أهمية اللغةالعربية

( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ) وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ, أفصحُ العربِ لساناً، وأبلغُهُمْ بياناً، القائلُ ( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً ) صلىَّ اللهُ عليهِ وسلمَ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ.
فأوصيكُمْ - عبادَ اللهِ - ونفسِي بتقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ القائلِ ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآناً عَرَبِياًّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... إنَّ للُّغةِ العربيَّةِ مكانةً تقصرُ عنْ وصْفِهَا العباراتُ، وقدسيَّةً انفرَدَتْ بِهَا عَنْ سائِرِ اللُّغاتِ، فهِيَ محفوظةٌ بِحفظِ كتابِ اللهِ الَّذِي حفظَ لَهَا وجوداً متميزاً خالداً، وهِيَ محفوفةٌ بعنايةِ أُولِي الألبابِ ، وملائمةٌ للعلومِ والآدابِ، فهِيَ عذبةُ الألفاظِ، جميلةُ المعانِي، حقًّا إِنَّهَا لغةُ القرآنِ العجيبةِ ، منْ دخلَ في جوفِ غزارتِها ، وجدَ المتعةَ البلاغيةَ ، والرحابةَ اللفظيةَ ( إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ).
فالقرآنُ الكريمُ ، هو كتابُ اللهِ المبينُ، جعلَهُ اللهُ هدًى لِلْعالمينَ نزلَ بهِ الرُّوحُ الأمينُ بلسانٍ عربِيٍّ مُبينٍ لِيكونَ لنَا عزًّا ومجدًا ( لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) تَحدَّى اللهُ بهِ الفصحاءَ، وأفحمَ بِهِ البلغاءَ ، وأثنى بهِ على العلماءِ ، ضمنَ لهُ الغلبةَ والبقاءَ ، وَلِمَنْ عملَ بِهِ الفوزَ والفلاحَ والارتقاءَ، أنزلَهُ اللهُ باللِّسانِ العربِيِّ الْمُبينِ، وامتنَّ بِهِ علَى الناسِ أجمعينَ ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ).
عبادَ اللهِ: مَا أعظمَ هذِهِ اللُّغةَ العربيةَ الَّتِي نزَلَ القرآنُ الكريمُ بِهَا، وحُقَّ لأهلِهَا أنْ يفخَرُوا بِهَا ، حُقَّ لنا أنْ نفخرَ بها ، ونتمسَّكَ بِهَا، ونَعَضَّ عليهَا بالنَّواجذِ، فرَحِمَ اللهُ مَنْ قالَ علَى لسانِهَا، واقتبسَ مِنْ بيانِهَا، وهدى اللهُ منْ ظنَّ أنها لا تستوعبُ مصطلحاتِ الحضارةِ.
إنَّ الُّلغةَ العربيَّةَ شعارُ الإيمانِ ولغةُ القرآنِ، اختارَهَا اللهُ تعالَى وعاءً لشريعتِهِ، ولغةً لأفضلِ رسلِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فالعنايةُ بِهَا مِنْ أفضلِ القرباتِ، والاهتمامُ بِهَا مِنْ أَوْلَى الأَوْلَوِيَّاتِ لتعلُّقِهَا بكتابِ اللهِ، وسنَّةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وقدْ نصَّ العلماءُ علَى أنَّ الاشتغالَ بعلومِهَا يَحصُلُ بِهِ الأجرُ العظيمُ والثَّوابُ الجزيلُ، لِمَا يترتَّبُ علَى معرفتِهَا مِنَ الْمقَاصِدِ الشَّرعيَّةِ، قالَ عمرُ بنُ الخطابِ رَضيَ اللهُ عنهُ : تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ .
أيهَا المؤمنونَ .. لقدْ حافظَ المسلمونَ علَى اللغةِ العربيةِ ِ، وبذَلُوا فِي سبيلِهَا الغالِيَ والنَّفيسَ خدمةً لكتابِ اللهِ تعالَى، وتعلقاً بِالدِّينِ ، فكانَ مِنْهُمْ مَنْ صرَفَ هِمَّتَهُ إلَى النَّحوِ والصَّرفِ والبلاغةِ، وكانَ مِنْهُمْ مَنِ اعتنَى بالشِّعرِ رِوَايةً ودرايةً، قال ابنَ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهُمَا: إَذَا سَأَلْتُمُونِي عَنْ غَرِيبِ الْقُرْآنِ، فَالْتَمِسُوهُ فِي الشِّعْرِ، فَإِنَّ الشِّعْرَ دِيوَانُ الْعَرَبِ.
ومِنْ أعظمِ هؤلاءِ الَّذِينَ حافظُوا علَى هذِهِ اللغةِ أولئكَ الَّذِينَ أنفقُوا أعمارَهُمْ فِي خدمةِ كتابِ اللهِ حفظاً وتفسيرًا وإعراباً، ونقلُوا لنَا القرآنَ الكريمَ بكلِّ قراءاتِهِ، وضبطُوا قواعدَ اللغةِ، وكتبُوهَا فِي مؤلفاتٍ عظيمةٍ، أفلاَ يجدُرُ بنَا أنْ نتأسَّى بهم، ونُحافِظَ علَى لغتِنَا نتعلَّمَهَا نحنُ وأبناؤُنَا، ونغرسَ فِي نفوسِهِمْ حبَّ لغتِهِمْ والاعتزازَ بِها.
إِنَّ اللغةَ هِيَ الهويةُ الناطقةُ المعبِّرةُ عَنِ الشعبِ الَّذِي يحملُهَا، ولِهَذَا قِيلَ : اللسانُ العربِيُّ شعارُ الإسلامِ وأهلِهِ، واللغاتُ مِنْ أعظمِ شعائرِ الأممِ الَّتِي بِهَا يتميزُونَ.
إنَّ الواجبَ علَى الجميعِ أَنْ يحرصُوا علَى إعلاءِ شأنِ اللغةِ العربيةِ الَّذِي نزلَ بِهِ كتابُنَا الحكيمُ حاملاً رسالةَ العلمِ للناسِ كافةً، فلنجعَلِ اللغةَ العربيةَ صاحبةَ مكانةٍ لائقةٍ فِي ميدانِ التعليمِ، وفِي المدارسِ والجامعاتِ وكافةِ المؤسساتِ التعليميةِ . ألا وإنَّ اللغاتِ الأجنبيةَ وإنْ كانتْ لغاتِ الصناعةِ والتقنيةِ والعلومِ الدنيويةِ ، ينبغي علينا أنْ نحصرَها في نطاقِها وأنْ تكونَ لغتُنا العربيةُ هي الأساسَ في كلِّ شيءٍ ، وهي الواجهةُ الرسميةُ في كلِّ مرفقٍ من المرافقِ ، وإني لأعجبُ من أناسٍ يكسرونَ لغتَهم ويلحنونَ في كلامِهم ويعجِنونَ في نُطقِهم عندما يخاطبونَ العمالةَ الأجنبيةَ ظناَّ منهم أنَّ هذا التكسيرَ يسهِّلُ على العاملِ الفهمَ مما خلقَ في أوساطِناَ لغةً عماليةً تستحيي الأذنُ العربيةُ من سماعِها.
فتكلموا بلغتِكُم وصدقوني أنَّ هؤلاءِ العمالةَ سيتعلمونَها على الوجهِ الصحيحِ. ألا ترى الرجلَ الغربيّ على سبيلِ المثالِ لا يمكنُ أن يكسِّرَ في لغتِهِ من أجلِنا ، ينطقُ بلغتِهِ السليمةِ ، إنْ فهمتَ فهمتَ وإنْ لم تفهمْ عمرُكَ ما فهمتَ ، وعلى سبيلِ المثالِ الصينُ الآنَ وهي بلدٌ قدْ أصبحَ في مقدمةِ الدولِ صناعياً واقتصادياً ، لا يتكلمُ أهلُها هناكَ إلا باللغةِ الصينيةِ.
فالأمرُ - يا عبادَ اللهِ - استشرى في كلِّ مكانٍ ، وفي كلِّ الأوساطِ ، نحنُ نغرِّبُ أنفسَنا ونقصي ألسنتَنا عن لغتِنا ، حتى المحلاتِ التجاريةَ والدكاكينَ والمراكزَ التجاريةِ والفنادقَ ، أسماؤها غربية لا وجود لها في اللسان العربي.. فأينَ المسؤولونَ عن ذلك ! فسبحانَ اللهِ كأنَّ لغةَ العرب ضاقتْ بهذا التاجرِ ، فلم يجدْ إلا هذه الأسماءَ الأجنبيةَ.
أيها المسلمون : إن تغريبَ المجتمعِ ، وصرفَهُ عن لغتِه يُنتجُ أجيالاً تتحدثُ خليطاً من اللغاتِ ، التي يصعبُ عليها تقويمُهُ فيما بعد ، سيصعبُ استعادةُ اللسانِ العربيِّ الذي ضاعَ بين العاميةِ والأجنبيةِ ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ ، ومن ألقى سمعَهُ للدولِ التي تعرضَتْ للإستعمارِ ، علمَ خطورةَ هذا الأمرِ ، لقد تكسَّرتْ لغتُها ، ولولا حفظُ اللهِ للقرآنِ ووجودُ السنةِ النبويةِ لما استطاعَ العربيُّ في بلدٍ منَ البلدانِ أنْ يفهمَ أخاهُ العربيَّ في بلدٍ آخرٍ.
لغتُكم – يا مسلمون - لغةُ القرآنِ ، إستوعبتْ شريعةَ اللهِ وتعاليمِه ، أفلا تكونُ قادرةً على حَملِ أمتعةِ دنياكُم ، إنها بحرٌ متلاطمٌ ، وواللهِ إنَّا لأعرفُ أناساً أجانبَ يتمنى أحدُهم أنْ ينطقَ العربيةَ بطلاقةِ أهلِها.
فاللَّهمَّ ردنا إلى لغتنا العربية ردًّا جميلاً. وأعنَّا علَى المحافظةِ عليهَا، وارزقْنَا فَهْمَ كتابِكَ والعملَ بِهِ يَا أرحمَ الرَّاحمينَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرْتَنَا بطاعتِه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمدُ للهِ خلقَ الإنسانَ, علَّمَهُ البيانَ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أرسَلَهُ ربُّهُ بلسانٍ عربِيٍّ مبينٍ ليكونَ هدًى ورحمةً للعالمينَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ علَى سيِّدِنَا محمَّدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.
معاشر المؤمنين ... لا يفهم من كلامي أنها ليستْ دعوةً مني لعدمِ تعلمِ اللغاتِ الأخرى التي نحتاجُ إليها في بلادِنا في مجالاتِ التطويرِ والتنميةِ بل وحتى مجالاتِ الدعوةِ إلى اللهِ ، لكنْ أنْ تُستعملَ هذه اللغاتُ في حقولِها ومجالاتِها فقط.
لكن الغريب والمستغرب .. أنْ تكونَ اللغة الاجنبية مع أكلِنا وشربنِا وأنفاسِنا ، بل وبعضُهُم ربمَّا فضَّلها على لغةِ القرآنِ ، هذا الذي لا ينبغي علينا أنْ نكونَ عليهِ، حفاظاً على لغتِنا وثقافتِنا ووحدةِ مجتمعاتِنا.
فاتَّقُوا اللهَ تعالَى، وأحبُّوا لغةَ كتابِهِ المبينِ، واعلمُوا أنَّ منْ مقتضياتِ العنايةِ باللُّغةِ العربيَّةِ أنْ نربِّيَ أبناءَنَا علَى حبِّهَا والاعتزازِ بِهَا، والتَّحدثِ بِهَا، وأنْ نُلزِمَهُمْ بتعلُّمِ كتابِ اللهِ، ونعوِّدَهُمْ علَى حفْظِ مَا يَجمُلُ مِنَ الشِّعْرِ والنَّثْرِ ، وبمناسبةِ اليومِ العالميِّ للُّغةِ العربيةِ والذي وافقَ يومَ الأمسِ ، لا بُدَّ لنا جميعاً أنْ نكونَ أكثرَ ولاءً وحُباًّ لِلُغَتِناَ
وعلَى المدرسينَ أنْ يغرِسُوا فِي نفوسِ الطُّلابِ الوعْيَ بأهميةِ هذِهِ اللُّغةِ، ويعمَلُوا علَى تنميةِ الذَّوقِ الأدبِيِّ فِي نفوسِهِمْ .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ويَقُولُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ( مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً ) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ

المشاهدات 3116 | التعليقات 1

نفع الله بعلمك وزادك من فضله ولا حرم القراء نفعك ولا حرمك ربي الأجر والمثوبة.