«أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ»
د عبدالعزيز التويجري
1444/04/30 - 2022/11/24 14:42PM
الخطبة الأولى : «أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ». 1/5/ 1444ه
الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد ..
فاتقوا الله ربكم واشكروا له(ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)
يقولون لي فيك انقباضُ وإنمـــــــــــا ** رأوا رجلا في موقفِ الذلِ أحجما
أرى الناسَ من دانهم هان عندهم ** ومن أكرمته عزةُ النفسِ أُكرما
أُنزههـــــا عن بعضِ يشيُنهـــــــــــــــــــــــا ** مخافةَ أقوالِ العِدا فيم ؟ أو لمِا
وما كلُ برقِ لاح لي يستفزُنــــــــــي ** ولا كلُ من لاقيتُ أرضاهٌ مُنعِما
وإني لمــــــــا فاتني الأمــــــــرُ لم أبت ** أُقلـــــــبُ كفي إثرهُ متندِمــــــــا
وكم نعمةِ كانت على الحرِ نقمةُ ** وكم مغنمِ يعتده الحرُ مغرمـــــــا
وإني لـراضِ عــــــن فـتى متعفـــفِ ** يروحُ ويغدوا وليس يملكُ درهما
لا تحسرَ على خسارةِ الدنيا ومالذاتِها {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}
الخسارةُ الحقةُ أن يخسرَ الانسانُ دينَهُ ويخسرَ نفسَهُ وأهلَهُ {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }.
والفوزُ الكبيرُ هو الفوزُ الذي لاخسارةَ بعدَهُ { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} والدنيا سرابُ سرعان ما يزول {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
وقد خسرَ أقوامُ وهم يظنون أنهم رابحون..
فلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنيا بمن رَفَعَتْ ** فلا حَقِيْقَةَ فيما يرفعُ الآلُ
والرفعةُ تكونُ بولايةِ اللهِ التي لا يَذل بها متمسّك ، ولا يَعزُ بتركها عادٍ.
والعزةُ في الثباتِ على الحقِ التي متى استقرت في القلبِ قوّته؛ فاستعلى بها على كلِ أسبابِ الذِلةِ والانحناءِ لغيرِ الله ، أو التنازلِ لغيرِ شرعِ الله .. أو بذلِ المحبةِ في غيرِ الله.
تفوزُ النفسُ وتعظمُ حين تترفعُ عن سخافاتِ العقولِ وتَعِفُ عن المحرماتِ والفضول {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}.
وتهبطُ وتنحطُ في التبعيةِ في غيرِ هدى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}.
ولا تعلو النفسُ إلا حينَ تتقلدُ قناديلَ العزةِ في غيرِ كبرٍ، والتواضعَ من غيرِ ذُلٍ، والمحبةُ في اللهِ وباللهِ ومن أجل الله، فهي قدحُ الإيمانِ المعلى، وعلامتُه الأسمى.. أخرج ابن ابي شيبة والامام احمد بسند صحيح عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ r فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ؟» قُلْنَا: الصَّلَاةُ قَالَ: «الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ» قُلْنَا: الصِّيَامُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ»
الحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ ليس ادعاءً.. الحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ ركيزةٌ إيمانيةٌ، وعقيدةٌ قلبيةٌ، تُصدقُها الأعمال، وتترجمُها التصرفات والانفعالات .
لا يذوقُ طعمُ الإيمانِ من أحبَ ووالى من أجلِ هوى متبع، أو رجاءً لمصلحةٍ وابتغاءً لمنفعةٍ، أو مجاراةٍ للآخرين " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " متفق عليه
الحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ أصلُ عقيدةِ الولاءِ والبراء، الولاءُ للهِ ورسولِه والمؤمنين، والبراءُ من الكفر والكافرين والمنافقين على اختلاف مللهم {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله " من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب"
والمرءُ مع من أحب، فمن أحبَ اللهَ ورسولَهُ والمؤمنين فهو منهم ومعهم.. قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟» قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ r : «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ. متفق عليه.
ومن أحبَ الكفارَ ووالاهم فهو منهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
هذه عقيدةٌ لا يجوز التهاونُ بها، فهي ركيزةُ الايمانِ، والعلامةُ الفارقةُ بين أهل الاسلام والطغيان، تَضعُف هذه العقيدةُ حين يتسيح المهزومُ بأرضِهم، وينبهرُ المفتونُ بحضارتِهم، و يُعجب المغبونُ بأخلاقِهم، و يُتابع السفيهُ رياضتهم ..
من جعل لعبةً يُحِبُ بحبِها ويعادي من عاداها فقد ضعف إيمانه .. في سنن أي داود قال عليه الصلاة والسلام "مَن أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكملَ الإيمان"
اللهم زدنا إيماناً وهدى وصلاحاً ونستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه أن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية :
الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد
خلق اللهُ نفسَ الإنسانِ روحَهُ عزيزةً مكرمةً {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} كرمناها في العقل والتمييز والبيان، ومن كمالِ علوِها وارتفاعِ قيمتِها أن تسموا عن الترهاتِ.. سموُ تأنف معه النفسُ أن تلجَ مواردَ العطنِ، من أجل مشربِ أو نظر ، قيمةُ النفسِ تأبى أن تهين كرامتَها في تهريجِ وسخفٍ، أوتُذل نفسه من أجلِ لعاعةٍ من الدنيا.
لَا تَسْقِنِي مَاءَ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ ** بَلْ اسْقِنِي بِالْعِزِّ كَأْسَ الْحَنْظَلِ
السمو.. حيما تتعلقُ بنورِ السماء، وترتدي طهرَ الحياء ..
قيمةُ الرَّجُلِ وسموهِ قِوامتهِ عَلَى أَهْلِهِ، وَغَيْرَتِهِ عَلَى عِرْضِهِ، وهي أبرز معاني الرجوله، وَإِذَا ضَاعَتِ الْغَيْرَةُ مِنَ النُّفُوسِ فَكَبِّرْ عَلَى الرُّجُولَةِ أَرْبَعًا.
وَأَيُّ قيمةٍ تَبْقَى حِينَمَا يَرْضَى الْإِنْسَانُ لِأَهْلِهِ التَّبَرُّجَ وَالسُّفُورَ؟! أو الركض وراء كل دعاية ومفتون.
وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني ** ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعَّما
والتوسعة على النفس والترويح للأهل حق مشروع ، يُلِمُ الشملَ ويسعدُ النفوس.. في سنن أبي داود ، قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التِلاع. والتلاع ما ارتفع من الأرض . أي أنه كان يخرج إليها عندما يجيء المطر، ويسيل الماء.
ومن حق أسرتك تجنيب نفوسهم الكبار أن تلج أماكن اختلاط وصخب سفاء، وانعدام رجولة وحياء.
يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما ** رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما
أهلك ومن تحت يدك باب أبواب الجنة ، تدخلك إياها او تمنعك منها .
في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». وعند مسلم ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»
اللهم أخلص نياتنا واصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .
اللهم صل وصلم على عبدك ورسولك نبينا محمد .......
الهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ......
الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد ..
فاتقوا الله ربكم واشكروا له(ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)
يقولون لي فيك انقباضُ وإنمـــــــــــا ** رأوا رجلا في موقفِ الذلِ أحجما
أرى الناسَ من دانهم هان عندهم ** ومن أكرمته عزةُ النفسِ أُكرما
أُنزههـــــا عن بعضِ يشيُنهـــــــــــــــــــــــا ** مخافةَ أقوالِ العِدا فيم ؟ أو لمِا
وما كلُ برقِ لاح لي يستفزُنــــــــــي ** ولا كلُ من لاقيتُ أرضاهٌ مُنعِما
وإني لمــــــــا فاتني الأمــــــــرُ لم أبت ** أُقلـــــــبُ كفي إثرهُ متندِمــــــــا
وكم نعمةِ كانت على الحرِ نقمةُ ** وكم مغنمِ يعتده الحرُ مغرمـــــــا
وإني لـراضِ عــــــن فـتى متعفـــفِ ** يروحُ ويغدوا وليس يملكُ درهما
لا تحسرَ على خسارةِ الدنيا ومالذاتِها {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}
الخسارةُ الحقةُ أن يخسرَ الانسانُ دينَهُ ويخسرَ نفسَهُ وأهلَهُ {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }.
والفوزُ الكبيرُ هو الفوزُ الذي لاخسارةَ بعدَهُ { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} والدنيا سرابُ سرعان ما يزول {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
وقد خسرَ أقوامُ وهم يظنون أنهم رابحون..
فلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنيا بمن رَفَعَتْ ** فلا حَقِيْقَةَ فيما يرفعُ الآلُ
والرفعةُ تكونُ بولايةِ اللهِ التي لا يَذل بها متمسّك ، ولا يَعزُ بتركها عادٍ.
والعزةُ في الثباتِ على الحقِ التي متى استقرت في القلبِ قوّته؛ فاستعلى بها على كلِ أسبابِ الذِلةِ والانحناءِ لغيرِ الله ، أو التنازلِ لغيرِ شرعِ الله .. أو بذلِ المحبةِ في غيرِ الله.
تفوزُ النفسُ وتعظمُ حين تترفعُ عن سخافاتِ العقولِ وتَعِفُ عن المحرماتِ والفضول {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}.
وتهبطُ وتنحطُ في التبعيةِ في غيرِ هدى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}.
ولا تعلو النفسُ إلا حينَ تتقلدُ قناديلَ العزةِ في غيرِ كبرٍ، والتواضعَ من غيرِ ذُلٍ، والمحبةُ في اللهِ وباللهِ ومن أجل الله، فهي قدحُ الإيمانِ المعلى، وعلامتُه الأسمى.. أخرج ابن ابي شيبة والامام احمد بسند صحيح عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ r فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ؟» قُلْنَا: الصَّلَاةُ قَالَ: «الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ» قُلْنَا: الصِّيَامُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ»
الحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ ليس ادعاءً.. الحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ ركيزةٌ إيمانيةٌ، وعقيدةٌ قلبيةٌ، تُصدقُها الأعمال، وتترجمُها التصرفات والانفعالات .
لا يذوقُ طعمُ الإيمانِ من أحبَ ووالى من أجلِ هوى متبع، أو رجاءً لمصلحةٍ وابتغاءً لمنفعةٍ، أو مجاراةٍ للآخرين " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " متفق عليه
الحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ أصلُ عقيدةِ الولاءِ والبراء، الولاءُ للهِ ورسولِه والمؤمنين، والبراءُ من الكفر والكافرين والمنافقين على اختلاف مللهم {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله " من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب"
والمرءُ مع من أحب، فمن أحبَ اللهَ ورسولَهُ والمؤمنين فهو منهم ومعهم.. قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟» قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ r : «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ. متفق عليه.
ومن أحبَ الكفارَ ووالاهم فهو منهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
هذه عقيدةٌ لا يجوز التهاونُ بها، فهي ركيزةُ الايمانِ، والعلامةُ الفارقةُ بين أهل الاسلام والطغيان، تَضعُف هذه العقيدةُ حين يتسيح المهزومُ بأرضِهم، وينبهرُ المفتونُ بحضارتِهم، و يُعجب المغبونُ بأخلاقِهم، و يُتابع السفيهُ رياضتهم ..
من جعل لعبةً يُحِبُ بحبِها ويعادي من عاداها فقد ضعف إيمانه .. في سنن أي داود قال عليه الصلاة والسلام "مَن أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكملَ الإيمان"
اللهم زدنا إيماناً وهدى وصلاحاً ونستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه أن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية :
الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد
خلق اللهُ نفسَ الإنسانِ روحَهُ عزيزةً مكرمةً {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} كرمناها في العقل والتمييز والبيان، ومن كمالِ علوِها وارتفاعِ قيمتِها أن تسموا عن الترهاتِ.. سموُ تأنف معه النفسُ أن تلجَ مواردَ العطنِ، من أجل مشربِ أو نظر ، قيمةُ النفسِ تأبى أن تهين كرامتَها في تهريجِ وسخفٍ، أوتُذل نفسه من أجلِ لعاعةٍ من الدنيا.
لَا تَسْقِنِي مَاءَ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ ** بَلْ اسْقِنِي بِالْعِزِّ كَأْسَ الْحَنْظَلِ
السمو.. حيما تتعلقُ بنورِ السماء، وترتدي طهرَ الحياء ..
قيمةُ الرَّجُلِ وسموهِ قِوامتهِ عَلَى أَهْلِهِ، وَغَيْرَتِهِ عَلَى عِرْضِهِ، وهي أبرز معاني الرجوله، وَإِذَا ضَاعَتِ الْغَيْرَةُ مِنَ النُّفُوسِ فَكَبِّرْ عَلَى الرُّجُولَةِ أَرْبَعًا.
وَأَيُّ قيمةٍ تَبْقَى حِينَمَا يَرْضَى الْإِنْسَانُ لِأَهْلِهِ التَّبَرُّجَ وَالسُّفُورَ؟! أو الركض وراء كل دعاية ومفتون.
وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني ** ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعَّما
والتوسعة على النفس والترويح للأهل حق مشروع ، يُلِمُ الشملَ ويسعدُ النفوس.. في سنن أبي داود ، قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التِلاع. والتلاع ما ارتفع من الأرض . أي أنه كان يخرج إليها عندما يجيء المطر، ويسيل الماء.
ومن حق أسرتك تجنيب نفوسهم الكبار أن تلج أماكن اختلاط وصخب سفاء، وانعدام رجولة وحياء.
يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما ** رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما
أهلك ومن تحت يدك باب أبواب الجنة ، تدخلك إياها او تمنعك منها .
في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». وعند مسلم ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»
اللهم أخلص نياتنا واصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .
اللهم صل وصلم على عبدك ورسولك نبينا محمد .......
الهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ......
المرفقات
1669290132_«أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ».pdf
1669290135_«أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ».docx