الله؛ (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فاستجاب الله تعالى له، لمَّا تعلق قلبه به، وصار لسانه يلهَج بذكره؛ (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). فذكرُه لله قبل أن يقع في بطن الحوت هو الذي نجَّاه من بطن الحوت.

ولقد وصف نبينا صلى الله عليه وسلم الذي يذكر ربه بالحي، والذي لا يذكر ربه بالميت؛ فقال:" مَثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر، مَثَلُ الحى والميت"، وقال ابن تيمية رحمه الله:( الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟). فالذكر للمؤمن كالماء للسمك، فإذا كان السمك لا يعيش بلا ماء، فكيف يعيش المؤمن بلا ذكرٍ لله؟

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ: عبادَ الله، لقد كان سلفنا الصالح، يذكرون الله كثيرًا؛ فهذا أبو هريرة رضي الله عنه كان له خيط فيه ألف عقدة، فلا ينام حتى يسبح به، وكان خالد بن معدان يسبح كل يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلما مات وُضع على سريره ليُغسَّل، فجعل يشير بأصبعه يحركها بالتسبيح.

بل كان الصالحون من هذه الأمة يعلِّمون أبناءهم أن يذكروا الله، ويشجعونهم على المحافظة والاستمرار عليه.

يقول أحد السلف: إذا انكشف الغطاء للناس يوم القيامة عن ثواب أعمالهم لم يَرَوا عملًا أفضل ثوابًا من الذكر، فيتحسر عند ذلك أقوام فيقولون: ما كان شيء أيسر علينا من الذكر.

فعلى الواحد منا أن يُكْثِرَ من ذكر الله، وأن يحرص على أذكار الصباح والمساء، فبها يحفظنا الله من شرور الدنيا وأهوال يوم القيامة، وعلينا الأخذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه بعد أن أخذ بيده وقال له:" يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك "، فقال:" أوصيك يا معاذ، لا تدعَنَّ في دُبُرِ كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك ".

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ولا تجعلنا من الغافلين.

هذا، وصلُّوا وسلِّموا على منْ أمَرَكُم اللهُ بذلكَ، فقالَ جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)....

المشاهدات 1112 | التعليقات 0