( أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ )

مبارك العشوان
1437/11/01 - 2016/08/04 10:05AM
إنَّ الحمدَ للهِ…ورسولُه، أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ...مسلمون.
اتقوا أيُّها الناسُ ربَّكُم؛ وأصْلِحُوا لَهُ نِيَّاتِكُم وأعمَالَِكُم وأقوالِكُم تَأهَّبُوا رحمكمُ اللهُ لِرَحِيلِكُم وانتِقَالِكُم، فليسَ لأحَدٍ على هذهِ الدَّارِ بقاء: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }الرحمن26 { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }آل عمران 185 { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ }القصص 88 لا يُنْجِي مِنَ الموتِ فِرَارٌ، أو تَمْنَعُ مِنْهُ حُصُونٌ أو يقفُ أمَامَهُ جنودٌ، أو تُقبَلُ عنه فِدْيَةٌ: { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ... } { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ } { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } النساء 78 يخطِفُ الموتُ الشبابَ والشِّيبَ، والأصِحَّاءَ والمرضَى، يَأتِي بَغْتَةً، ولا يتأخَّرُ سَاعة.
ثمَّ بَعْدَ الموتِ: البَرْزَخ؛ بَعْدَهُ القبر؛ إمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجنةِ ـ جَعَلَهُ اللهُ عَلينا وعليكم كذلك ـ أو حُفْرَةٌ مِنَ حُفَرِ النارِـ أعَاذَنَا اللهُ وإيَّاكُم مِنَ النارـ
كَانَ عُثْمَانُ رضيَ اللهُ عنهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي؛ وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَـالَ: ( إِنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ ) أخرجه الترمذي، وحسن الألباني.
يُسْألُ الإنسَانُ في قَبْرِهِ: مَنْ رَبُّكَ ؟ وَمَا دِينُكَ ؟ ومَنْ نَبِيُّكَ ؟ وَجَلِيسُكَ أيُّها الإنسانُ في قَبْرِكَ عَمَلُكَ، فاجْتَهِدْ الآنَ غَايةَ جُهْدِكَ على هذا الجَلِيس.
بَعْدَ القبرِ ـ عِبَادَ الله ـ النَّفْخُ في الصُّورِ، والبعثُ مِنَ القُبُور، والحَشْرُ والحِسَابُ: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } الحج 1 ـ 2 . يَوْمٌ يَشِيبُ الوِلْدَانُ لَه، وتَخْشَعُ الأصْوَاتُ والأبْصَارُ فِيه: { خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ، مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } القمر 7 ـ 8. يَقِفُ النَّاسُ في صَعِيدٍ واحِد، وتُدنى الشَّمْسُ مِنَ الخَلائِقِ؛ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُم كَمِقَدارِ مِيْل، ويَعْرَقُونَ على قَدْرِ أعْمَالِهِم، فَمِنْهُم مَنْ يَأخُذُهُ العَرَقُ إلى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُم مَنْ يأخُذُهُ إلى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُم مَنْ يُلجِمُهُ إلجَاماً.
يَقِفُونَ للحِسَابِ، وَيُعْطَونَ صَحَائِفَ أعمَالِهِم: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً، وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً } الانشقاق7 ـ 12 تُوْزَنُ الأعْمَالُ: { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنـَا يَظْلِمُونَ } الأعراف 8 ـ 9 عبادَ الله: ثُمَّ الجِسْرُ، عَلى مَتْنِ جَهَنَّمَ: ( قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) رواه مسلم.
يَرِدُ عَلى الصِّرَاطِ الأولُونَ والآخِرُونَ، فَلا يُنَجَّى إلا أهْلُ التَّقْوى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }مريم 71ـ 72 كانَ أبُو مَيْسَرَةَ رحمهُ اللهُ إذا أوى إلى فِرَاشِهِ قال: يَا لَيْتَ أمِّي لم تَلِدْنِي، ثم يبكي، فقيلَ لهُ مَا يُبْكِيكَ يا أبا ميسرة ؟ فقالَ: أُخْبِرْنَا أنَّا وَارِدُوهَا ولم نُخْبَرْ أنَّا صَادِرُوْنَ عَنْهَا.
ألا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وأنْتُم مُسْلِمُون، اتقوهُ تعالى فَامْتَثِلُوا أمْرَهُ، واجتَنِبُوا نَهْيَهُ، واعْلَمُوا أنَّهُ لا نَجَاةَ لَكُم وَلا خَلاصَ إلا بِتَقْوَاه جَلَّ وعَلا.
بَارَكَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم...
وأقولُ مَا تَسْمَعُونَ وأستغفرُ الله...
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ... أما بعد: فَأكْثِرُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ذِكْرَ المَوْتِ، وَزُورُوا القُبُورَ فَإنَّهَا تُذَكِّرُ الآخرة، اعتَبِرُوا بِمَنْ يُتَخَطَّفُ مِنَ النَّاسِ حَوْلَكُم، اعتبِرُوا بِمَنْ تَخَطَّاكُمُ المَوتُ إليهِم وَبِكَثْرَةِ مَنْ تُصَلُّونَ الجنازَةَ عَلَيْهِم، وَتَذكَّرُوا يَوْماً يَتَخَطَّى المَوتُ غَيْرَكُم إليكُم، وَيُصَلِّي غَيرُكُم عليكُم، يَومٌ تُوْسَدُونَ فيهِ التُّرَاب، وَيَتَوَلَّى عَنكُمُ الأهلُ والأصْحَاب.
اسْتَعِدُّوا رحمكمُ اللهُ لذلكَ اليوم، فَحَاسِبُوا أنفُسَكُم، وَتُوبُوا إلى رَبِّكُم فإنَّهُ يقبلُ التوبَةَ عن عِبَاِدِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ ويعلمُ مَا تفعلون.
اعلموا: أنَّكُم لَمْ تُخْلَقُوا عَبَثاً، وَلَمْ تُتْرَكُوا سُدَى؛ خُلِقْتُم لِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَإخْلاصِ الدِّينِ لَه؛ فَاسْعَوا فِي تَحقيقِ مَا خُلِقْتُم له.
واعْلمُوا أنَّ اللهَ سُبحانَهُ يُحْصِي عَليكُم أعْمَالَكُم، كَمَا قالَ جَلَّ وَعَلا: { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَـطَرٌ } القمر52 ـ 53
اسْعَوا أيُّها الناسُ في نَجَاةِ أنفُسِكُم، وَفَكَاكِهَا مِنْ عَذَابِ الله، فَقَدْ جاءَ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: ( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) رواه مسلم.
مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ) هَكَذا قَالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم.
ألا فَصَلُّوا وسَلمُوا عليه؛ فقد أمركم الله بذلك فقال: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } اللهمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّد...
اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ... اللهمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا...
عبادَ الله : اذكُرُوا الله...
المشاهدات 1120 | التعليقات 0