أَهميةُ الوقتِ
غازي بن طامي بن حماد الحكمي
أهمية الوقت
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾
أما بعد : فيا أيها الناس
اتقوا الله ، وتذكروا نِعَمه عليكم ، واشكروه عليها بالعمل الصالح ، فإن من شكر زاده الله توفيقًا ونعمة ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ .
عباد الله
إن هذا الوقت والزمن والعمر عرضةٌ للصرف والبذل ، فإما أن يكون بفائدة وإما أن يكون في غير ما فائدة . وبما أن الوقت هو أغلى ما يملك الإنسان فإن الإسراف في بذله في غير ما فائدة هو من أعظم الخسران.
فمن تتبع أخبار الناس و أحوالهم وعرف كيف يقضون أوقاتهم وكيف يمضون أعمارهم عَلِمَ أن أكثر الخلق يهدرون أوقاتهم ، محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت. ويزداد العجب عجبا من فرح هؤلاء بمرور الأيام وتوالي الأعوام ، وهم في غفلة معرضون وفي غمرة ساهون.
يقول ابن الجوزي رحمه الله [ ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل ] .
ولقد عني القرآن الكريم والسنة المطهرة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة ، فقد أقسم الله بالوقت في مطالع سور عديدة مثل : الليل والنهار والفجر والضحى والعصر، ومعلوم أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهمية وعظمة ذلك المقسم به ، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفَعته .
وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن ، وتبين أن الإنسان مسؤول عنه يوم القيامة ، روى الترمذي عن معاذ بن جبل t أن رسول الله r قال (( لَا تَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ ، وَعُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ كَيْفَ عَمِلَ فِيهِ ؟ )).
قال ابن الجوزي رحمه الله [ قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش , وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا , فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون ] .
أيها المؤمنون
إذا علمنا وأدركنا أهمية الوقت وجب علينا أمور كثيرة ، لكي نستفيد ونستثمر وندخر هذا الوقت. ومن هذه الأمور :
1 ) الحرص على استثمار هذا الوقت الثمين وعدم التفريط في لحظة واحدة منه ، يقول الحسن البصري رحمه الله [ أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم ] .
2 2 ) تنظيم الوقت ، فيقدَّم من الأعمال والأقوال الأهمُ فالمهم ، بحيث لا يطغى بعضها على بعض ، خاصة إذا تعددت مسؤولياته بين حق الله وحق الوالدين وحق الزوجة والأولاد وحق عامة الناس ، وفي الحديث : (( إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) أخرجه البخاري من حديث سلمان t .
33 3 ) اغتنام وقت الفراغ ، فالفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس فلا يؤدون شكرها ، ولا يقدرونها حق قدرها ، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي r قال (( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغ )) .
وقد حث النبي r على اغتنام وقت الفراغ فقال r (( اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ )) رواه الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما و صححه الألباني .
عباد اللهدد
لا بد من اتخاذ الأسباب المعينة على حفظ الوقت من الهدر والضياع ، ومن تلك الأسباب :
أولاً: محاسبة النفس فيما يتعلق بصرف الوقت ، وهي من أعظم الوسائل التي تعين المسلم على اغتنام وقته في طاعة الله .
ثانيًا: تربية النفس على علو الهمة ، فمن ربَّى نفسه على التعلق بمعالي الأمور والتباعد عن سفاسفها كان من أحرص الناس على اغتنام وقته ، ومن عَلَت همته لم تقنع بالدون ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم .
إذا ما عَلا المرءُ رام العلا
ويقنعُ بالدُّونِ من كان دُونَا
ثالثًا: مصاحبة المحافظين على أوقاتهم ، فإن صحبة هؤلاء ومخالطتهم والحرص على القرب منهم والتأسي بهم تعين على اغتنام الوقت ، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله .
رابعًا: معرفة حال السلف مع الوقت ، فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم أكبرُ عون للمسلم على حسن استغلال وقته ، فهم خير من أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر ، وقد ضربوا أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر واستغلال أنفاسه في طاعة الله ، قال ابن مسعود t [ ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي ] .
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله [ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ] .
وقال موسى بن إسماعيل رحمه الله [ لو قلت لكم : إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا قط صدقتكم ، كان مشغولا بنفسه ؛ إما أن يُحدِّث ، وإما أن يقرأ ، وإما أن يسبح ، وإما أن يصلي ، كان قد قسم النهار على هذه الأعمال ] ، وقال ابن القيم رحمه الله [ إضاعة الوقت أشد من الموت ؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها ] .
خامسًا: تنويع ما يُستغل به الوقت ، فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل وتنفر من التكرير ، وتنويع الأعمال يساعد النفس على استغلال أكبر قدر ممكن من الوقت وينشطها إلى ذلك.
سادسًا : إدراك أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يُعوَّض ، فكل يوم يمضي وكل ساعة تنقضي وكل لحظة تمر ليس في الإمكان استعادتها ، وبالتالي لا يمكن تعويضها.
سابعًا: تذكُّر الموت وساعة الاحتضار ، وتذكُّر السؤال عن الوقت يوم القيامة حين يستدبر المرء الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن ليصلح ما فسد ويتدارك ما فات ، ولكن هيهات هيهات ، فقد انتهى زمن العمل وحان زمن الحساب والجزاء.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وعلى حسن عبادتك.
أقول ما تسمعون وأستغفِر اللهَ لي ولَكم ولجميعِ المسلِمين من كلّ ذنب فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الحمد لله ، حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه ، كما يحبُّ ربُّناويرضى ، أحمده وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنِ اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.
أما بعد
فاتقوا الله تعالى بفعل ما أمر ، واجتنبوا الفواحش ما بَطَن منها وما ظهر ، واعلموا أن الله مع المتقين.
إن مجالات استثمار الوقت كثيرة ، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب وأصلح له ، ومن هذه المجالات :
أولاً: حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه ، وهذا خير ما تعمرُ به الأوقات وتقضى فيه اللحظات ، وقد حثَّ النبي r على تعلم كتاب الله ، فقال r : (( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )) رواه البخاري من حديث عثمان t .
ثانياَ: طلب العلم الشرعي ، فقد كان السلف الصالح أكثر حرصًا على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله ؛ وذلك لأنهم أدركوا أن حاجتهم إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب. واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور كثيرة ، فبادر الآن واستغل وقتك فهو عمرك وسوف تسأل عنه .
إذا كان يؤذيكِ حرّ المصيف
ويُبسُ الخريف وبَرْدُ الشتاء
ويُلهيكِ حسنُ زمانِ الربيع
فأخذك للعلم قُل لي: متى؟!
ثالثاَ: ذكر الله تعالى ، فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر ، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهدًا .
وقد أوصى النبي r أحد أصحابه فقال له (( لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ )) رواه أحمد من حديث عبد الله بن بسر t .
فما أجمل أن يكون قلب المسلم معمورًا بذكر مولاه ، إن نطق فبذكره ، وإن عمل فبشكره.
رابعاَ: الإكثار من النوافل ، وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله ، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها ، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض ، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد ، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ )) رواه البخاري من حديث أبي هريرة t .
خامساَ: الدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والنصيحة للمسلمين.
سادساَ: زيارة الأقارب وصلة الأرحام ، فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق ، قال النبي r: (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )) متفق عليه من حديث أنس t .
سابعاَ: اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة ، مثل بعد الصلوات ، وبين الأذان والإقامة ، وثلث الليل الأخير ، وعند سماع النداء للصلاة ، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس .
وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها، فيحصل المسلم بها على الأجر الكبير والثواب العظيم.
عباد الله
هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته ، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها ، ورأس تلك العوائق الغفلة والتسويف ، فهما سلاحان ماضيان من أسلحة الشيطان تفتك بالإنسان .
فبادر ـ أيها المسلم ـ باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله ، واحذر من التسويف والكسل ، فكم في المقابر من قتيلِ سَوفَ.
نسأل الله صلاحـا عاجلا
إنما الغافل في البلـوى هلك
وكفانا ما مضى من بؤسنا
ربنا اكشف ما بنا فالأمر لك
ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله ، كما أمركم بذلك ربُّ العزَّة والجلال .
اللّهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن الخلفاءِ الأربعة الرّاشدين...
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .....
اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنابه .
اللهم ارحم موتانا وأشف مرضانا وتولى أمرنا .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى .
اللهم اجعلنا نشكرك ونذكرك حتى ترضى .
اللهم اجعلنا ممن أحسن الظن بك .
اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك ، و أفقر عبادك إليك .
اللهم آت نفوسنا تقواها و زكها أنت خير من زكاها .
اللهم ارفع ذكرنا ، و ثقل موازيننا ، و اختم بالصالحات أعمالنا .
اللهم أنزل علينا سكينة من عندك ، تثبت بها قلوبنا ، و تعصمنا بها من ارتكاب معاصيك .
اللهم إنك تعلم ما في السرائر ، فحقق آمالنا و أحلامنا .
اللهم اكتب لنا سعادة تزيل غشاوة ما قد سبق .
عباد الله ﭽ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأيْمَـٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﭼ واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، الله يعلم ما تصنعون .
المرفقات
1744382223_أهمية الوقت ملتقى الخطباء.doc
1744382227_أهمية الوقت ملتقى الخطباء.pdf