أهمية الاستقامة على الدين

محمد بن خالد الخضير
1435/10/04 - 2014/07/31 10:53AM
الحمد لله سلك بأهل الاستقامة سبيل السلامة، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، بوأ المتقين في دار المقامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم القيامة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، فاز من جعله إمامه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والكرامة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أَمَّا بَعْدُ
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى حقّ التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى،لا تغرّنّكم الآمال الطِّوال، ولا تنسوا قربَ الآجال، فكم من مؤمِّلٍ أملاً لا يدركه، وكم من مصبحٍ في يومٍ لا يدرك غروب شمسه، ومُمسٍ في ليلٍ لا يدرك الصباح
عبادَ الله
يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14].
قَالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ : (لَمْ يُشْرِكُوا باللهِ شَيئًا، ولَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِلَهٍ غَيرِهِ، ثُمَّ اسْتَقَامُوا عَلَى أَنَّ اللهَ رَبَّهُم)، وَيَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رحمه الله: "اسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ اللهِ، فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ واجْتَنَبُوا مَعْصِيَتَهُ"، وَيَقُولُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ : (الاسْتِقَامَةُ أَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى الأَمْرِ والنَّهْي وَلاَ تَرُوغَ رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ). يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ المُسْتَقِيمِينَ يَلْتَزِمُونَ بالاسْتِقَامَةِ دَائِمًا في جَمِيعِ أَحْوَالِهِم وَأَوقَاتِهِم وَلَيسَ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ؛ وَلِذَا قَالَ شَيخُ الإِسْلاَمِ ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله: "أَعْظَمُ الكَرَامَةِ لُزُومُ الاسْتِقَامَةِ".
الاستقامة كلمة جامعة تأخذ بمجامع الدين، الاستقامة قيام بين يدي الله بما أمر الله، والتزام بالصدق مع الله، ووفاء بالعهد مع الله، فالاستقامة: لله وبالله وعلى أمر الله قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [الأحقاف:13]
الاسْتِقَامَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، تَأْخُذُ بِمَجَامِعِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَتَتَحَقَّقُ بِهَا مَعَالِي الأُمُورِ وَأَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَالأُجُورِ، وَبِهَا يَكْمُلُ الإِيمَانُ، وَيُضْمَنُ الأَمْنُ يَومَ البَعْثِ والنُّشُورِ، وَتَعُمُّ الخَيرَاتُ وَالبَرَكَاتُ، ويَسْعَدُ الأَفْرَادُ وَالمُجْتَمَعَاتُ،
فالاستقامةُ هي الاعتصامُ بكتاب الله تعالى وسنَّة رسولِ الله . والاستقامة سعادةُ الإنسان وفلاحُه ونجاحُه وفوزُه ونجاته وعدّته لشدَّته، وما أشدَّ حاجتَنا نحن المسلمين إلى الاستقامة، وما أعظمَ افتقارَنا إليها خاصَّةً في هذا العصر الذي اشتدّت فيه المحنُ وكثُرت فيه الفِتن، ليصلح الله أعمالَنا ويقيمَ على الطاعة أحوالنا، وليحسنَ في الأمور كلِّها عاقبتَنا ومآلنا.
والاستقامة يمكن معرفة عظمها إذا تأملت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شيبتني هود ) رواه الترمذي ، فظهر الشيب في رأسه من شدة ما لاقى عليه السلام من أوامر هذه السورة العظيمة، وما اشتملت عليه من الأحكام الكبيرة. ذكر بعض المفسرين أن من الأسباب التي شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم : فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ [هود:112]
روى مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً: لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: «قُل: آمنت بالله فاستقم»
ولا يكون العبد على طريق الاستقامة: حتى تكون إرادته وأعماله وأقواله، وفق ما شرعه الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال تعالى:﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ ولم يقل: كما أردت
وَأَصْحَابُ الاِسْتِقَامَةِ ـ عباد الله ـ جَمَعُوا بَينَ أَصْلَي الكَمَالِ في الإِسْلاَمِ: الإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى، وَالاِسْتِقَامَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ فَالإِيمَانُ كَمَالٌ في القَلْبِ بِمَعْرِفَةِ الحَقِّ وَالسَّيرِ عَلَيهِ؛ مَعْرِفَةٌ بِمَقَامِ الرُّبُوبِيَّةُ وَالأُلُوهِيَّةِ، مَعْرِفَةٌ باللهِ تَعَالَى رَبًّا حَكِيمًا وإِلهًا مُدَبِّرًا، مُعَظَّمًا في أَمْرِهِ ونَهْيِهِ، قَدْ عُمِرَتْ قلوبُهُم بِخَوفِهِ ومُرَاقَبَتِهِ، وامْتَلأَتْ نُفُوسُهُمْ خَشْيَةً وإِجْلاَلاً ومَهَابَةً ومَحَبَّةً وتَوَكُّلاً ورَجَاءً وإِنَابَةً ودُعَاءً، أَخْلَصُوا للهِ في القَصْدِ والإِرَادَةِ، ونَبَذُوا الشِّرْكَ كُلَّهُ، وَتَبَرَّؤُوا مِنَ التَّعَلُّقِ بغَيرِ اللهِ رَبِّهِم، ثُمَّ اسْتَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ، دُونَ تَفْرِيطٍ أَو إِفْرَاطٍ، فَإِذَا تَمَكَّنَ ذَلِكَ مِنَ العَبْدِ ظَهَرَ في سُلُوكِهِ طُمَأْنِينَةٌ في النَّفْسِ وَرِقَّة في القَلْبِ وقُرْب مِنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
عباد الله
مَدَارُ الاسْتِقَامَةِ في الدِّينِ عَلَى أَمْرَينِ عَظِيمَينِ هُمَا: حِفْظُ القَلْبِ وَاللِّسَانِ، فَمَتَى اسْتَقَامَا اسْتَقَامَتْ سَائِرُ الأَعْضَاءِ، وصَلَحَ الإِنْسَانُ في سُلُوكِهِ وحَرَكَاتِهِ وسَكَنَاتِهِ، ومَتَى اعْوَجَّا وَفَسَدَا فَسَدَ الإِنْسَانُ وضَلَّتْ أَعْضَاؤُهُ جَمِيعًا، وَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ قَالَ: ((أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ))، وَعِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ النبيَّ قَالَ: ((لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ)).
فاتق الله يا عبد الله ولا تقل بلسانك إلا معروفاً، ولا تبسط يدك إلا إلى خير، كف عما لا يعنيك، ودع فضول الكلام والنظر، اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره، واجعل شكرك لمن لا ترتفع عنك نعمته، واجعل طاعتك لمن لا غنى لك عنه، واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه.

وقد جعل الله ثوابَ الاستقامة أعظمَ الثواب، وأمّن صاحبَها من العذاب، فقال عزّ وجلّ: إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [فصلت:30-32]. الله أكبر، ما أجلَّ هذا التكريم، وما أوسعَ هذا النعيم.
"تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ، قال مجاهد: عند الموت، أَلاَّ تَخَافُواْ أي: ممّا تُقدمون عليه من أمر الآخرة، وَلاَ تَحْزَنُواْ على ما خلَّفتموه من أمر الدنيا من ولدٍ وأهل ومال أو دَين، فإنّا نخلفُكم فيه، وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ، فيبشِّرونهم بذهاب الشرّ وحصول الخير،روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان»
قال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال له: إن ربك يقرئك السلام، ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32]، وقال زيد بن أسلم: يبشرونه عند موته، وفي قبره، وحين يبعث
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ أي: تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: نحن كنَّا أولياءَكم أي: قرناءَكم في الحياة الدنيا، نسدِّدُكم ونوَفِّقكم ونحفَظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة؛ نؤنِس منكم الوحشةَ في القبور وعند النفخةِ في الصور، ونؤمِّنكم يومَ البعثِ والنشور، ونجاوِزُ بكم الصراطَ المستقيم، ونوصلكم إلى جنَّات النعيم
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الجمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه للعالمين رحمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه خيار الأمة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعــد.
أيّها المسلمون، من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ، ومضاعفة الحسنات ، فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات ، فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات ، وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ، ولم يجعل الله حداً لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله يقول جل وعلا : {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }، وهذه هي حقيقة الاستقامة التي وعد الله أصحابها بالنجاة ، والفوز بعالي الدرجات
ومما منَّ الله به على عباده بعد انقضاء شهر الصيام والقيام ، ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)
وقد ذكر أهل العلم عدة فوائد ومعانٍ لصيام هذه الأيام الست :منها أن العبد يستكمل بصيامها أجر صيام الدهر كله ، وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها فشهر رمضان يعدل عشرة أشهر ، وهذه الست تعدل شهرينومنها أن صيام النفل قبل وبعد الفريضة يكمل به ما يحصل في الفرض من خلل و نقصومن الفوائد أيضاً أن معاودة الصيام بعد رمضان من علامات القبول ، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده ، كما قال بعضهم : ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى .

فاتقوا الله رحمكم الله، واستقيموا إلى ربكم واستغفروه، ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم جل في علاه، فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولك محمّد صاحبِ الحوض المورودِ واللّواء المعقود، وأورِدنا حوضَه، واحشرنا تحت لِوائه، وارضَ اللهم عن صحابة نبيك أجمعين...
المشاهدات 7492 | التعليقات 2

بارك الله فيكم
قول الله تعالى فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغو انه بما تعملون بصير ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار
قيل أن الناس عند الفتن واحد من ثلاثة
متشدد متنطع يكفر ويبدع ويضلل كل المجتمع
ومتساهل في امر دينه الى درجة مهينة كما نراه عند البعض
ومستقيم على الطريق لا يتغير مهما تغير الزمن
وملاحظة اخرى بخصوص شيب رسول الله
فيه حديث يقول فيه احد كفار قريش أن الله بعثه عندما شاب صدغاه
وحديث شيبتني هود وأخواتها
وحديث أن احد الصحابة الكرام إحصى فقط سبع شعرات بيضاء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكيف يتم التوفيق بين الاحاديث


فائدة حول سؤال الأخ صلاح الدين :
بخصوص شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال : " لم يبلغ ( يعني لم يبلغ الشيب من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، وإنما كان شيبا في صدغيه ) . والصدغ : هو ما بين شق العين إلى الأذن ، هذا هو الصدغ
فيقول رضي الله عنه : " كان شيبا في صدغيه "
وجاء عند ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه أنه قال : " لم أر من شيب النبي صلى الله عليه وسلم إلا نحو سبع عشرة شيبة أو عشرين شيبة في مقدمة لحيته عليه الصلاة والسلام "
وجاء في رواية البخاري : " ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء "
وجاء في الشمائل عند الترمذي عن أنس رضي الله عنه انه قال: " ما عددت في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا أربع عشرة شيبة "
وجاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دهن رأسه لم يُر منه شيب ، وإذا لم يدهن رُئي منه عليه الصلاة والسلام
وفي رواية : " لم يكن في رأسه عليه الصلاة والسلام شيب إلا شعرات في مفرقه إذا ادَّهن ، وأراهن من الدهن (يعني من الطيب )
وجاء عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له أبو بكر رضي الله عنه : " لقد شبت يا رسول الله ( والمراد نحول جسمه ) ، قال عليه الصلاة والسلام : (( شيبتني هود وأخواتها )) أي ( والواقعة ، والمرسلات ، وعم ، وإذا الشمس كورت )) والسبب في ذلك هو ما ورد في سورة هود والسور المذكورة معها من أخبار الساعة وأهوالها إضافة إلى العذاب الذي صب على الأمم الماضية المكذبة للرسل : قال المناوي في فيض القدير :" شيبتني هود أي سورة هود، وأخواتها أي وما أشبهها مما فيه من أهوال القيامة وشدائدها وأحوال الأنبياء وما جرى لهم " ا هـ . وقال في موضع آخر :" أي وما أشبهها منه مما اشتمل على الوعيد الهائل والهول الطائل الذي يفطر الأكباد ويذيب الأجساد " . وقال في موضع آخر :" يعني أن اهتمامي بما فيها من أحوال يوم القيامة والحوادث النازلة بالأمم الماضية أخذ مني مأخذه حتى شبت قبل أوان الشيب ". ا هـ .
هذه الروايات بمجموعها تدل على أن هناك شيبا في رأس النبي صلى الله عليه وسلم في مفرق رأسه ، وفي صدغيه ، وفي لحيته ولاسيما في العنفقة – كما سيأتي بيان ذلك – . وهذه الشعرات يتراوح أعدادها ما بين أربع عشرة شيبة إلى عشرين شيبة ، ف :
1 / أخبر كل بما رآه .
أو : 2 / أن أنسًا رضي الله عنه رأى في أول أمر النبي صلى الله عليه وسلم شيبا قليلا ، ثم لم يزل هذا الشيب يزداد شيئا فشيئا حتى بلغ عشرين شيبة .
ولو قال قائل : هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشيب ؟
3 / أو لم يكن هناك شيب البتة ، وإنما الشيب هو الدهن ، فمن رأى هذا الدهن ( يعني الطيب الأحمر ) ظن أنه شيب ؟ :
جاء في حديث أبي هريرة عند الترمذي في الشمائل : " أن النبي عليه الصلاة والسلام قد خضب " .
وجاء عند البخاري : من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها أخرجت من شعر النبي صلى الله عليه وسلم شعرا مخضوبا .
وجاء عند ابن ماجة : عن عثمان بن موهب قال : " دخلت على أم سلمة فأخرجت لي شعرا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مصبوغا بالحناء والكتم
وجاء في مسند الإمام أحمد : عن أنس رضي الله عنه أنه قال: " لم يخضب النبي صلى الله عليه وسلم قط ، وإنما كان بياضا في مقدمة لحيته في العنفقة ( والعنفقة : هو الشعر الذي تحت الشفة السفلى ) قال : في العنفقة شيئا ، وفي الرأس نبذ يسير لا يكاد أن يرى ، وإنما هذا من الدهن ( وهو لون الطيب الذي كان يتطيب به النبي صلى الله عليه وسلم ) " .
ومن ثَم فإن بعض العلماء قد قال : " إنه عليه الصلاة والسلام ليس فيه شيب ، إنما كان هذا الشيب هو ما يراه الرائي من الدهن الأحمر الذي كان يدهن به النبي صلى الله عليه وسلم "
ولكن الأصح – كما قال ابن كثير والنووي ، وابن حجر رحمهم الله - : أن النبي عليه الصلاة والسلام فيه شيبات كما ثبت ، و قد خضب صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات ، ثم تركه في معظم الأوقات ، وبهذا تجتمع الأحاديث . و الله تعالى أعلم . [font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font]