أول خطبة جمعة للمصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة

أول خطبة جمعة للمصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة

الحمد لله القائل: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، والصلاة والسلام على رسوله القائل: "بعثت بجوامع الكلم"، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، فاتقوا الله رحمكم الله، فإن في تقواه السعادة والفلاح في الدارين، أيها المسلمون: عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم الإثنين، نزل بقباء لاثنتي عشرةَ ليلةً من ربيع الأول، حيث بدأ وقتها التأريخ الهجري، وأقام هناك حتى يوم الخميس، وأسس أولَ مسجد بني في الإسلام، ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة، وحان وقت صلاة الجمعة، وهو بين قباء والمدينة، فاتخذ هناك مسجدًا وجمع الناس، وخطب فيهم أولَ خطبة جمعة في المدينة حيث قال فيها: "الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رَشَد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلمُ المسلمَ أن يَحُضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكرًا، وإن تقوى الله لمن عمل بها على وَجَل ومخافة من ربه، عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية، لا ينوي بذلك إلا وجه الله، يكن له ذكرًا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود ( لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) . والذي صدق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول عز وجل: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا، ومن يتق الله فقد فاز فوزًا عظيمًا، وإن تقوى الله تقي مقته، وتقي عقوبته، وتقي سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، فخذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله؛ ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله، يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"

الخطبة الثانية:-

 إن الحمد لله، أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أحسن الحديث وأبلغه، أحبوا ما أحب الله، أحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملوا كلام الله وذكره، ولا تقسُ عنه قلوبكم، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي، قد سماه الله خيرته من الأعمال، ومصطفاه من العباد، والصالح من الحديث، ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، واتقوه حق تقاته، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، إن الله يغضب أن يُنكثَ عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"

 هذا ما ذكره الإمام ابن جرير الطبري بسنده عن أول خطبة جمعة لنبينا صلى الله عليه وسلم في المدينة، وذكره الإمام القرطبي في تفسيره، وكذلك ابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم.

 وفق الله الجميع لخيري الدنيا والآخرة، ورزقنا اتباع رسولنا والاقتداء به، إنه سميع قريب مجيب.

 ثم صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والرسول المرتضى، كما أمركم ربكم جل وعلا بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأمهات المؤمنين والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم اكتب السلام والأمن للعالم الإسلامي في كل ربوعه، واجعل العزة والرفعة للإسلام وجموعه، اللهم أدم على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وعزها ورخاءها يا رب العالمين، اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز، اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، واحرسنا بعينك التي لا تنام، اللهم احفظ أبطال الصحة والأمن المرابطين في الداخل وعلى الحدود يا رب العالمين، اللهم احفظ ووفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وألبسه لباس الصحة والعافية وأمد في عمره على طاعتك، واجزه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، اللهم أعن ولي عهده على أداء ما أسند إليه من مهام، اللهم وفقه وسدده، واكفه شر الحاقدين والحاسدين، واجعله عزًا لديننا وبلادنا، وذخرًا للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم كما ربونا صغارا (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)

 عباد الله : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على جزيل ووافر نعمه يزدكم (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

 

جمعها

أ . د عبدالعزيز بن أحمد العليوي

خطيب جامع الغنام بالزلفي

التلجرام: https://t.me/aa_3zz
 

تويتر: @aa_zz3

اليوتيوب: https://www.youtube.com/channel/UCd4qD7_fhwfibF2O0aDPxAQ

المرفقات

1665608603_أول خطبة جمعة للمصطفى في المدينة 8-10-2022.pdf

المشاهدات 1432 | التعليقات 0