أهمية بناء الأسرة في الإسلام

خالد الكناني
1445/05/08 - 2023/11/22 09:11AM

أهمية بناء الأسرة في الإسلام

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.أما بعدُ : أيها المسلمون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } ،أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى في أولادكم فهم أمانة في أعناقكم وتربيتهم ورعاية شؤونهم من مسؤولياتكم ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } ، وهذه الأمانة أمر الله تعالى بوجوب وقايتها من النار والحرص على تقوى الله في ذلك ، قال تعالى : {  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، قال السعدي رحمه الله في تفسيره : ((ووقاية الأهل [والأولاد] ، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه )) وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المرء يسأل عن رعيته وأن الوالدين عليهما حق الرعاية ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا » .... فتربية الأولاد ورعايتهم مسؤولية ، قد يتسبب إهمالها وعدم القيام بها إلى مصير مؤلم ينتظر الوالدين ، فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الْمُزنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ»، هذه المسؤولية الأسرية في التربية هي مسؤولية الوالدين تجاه أولادهم ، ولعلنا في هذه الخطبة نتحدث عن أهمية بناء الأسرة والتي هي اللبنة الأولى للمجتمع والتي جاء بيان تكوينها في القرآن الكريم ، قال تعالى : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

أيها المسلمون : لقد أهتم التشريع الإسلامي بالأسرة منذ اللحظة الأولى لتكوين الأسرة ، ، واختيار الزوجين ، وقيام عقد الزوجية ، والحث على الحياة الزوجية المستقرة ، قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  } ، والحث على مشروعية الزواج وأنه من سنن الأنبياء ، فهو عبادة مشروعة في الإسلام قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } الرعد 38 ، وقال تعالى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } النور32 ، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزواج ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»

أيها المسلمون : يتضح لنا أهمية ومكانة الزواج من النصوص القرآنية والاحاديث النبوية التي تحث عليه ، فهو عبادة مشروعة ، وله أحكامه وقواعد وأسس ، مما يؤكد على أهمية ومسؤولية الوالدين التربوية من أجل إعداد الأبناء والبنات داخل الأسرة لهذه المسؤولية ، وتعظيم عقد النكاح في نفوس الأبناء والبنات المقبلين على الزواج ، من خلال عرض النصوص القرآنية والاحاديث النبوية التي تحث على ذلك ، ومن خلال التربية والممارسات الحوارية بين الآباء والأمهات القائمة على المبادئ الاخلاقية ، والعلاقات الزوجية القائمة على المحبة والتقدير والقيام بالحقوق والواجبات المناطة بكل منهما . ومن ذلك تعظيم واحترام عقد الزوجية وتعريفهم بأنه عقد عظيم عظمه الله تعالى في القرآن ، قال تعالى : { وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : { فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ } رواه مسلم

وكذلك توجيه الأولاد وتعريفهم بإن العلاقات الزوجية المستقرة والسعيدة تقوم على تقوى الله ، وحسن المعاشرة ، وتبادل مشاعر الحب والتقدير والاحترام ، وغض الطرف ، وتقدير أهل الزوجين ، وجاء بيان ذلك في الكتاب والسنة ، قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } النساء 19 ، وقال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } البقرة 228 ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «.... وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» وعلى الوالدين تربية المقبلين على الزواج من الأولاد ، وحثهم التركيز على الايجابيات وغض الطرف عن السلبيات .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ أي ( لا يُبغِض) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»،

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا ....

أمَّا بَعدُ ، أيها المسلمون : اتقوا الله حق التقوى ، واعلموا أن على الوالدين مسؤولية التربية والتنشئة للأولاد على تحمل المسؤوليات ، وذلك من خلال اتاحة الفرصة لهم للقيام بالواجبات الأسرية ، وتهيئتهم واعدادهم لتحمل المسؤوليات تجاه حياتهم الزوجية والأسرية والقيام بما يجب عليهم من النفقة وحسن التبعل ومواجهة الصعوبات والقدرة على حل المشكلات والقيام بأدوارهم في تربية أولادهم ، وكذلك على الأسرة أن تنشئ الاولاد على الحياة المتوازنة القائمة على الاعتدال والتوسط في النفقة وعدم الاسراف والتبذير ، مع الرضا والقناعة بما قسم الله تعالى واستغنى النفس وعدم الحرص الزايد على حطام الدنيا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ» ومن المهم التربية على الكسب الحلال والنفقة الحلال ، والحذر كل الحذر من الكسب المحرم والنفقة المحرمة ، ثم لنعلم أن من ثمرات البناء الأسري القائم على التقوى والصلاح ، يمتد ذلك إلى الحياة الآخرة بعد الممات ، وهذا ما تسعى له كل أسرة مسلمة ، قال تعالى : {  جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ } الرعد 23

هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  )) ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا»

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ، اللهم احفظ بلادنا وجميع بلاد المسلمين ، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى ياربّ العالمين ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

 

 

 

المرفقات

1700633483_أهمية بناء الأسرة في الإسلام.pdf

المشاهدات 3265 | التعليقات 0