أهمية النقد والثناء معًا, وبيانُ حاجة الناس للشكر والتشجيع (1) 18-11-1435
أحمد بن ناصر الطيار
1435/11/14 - 2014/09/09 19:40PM
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين, أما بعد:
فاتقوا عباد الله, واعلموا أنَّ موضوع النقد والثناء, من المواضيع الهامة في حياة الأفراد والشعوب, لا يستغني أحدٌ عنه مهما على شأنه, وعظم قدره, وجلَّ علمه, وارتفعت مكانته, فهو أحوجُ ما يكون إلى نقدٍ بنَّاء, ومدحٍ وثناء.
بالنقد يُقوَّم الْمعوج, وبالثناء يُغذَّى ويروى العامل والباذل.
بالنقد يُصَحَّحُ الْخطأ, وبالثناء يُشجَّع الْمُصيب.
بالنقد نعرف عيوبَنَا لنصححها, وبالثناء نعرف صوابنا لنستمر به.
بالنقد نعرف سبب تأخرنا وتراجعنا فنتجنَّبه, وبالثناء نعرف سبب تقدمنا وسرّ إبداعنا فنتمسك به.
بالنقد تنكسر ما في نفوسِ الناسِ من العجب والغرور, وبالثناء ترتفع معنوياتُهم, ويزول إحباطُهم.
بالنقد يرتدع ويهاب المسؤول المعتدي والمتكاسل والمستبد, وبالثناء يزداد المسؤول الْمُخلص والناصح عطاءً وبذلاً.
إذن, فالنقد والثناء الْمُنضبطان أمران ضروريان, لا يستغني عنهما أحدٌ أبداً.
وهما قرينان مُتلازمان, لا ضدَّان مُتنافران, ولا يكفي أحدُهُمَا عن الآخر, وإذا انفك أحدهما عن الآخر, فهو علامةٌ على فساد المنهج, وحصول خللٍ في السلوك والتربية والتعامل.
ولا تجد أحداً يأخذ بأحدهما دون الآخر, إلا رأيت الخلل حليفه, والنقصَ قرينه.
وإذا كان ذلك كذلك, كان ممَّا ينبغي على كلِّ مُسلمٍ, أنْ يعرف آدابهما وضوابطهما.
وأبدأ بالثناء والشكر على مَن يستحقُّه, وهو عملٌ شريفٌ, وخُلُقٌ لا يتخلق به إلا النفوس الشريفة, كيف وقد سمى الله تعالى نفسه شاكراً فقال: {ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}, وقال: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً}.
قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله: وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ هَذَا التَّعْبِيرِ تَعْلِيمُنَا الْأَدَبَ ، فَقَدْ عَلَّمَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذَا أَدَبًا مِنْ أَكْمَلِ الْآدَابِ, بِمَا سَمَّى إِحْسَانَهُ وَإِنْعَامَهُ عَلَى الْعَامِلِينَ شُكْرًا لَهُمْ, مَعَ أَنَّ عمَلَهُمْ لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا ، وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ لَهُمْ ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ, إِذْ هَدَاهُمْ إِلَيْهِ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ ، فَهَلْ يَلِيقُ بِمَنْ يَفْهَمُ هَذَا الْخِطَابَ الْأَعْلَى, أَنْ يَرَى نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى, وَهُوَ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُ نِعَمَهُ فِيمَا سِيقَتْ لِأَجْلِهِ؟ ثُمَّ هَلْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَرَى بَعْضَ النَّاسِ يُسْدِي إِلَيْهِ مَعْرُوفًا, ثُمَّ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يُكَافِئُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَوْقَ صَاحِبِ الْمَعْرُوفِ رُتْبَةً وَأَعْلَى مِنْهُ طَبَقَةً؟.
فتَرْكُنَا شُكْرَ النَّاسِ وَتَقْدِيرَ أَعْمَالِهِمْ قَدْرَهَا, سَوَاءٌ كَانَ عَمَلُهُمُ النَّافِعُ مُوَجَّهًا إِلَيْنَا أَوْ إِلَى غَيْرِنَا مِنَ الْخَلْقِ ، فَهُوَ جِنَايَةٌ مِنَّا عَلَى النَّاسِ وَعَلَى أَنْفُسِنَا ; لِأَنَّ صَانِعَ الْمَعْرُوفِ إِذَا لَمْ يَلْقَ إِلَّا الْكُفْرَانَ, فَإِنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَ عَمَلَ الْمَعْرُوفِ فِي الْغَالِبِ ، فَنُحْرَمُ مِنْهُ, وَنَقَعُ مَعَ الْأَكْثَرِينَ فِي ضِدِّهِ فَنَكُونُ مِنَ الْخَاسِرِينَ..
ثُمَّ إِنَّ كُفْرَانَ النِّعَمِ, لَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَفْسِ مَنْ عَسَاهُ يُوجَدُ مِنْهُمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثَرُهُ تَرْكَ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ ، كَانَ الْفُتُورَ فِيهِ..
كَذَلِكَ الشُّكْرُ يُؤَثِّرُ فِي إِنْهَاضِ هِمَّةِ أَعْلِيَاءِ الْهِمَّةِ, مِنَ الْمُخْلِصِينَ فِي أَعْمَالِهِمُ, الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عَلَيْهَا جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ; ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَمَلَهُمُ الْخَيْرَ نَافِعًا فَيَزِيدُونَ مِنْهُ ، كَمَا أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ ضَائِعًا يَكُفُّونَ عَنْهُ. ا.هـ كلامه رحمه الله
وهاهو القائد الأعظم, والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم, الذي كسب بِقِيَمِه صفوةَ الرجال, وصنع بأخلاقه وتشجيعه الأبطال, يُثني ويشكر الناس على محاسن أعمالهم, وفضائل خِصَالِهِم, فيشكر رجلاً في وجهه فيقول: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ ".
ويشكر ويُثني على آخر فيقول: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ».
وأما شكره لأبي بكرٍ رضي الله عنه فلا يُحصر, وثناؤه على عمر رضي الله عنه أشهرُ مِنْ أنْ يُذكر.
فشكرُ الناسِ والثناء عليهم - بِمَا فيهم-, صفةٌ لا يتحلى بها إلا شرفاء الناس, أصحابُ القلوب الصافية السليمة, وهي من أعظم ما تُدخل السرور على الناس.
والشكرُ والثناءُ لا يستغني عنه أحدٌ مهما كبُر سنُّه, وعظُم قدره, وقويتْ صلتُه, فالكبير إذا مدحه طفلٌ صغيرٌ بصفةٍ تميَّز بها عن غيره, فرح بها, فكيف لو جاء هذا المدح من كبيرٍ خبير؟.
ولو كانَ يستغني عن الشّكرِ ماجدٌ ... لرفعة شأنٍ أوْ علوِّ مكانِ
لَمَا أمرَ اللهُ العبادَ بشكرهِ ... فقالَ اشكروني أيُّها الثّقلانِ
إنَّ صاحبَ هذه الصفة الرفيعة: يشارك المحسن والعامل أجره وعمله.
نعم, بثنائك على فاعل الخير والعمل الصالح, تُشاركه الأجر في عمله, لأنك بدعائك وثنائك وتشجيعك, تسببتَ في مُواصلته واسْتمراره وثباته على عمله الصالح.
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ الْمُهَاجِرُونَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ, وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ, مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ, لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ, وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ, حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ, مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ, وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ. صححه الترمذيُّ والألباني
ومعنى الحديث: أنَّ الأنصارَ مِن شدَّة إيثارهم للمهاجرين, وكثرة نفقاتهم, خاف المهاجرون أنْ يَذهبَ الأنصارُ بالأجر كله, فقال لهم رسول الله: "لا", أي لا يفضلونكم ولا يحوزون بالأجر وحدهم ، إذا كنتم تدعون لهم, وتُثنون عليهم وتُشجعونهم على محاسن أعمالهم, فتُعْطَون على الدعاء والثناء من الأجر, ما يُعْطَوْنَ على النفقة والعطاء.
فلْنحرص -يا أمة الإسلام- على أنْ نتخلق بهذا الخلق الكريمِ الفاضل, ولْنشكرِ الْمُحسنين والناصحين والعاملين أعمالاً طيبة, ونُثني عليهم, ونُبارك لهم جُهدهم وأعمالهم, ولْندع كثرة نقدهم, فكثرةُ النقد تُميتُ العزائم, وتُوهن الهمم.
وقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ". صححه الترمذيُّ والألباني وغيرهما.
فهذا نصٌّ صريحٌ صحيح, بأنَّ مَنْ لم يَشْكُرِ النَّاسَ على إحسانهم وصالح أعمالهم, فإن شُكره للَّهَ تعالى يكون ناقصاً.
فيا أيهم المربي والْمُعلم, اشْكُر طلابك وأبناءك إذا رأيت منهم أعمالاً صالحة, وأفعالاً حسنة.
أيُّها الرئيسُ والْمُدير, تلَمَّسوا أحسن ما عند مُوظّفيكم فاشْكروهم عليه, وشجعوهم على الثبات عليه.
بل ينبغي على كلِّ فردٍ من أفراد المجتمع أنْ يحرص على ذلك, بين الوالد وولده, والزوجِ وزوجه.
لِيَكن الثناءُ والتشجيع هو السمةُ البارزةُ فيكم, فبه تَسْتَنْهِضُون النفوس للعمل, وتُحيون الفأل والأمل, وتَقْضُون على الخمولِ والكسل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، أثنى على الشاكرين ومَدحَ الحامِدِين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: أيها المسلمون: إنَّ تفعيل خلق الشكر والثناءِ على المعروف, يُحيي الأمم, ويُعلي الهمم, ويصنع الرجال, ويُوجد القادة والأبطال, ويزرع الحب والمودة بين الناس, وينزع من الصدور الغل والحقد والكراهية.
أما أنْ نرى العاملين المخلصين - مهما كان إخلاصهم- دون شكرهم والثناء على صنيعهم, فهذه جريمةٌ نرتكبها في حقهم, وخطأٌ نقترفه تجاه محاسن أعمالهم.
وأمَّا مدحُ مَن لا يستحق المدح والثناء, فهو نوعٌ من النفاق والكذب والرياء, وهو بذلك يُعين ويُساعد على نشر الفساد بين الناس.
وهذا النوع من الناس, هم الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ».
وكلمة الْمَدَّاحِينَ جاءت بصيغة المبالغة, وهي المكثر من المدح, فيمدح في حقٍّ أو باطل.
أما مَنْ يمدحُ في حقٍّ ودون مُبالغة: فلا يدخل في هذا الحديث, ولو مدحه في وجهه وتحت سَمْعِهِ.
بل إنَّ هذا المدح والثناءَ عبادةٌ يُؤْجَر عليه المادح, بشرط أنْ ينوي به تشجيع الْمَمْدُوحَ, وتحفيزَهُ على عمله الصالح وأخلاقه الحسنة.
واحذروا من الْمُبالغة في المدح ولو كان ممَّن يستحقّ, فكثيراً ما يدفعنا حبُّ أحدٍ من الناس, وإعجابنا وفرحنا بما يقوم به من أعمالٍ طيبة, وخصالٍ فاضلة, إلى المبالغة في مدحه وشكره, وربما صدر ما يُذم شرعا, وربما أصابَه الإعجاب والغرور جرّاء ذلك.
وللحديث بقيَّةٌ بحول الله تعالى.
نسأل الله تعالى أنْ يُحسن أخلاقنا, ويُجمِّل فعالنا, ويُوفقنا لشكر الناس بعد شُكره, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
أهمية النقد والثناء معًا, وبيانُ حاجة الناس للشكر والتشجيع (1) 11-11-1435
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين, أما بعد:
فاتقوا عباد الله, واعلموا أنَّ موضوع النقد والثناء, من المواضيع الهامة في حياة الأفراد والشعوب, لا يستغني أحدٌ عنه مهما على شأنه, وعظم قدره, وجلَّ علمه, وارتفعت مكانته, فهو أحوجُ ما يكون إلى نقدٍ بنَّاء, ومدحٍ وثناء.
بالنقد يُقوَّم الْمعوج, وبالثناء يُغذَّى ويروى العامل والباذل.
بالنقد يُصَحَّحُ الْخطأ, وبالثناء يُشجَّع الْمُصيب.
بالنقد نعرف عيوبَنَا لنصححها, وبالثناء نعرف صوابنا لنستمر به.
بالنقد نعرف سبب تأخرنا وتراجعنا فنتجنَّبه, وبالثناء نعرف سبب تقدمنا وسرّ إبداعنا فنتمسك به.
بالنقد تنكسر ما في نفوسِ الناسِ من العجب والغرور, وبالثناء ترتفع معنوياتُهم, ويزول إحباطُهم.
بالنقد يرتدع ويهاب المسؤول المعتدي والمتكاسل والمستبد, وبالثناء يزداد المسؤول الْمُخلص والناصح عطاءً وبذلاً.
إذن, فالنقد والثناء الْمُنضبطان أمران ضروريان, لا يستغني عنهما أحدٌ أبداً.
وهما قرينان مُتلازمان, لا ضدَّان مُتنافران, ولا يكفي أحدُهُمَا عن الآخر, وإذا انفك أحدهما عن الآخر, فهو علامةٌ على فساد المنهج, وحصول خللٍ في السلوك والتربية والتعامل.
ولا تجد أحداً يأخذ بأحدهما دون الآخر, إلا رأيت الخلل حليفه, والنقصَ قرينه.
وإذا كان ذلك كذلك, كان ممَّا ينبغي على كلِّ مُسلمٍ, أنْ يعرف آدابهما وضوابطهما.
وأبدأ بالثناء والشكر على مَن يستحقُّه, وهو عملٌ شريفٌ, وخُلُقٌ لا يتخلق به إلا النفوس الشريفة, كيف وقد سمى الله تعالى نفسه شاكراً فقال: {ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}, وقال: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً}.
قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله: وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ هَذَا التَّعْبِيرِ تَعْلِيمُنَا الْأَدَبَ ، فَقَدْ عَلَّمَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذَا أَدَبًا مِنْ أَكْمَلِ الْآدَابِ, بِمَا سَمَّى إِحْسَانَهُ وَإِنْعَامَهُ عَلَى الْعَامِلِينَ شُكْرًا لَهُمْ, مَعَ أَنَّ عمَلَهُمْ لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا ، وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ لَهُمْ ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ, إِذْ هَدَاهُمْ إِلَيْهِ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ ، فَهَلْ يَلِيقُ بِمَنْ يَفْهَمُ هَذَا الْخِطَابَ الْأَعْلَى, أَنْ يَرَى نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى, وَهُوَ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُ نِعَمَهُ فِيمَا سِيقَتْ لِأَجْلِهِ؟ ثُمَّ هَلْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَرَى بَعْضَ النَّاسِ يُسْدِي إِلَيْهِ مَعْرُوفًا, ثُمَّ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يُكَافِئُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَوْقَ صَاحِبِ الْمَعْرُوفِ رُتْبَةً وَأَعْلَى مِنْهُ طَبَقَةً؟.
فتَرْكُنَا شُكْرَ النَّاسِ وَتَقْدِيرَ أَعْمَالِهِمْ قَدْرَهَا, سَوَاءٌ كَانَ عَمَلُهُمُ النَّافِعُ مُوَجَّهًا إِلَيْنَا أَوْ إِلَى غَيْرِنَا مِنَ الْخَلْقِ ، فَهُوَ جِنَايَةٌ مِنَّا عَلَى النَّاسِ وَعَلَى أَنْفُسِنَا ; لِأَنَّ صَانِعَ الْمَعْرُوفِ إِذَا لَمْ يَلْقَ إِلَّا الْكُفْرَانَ, فَإِنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَ عَمَلَ الْمَعْرُوفِ فِي الْغَالِبِ ، فَنُحْرَمُ مِنْهُ, وَنَقَعُ مَعَ الْأَكْثَرِينَ فِي ضِدِّهِ فَنَكُونُ مِنَ الْخَاسِرِينَ..
ثُمَّ إِنَّ كُفْرَانَ النِّعَمِ, لَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَفْسِ مَنْ عَسَاهُ يُوجَدُ مِنْهُمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثَرُهُ تَرْكَ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ ، كَانَ الْفُتُورَ فِيهِ..
كَذَلِكَ الشُّكْرُ يُؤَثِّرُ فِي إِنْهَاضِ هِمَّةِ أَعْلِيَاءِ الْهِمَّةِ, مِنَ الْمُخْلِصِينَ فِي أَعْمَالِهِمُ, الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عَلَيْهَا جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ; ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَمَلَهُمُ الْخَيْرَ نَافِعًا فَيَزِيدُونَ مِنْهُ ، كَمَا أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ ضَائِعًا يَكُفُّونَ عَنْهُ. ا.هـ كلامه رحمه الله
وهاهو القائد الأعظم, والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم, الذي كسب بِقِيَمِه صفوةَ الرجال, وصنع بأخلاقه وتشجيعه الأبطال, يُثني ويشكر الناس على محاسن أعمالهم, وفضائل خِصَالِهِم, فيشكر رجلاً في وجهه فيقول: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ ".
ويشكر ويُثني على آخر فيقول: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ».
وأما شكره لأبي بكرٍ رضي الله عنه فلا يُحصر, وثناؤه على عمر رضي الله عنه أشهرُ مِنْ أنْ يُذكر.
فشكرُ الناسِ والثناء عليهم - بِمَا فيهم-, صفةٌ لا يتحلى بها إلا شرفاء الناس, أصحابُ القلوب الصافية السليمة, وهي من أعظم ما تُدخل السرور على الناس.
والشكرُ والثناءُ لا يستغني عنه أحدٌ مهما كبُر سنُّه, وعظُم قدره, وقويتْ صلتُه, فالكبير إذا مدحه طفلٌ صغيرٌ بصفةٍ تميَّز بها عن غيره, فرح بها, فكيف لو جاء هذا المدح من كبيرٍ خبير؟.
ولو كانَ يستغني عن الشّكرِ ماجدٌ ... لرفعة شأنٍ أوْ علوِّ مكانِ
لَمَا أمرَ اللهُ العبادَ بشكرهِ ... فقالَ اشكروني أيُّها الثّقلانِ
إنَّ صاحبَ هذه الصفة الرفيعة: يشارك المحسن والعامل أجره وعمله.
نعم, بثنائك على فاعل الخير والعمل الصالح, تُشاركه الأجر في عمله, لأنك بدعائك وثنائك وتشجيعك, تسببتَ في مُواصلته واسْتمراره وثباته على عمله الصالح.
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ الْمُهَاجِرُونَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ, وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ, مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ, لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ, وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ, حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ, مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ, وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ. صححه الترمذيُّ والألباني
ومعنى الحديث: أنَّ الأنصارَ مِن شدَّة إيثارهم للمهاجرين, وكثرة نفقاتهم, خاف المهاجرون أنْ يَذهبَ الأنصارُ بالأجر كله, فقال لهم رسول الله: "لا", أي لا يفضلونكم ولا يحوزون بالأجر وحدهم ، إذا كنتم تدعون لهم, وتُثنون عليهم وتُشجعونهم على محاسن أعمالهم, فتُعْطَون على الدعاء والثناء من الأجر, ما يُعْطَوْنَ على النفقة والعطاء.
فلْنحرص -يا أمة الإسلام- على أنْ نتخلق بهذا الخلق الكريمِ الفاضل, ولْنشكرِ الْمُحسنين والناصحين والعاملين أعمالاً طيبة, ونُثني عليهم, ونُبارك لهم جُهدهم وأعمالهم, ولْندع كثرة نقدهم, فكثرةُ النقد تُميتُ العزائم, وتُوهن الهمم.
وقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ". صححه الترمذيُّ والألباني وغيرهما.
فهذا نصٌّ صريحٌ صحيح, بأنَّ مَنْ لم يَشْكُرِ النَّاسَ على إحسانهم وصالح أعمالهم, فإن شُكره للَّهَ تعالى يكون ناقصاً.
فيا أيهم المربي والْمُعلم, اشْكُر طلابك وأبناءك إذا رأيت منهم أعمالاً صالحة, وأفعالاً حسنة.
أيُّها الرئيسُ والْمُدير, تلَمَّسوا أحسن ما عند مُوظّفيكم فاشْكروهم عليه, وشجعوهم على الثبات عليه.
بل ينبغي على كلِّ فردٍ من أفراد المجتمع أنْ يحرص على ذلك, بين الوالد وولده, والزوجِ وزوجه.
لِيَكن الثناءُ والتشجيع هو السمةُ البارزةُ فيكم, فبه تَسْتَنْهِضُون النفوس للعمل, وتُحيون الفأل والأمل, وتَقْضُون على الخمولِ والكسل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، أثنى على الشاكرين ومَدحَ الحامِدِين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: أيها المسلمون: إنَّ تفعيل خلق الشكر والثناءِ على المعروف, يُحيي الأمم, ويُعلي الهمم, ويصنع الرجال, ويُوجد القادة والأبطال, ويزرع الحب والمودة بين الناس, وينزع من الصدور الغل والحقد والكراهية.
أما أنْ نرى العاملين المخلصين - مهما كان إخلاصهم- دون شكرهم والثناء على صنيعهم, فهذه جريمةٌ نرتكبها في حقهم, وخطأٌ نقترفه تجاه محاسن أعمالهم.
وأمَّا مدحُ مَن لا يستحق المدح والثناء, فهو نوعٌ من النفاق والكذب والرياء, وهو بذلك يُعين ويُساعد على نشر الفساد بين الناس.
وهذا النوع من الناس, هم الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ».
وكلمة الْمَدَّاحِينَ جاءت بصيغة المبالغة, وهي المكثر من المدح, فيمدح في حقٍّ أو باطل.
أما مَنْ يمدحُ في حقٍّ ودون مُبالغة: فلا يدخل في هذا الحديث, ولو مدحه في وجهه وتحت سَمْعِهِ.
بل إنَّ هذا المدح والثناءَ عبادةٌ يُؤْجَر عليه المادح, بشرط أنْ ينوي به تشجيع الْمَمْدُوحَ, وتحفيزَهُ على عمله الصالح وأخلاقه الحسنة.
واحذروا من الْمُبالغة في المدح ولو كان ممَّن يستحقّ, فكثيراً ما يدفعنا حبُّ أحدٍ من الناس, وإعجابنا وفرحنا بما يقوم به من أعمالٍ طيبة, وخصالٍ فاضلة, إلى المبالغة في مدحه وشكره, وربما صدر ما يُذم شرعا, وربما أصابَه الإعجاب والغرور جرّاء ذلك.
وللحديث بقيَّةٌ بحول الله تعالى.
نسأل الله تعالى أنْ يُحسن أخلاقنا, ويُجمِّل فعالنا, ويُوفقنا لشكر الناس بعد شُكره, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
فاتقوا عباد الله, واعلموا أنَّ موضوع النقد والثناء, من المواضيع الهامة في حياة الأفراد والشعوب, لا يستغني أحدٌ عنه مهما على شأنه, وعظم قدره, وجلَّ علمه, وارتفعت مكانته, فهو أحوجُ ما يكون إلى نقدٍ بنَّاء, ومدحٍ وثناء.
بالنقد يُقوَّم الْمعوج, وبالثناء يُغذَّى ويروى العامل والباذل.
بالنقد يُصَحَّحُ الْخطأ, وبالثناء يُشجَّع الْمُصيب.
بالنقد نعرف عيوبَنَا لنصححها, وبالثناء نعرف صوابنا لنستمر به.
بالنقد نعرف سبب تأخرنا وتراجعنا فنتجنَّبه, وبالثناء نعرف سبب تقدمنا وسرّ إبداعنا فنتمسك به.
بالنقد تنكسر ما في نفوسِ الناسِ من العجب والغرور, وبالثناء ترتفع معنوياتُهم, ويزول إحباطُهم.
بالنقد يرتدع ويهاب المسؤول المعتدي والمتكاسل والمستبد, وبالثناء يزداد المسؤول الْمُخلص والناصح عطاءً وبذلاً.
إذن, فالنقد والثناء الْمُنضبطان أمران ضروريان, لا يستغني عنهما أحدٌ أبداً.
وهما قرينان مُتلازمان, لا ضدَّان مُتنافران, ولا يكفي أحدُهُمَا عن الآخر, وإذا انفك أحدهما عن الآخر, فهو علامةٌ على فساد المنهج, وحصول خللٍ في السلوك والتربية والتعامل.
ولا تجد أحداً يأخذ بأحدهما دون الآخر, إلا رأيت الخلل حليفه, والنقصَ قرينه.
وإذا كان ذلك كذلك, كان ممَّا ينبغي على كلِّ مُسلمٍ, أنْ يعرف آدابهما وضوابطهما.
وأبدأ بالثناء والشكر على مَن يستحقُّه, وهو عملٌ شريفٌ, وخُلُقٌ لا يتخلق به إلا النفوس الشريفة, كيف وقد سمى الله تعالى نفسه شاكراً فقال: {ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}, وقال: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً}.
قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله: وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ هَذَا التَّعْبِيرِ تَعْلِيمُنَا الْأَدَبَ ، فَقَدْ عَلَّمَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذَا أَدَبًا مِنْ أَكْمَلِ الْآدَابِ, بِمَا سَمَّى إِحْسَانَهُ وَإِنْعَامَهُ عَلَى الْعَامِلِينَ شُكْرًا لَهُمْ, مَعَ أَنَّ عمَلَهُمْ لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا ، وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ لَهُمْ ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ, إِذْ هَدَاهُمْ إِلَيْهِ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ ، فَهَلْ يَلِيقُ بِمَنْ يَفْهَمُ هَذَا الْخِطَابَ الْأَعْلَى, أَنْ يَرَى نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى, وَهُوَ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُ نِعَمَهُ فِيمَا سِيقَتْ لِأَجْلِهِ؟ ثُمَّ هَلْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَرَى بَعْضَ النَّاسِ يُسْدِي إِلَيْهِ مَعْرُوفًا, ثُمَّ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يُكَافِئُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَوْقَ صَاحِبِ الْمَعْرُوفِ رُتْبَةً وَأَعْلَى مِنْهُ طَبَقَةً؟.
فتَرْكُنَا شُكْرَ النَّاسِ وَتَقْدِيرَ أَعْمَالِهِمْ قَدْرَهَا, سَوَاءٌ كَانَ عَمَلُهُمُ النَّافِعُ مُوَجَّهًا إِلَيْنَا أَوْ إِلَى غَيْرِنَا مِنَ الْخَلْقِ ، فَهُوَ جِنَايَةٌ مِنَّا عَلَى النَّاسِ وَعَلَى أَنْفُسِنَا ; لِأَنَّ صَانِعَ الْمَعْرُوفِ إِذَا لَمْ يَلْقَ إِلَّا الْكُفْرَانَ, فَإِنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَ عَمَلَ الْمَعْرُوفِ فِي الْغَالِبِ ، فَنُحْرَمُ مِنْهُ, وَنَقَعُ مَعَ الْأَكْثَرِينَ فِي ضِدِّهِ فَنَكُونُ مِنَ الْخَاسِرِينَ..
ثُمَّ إِنَّ كُفْرَانَ النِّعَمِ, لَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَفْسِ مَنْ عَسَاهُ يُوجَدُ مِنْهُمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثَرُهُ تَرْكَ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ ، كَانَ الْفُتُورَ فِيهِ..
كَذَلِكَ الشُّكْرُ يُؤَثِّرُ فِي إِنْهَاضِ هِمَّةِ أَعْلِيَاءِ الْهِمَّةِ, مِنَ الْمُخْلِصِينَ فِي أَعْمَالِهِمُ, الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عَلَيْهَا جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ; ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَمَلَهُمُ الْخَيْرَ نَافِعًا فَيَزِيدُونَ مِنْهُ ، كَمَا أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ ضَائِعًا يَكُفُّونَ عَنْهُ. ا.هـ كلامه رحمه الله
وهاهو القائد الأعظم, والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم, الذي كسب بِقِيَمِه صفوةَ الرجال, وصنع بأخلاقه وتشجيعه الأبطال, يُثني ويشكر الناس على محاسن أعمالهم, وفضائل خِصَالِهِم, فيشكر رجلاً في وجهه فيقول: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ ".
ويشكر ويُثني على آخر فيقول: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ».
وأما شكره لأبي بكرٍ رضي الله عنه فلا يُحصر, وثناؤه على عمر رضي الله عنه أشهرُ مِنْ أنْ يُذكر.
فشكرُ الناسِ والثناء عليهم - بِمَا فيهم-, صفةٌ لا يتحلى بها إلا شرفاء الناس, أصحابُ القلوب الصافية السليمة, وهي من أعظم ما تُدخل السرور على الناس.
والشكرُ والثناءُ لا يستغني عنه أحدٌ مهما كبُر سنُّه, وعظُم قدره, وقويتْ صلتُه, فالكبير إذا مدحه طفلٌ صغيرٌ بصفةٍ تميَّز بها عن غيره, فرح بها, فكيف لو جاء هذا المدح من كبيرٍ خبير؟.
ولو كانَ يستغني عن الشّكرِ ماجدٌ ... لرفعة شأنٍ أوْ علوِّ مكانِ
لَمَا أمرَ اللهُ العبادَ بشكرهِ ... فقالَ اشكروني أيُّها الثّقلانِ
إنَّ صاحبَ هذه الصفة الرفيعة: يشارك المحسن والعامل أجره وعمله.
نعم, بثنائك على فاعل الخير والعمل الصالح, تُشاركه الأجر في عمله, لأنك بدعائك وثنائك وتشجيعك, تسببتَ في مُواصلته واسْتمراره وثباته على عمله الصالح.
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ الْمُهَاجِرُونَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ, وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ, مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ, لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ, وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ, حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ, مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ, وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ. صححه الترمذيُّ والألباني
ومعنى الحديث: أنَّ الأنصارَ مِن شدَّة إيثارهم للمهاجرين, وكثرة نفقاتهم, خاف المهاجرون أنْ يَذهبَ الأنصارُ بالأجر كله, فقال لهم رسول الله: "لا", أي لا يفضلونكم ولا يحوزون بالأجر وحدهم ، إذا كنتم تدعون لهم, وتُثنون عليهم وتُشجعونهم على محاسن أعمالهم, فتُعْطَون على الدعاء والثناء من الأجر, ما يُعْطَوْنَ على النفقة والعطاء.
فلْنحرص -يا أمة الإسلام- على أنْ نتخلق بهذا الخلق الكريمِ الفاضل, ولْنشكرِ الْمُحسنين والناصحين والعاملين أعمالاً طيبة, ونُثني عليهم, ونُبارك لهم جُهدهم وأعمالهم, ولْندع كثرة نقدهم, فكثرةُ النقد تُميتُ العزائم, وتُوهن الهمم.
وقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ". صححه الترمذيُّ والألباني وغيرهما.
فهذا نصٌّ صريحٌ صحيح, بأنَّ مَنْ لم يَشْكُرِ النَّاسَ على إحسانهم وصالح أعمالهم, فإن شُكره للَّهَ تعالى يكون ناقصاً.
فيا أيهم المربي والْمُعلم, اشْكُر طلابك وأبناءك إذا رأيت منهم أعمالاً صالحة, وأفعالاً حسنة.
أيُّها الرئيسُ والْمُدير, تلَمَّسوا أحسن ما عند مُوظّفيكم فاشْكروهم عليه, وشجعوهم على الثبات عليه.
بل ينبغي على كلِّ فردٍ من أفراد المجتمع أنْ يحرص على ذلك, بين الوالد وولده, والزوجِ وزوجه.
لِيَكن الثناءُ والتشجيع هو السمةُ البارزةُ فيكم, فبه تَسْتَنْهِضُون النفوس للعمل, وتُحيون الفأل والأمل, وتَقْضُون على الخمولِ والكسل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، أثنى على الشاكرين ومَدحَ الحامِدِين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: أيها المسلمون: إنَّ تفعيل خلق الشكر والثناءِ على المعروف, يُحيي الأمم, ويُعلي الهمم, ويصنع الرجال, ويُوجد القادة والأبطال, ويزرع الحب والمودة بين الناس, وينزع من الصدور الغل والحقد والكراهية.
أما أنْ نرى العاملين المخلصين - مهما كان إخلاصهم- دون شكرهم والثناء على صنيعهم, فهذه جريمةٌ نرتكبها في حقهم, وخطأٌ نقترفه تجاه محاسن أعمالهم.
وأمَّا مدحُ مَن لا يستحق المدح والثناء, فهو نوعٌ من النفاق والكذب والرياء, وهو بذلك يُعين ويُساعد على نشر الفساد بين الناس.
وهذا النوع من الناس, هم الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ».
وكلمة الْمَدَّاحِينَ جاءت بصيغة المبالغة, وهي المكثر من المدح, فيمدح في حقٍّ أو باطل.
أما مَنْ يمدحُ في حقٍّ ودون مُبالغة: فلا يدخل في هذا الحديث, ولو مدحه في وجهه وتحت سَمْعِهِ.
بل إنَّ هذا المدح والثناءَ عبادةٌ يُؤْجَر عليه المادح, بشرط أنْ ينوي به تشجيع الْمَمْدُوحَ, وتحفيزَهُ على عمله الصالح وأخلاقه الحسنة.
واحذروا من الْمُبالغة في المدح ولو كان ممَّن يستحقّ, فكثيراً ما يدفعنا حبُّ أحدٍ من الناس, وإعجابنا وفرحنا بما يقوم به من أعمالٍ طيبة, وخصالٍ فاضلة, إلى المبالغة في مدحه وشكره, وربما صدر ما يُذم شرعا, وربما أصابَه الإعجاب والغرور جرّاء ذلك.
وللحديث بقيَّةٌ بحول الله تعالى.
نسأل الله تعالى أنْ يُحسن أخلاقنا, ويُجمِّل فعالنا, ويُوفقنا لشكر الناس بعد شُكره, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
أهمية النقد والثناء معًا, وبيانُ حاجة الناس للشكر والتشجيع (1) 11-11-1435
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين, أما بعد:
فاتقوا عباد الله, واعلموا أنَّ موضوع النقد والثناء, من المواضيع الهامة في حياة الأفراد والشعوب, لا يستغني أحدٌ عنه مهما على شأنه, وعظم قدره, وجلَّ علمه, وارتفعت مكانته, فهو أحوجُ ما يكون إلى نقدٍ بنَّاء, ومدحٍ وثناء.
بالنقد يُقوَّم الْمعوج, وبالثناء يُغذَّى ويروى العامل والباذل.
بالنقد يُصَحَّحُ الْخطأ, وبالثناء يُشجَّع الْمُصيب.
بالنقد نعرف عيوبَنَا لنصححها, وبالثناء نعرف صوابنا لنستمر به.
بالنقد نعرف سبب تأخرنا وتراجعنا فنتجنَّبه, وبالثناء نعرف سبب تقدمنا وسرّ إبداعنا فنتمسك به.
بالنقد تنكسر ما في نفوسِ الناسِ من العجب والغرور, وبالثناء ترتفع معنوياتُهم, ويزول إحباطُهم.
بالنقد يرتدع ويهاب المسؤول المعتدي والمتكاسل والمستبد, وبالثناء يزداد المسؤول الْمُخلص والناصح عطاءً وبذلاً.
إذن, فالنقد والثناء الْمُنضبطان أمران ضروريان, لا يستغني عنهما أحدٌ أبداً.
وهما قرينان مُتلازمان, لا ضدَّان مُتنافران, ولا يكفي أحدُهُمَا عن الآخر, وإذا انفك أحدهما عن الآخر, فهو علامةٌ على فساد المنهج, وحصول خللٍ في السلوك والتربية والتعامل.
ولا تجد أحداً يأخذ بأحدهما دون الآخر, إلا رأيت الخلل حليفه, والنقصَ قرينه.
وإذا كان ذلك كذلك, كان ممَّا ينبغي على كلِّ مُسلمٍ, أنْ يعرف آدابهما وضوابطهما.
وأبدأ بالثناء والشكر على مَن يستحقُّه, وهو عملٌ شريفٌ, وخُلُقٌ لا يتخلق به إلا النفوس الشريفة, كيف وقد سمى الله تعالى نفسه شاكراً فقال: {ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}, وقال: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً}.
قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله: وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ هَذَا التَّعْبِيرِ تَعْلِيمُنَا الْأَدَبَ ، فَقَدْ عَلَّمَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذَا أَدَبًا مِنْ أَكْمَلِ الْآدَابِ, بِمَا سَمَّى إِحْسَانَهُ وَإِنْعَامَهُ عَلَى الْعَامِلِينَ شُكْرًا لَهُمْ, مَعَ أَنَّ عمَلَهُمْ لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا ، وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ لَهُمْ ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ, إِذْ هَدَاهُمْ إِلَيْهِ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ ، فَهَلْ يَلِيقُ بِمَنْ يَفْهَمُ هَذَا الْخِطَابَ الْأَعْلَى, أَنْ يَرَى نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى, وَهُوَ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُ نِعَمَهُ فِيمَا سِيقَتْ لِأَجْلِهِ؟ ثُمَّ هَلْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَرَى بَعْضَ النَّاسِ يُسْدِي إِلَيْهِ مَعْرُوفًا, ثُمَّ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يُكَافِئُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَوْقَ صَاحِبِ الْمَعْرُوفِ رُتْبَةً وَأَعْلَى مِنْهُ طَبَقَةً؟.
فتَرْكُنَا شُكْرَ النَّاسِ وَتَقْدِيرَ أَعْمَالِهِمْ قَدْرَهَا, سَوَاءٌ كَانَ عَمَلُهُمُ النَّافِعُ مُوَجَّهًا إِلَيْنَا أَوْ إِلَى غَيْرِنَا مِنَ الْخَلْقِ ، فَهُوَ جِنَايَةٌ مِنَّا عَلَى النَّاسِ وَعَلَى أَنْفُسِنَا ; لِأَنَّ صَانِعَ الْمَعْرُوفِ إِذَا لَمْ يَلْقَ إِلَّا الْكُفْرَانَ, فَإِنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَ عَمَلَ الْمَعْرُوفِ فِي الْغَالِبِ ، فَنُحْرَمُ مِنْهُ, وَنَقَعُ مَعَ الْأَكْثَرِينَ فِي ضِدِّهِ فَنَكُونُ مِنَ الْخَاسِرِينَ..
ثُمَّ إِنَّ كُفْرَانَ النِّعَمِ, لَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَفْسِ مَنْ عَسَاهُ يُوجَدُ مِنْهُمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثَرُهُ تَرْكَ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ ، كَانَ الْفُتُورَ فِيهِ..
كَذَلِكَ الشُّكْرُ يُؤَثِّرُ فِي إِنْهَاضِ هِمَّةِ أَعْلِيَاءِ الْهِمَّةِ, مِنَ الْمُخْلِصِينَ فِي أَعْمَالِهِمُ, الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عَلَيْهَا جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ; ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَمَلَهُمُ الْخَيْرَ نَافِعًا فَيَزِيدُونَ مِنْهُ ، كَمَا أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ ضَائِعًا يَكُفُّونَ عَنْهُ. ا.هـ كلامه رحمه الله
وهاهو القائد الأعظم, والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم, الذي كسب بِقِيَمِه صفوةَ الرجال, وصنع بأخلاقه وتشجيعه الأبطال, يُثني ويشكر الناس على محاسن أعمالهم, وفضائل خِصَالِهِم, فيشكر رجلاً في وجهه فيقول: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ ".
ويشكر ويُثني على آخر فيقول: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ».
وأما شكره لأبي بكرٍ رضي الله عنه فلا يُحصر, وثناؤه على عمر رضي الله عنه أشهرُ مِنْ أنْ يُذكر.
فشكرُ الناسِ والثناء عليهم - بِمَا فيهم-, صفةٌ لا يتحلى بها إلا شرفاء الناس, أصحابُ القلوب الصافية السليمة, وهي من أعظم ما تُدخل السرور على الناس.
والشكرُ والثناءُ لا يستغني عنه أحدٌ مهما كبُر سنُّه, وعظُم قدره, وقويتْ صلتُه, فالكبير إذا مدحه طفلٌ صغيرٌ بصفةٍ تميَّز بها عن غيره, فرح بها, فكيف لو جاء هذا المدح من كبيرٍ خبير؟.
ولو كانَ يستغني عن الشّكرِ ماجدٌ ... لرفعة شأنٍ أوْ علوِّ مكانِ
لَمَا أمرَ اللهُ العبادَ بشكرهِ ... فقالَ اشكروني أيُّها الثّقلانِ
إنَّ صاحبَ هذه الصفة الرفيعة: يشارك المحسن والعامل أجره وعمله.
نعم, بثنائك على فاعل الخير والعمل الصالح, تُشاركه الأجر في عمله, لأنك بدعائك وثنائك وتشجيعك, تسببتَ في مُواصلته واسْتمراره وثباته على عمله الصالح.
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ الْمُهَاجِرُونَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ, وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ, مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ, لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ, وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ, حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ, مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ, وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ. صححه الترمذيُّ والألباني
ومعنى الحديث: أنَّ الأنصارَ مِن شدَّة إيثارهم للمهاجرين, وكثرة نفقاتهم, خاف المهاجرون أنْ يَذهبَ الأنصارُ بالأجر كله, فقال لهم رسول الله: "لا", أي لا يفضلونكم ولا يحوزون بالأجر وحدهم ، إذا كنتم تدعون لهم, وتُثنون عليهم وتُشجعونهم على محاسن أعمالهم, فتُعْطَون على الدعاء والثناء من الأجر, ما يُعْطَوْنَ على النفقة والعطاء.
فلْنحرص -يا أمة الإسلام- على أنْ نتخلق بهذا الخلق الكريمِ الفاضل, ولْنشكرِ الْمُحسنين والناصحين والعاملين أعمالاً طيبة, ونُثني عليهم, ونُبارك لهم جُهدهم وأعمالهم, ولْندع كثرة نقدهم, فكثرةُ النقد تُميتُ العزائم, وتُوهن الهمم.
وقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ". صححه الترمذيُّ والألباني وغيرهما.
فهذا نصٌّ صريحٌ صحيح, بأنَّ مَنْ لم يَشْكُرِ النَّاسَ على إحسانهم وصالح أعمالهم, فإن شُكره للَّهَ تعالى يكون ناقصاً.
فيا أيهم المربي والْمُعلم, اشْكُر طلابك وأبناءك إذا رأيت منهم أعمالاً صالحة, وأفعالاً حسنة.
أيُّها الرئيسُ والْمُدير, تلَمَّسوا أحسن ما عند مُوظّفيكم فاشْكروهم عليه, وشجعوهم على الثبات عليه.
بل ينبغي على كلِّ فردٍ من أفراد المجتمع أنْ يحرص على ذلك, بين الوالد وولده, والزوجِ وزوجه.
لِيَكن الثناءُ والتشجيع هو السمةُ البارزةُ فيكم, فبه تَسْتَنْهِضُون النفوس للعمل, وتُحيون الفأل والأمل, وتَقْضُون على الخمولِ والكسل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، أثنى على الشاكرين ومَدحَ الحامِدِين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: أيها المسلمون: إنَّ تفعيل خلق الشكر والثناءِ على المعروف, يُحيي الأمم, ويُعلي الهمم, ويصنع الرجال, ويُوجد القادة والأبطال, ويزرع الحب والمودة بين الناس, وينزع من الصدور الغل والحقد والكراهية.
أما أنْ نرى العاملين المخلصين - مهما كان إخلاصهم- دون شكرهم والثناء على صنيعهم, فهذه جريمةٌ نرتكبها في حقهم, وخطأٌ نقترفه تجاه محاسن أعمالهم.
وأمَّا مدحُ مَن لا يستحق المدح والثناء, فهو نوعٌ من النفاق والكذب والرياء, وهو بذلك يُعين ويُساعد على نشر الفساد بين الناس.
وهذا النوع من الناس, هم الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ».
وكلمة الْمَدَّاحِينَ جاءت بصيغة المبالغة, وهي المكثر من المدح, فيمدح في حقٍّ أو باطل.
أما مَنْ يمدحُ في حقٍّ ودون مُبالغة: فلا يدخل في هذا الحديث, ولو مدحه في وجهه وتحت سَمْعِهِ.
بل إنَّ هذا المدح والثناءَ عبادةٌ يُؤْجَر عليه المادح, بشرط أنْ ينوي به تشجيع الْمَمْدُوحَ, وتحفيزَهُ على عمله الصالح وأخلاقه الحسنة.
واحذروا من الْمُبالغة في المدح ولو كان ممَّن يستحقّ, فكثيراً ما يدفعنا حبُّ أحدٍ من الناس, وإعجابنا وفرحنا بما يقوم به من أعمالٍ طيبة, وخصالٍ فاضلة, إلى المبالغة في مدحه وشكره, وربما صدر ما يُذم شرعا, وربما أصابَه الإعجاب والغرور جرّاء ذلك.
وللحديث بقيَّةٌ بحول الله تعالى.
نسأل الله تعالى أنْ يُحسن أخلاقنا, ويُجمِّل فعالنا, ويُوفقنا لشكر الناس بعد شُكره, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق