أهمية الوقت والغبن على الفوت –استغلال الإجازة-

محمد بن عبدالله التميمي
1440/10/23 - 2019/06/26 14:01PM

الخطبة الأولى

الحمد لله القائمِ على كل نفس بما كسبت، والعالمِ بما عملت، وفيه تّقَلَّبَت، المانِّ بتواترِ آلائه، المتفضِّلِّ بسوابغِ نعمائه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تكون لمَنِ اعتصم بها خيرُ عصمة، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبد الله ورسوله، أرسله للعالمين رحمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما مزيدا، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الدنيا –كما يقول علي بن أبي طالب  - قد ارتحلت مدبرة، وأن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بَنُون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

عباد الله.. إنه أمرٌ عند الأكثر ليس ذو بال، ولا يُفطَن له بكل حال، وإنما تكون اليقظة بقَدْرِه حقَّ قَدْرِه حين يفوت الاستدراك، فإياك إياك، أخرج الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود أن رسول الله قال: (لا تزول قدما ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عندِ ربِّه حتى يُسألَ عن خمسٍ: عن عمُره فيما أفناهُ، وعن شبابِه فيما أبلاهُ) الحديث.. إنه الوقت أنفسُ ما به عُنيت، وأسهلُ ما عليك يضيع، ما مضى منه لا يعود، وربك يعطي ويجود، وللعبرة يُقيم ما يعلم به المرء ألّا خلود {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } يَخْلُفُ كلُّ واحد منهما الآخر، يتعاقبان لا يفتران.

عباد الله.. إن الوصية بالوقت -بالحثِّ على اغتنامه والتحذيرِ من إضاعته- فإنه إذا مضى الوقت، كان الفوت، والمؤمن لساعته يغتنم، قبل أن تفوت الفرصة فيغتم، فعن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ  قال لرَجلٍ وهو يَعِظُهُ: "غتَنِمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكِ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغُلِكَ، وحياتَكَ قبلَ مَوتِكَ" .

إن واجدَ الفراغِ وهو صحيح، ليَعيشُ نعمةً يغبِطُهُ عليها: عارفُ قيمتِها، كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس  قال: قال النبي : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحةُ والفراغ" قال ابن القيم : (إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدن،يا وأهلها) فمن تحقق بهذا العلم، يتجدد عنده إذا لم يزدد عملا الندم، قال ابن مسعود : "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي" فمن كان كذلك فهو على وقته شحيح، قال الحسن البصري : "أدركت قوما كانوا على أوقاتهم أشدُّ منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم" .

ولهذا -عباد الله- فإن من أمضى يومه في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أدّاه، أو مجدٍ أثَّلَه، أو خيرٍ أسَّسه، أو علمٍ اقتبسه، فقد ظلم نفسه .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَالْعَصْرِ  إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} بارك الله ولكم في القرآن وعلمنا الحكمة والفرقان، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه... 

الخطبة لثانية

الحمد لله ذي الجلام والإكرام، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله إلى جميع الأنام، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام، أما بعد:

فإنكم معشر الآباء مأمورون بالقيام بحفظ أولادكم، وهكذا أنت أيها الشاب مأمور بحفظ نفسك، فقد كثُر في هذه الأيام الفراغ، وإن تُرك الحبل على الغارب فمُتَخَطِّفُوا الأوقات بالشُّبهات والشهوات بالرَّصَد، قد أعدوا العُدَد، وهم في كلٍّ طامعون، فاعمروا أوقاتَكم وأوقات أولادِكم بما ينفع آخرةً ودنيا، فرياضُ القرآن خيرُ مستودَع، وحلقاتُ العلم وكتُبُه بها المرء لنفسه ينفع، وبتحصيلك في العلومُ الدنيوية فرضُ الكفاية عن الأمة ترفع، وللشر عن نفسك تدفع، ونفسك إن لم تَشْغَلْهَا بالحق شغَلتْكَ بالباطل .

عباد الله.. وإنه كما قال رسول الله : "وإن لنفسك عليك حقا" فالترويح عن النفس بما لا يسوء المرء في آخرته بإيرادها موارد الفتن، وإن في هذه البلاد المباركة لـمُستَرْوَحٌ للنفس، وخيرُ ذلك الحَرَمان الشريفان، وصلةُ الرحم والخِلّان، ومَن أحسن النية واستشعر المسؤولية، فإنه في ترويحه بالمباح مأجور، لما به على طاعة ربه يتقوى، ولنفسه وولده عن الشر ينأى، والله المؤمَّل والمرتَجَى أن على الحقّ لأقدامنا يُثبّت، ومن الفتن يُعيذ .

المرفقات

عن-أهمية-الوقت-والغبن-على-الفوت-استغ-2

عن-أهمية-الوقت-والغبن-على-الفوت-استغ-3

عن-أهمية-الوقت-والغبن-على-الفوت-استغ-3

عن-أهمية-الوقت-والغبن-على-الفوت-استغ-4

عن-أهمية-الوقت-والغبن-على-الفوت-استغ-4

المشاهدات 979 | التعليقات 0