( أَهَمِيَّةُ الوَقْتِ؛ وَيَلِيْهِ ثَلَاثُ وَقَفَاتٍ لِأَهْلِ الاِسْتِرَاحَاتِ )
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ حَيَاةَ المُسْلِمِ العَاقِلِ حَيَاةَ جِدٍّ وَنَشَاطٍ وَعَمَلٍ، لَا غَفْلَةَ فِيهَا وَلَا ضَيَاعَ وَلَا كَسَلَ؛ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ عَمَلٍ شَرَعَ فِي آخَرَ؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ }الشرح 7 قَالَ الشَّنْقِيْطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: لَمْ تَتْرُكْ لِلْمُسْلِمِ فَرَاغًا فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا فِي عَمَلٍ لِلدُّنْيَا، وَإِمَّا فِي عَمَلٍ لِلْآخِرَةِ.
تَبْدَأُ الإِجَازَةُ، وَيَبْدَأُ مَعَهَا الفَرَاغُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري.
الفَرَاغُ نِعْمَةٌ وَحَقُّهَا أَنْ تُشْكَرَ؛ بِحِفْظِهَا، وَاغْتِنَامِهَا، فِيمَا يَنْفَعُ دُنْيًا أَوْ أُخْرَى.
يَقُولُ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَرَاهُ فَارِغًا، لَا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَكْرَهُ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا سَبَهْلَلًا، لَا فِي عَمَلِ دُنْيَا وَلَا دِينٍ.
أَوْقَاتُنَا – وَفَّقَكُمُ اللهُ - هِيَ أَعْمَارُنَا؛ وَسَيُسْألُ كُلُّ أَحَدٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ.
أَوْقَاتُنَا هِيَ حَيَاتُنَا؛ حِفْظُنَا لَهَا حِفْظٌ لِحَيَاتِنَا، وَتَفْرِيْطُنَا وَتَضْيِيْعُنَا لَهَا تَضْيِيْعٌ لِحَيَاتِنَا.
يَقُولُ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامُ مَجْمُوعَةٌ، كُلَّمَا مَضَي يِوْمٌ مَضَى بَعْضُكَ. ا هـ
وَيَقُولُ: أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانَ أحَدُهُمْ أَشَحَّ عَلَى عُمُرِهِ مِنْهُ عَلَى دِرْهَمِهِ.
وَيَقُولُ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيءٍ نَدَمِي عَلَى يَومٍ غَرَبتْ شَمْسُهُ، نَقَصَ فِيْهِ أَجَلِي وَلَمْ يَزْدَدْ فِيْهِ عَمَلِي.
وَيَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: إِضَاعَة الْوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوْتِ لِأَنَّ إِضَاعَةَ الْوَقْتِ تَقْطَعُكَ عَنِ اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ؛ وَالْمَوْتُ يَقْطَعُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا.
أَلَا فَلْنَحْرِصْ عَلَى أَوْقَاتِنَا، وَلْنَمْلَأْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالَحِةِ فَرَاغَنَا، وَلْنَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ الوَقْتُ عَلَيْنَا لَا لَنَا، أَوْ أَنْ نَشْغَلَ أَوْقَاتَنَا بِمَا لَا يَنْفَعُنَا؛ فَإِنَّ هَذَا حِرْمَانٌ وَخُسْرَانٌ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ حِرْمَانًا، وَأَشَدُّ خُسْرَانًا: أَنْ نُضَيِّعَ أَوْقَاتَنَا فِي الإِثْمِ وَالعِصْيَانِ؛ أَجَارَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الخُسْرَانِ.
عِبَادَ اللهِ: وَفِي أَيَّامِ الإِجَازَةِ وَلَيَالِيهَا يَخْرُجُ البَعْضُ إِلَى الِاسْتِرَاحَاتِ بِعَوَائِلِهِمْ، أَوْ مَعَ أَصْحَابِهِمْ.
وَلَا إِشْكَالَ هُنَا، وَلَا مَحْذُورَ؛ إِلَّا أَنَّ البَعْضَ تَهَاوَنُوا بِشَيءٍ مِنَ الوَاجِبَاتِ، وَتَجَرَّؤُا عَلَى شَيءٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ.
فَمِنْ ذَلِكَ: تَهَاوُنُ بَعْضِ الرِّجَالِ بِصَلَاةِ الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ؛ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَرِيبًا؛ فَلْيَذْكُرْ هَؤُلَاءِ حَدِيثَ الرَّجُلِ الْأَعْمَى الَّذِي أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِمَّا تَهَاوَنَ بِهِ البَعْضُ: الإِسْرَافُ وَإِحْضَارُ الأَطْعِمَةِ الكَثِيْرَةِ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْهَا إِلَّا القَلِيْلُ، وَيُرْمَى البَاقِي فِي النِّفَايَاتِ، فَلْيَتَذَكَّرَ هَؤُلَاءِ أَقْوَامًا يَتَمَنَّوْنَ لُقْمَةَ العَيشِ فَلَا يَحْصُلُونَ عَلَيهَا، وَلْيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ يُسْلَبُونَ هَذِهِ النِّعْمَ.
فَلْنَتَّقِ اللهَ تَعَالَى، وَلْنَحْذَرْ مَا حَذَّرَنَا مِنْهُ؛ بِقَولِهِ: { يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأعراف 31
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِمَّا تَهَاوَنَ بِهِ البَعْضُ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ لِلاِسْتِرَاحَاتِ: اِسْتِمَاعُ الأَغَانِي وَالمُوسِيْقَى؛ أَوْ مَا يُسَمَّى بِالشَّيْلَاتِ؛ وَيَزْدَادُ الأَمْرُ سُوءًا عِنْدَ اِسْتِخْدَامِ مُكَبِّرَاتِ الصَّوتِ، وَإِزْعَاجِ النَّاسِ وَإِيْذَائِهِمْ بِصَخَبِهَا.
تَهَاوَنُوا بِهَذَا؛ وَأَمْرُهُ لَيْسَ بِهَيِّنٍ؛ فَقَدْ جَاءَتِ الشَّرِيْعَةُ بِتَحْرِيمِهِ، وَتَحَدَّثَ العُلَمَاءُ كَثِيْرًا عَنْ خَطَرِهِ، وَإِفْسَادِهِ لِلْقُلُوبِ.
يَقُولُ الشَّيْخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: لَا نَعْلَمُ فِي المُوسِيْقَى وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ المَلَاهِي تَفْصِيْلًا بَلْ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ وَكُلُّهَا مِنَ اللَّهْوِ المُحَرَّمِ وَكُلُّهَا مِنْ وَسَائِلِ إِفْسَادِ القُلُوبِ وَمَرَضِ القُلُوبِ وَالصَّدِّ عَنِ الخَيْرِ، فَالوَاجِبُ تَرْكُهَا؛ لِقَولِهِ جَلَّ وَعَلَا فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } لقمان 6 ... إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: فَيَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَحْذَرَ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَغْتَرَّ بِمَنْ تَسَاهَلَ فِي هَذِهِ الأُمُورِ عَلَى غَيْرِ بُرْهَانٍ. ا هـ
وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِحِفْظِ أَوْقَاتِنَا، وَحِفْظِ أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَجَمِيْعِ جَوَارِحِنَا، وَشُكْرِهِ تَعَالَى، وَالحَذَرِ مِمَّا يُغْضِبُهُ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1621478655_( أَهَمِيَّةُ الوَقْتِ؛ وَيَلِيْهِ ثَلَاثُ وَقَفَاتٍ لِأَهْلِ الاِسْتِرَاحَاتِ ).pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق