أهميّة الترابط الاجتماعي

[font="] أهميّة الترابط الاجتماعي[/font]
[font="]
الحمد لله ذي المنّ والعطاء، يوالي على عباده النعماء، و يرادف عليهم الآلاء[/font][font="]، [/font][font="]أحمده تعالى حثّ على الصّلة وحذّر من القطيعة والجفاء.. وأشكره على حال السرّاء والضرّاء[/font][font="] و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من به اقتدى.. أمّا بعد:[/font]
[font="]فأوصيكم عباد الله ونفسي، بتقوى الله الملك العلاّم، فإنّ تقواه سبحانه عروة ليس لها انفصام، وجذوة تنير القلوب والأفهام: " وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ". [/font][font="]( النّساء من الآية: 1 )[/font][font="].. [/font]
[font="]أيها المسلمون[/font][font="]: القاعدة الكبرى في تحقيق سعادة المجتمع وضمان استقراره، والركيزة العظمى في إشادة حضارة الأمّة وبناء أمجادها، تكمن بعد عقيدتها وإيمانها بربّها في نسيجها الاجتماعي المترابط، ومنظومتها القيميّة المتألّقة، التي تنظّم عواطف الودّ المشترك، والحبّ المتبادل والتصافي المشاع، والصّلة المستديمة، في بُعدٍ عن الضغائن والبغضاء، وغوائل التقاطع والجفاء، وإثارة الأحقاد والشّحناء..[/font]
[font="] معاشر القرّاء الأفاضل: إنّ المستقرئ للأوضاع الاجتماعية في كثير من المجتمعات الإسلامية، ليدرك أنّه في خضم المتغيّرات السّياسيّة وفي ظلّ تداعيات النّقلة الحضاريّة، وفي دوامة الحياة المادية، ومعترك المشاغل الدنيويّة حدثت أنواعٌ من السلوكيات والأنماط الخطيرة التي يُخشى أن تؤثر في اختلال نظام الأمّة الاجتماعي، ويأتي الانفتاح العالمي، والإخطبوط العولمي ليذكي غوار هذه السلوكيات، ويشعل هذه السلبيات، ممّا يؤكّد أهميّة تمسّك الأمّة بعقيدتها وقيمها الحضارية وأخلاقها الاجتماعية الأصيلة..[/font]
[font="] تردّي الأوضاع الاجتماعيّة[/font]
[font="]
ولعل من أخطر الظواهر والمشكلات التي أذكتها المتغيّرات في [/font][font="]الأم[/font][font="]ّ[/font][font="]ة[/font][font="] ما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية، وما جد[/font][font="]ّ[/font][font="] عليها من مظاهر سلبيّة، يوشك أن تعصف بالكيان الأسري، وتهد[/font][font="]ّ[/font][font="]د التماسك الاجتماعي، فكثرت ظواهر عقوق الأبناء، وتساهل الآباء، وتقل[/font][font="]ّ[/font][font="]صت وظائف الأسرة، وكثر جنوح الأحداث، وارتفعت نسب الطلاق والمشكلات الاجتماعية، وتعد[/font][font="]ّ[/font][font="]دت أسباب الجريمة ومظاهر انحراف الأحداث، و الهجرة الغير شرعيّة، والانتحار والعنف العائلي، والمشكلات الزوجية، ووهنت كثيرٌ من الأواصر، وضعف التواصل بين الأقارب والأرحام، وسادت القطيعة والجفاء، وحلّت محلّ الصّلة والصّفاء، وضعفت وشائج الأخو[/font][font="]ّ[/font][font="]ة، وروابط المود[/font][font="]ّ[/font][font="]ة، وشاعت قيم الأناني[/font][font="]ّ[/font][font="]ة والأحادي[/font][font="]ّ[/font][font="]ة، بدل القيم الإيثاري[/font][font="]ّ[/font][font="]ة والجماعية، ممّا ينذر بإشعال فتيل أزمة اجتماعية خطيرة، يجب المبادرة إلى إطفائها والقضاء عليها بإيلاء قضايانا الاجتماعية حق[/font][font="]ّ[/font][font="]ها من العناية والرعاية والاهتمام..[/font]
[font="] ظاهرة التفكّك الأسري[/font]
[font="]
أحبّتي في الله[/font]
[font="]: وهذه وقفة مع قضية من أخطر القضايا الأسرية، تشخص ظاهرة من أخطر الظواهر الاجتماعية التي لها آثارها السلبيّة على الأفراد والأسر و المجتمعات ككلّ.. تلكم هي ظاهرة التفكك الأسري والخلل الاجتماعي الذي يوجد في كثير من فئات مجتمعنا العربي المسلم اليوم ممّا ينذر بشؤمٌ خطير، وشرّ مستطير، يهدّد كيانه، ويزعزع أركانه، ويصدع بنيانه، ويحدث شروخاً خطيرة في بنائه الحضاري، ونظامه الاجتماعي ممّا يهدّد البنى التحتية له، ويستأصل شأفته، وينذر بهلاكه وفنائه..[/font]
[font="]و من هذه القضايا التي استعصت على القوانين الوضعيّة و تاهت بين الاختلافات في تأويل الأحكام الشرعيّة، نجد: الشّقاق بين الزوجين، مع أنّ النّصوص الفقهية و السنّية واضحة و لا تتطلّب إلاّ التمعّن فيها و تدبّرها و البحث في الأوامر و النواهي التي تعالجها: قال الحقّ تبارك و تعالى في سورة النّساء: " الرّجالُ قوّامونَ على النّساءِ بما فضّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ على بعضٍ و بما أنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ، فالصّالِحاتُ قَانِتاتٌ حَافِظَاتٌ للغَيْبِ بما حَفِظَ اللهُ و اللاّتي تخافون نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ و اهْجُرُوهُنَّ في المضاجِعِ و اضْرِبُوهُنَّ فإنْ أَطعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سبيلا إِنّ اللهَ كان عَلِيًّا كَبِيرًا * و إن خِفْتُم شِقاقَ بَيْنِهِما فابعَثُوا حَكَما من أهلِهِ و حكما من أهلها إن يُريدا إصْلاحًا يُوَفِّقُ اللهُ بَيْنَهُما إنّ اللهَ كان عليمًا خبيرا ". [/font][font="]( سورة النّساء الآيتان: 34-35 )[/font]
[font="]الآيات القرآنية، لفهمها و تدبّرها، لا بدّ من معرفة المعنى الإجمالي لها، و الشرح الّفظي، و أسباب نزولها، قبل التعرّف على تأويلها و تفسيرها..[/font]
[font="]فسبب نزول هاتين الآيتين الكريمتين في سعد بن الرّبيع مع امرأته حبيبة بنت زيد، و هما من الأنصار، و ذلك أنّها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبيّ صلى الله عليه و سلّم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبيّ صلى الله عليه و سلّم: " لتقتصَّ من زوجها "، فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم: " أرجعوا هذا جبريل أتاني "، و أنزل الله تعالى: " الرّجال قوّامون على النّساء "، فقال صلى الله عليه و سلّم: " أردنا أمرا و أراد الله أمرا، و الذي أراد الله خير "، و رفع القصاص.. [/font][font="]( رواه مقاتل و ذكره ابن جرير ( 5/58 ) وهو في مجمع البيان: (3/43) )[/font][font="]..[/font]
[font="]وقوله تعالى: " الرّجالُ قوّامونَ ": قوّام: صيغة مبالغة من القيام على الأمر بمعنى حفظه و رعايته، فالرجل قوّام على زوجته كما يقوم الحاكم على رعيّته بالأمر و النهي و الحفظ و الرّعاية و الصيانة.. و هؤلاء الرجال قوّامون على من ؟.. هل على أيّ نوع من النّساء، أي: السّافرات، المتبرّجات، السليطات اللّسان، أم على نوع معيّن اختاره الله في بيان آي القرآن ؟.. أكيد هنّ: " الصّالِحاتُ قَانِتاتٌ "، فالصالحات معروفات عند القاصي و الدّاني، و هنّ اللاّتي قال عنهنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم: " إذا نظرت إليها سرّتك، و إذا أمرتها أطاعتك، و إذا غبت عنها حفظتك في مالك و عرضك ".. طيّب بقي القانتات، و القانتات من القنوت، و أصل القنوت دوام الطّاعة، و منه القنوت في الصلاة، و المراد أنّهنّ مطيعات لله و لأزواجهنّ.. و لم نقل مطيعات لآبائهنّ و أمّهاتهنّ لأن في هذه الحالة تسمّى: بارّة بوالديها، و بما أنّها انتقلت إلى بيت زوجها، أصبحت قانتة مطيعة لزوجها.. و أعلموا أيّها المسلون، فالزوجة بهذا السلوك قد تحسن لوالديها و تبوّبهما أعلى المراتب في الجنّة.. [/font]
[font="]أمّا قوله تعالى: " و اللاّتي تخافون نُشُوزَهُنَّ "، أي عصيانهنّ و ترفعهنّ عن طاعتكم، و أصل النشز المكان المرتفع، و منه تلّ ناشز، أي: مرتفع.. قال في " اللّسان " : النّشوز يكون بين الزوجين وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه، و اشتقاقه من النّشَز، وهو ما ارتفع عن الأرض، و نشز الرّجل إذا كان قاعدا فنهض قائما، و منه قوله تعالى: " وإذا قيل انشُزُوا فانشٌُزُوا ".[/font][font="]( سورة المجادلة الآية: 11 )[/font][font="]..[/font]
[font="]و قوله تعالى: " فعظوهنّ " أي ذكّروهنّ بما أوجب الله عليهنّ من الطّاعة و حسن العشرة للأزواج.. و أمّا المضاجع: المراد بهجر المضاجع أي هجر الفراش و المضاجعة.. قال ابن عبّاس: الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها و يوليها ظهره و لا يجامعها.. و قيل أن يعزل فراشه عن فراشها، و هذا قول شاذ..[/font]
[font="]وقوله تعالى: " وإن خِفْتُم شِقاقَ "، الشقاق: الخلاف والعداوة الباردة، أي: غير متبوعة بالسبّ والشتم والضرب، وهو مأخوذ من الشقّ بمعنى الجانب، لأنّ كلاًّ من المتخالفين يكون في شقّ غير شقّ الآخر بسبب العداوة والمباينة.. وهذا النّوع من العداوة قاتلة باعتبار أنّ كلا الزوجين منفصل جسديا، و منعزل نفسيا عن صاحبه، و هذا النّوع من العداوة يعدم العلاقة الأسرية و يقبر المحبّة و المودّة و السكن بين الزوجين، وهو خلاف لما أمر الله به في الآية الكريمة: " و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودّة و رحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون ".. [/font]
المعنى الإجمالي
[font="]
يقول الحقّ تبارك و تعالى ما معناه: الرجال لهم درجة الرياسة على النّساء، بسبب ما منحهم الله من العقل و التدبير و خصّهم به من الكسب و الإنفاق، فهم يقومون على شؤون زوجاتهم كما يقوم الحاكم على الرّعايا بالحفظ و الرّعاية و تدبير الشؤون.. ثمّ فصّل تعالى حال النّساء تحت رياسة الرّجل، و ذكر أنّهنّ قسمان: قسم صالحات قانتات حافظات مطيعات.. و قسم عاصيات متمرّدات، فالنّساء الصالحات مطيعات للأزواج، و حافظات لأوامر الله، قائمات بما عليهنّ من حقوق، يحفظن أنفسهنّ عن الفاحشة و أموال أزواجهنّ عن التبذير في غيبة الرّجال، فهنّ عفيفات، أمينات، فاضلات..[/font]
[font="]ربّنا هب لنا من أزواجنا و ذرّيتنا قرّة أعين و اجعلنا للمتّقين إماما.. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.. و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.. [/font]
المشاهدات 2903 | التعليقات 0