أوَّلُ ما تَفْقِدُونَ مِنْ دينِكُمُ جامع قبة

فلاح مخلد الحربي
1443/06/24 - 2022/01/27 15:24PM

الحمد لله الحكم العدل، ذي المنة والفضل، أحمده عز وجل وأستغفره وأتوب إليه وهو المنعم المتفضل، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير نبي أرسل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما ظهر نجم وأفل وسَلمَ تسليماً كثيراً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا # يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[ خُلُقٌ عَظِيمٌ، وَمَنْهَجٌ قَوِيمٌ، تمنعت وجأرت منه الأرض السموات، وخافته الجبال الراسيات، وعلّق بأعناق بني آدم، هو أول ما يفقد من الدين، وذهابه مؤذن بقيام الساعة أنها الأمانة وما أدراك ما الأمانة؟ إنها رسالة النبيين؛ كل منهم يقول لقومه: ] إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [وراية المؤمنين فـ"لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ"، ]إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[ رَوَى البُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ من حديث حُذَيْفَةَ بِنِ اليَمَانِ tمَا قَالَ: في فتن آخر الزمان "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ"ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ، فَيَبْقَى فِيهَا أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ المَجْلِ"، إلى أن قال "وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلاً أَمِينًا. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ".إِنَّ أَعْظَمَ أَمَانَةٍ حَمَلَهَا الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ، وَيَخْضَعَ لَهُ، وَيَرْجُوَهُ وَيَخَافَهُ، فَيَفْعَلُ أَوَامِرَهُ وَيَنْتَهِي عَنْ زَوَاجِرِهِ. الْأَمَانَةُ اِعْتِقَادٌ وَعبَادَةٌ وَمُعَامَلَةٌ فِيهَا جِمَاعُ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، أَثْنَى اللهُ على مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: ]وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون[ فالتَّوْحِيدُ أمانة، وَالصَّلَاةُ أمانة يصليِّها بصفتها المشروعة في أوقاتها المحددة، ولا يتهاون فيها أو يسهو عنها، وَالزَّكَاةُ أمانة يجب إخراجها لمستحقِّها، فلا يؤخرها أو يبخل في إخراجها وَالصَّوْمُ أمانة، وَالحَجُّ أمانة وَالْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ وَالْحُدُودُ، وَكُلُّ الْعِبَادَاتِ أمانة، وَوَدَائِعُ النَّاسِ أَمَانَةٌ

ومن أعظم الأمانات: أمانة الجوارح فأمانة العين التفكر في خلق الله والاستعانة بها على طاعة الله وغضها عن الحرام وإغماضها عن الآثام وأمانة اللسان ذكر الله والثناء عليه وحمده واستغفاره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحبسه عن الغيبة والنميمة واللعان والسباب والفحش من القول وإفشاء الأسرار وقل مثل ذلك في العقل  واليدين والرجلين والفرج ] إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [ سئل النبي ﷺ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: "الأجوفان: الْفَرْجُ والْفَمُ". والله يقول: ]وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [ والمال أمانة فالبيع والشراء والاتجار أمانة، فيا أصحاب المحلات ويا ملاك العقار ودلاليه ويا باعة المواشي، يا مقسطي السيارات، يا مشغلي الأموال إنها الأمانة، صدقاً في الأقوال ووفاء بالعهود، إياكم وكتمان العيوب أو التطفيف في الأسعار ومتى ما راعى التاجرُ الأمانة فمنزلته عند الله عظيمة يقُولُ ﷺ:" التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَة " والحديث صححه الألباني  وحِفْظُ أَسْرَارِ الْمَجَالِسِ وَعَدَمُ إِفْشَائِهَا أَمَانَةٌ، إِلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ مُتَحَقِّقٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ وَالْوَطَنِ، وأَسْرَارِ الْأَصْحَابِ أمانة، فَيَجِبُ أَنْ تُحْفَظَ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَفْشِيَ مِنْ أَسْرَارِ إِخْوَانِهِ مَا لَا يُحِبُّونَ أَنْ يُشَاعَ عَنْهُمْ، قَالَ ﷺ: "إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ اِلْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ" (رَوَاهُ أبو داوود والتِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني) والحديث بين الزوجين أمانة بينهما يقول ﷺ: " إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا" رواه مسلم فَالحَذَرُ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي حِفْظِ الْأَسْرَارِ؛ بَلْ هِيَ مِنْ أَوْكَدِ الْوَدَائِعِ، وَهِيَ الَّتِي تُعْلِي مِنْ شِيَمِ أَصْحَابِهَا عند الله وعند خلقه بارك الله لي ولكم

الحمد لله جعل من صفات المنافق إذا اؤتمن خان والصلاة والسلام على الرسول القائل

"إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ" أما بعد فاتقوا الله عباد الله وعظموا أمر الأمانة في قلوبكم فحياتك في الدنيا ونفسك ياعبد الله أمانة عندك فاتقِ الله فيها، يجب أن تحليها بالفضائل والأخلاق، وأن تنقذها من عذاب الله. ] قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ وفي الحديث: "كُلُّكم يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".

الزوجة والأبناء أعظم أمانة عند الآباء من حيث التربية والرعاية والنفقة، وحفظِ إيمانهم وأخلاقهم ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة[ فمَنْ أهملَ الأولادَ وضيَّعهم فقد خان الأمانة، جاء في الحديث : "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" رواه مسلم الفتيات والبنات أمانة في أعناق الآباء؛ إذا تقدم ذو الكفاءة والدين والأخلاق على الأب ألا يقف حجر عثرة أمام زواجها لبعض الترهات التي لا قيمة لها، يقول ﷺ: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وأمانته فَزَوِّجُوهُ؛ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير".

والوظيفة أمانة وأي أمانه وهو مسؤول عمَّا أؤتمن عليه من عمل يؤديه وقتاً وأداء بجد وإخلاص ، ويؤدي المعاملات كاملة بل تأخير ولا مماطلة لا يقدم أحدا على أحد؛ لأجل جاهٍ أو قرابة، أو لأجل رشوة يأخذها؛ بل يؤدي عمله طاعةً لله، وتقربا إلى الله، وإبراء للذمة، وقياما بالواجب لا يستعمل ممتلكات الدولة في أغراضه الشخصية ولا يغل يقول ﷺ " مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وتبليغ دين الله أمانة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل بحسبه أمانة والوطن أمانة في حمايته والدفاع عنه وعدم التستر على المجرمين والتغاضي عن المفسدين، ممن يريد إفساده أو الإخلال بأمننا؛ ففي الحديث: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا"، أي: تستر عليه أو أعانه على شره وفساده.

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ المُؤْمِنَ الحَقَّ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ الْأَمَانَةَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ فِي صَغَائِرِ الأُمُورِ وَكِبَارِهَا. فَإِنْ نَامَتْ أَعْيُنُ النَّاسِ، فَإِنَّ عَيْنَ اللهِ لَا تَنَامُ.  والخيانة هي الخلق الذي لا ينبغي لمسلم حتى ولو خانه من خان ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ يقول ﷺ"أَدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك".

المشاهدات 1400 | التعليقات 0