( أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ )

مبارك العشوان
1436/07/26 - 2015/05/15 08:45AM
إن الحمد لله… ورسوله أما بعد: فاتقوا الله...مسلمون، اتقوا الله وأصلحوا له أقوالَكم وأعمالَكم ونياتكم، وتأهبوا أيها الناس لرحيلكم وانتقالكم، فإنه لا بقاء لأحد على هذه الدار: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }الرحمن26 { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }آل عمران 185 { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ }القصص 88{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ }النساء 78{ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }الأحزاب 16{ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } آل عمران ١٥٤
عباد الله: لقد ذكَّرنا الله الموتَ لنستعد له قبل نزوله فقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ، وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلـُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المنافقون9 ـ 11 وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ ). رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
عند الموت ينكشفُ للإنسان غِطَاؤُه، ويتبينُ خطؤُهُ وصوابُه وتتضح له عاقبتهُ؛ فالمؤمنون: { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } فصلت 30 ـ 32 والكفار يتألمون ويعذبون عند موتهم: { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } الأنفال 50 ـ 51 عباد الله: إنه لا يُنجي من الموتِ فرار، ولا تمنع منه حصون ولا يقف أمامه جنود، ولا تُقبل عنه فدية، يخطِفُ الشبابَ والشيب، والأصحاء والمرضى، يأتي بغتة، ولا يتأخر ساعة.
عباد الله: ثم بعد الموت: البرزخ؛ بعد الموت القبر؛ وفي القبر وبعده ابتداءُ المخاطر والأهوال، والجزاءُ على الأعمال: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } الزلزلة 7 ـ 8 القبر إما روضة من رياض الجنة ـ جعله الله علينا وعليكم كذلك ـ أو حفرة من حفر النارـ أعاذنا الله وإياكم من النارـ كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي؛ وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ ) أخرجه الترمذي، وحسن الألباني.
يوسعُ للمؤمنِ في قبره مَدُّ بَصَرِه، ويُضَيَّقُ على الكافرِ حتى تختلفَ أضلاعُه، يُسأل الإنسانُ في قبره: مَنْ ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ وجليسُكَ أيها الإنسانُ في قبركَ عَمَلُكَ، فاجتهد الآن غايةَ جُهدكَ على هذا الجليس. كَتَبَ رَجُلٌ إلَى آخر:
الْمَوْتُ بَابٌ وَكُلُّ النَّاسِ دَاخِلُهُ * فَلَيْتَ شَعْرِي بَعْدَ الْبَابِ مَا الدَّارُ
فَأَجَابَهُ:
الدَّارُ جَنَّاتُ عَدْنٍ إنْ عَمِلْت بِمَا * يُرْضِي الْإِلَهَ وَإِنْ خَالَفْت فَالنَّارُ
هُمَ مَحَلَّانِ مَا لِلنَّـاسِ غَيْرُهُمَا * فَانْظُرْ لِنَفْسِك مَاذَا أَنْتَ مُخْــتَارُ وقال تعالى: { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } الجمعة 8
وبعد القبر أيها الناس ما هو أشد منه، أو أيسر.
بعد القبرِ النفخُ في الصور، والبعثُ من القبور، والحشرُ والحساب: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } الحج 1 ـ 2 . يومٌ يشيبُ الولدانُ له، وتخشعُ الأصواتُ والأبصارُ فيه:{ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ، مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } القمر 7 ـ 8. يقفُ الناسُ في صعيدٍ واحد، وتُدنى الشمسُ من الخلائق؛ حتى تكون منهم كمقدارِ مِيْل، ويَعْرَقون على قدر أعمالهم، منهم من يأخذه العرق إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاما.
يقفون للحساب، ويُعطون صحائفَ أعمالهم:{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً، وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً } الانشقاق7 ـ 12 تُوزن الأعمال: { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنـَا يَظْلِمُونَ } الأعراف 8 ـ 9 عباد الله: ثم الجِسرُ، على متن جهنم، ( قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) رواه مسلم.
يَرِدُ على الصراط الأولونَ والآخِرون، فلا يُنَجَّى إلا أهلُ التقوى:{ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }مريم 71ـ 72 كان أبو ميسرة رحمه الله إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل له ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ فقال أُخبرنا أنا واردوها ولم نُخبر أنا صادرون عنها.
ألا فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتقوه تعالى فامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، واعلموا أنه لا نجاة لكم ولا خلاص إلا بتقواه جل وعلا .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....


الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها الناس واعتبروا بمن يُتخطفُ من الناسِ حولَكم، اعتبروا بمن تخطاكم الموتُ إليهم وبكثرة من تُصلون الجنازة عليهم، وتذكروا يوما يتخطى الموت غيركم إليكم، ويصلي غيركم عليكم، يومٌ تودعون فيه قبوركم ويتولى الناس عنكم.
اعلموا رحمكم الله: أنكم لم تخلقوا عبثا، ولم تتركوا سدى؛ خلقتم لعبادة الله وحده، وهو سبحانه يحصي عليكم أعمالكم كما قال جل وعلا: { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } القمر52 ـ 53 ألا فاستعدوا رحمكم الله لذلك اليوم، واسعوا في نجاة أنفسكم، وفكاكها من عذاب الله، فقد جاء عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) رواه مسلم.
أكثروا ذكر الموت، وزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة، راجعوا أيها الناس أنفسكم، وتوبوا إلى ربكم فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون.
ثم صلوا وسلموا ...
عباد الله : اذكروا الله ...
المشاهدات 1889 | التعليقات 0