أهمية تكوين الأسرة في ديننا الإسلامي

عايد القزلان التميمي
1445/05/08 - 2023/11/22 22:35PM

الحمد لله الذي جعل المودة والرحمة بين الأزواج ورغّب في بناء الأسرة، أحمده سبحانه وأشكره على ما أسبغ من خير ونِعمة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خَير آلٍ وأُسْوَة.

أما بعدُ : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى عز وجل في السر والعلن .

أيها المؤمنون : لقد امتنَّ الله عز وجل علينا بنعمة؛ أن خلق لنا من أنفسنا أزواجًا؛ لنسكن إليها، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

وإذا حصل الزواج بدأ تكوين الأسرة ، لأن الأسرة هي اللبنة الأولى في تكوين المجتمع .

ولما جاء الإسلام حرص أشد الحرص على إرساء وتثبيت الأسرة والمحافظة عليها مما يؤذيها، والمحافظة على تماسكها مع إعطاء كل فرد من الأسرة دوراً مهماً في حياته .

عباد الله ولقد حث ديننا الإسلامي الرجل أن يٌعامل زوجته بالمعروف، وأن يَرْفِق بها، وأن يُحسنَ الإنفاق عليها؛ يقول الله: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ وفي حال فشل هذه العلاقة الزوجية، وهذا أمر واردٌ مع كراهة الإسلام لذلك - يقول عَزَّ مَن قائل: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾

عباد الله إن عقد الزوجية ميثاقٌ غليظٌ، قال الله سبحانه: ﴿وَأَخَذنَ مِنكُم مِّیثَٰقًا غَلِیظا ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم (( اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله )) أخرجه مسلم

ومما يدلنا على عظمة شأن الزواج، أن الله تبارك وتعالى تكفل بنفسه بعون طالِبِه إذا كان يريدُ العفاف، وذلك مذكور في قوله صلى الله عليه وسلم (( ثلاثةٌ حقٌّ على اللَّهِ عونُهُم: المُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ، والمُكاتِبُ الَّذي يريدُ الأداءَ، والنَّاكحُ الَّذي يريدُ العفافَ)) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.

ومن تعظيم الله لهذه الشعيرة أعطى الإسلام المرأة حقها من الميراث وغيره، وجعل لها حقا كالرجل في شؤون كثيرة قال عليه الصلاة والسلام: (( النساء شقائق الرجال )) رواه أبو داود وصححه الألباني . إلى غير ذلك من المظاهر التي تدلّ على تعظيم الله تعالى لهذه الشعيرة العظيمة ، والمقصود إنما هو الإشارة إلى عظمة الزواج وأنه من الشعائر التي عظّمها الله تعالى وأمر بتعظيمها .

ولماّ كان الزواج بهذه العظمة والاهتمام ، كان من المهم جدّاً حين يُقبل عليه الشاب أن يُقبل عليه إقبالاً يَستَشْعِر فيه هذه العظمة في نفسه،  وعليه أن يتبيّن ويهتمّ بإنشاء هذه الأسرة  بصورة صحيحة وعلى أساس متين يضمن بقاء هذه الأسرة كما يضمن له تحقيق تعظيم هذه الشعيرة حق التعظيم .

عباد الله يجب على كل شاب مقبل على الزواج أن يحذر كل ما يعكر صفو الحياة الزوجية ، فلا ينبغي أن يكون مجرد الكراهية سببا في الفراق، ولا عاملا من عوامل الشقاق، فقد تكره النفس ما فيه خيرها وصلاحها، فعليكم بالصبر والاحتمال لقوله تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) ،

عباد الله إِنَّهُ لَنْ يَسْتَقِيمَ أَمْرُ هَذِهِ الْحَيَاةِ إِلَّا إِذَا قَامَ كُلُّ فَرْدٍ فِيهَا بِمَسْؤُولِيَّاتِهِ حَقَّ الْقِيَامِ، قال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه،))؛ متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم (( ما مِنْ عبدٍ يسترْعيه اللهُ رعيَّةً ، يموتُ يومَ يموتُ ، وهوَ غاشٌّ لرعِيَّتِهِ ، إلَّا حرّمَ اللهُ عليْهِ الجنَّةَ )) أخرجه البخاري ومسلم.

عباد الله- أنه يجب على الآباء والأمهات تربية أبنائهم وتدريبهم على تحمل المسؤولية ، واعلموا أَنَّ الْجُهْدَ الَّذِي تَبْذُلُونَهُ فِي تَعْوِيدِ أولادكم من البنين والبنات عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ لَنْ يَضِيعَ أَبَدًا، بَلْ سينفعكم في الدنيا والآخرة .

فالأسرة هي المكان الأول والأساسي الذي يتعلّم فيه الشخص القيم والمبادئ والمهارات اللازمة لتحمل المسؤولية، عن طريق التدرج والتحفيز للأبناء وتشجيعهم على القيام بمهامهم الخاصة دون مساعدتهم فيما يقدرون عليه.

عباد الله ، لا بدّ من موعظةٍ ونصيحة للأبناء والبنات ورسم الطريق الصالح لهم ليسلكوه، اسمعوا إلى قول الله تعالى يخبرنا عن لقمان الحكيم: (( يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ))  

تلك موعظةٌ عظيمة وجَّهها لقمان الحكيم لابنه، بينها الله لنا في كتابه، لنتأسى بتلكم الأخلاق وبأولئك الأقوام في أقوالهم وأعمالهم.

بارك الله لي ولكم .....

الخطبة الثانية :  

الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لمكارم الأخلاق، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.

أما بعدُ فيا عباد الله إن السعادة الحقيقية هي في طاعة الله، وذلك هو الفوز العظيم، وإذا امتزج هذا الأمر بالرضا والقناعة بما قسم الله لك ولو كان قليلا، و عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين ، تأكد أنك ستكون أسعد إنسان في الوجود، فمن يرضى برزقه ويشكر نِعَمَ الله عليه سوف يشعر براحةٍ وطُمأنينة ليس لها مَثِيل .

قال - صلى الله عليه وسلم - في وصاياه لأَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه (( اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ )) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قد أفلَح من أسلَمَ، ورُزِقَ كَفافًا، وقَنَّعه اللهُ بما آتاه)) أخرجه مسلم .

فلذلك يقولون دائماً:  “كن قنوعاً تكن أغنى الناس”.

فالسعادة الحقيقية  في الرضا والقناعة الذي لا تساويه  كنوز الدنيا  فهو حقاً  "الكنز الذي لا يفني".

عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ...

المرفقات

1700769429_أهمية تكوين الأسرة في ديننا الإسلامي.docx

المشاهدات 1098 | التعليقات 0