أهمية عقد الزواج

أحمد بن صالح العجلان
1443/07/26 - 2022/02/27 15:34PM

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:       

الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومن والاه واستن بسنته واهتدى بهداه فاتقوا الله عباد الله﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ عبادَ الله: وَصَفَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا عَقْدَ الزَّوَاجِ  بِأَنَّهُ مِيثَاقٌ غَلِيظٌ قال تعالى{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}وهو عقد النكاح والذي قال فيه النبي r  "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَان اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى " وكلمة الله هو قول الولي زَوَّجْتُكَهَا وقول الزوج قبلتها فعقد الزواج نعمة عظيمة امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا علينا قال تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) وَهِو أيضا مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ قال تعالى(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)وعقد الزوجية مَبْنَاهَ عَلَى التَّفَاهُمِ وَالتَّكَافلِ والتكامل وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّعَاضُدِ، وَلَيْسَ مَبْنَاهَ عَلَى الشِّقَاقِ وَالصِّرَاعِ ولَيْسَ الحُبُّ فَقَطْ هُوَ المِعْيَارَ لِبَقَاءِ هَذَا الرَّابِطِ وَالصِّلَةِ، بَلِ الرَّابِطُ هُوَ السَّكَنُ وَالرَّحْمَةُ وَالمَوَدَّةُ قال عمر لرجل هم بطلاق إمرأته : لم تطلقها؟ قال: لا أحبها. فقال عمر: أو كل البيوت بنيت على الحب؟ فأين الرعاية والوفاء. وَلِهَذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَالفُرَاقُ أَبْغَضَ الحَلَالِ إِلَى اللهِ وَأَحَبَّهَ إِلَى الشَّيْطَانِ. ففِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ رَسُولِ اللهِ rأَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً؛ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؛ قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ. فَيَلْتَزِمُهُ". وَلِهَذَا كَمْ مِنْ رَجُلٍ كَرِهَ امْرَأَةً، فَأَمْسَكَ عَلَيْهَا، فَأَنْجَبَتْ لَهُ أَوْلَادًا أَبْرَارًا؛ قَامُوا بِنَفْعِهِ وَنَشْرِ فَخْرِهِ وَذِكْرِهِ قال r{ لايَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر}َاي إذا أبغضا منها خلقا رضي منها خلقا آخر. وَلِهَذَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِصَوَارِفٍ عَظِيمَةٍ عَنِ الطَّلَاقِ، فَأَمَرَتْ بِالصَّبْرِ، وَأَمَرَتْ بِالمَشُورَةِ وَطَلَبِ النُّصْحِ:قال تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) فَيَنْظُرَانِ مَا يَنْقُمُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ يُلْزمَانِ كُلًّا مِنْهُمَا بمَا يجب له على الاخر فإن َأمْكَنَهُمَا الجَمْعُ وِالإِصْلَاحُ فَلَا يَعْدِلَا عَنْهُ، فَإِنْ وَصَلَتِ الحَالُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا وِإِصْلَاحُهُمَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ المُعَادَاةِ وَالمُقَاطَعَةِ وَمَعْصِيَةِ اللهِ، وَرَأَيَا أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا أَصْلَحُ، فَرَّقَا بَيْنَهُمَا. وَمِنَ الصَّوَارِفِ لِلْفِرَاقِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ -تَعَالَى-، وَوَجَّهَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- المَرْأَةَ لَهَا: أَنْ تَتَنَازَلَ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا إِذَا رَأَتْ أَنَّ الفِرَاقَ يضرها أو تحب زوجها كثيرا وتريد البقاء معه وإِبْقَاءً الِعَقْدِ فِيهِ مصلحة لها قَالَ -تَعَالَى-: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) أَيْ: إِذَا خَافَتِ المَرْأَةُ نُشُوزَ زَوْجِهَا -أَيْ: تَرَفُّعَهُ عَنْهَا وَعَدَمَ رَغْبَتِهُ فِيَهَا وَإِعْرَاضَهُ عَنْهَا- فَالأَحْسَنُ فِي هَذِهِ الحَالَةِ أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا بِأَنْ تَسْمَحَ المَرْأَةُ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا اللَّازِمَةِ لِزَوْجِهَا عَلَى وَجْهٍ تَبْقَى مَعَ زَوْجِهَا، إِمَّا أَنْ تَرْضَى بِأَقَلِّ مِنَ الوَاجِبِ لَهَا مِنَ النَّفَقَةِ أَوِ الكِسْوَةِ أَوِ المَسْكَنِ، أَوِ القَسْمِ بِأَنْ تُسْقِطَ حَقَّهَا مِنْهُ، أَوْ تَهِبَ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِزَوْجِهَا أَوْ لِضُرَّتِهَا. فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ فَلَا جُنَاحَ وَلَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا فِيهَا، لَا عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الزَّوْجِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِزَوْجِهَا البَقَاءُ مَعَهَا عَلَى هَذِهِ الحَالِ، وَهِي خَيْرٌ مِنَ الفُرْقَةِ.أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَانْبِي بَعْدَهُ. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فَتَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ زَادٍ وَأَفْضَلُ مَآبٍ وَالْمُوصِلُ إِلَى رِضَى رَبِّ الْعِبَادِ.اخَوَانِي: ومِنَ الأَخْطَاءِ العَظِيمَةِ التي يفعلها كَثِيرٌ مِنَ الأَزْوَاجِ أنه إِذَا لَمْ يَرْغَبْ فِي زَوْجَتِهِ، أَوْ أَرَادَ الزَّوَاجَ عَلَيْهَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأَسْبَابِ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إِلَى بَيْتِ أَهْلِهَا وَيَتْرُكُهَا دُونَ إِذْنِهَا وَمُوَافَقَتِهَا، وَهَذَا مُحَرَّمُ،ولَا يُجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَيْتِهَا إِلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ،سواء كانت فاحشة أو بذاءة اللسان وسلاطته قَالَ -تَعَالَى-: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا). فَتَأَمَّلَ كَيْفَ جَعَلَ اللهُ البَيْتَ لَهُنَّ، فَقَالَ: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)، وَذَلِكَ لِأَنَّ المَسْكَنَ حَقٌّ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَهِيَ لَازَالَتْ زَوْجَتَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبْقِيَهَا فِي مَسْكَنِهَا لَا أَنْ يُسْقِطَهَا حَقَّهَا فِي المَسْكَنِ. ولا يجوز للزوج أن يُضَارَّ زوجته مِنْ أَجْلِ أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ وَتَطْلُبَ الخُلْعَ، أَوْ يُنَغِّصَ عَلَيْهَا، فَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا) وَقَالَ: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وهو النشوز على الزوج أو الزنى فيجوز للزوج أن يعضلها، ويُضيِّق عليها حتى تفتدي.وَقَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا ضَارَّ بِزَوْجَتِهِ بِالتَّضْييقِ عَلَيْهَا أَوْ مَنَعَهَا حُقُوقَهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَالقَسْمِ وَالمَسْكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ولم تأت بفاحشة بينة أو غير ناشز لِتَفْدِي نَفْسَهَا بِالخُلْعِ أَنَّهُ آثِمٌ عَاصٍ. وَجُمُهُورُ الفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ العِوَضَ لايرد له.وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ حُدُودَ اللهِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَظِيمَةٌ؛ قَالَ اللهُ فِي آيَاتِ الطَّلَاقِ: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)وَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ عَنْ شَرِيعَةِ اللهِ، فَهُوَ أَسْلَمُ لِدِينِكُمْ وَآخِرَتِكِمْ.هَذَا وَصَلُّوا وَسَلَّمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ حَكِيمًا.وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل حكيما (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )وقال r:(( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن  الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.  اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ . ووفق ولي أمرنا بتوفيقك يارب العالمين . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عِبَادَ اللهِ :إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون} .

 

 

المشاهدات 528 | التعليقات 0