أياما معدودة

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1445/08/26 - 2024/03/07 14:51PM

الحمد لله ذي المن والعطاء، المتفرد بالألوهية والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسمع النداء ويجيب الدعاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام ولبى النداء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين واحمدوا الله على دوام النعم واستمرار العطاء.

أتدرون أي يوم هذا ؟ إنه يوم الجمعة وسيأتي من بعده يوم السبت ، ومن بعد السبت سيأتي الأحد .. وسيأتي من بعد الأحد يوم الإثنين  .. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ماأنكم تنطقون فهل في ذلك قسم لذي حجر

إن يوم الاثنين يوم يتكرر في كل أسبوع على مدار الحياة ، وليس في ذلك من جديد وكل مافي الأمر أنه يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله فكان رسول الله ( ص ) يصومه .. لكنه هذه المرة سيكون مميزا لأنه اليوم الذي ستدلف فيه الأمة إلى عالم الجنان وبركات الرحمن .. إنه اليوم الذي تشرق فيه شمس الخيرات وتضيء فيه أنوار المرحمة .. إنه اليوم الذي تفتح فيه مدرسة الثلاثين أبوابها في دورة إيمانية تنقل المسلم من عالم الشقاء إلى عالم النقاء ، ومن عالم الارتكاس بالدنيا إلى عالم الارتقاء وتنتهي بأجمل نهاية هي التقوى

إنها أيام معدودات يلجها المسلم الحق بسلاح الصبر والمجاهدة ونفسه تتطلع للنهاية المفرحة حيث المغفرة والرضوان والفوز بالجنان

هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ بَدَأَتْ تَهُلُّ نَفَحَاتُهُ، وَصِرْنَا نَسْتَمِعُ صوت خُطُوَاتِهِ ُ، وَهَا أَنْتَ تدركه حيا ً وَغَيْرُكَ فِي بُطُونِ القُبُورِ! وَمُعَافَىً وَغَيْرُكَ من الآلام يَئِنُّ ، وللصلاة والصيام يحن ، تدركه آمنا مطمئنا وغيرك يدركه وقد تخطفه قريب يتجهمه وعدو يهاجمه فَمَاذَا تَنْتَظِرُ؟

أياما معدودات : هكذا قال عنها ربنا ، ولم يقل ( شهرا كاملا ) لأنها أيام جميلة خفيفة سريعة الانقضاء ، فمتى هلّ فاعتبره قد زل ، ولاتثقل إيامه إلا على الذين يريدون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا

أياما معدودات : من صامها وقامها إيمانا غفر له ماتقدم من ذنبه ، وفيها ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم

أياما معدودات : تشعر بسرعة الانقضاء وقرب الرحيل، فلا داعي لاستثقال لحظاته، بل الواجب علينا أن نعيش طاعة الوقت من صلاة وصيام وقيام وتلاوة للقرآن. وكما قالوا كيف يفرح بالدنيا يومه يهدم شهره وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره وعمره يقوده إلى أجله وحياته تقوده إلى موته.

أياما معدودات : هي أنفس أيام أعماركم وأجمل لحظات حياتكم فاستقبلوها بالفرح بنعمة الله وبالعزم على خوض السباق للجنات ولاتكونوا ممن يتبع نفسها هواها ويتمنى على الله الأماني .. يخوض الصراع في ساحات الأسواق والمطاعم وسلاحه الطحين والعجين وغنيمته مأكولات وأفلام ومسلسلات وفي النهاية ( رغم أنف امريء أدركه رمضان فلم يغفر له )

أياما معدودات : فكونوا ممن يخوض غمار المجاهدة في رمضان من المساجد والمعتكف وبيد تمسك مصحفا وبأخرى تنفق على مسكين .. يتقلب مابين صيام وصلاة وذكر وقراءة قرآن وتزاور وصلة للأرحام ويتنقل من عبادة إلى أخرى لأنه يؤمن بقول خالقه ( فإذا فرغت فانصب ) ويحقق قول بارئه( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ...

أياما معدودات : فكونوا ممن يتسامون بأسماعهم وأبصارهم من أن تتلوث بسماع الغناء وتتدنس برؤية الأفلام والمسلسلات الخادشة للحياء الهادمة للفضيلة تعرضها قنوات مفسدة حوت منكرا من القول وزورا ..أخذت على عاتقها إفساد روحانية رمضان وإشغال المسلمين عن القرآن وحرمانهم من أسباب التوبة والغفران .. فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويرجو لقاء ربه فليجنب بيته وأهله تلك القنوات التي لاتنبت إلا تربية على التمرد والتخلي عن المباديء الفاضلة والتجرد من كل عفة وحياء ..

أياما معدودات : هي أيام عبادة وقرب وتقرب إلى الله وفرصة لرفع رصيد الحسنات وتقليل السيئات فاحذروا من فئة تريد أن تجرد رمضان من روحانيته وتسلبه غايته بنشر ثقافة العادات والطقوس والفعاليات والشكليات .. بتحويل رمضان إلى أيام لهو وغفلة وقسوة للقلوب بإشغال الصائمين بالفوانيس والألبسة الشعبية والألعاب ومايسمى بالقرقيعان وغيرها من وسائل صرف الناس عن روحانية رمضان

أياما معدودات : فاستعد له بإصلاح النية وتعلم أحكامه وتصفية القلوب من مكدرات الغل والحسد وادخل رمضان وقد فرّغت قلبك للانشغال به دون سواه. ((قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟، قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا: "صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب"، قال: "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد")) فلا تنم على وسادتك إلا وقد ارحت قلبك وسامحت جميع الخلق وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم

أياما معدودات : فخطط لاستثمارها وارسم برنامجا عباديا يجمع صلاة وصياما وتلاوة وإطعاما وذكرا وبرا ونفعا للآخرين وكل عمل تجد ثمرته يوم التغابن ، فأيام رمضان سَريعاتٍ عَجولاتٍ، يَنقضي فيها سَريعاً التَّعبُ والسَّهرُ، ويَعقِبُه بَعدَها الفوز والثَّوابُ وستجد كل نفس ماعملت من خير محضرا

أياما معدودات : فاحذروا فيها من لصوص رمضان السارقين روحانيته وفضله الهادمين منافعه وآثاره من قنوات مفسدة وأسواق نصب الشيطان فيها رايته تُهدر فيها الأموال وتضيع فيها الساعات وتُعرض الفتن .. وسهر يسرق الأوقات ويحرم من التهجد والاستغفار والتنافس في القربات ، وجوالات ووسائل تواصل تضيع في تتبعها أغلى الأوقات بتفاهات وغثاء وقيل وقال وأخبار وتحليلات وأمور لاتعني المسلم بشيء ومن حسن إسلام المرء تركه مالايعنيه

أقول هذا القول ....

 

الخطبة الثانية .. أما بعد :

أياما معدودات : وفيها مهم وأهم وواجب وأوجب ، وأن الله لايقبل نافلة حتى تؤدى فريضة وأن لله عملا بالليل لايقبله بالنهار وعملا بالنهار لايقبله بالليل ، فمن الجهالة أن ترى صائما لايصلي ، أو ترى ممتنعا عن الأكل والشرب ، منهمكا في أكل لحوم بني آدم ، وأن ترى صائما يخوض في اللغو والرفث فصيامَ شهرِ رمضانَ يَجِبُ أن يكون مُقْتَرناً بالحفاظ على سائر الفرائض والواجبات،  لا أن يكونَ.. سبباً لإضاعة الجُمعِ والجماعات، والتخلفٌ عن الفرائض والصلوات.   ولئن ثبتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» فما الظن إذاً بمن ضيع الصلواتِ؟!  وقد قال ربُنا {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الذين هم عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ

أياما معدودات : اجعل منها مشروعا لتوبة خَالِصَةً للهِ تَعَالَى، تُقْبِلُ فِيها عَلَى إعلان عِزِّكَ بِالهِدَايَةِ، وَتَمَيُّزِكَ بِالاِسْتِقَامَةِ، وَتُعْلِنَ فِيهَا رُجُوعَكَ إِلَى رَبِّكَ ومولاك، وَسُلُوكَكَ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ الذِي أَوَّلُهُ سَعَادَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَآخِرُهُ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضِ، وَيَكْفِيْكَ مَحَبَّةُ اللهِ لَكَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ

اجعل منها فرصة للتقرب إلى الله بإِغَاثَةُ الفُقَرَاءِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ وَالـمَسَاكِينِ، وَالقِيَامِ عَلَى رِعَايَتِهِمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَإِيصَالِ كُلِّ صَاحِبِ فَضْلٍ إِلَيْهِمْ، وَتَرْتِيبِ أَوْضَاعِهِمْ وَالقِيَامِ عَلَى خِدْمَتِهِمْ.

اجعل منها مشروعا للتخلص من العادات السيئة كالتدخين والسهر والفوضوية في الأوقات والعلاقات

زد رصيدك فيها بكل عمل صالح ، وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة واتق النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة

أياما معدودات : فمتى نفيق من غفوتنا وغفلتنا وإلا فالأيام تمر، والصحائف تطوى، والأعمال ترفع لرب العالمين، والناس في غفلاتهم وإنا لله وإنا إليه راجعون. فاعمل أيها الموحد في أيامك المعدودة قبل أن تقول يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، أو تنادى بأعلى صوتك تقول هل إلى مرد من سبيل

ماأجمل الهتاف النبوي ( إن في ايام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلايشقى بعدها أبدا

رباه بلغنا الصيام بشهره      رمضان لاحرمان فيه ولا سقم

تالله يارمضان عيشك طيب   سيزول بأس الضر ينزاح الألم

ونقوم ليلك في المساجد خشعا ونصوم قد زال البلاء ونبتسم

اللهم صلِّ وسلم على محمد

المشاهدات 1058 | التعليقات 0