أهمية الورد القرآني

أنشر تؤجر
1446/04/21 - 2024/10/24 16:30PM

الحمد لله الملك العزيز العلام، وأشكره على ما أسداه من جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أظهر الله به دين الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتَّقُوى اللَّهَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ .

أيها المؤمنون:  عبادة عظيمة ، وغنيمة ليست كأي غنيمة ، ثمراتها كثيرة ، وبركاتها غزيرة ووفيرة ، ألا وهي الورد القرآني ؛ إنه المقدار اليومي الذي يقرؤه المسلم من كتاب الله .

فهو ربيع  القلب وجِلاؤه وشفاؤه ، فمن هجره فقد هجر ربيع قلبه ، وابتعد عنه أُنس صدره .

تمضي الحياة وأنت تطلب أنسَها       والأنسُ كلُّ الأنس في القرآن

الورد القرآني ـ عباد الله ـ يؤمر به المؤمن لنيل الأجر، وضبط الحفظ ؛ ولأن فيه الهُدى والرحمة ، والشِّفاء والزَّكاء.

قال الله تعالى :( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )

وعن عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ؛ لَا أَقُولُ : الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ».
رَوَاهُ التِّرْمَذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

الورد القرآني – يا عبد الله – هو تِرياق يومك ، وبلسم نهارك ، وسكن ليلك ؛ إنه يحوِّل أجواء قلبك العاصفة إلى ظلال وارفة، فإن طاف بك حُزن واساك، وإن مسَّك قَرح سلَّاك، وإن كنت حائراً أرشدك وآواك، وإن كنت وجلاً خائفاً بث السكينة في صدرك وحماك .

ولقد بلغ من محافظة النبي صلى الله عليه وسلم على حزبه من القرآن أن قدمت عليه صلى الله عليه وسلّم وفود يبتغون توجيهه وتعليمه، فكان صلى الله عليه وسلّم يأتيهم كل ليلةٍ بعد العشاء يحدّثهم، فلما كانت ليلةٌ أبطأ صلى الله عليه وسلم عن الوقت الذي كان يأتيهم فيه، فقالوا له: لقد أبطأتَ عنّا الليلة! فقال صلى الله عليه وسلم: “إنّه طرأ عليَّ حزبي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمّه”  أخرجه أبو داود.

فما أجمله من عذرٍ يبديهِ عليه الصلاة والسلام ، بأنّهُ كان في أمر، لا يقبلُ التأجيل ولا التسويفَ؛ إنه حزبه من القرآن طرأ عليه، فكره أن يأتيهم وهو لم يتمه، ففيه تأكيد للمؤمن ألا يشغلك شيء عن وردك من القرآن؛ كائناً هذا الأمرَ ما كان.

أيها المؤمنون : ومع هذا الزخم المادي المنهمر، ومع هذه الدنيا الفاتنة الغرَّارة يأتيك وردك القرآني ، فيبين لك حجم هذه الحياة! ويكون مراجعة يومية للأفكار والمعتقدات والأخلاق التي يتبناها المرء ، حتى لا يزيع عن طريقه وهو لا يشعر .

قال الله تعالى :( وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَٰحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَٰهُ تَرْتِيلًا ).

والدّنيا ، ومفاتنها ، ومباهجها ، إنّها لتصغر في عينك أمام آية تقرؤها ، وتتدبرها من كتاب الله ؛ ولذلك قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :« أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد ، فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله ـ عز وجل ـ خير له من ناقتين ، وثلاث خير له من ثلاث ، وأربع خير له من أربع ، ومن أعدادهن من الإبل » أخرجه مسلم.

ولن تنجح ـ أيها المبارك ـ في المحافظة على وردك القرآني حتى تعامله كأنه واجب من الواجبات ؛ تفرغ له الأوقات ، وتخاف عليه من الفوات ، وتحرص على أن تقضيه إذا فات ، فإذا فعلت ذلك فأبشر بالفتوحات.  

وإن من الحرمان أن يقول بعض الناس : ليس لدي وقت لتلاوة القرآن ، وهو يمضي يومه عاكفاً على قنوات التواصل الاجتماعي ؛ إن ربع ساعة فقط يقضيها المرء في وسائل التواصل كفيلة بأن يقرأ فيها جزء كاملاً من القرآن ، فنسأل الله أن لا يحرمنا فضلك .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان للأوابين غفورا. 

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه المصطفى ،  محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى ، أما بعد :

إن من أعظم المحفزات للمحافظة على وردك القرآني هو أن تعلم بأنه سبب لبركة يومك؛ وفي ذلك يقول الضياء المقدسي: «رأيت ذلك، وجربته كثيراً، فكنت إذا قرأت من القرآن كثيراً تيسر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسر لي» ومن هنا استحب بعض أهل العلم أن تقرأ وردك القرآني في أول النهار حتى تنسحب البركة على يومك كله، وحتى لا يجيئك ما يشغلك عنه.

وأفضل مدة يختم فيها كتاب الله أن يختم كل سبعة أيام كما هي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو، فقد قال له: «اقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك» أخرجه البخاري ومسلم.

وأقل ما وردتْ به السنّة في ختم القرآن أن يكون في ثلاثة أيام، وغاية ما روي من التوسعة أن يقرأ في أربعين يوماً، قال القرطبي: «الأربعون مدة الضعفاء، وأولي الأشغال».

فيا أيها المسلم الكريم : إذا كان لك ورد يومي من القرآن ، فاحمد الله ، وسله الثبات والمزيد ، وإذا لم يكن لك ورد يومي فابدأ من اليوم ؛ فما زال في العمر متسع ، ولتعلم بأن البداية قد يكون فيها شيء من المجاهدة ، فاستعن بالله ، وابدأ شيئاً فشيئاً ، وكن وقت وردك القرآني بعيداً عن جهازك الذكي ؛ حتى لا يسرق وقتك وأنت لا تشعر، وثق بأنك إذا داومت على التلاوة ، وأدمنت القراءة ، فسيكون القرآن خفيفاً على لسانك ، لذيذاً في صدرك وجَنانك ، ولن تعدل به دُرهماً ولا ذهباً .

الّلَهُمَ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا  وجلاء ....

اللهم ذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّيْنا ، وَعَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا ، وَارْزُقْنَا تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأطْرَافَ الْنَهَار على الوجه الذي يرضيك عنا .

اللهم إنا نسألك أن تصلي وتسلم وتبارك على نبينا محمد ، وعلى أزواجه وأصحابه وذريته .

اللهم احفظْ بلادَنا ، ووفق وولاتنا ، وأدِمْ أمنَنا ، وثبتْ إيمانَنا..

اللهم أعنا على ذكرك ، وعلى شكرك ، وعلى حسن عبادتك .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة سنة ، وقنا عذاب النار .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

 

 

المرفقات

1729776596_الورد القرآني.docx

المشاهدات 629 | التعليقات 0