أهمية الإخلاص

عبدالله يعقوب
1432/10/04 - 2011/09/02 14:28PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد...
اللهم تقبل الصيام والقيام ...
واجعلنا ووالدينا ومن نحب من عتقائك من النار..
أيها الكرام... يقول الناظم:
اقرأوا التاريخ إذ فيه العبر *** ضلَّ قوم ليس يدرون الخبر
فقراءة كتب التاريخ فيها فوائد جمة... منها التعرف على أخبار الأمم والملوك والحوادث والوفيات وغير ذلك.
ومن أبرز كتب التاريخ.. كتاب الحافظ ابن كثير الموسوم بـ (البداية والنهاية)... وفي الكتاب عظات وعبر وفوائد ووقفات.. وهو حري بالقراءة والمطالعة.
ومن الحوادث الغريبة التي ذكرها في هذا الكتاب.. أنه في حوادث عام (348)هـ توفي مقرئ يطلق عليه لقبُ (صاحبِ الألحان). لجمال صوته في قراءة القرآن... لما توفي الرجل في هذه السنة عن عمر 88 سنة، رآه بعضهم في المنام..
(ورؤى المنام أيها الكرام إنما يستأنس بها.. ولا يبنى عليها حكم شرعي)
رآه بعضهم في المنام.. فقال له: ما فعل الله بك ؟ قال: وقفني بين يديه، وقاسيت شدائد وأهوالا !!
فقلت له: فتلك القراءة الحسنة وذلك الصوت الحسن وتلك المواقف؟
فقال: ما كان شئ أضر علي من ذلك!! لأنها كانت للدنيا.
فقلت: إلى أي شئ انتهى أمرك ؟
فقال: قال الله عز وجل: آليت على نفسي أن لا أعذب أبناء الثمانين.

أيها الكرام.. بعد شهر كامل من الصيام والقيام وتلاوة القرآن والبذل والعطاء والصدقات وفعل الخيرات..
هل سألت نفسك: لمن كان ذلك العمل.
هل كان لوجه الله خالصاً؟ أم كان معه مقاصد أخرى .. من حب الثناء والمدح؟ أو السمعة والعُجب والرياء؟
إن المصيبةَ كلَّ المصيبة.. والأسى كلَّ الأسى..أن يرد العمل ولا يقبل.. بعد الجهد والتعب والنصب. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(اللهم إنا نطمع في كرمك وفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين)..

أيها المؤمنون.. إن عبادة الله.. لا تقوم ولا تستقيم إلا بالإخلاص له.
الإخلاص لله.. هو حقيقةُ الدين، ولبُ العبادة، وشرطُ قبول العمل.
الإخلاص لله.. بمنزلة الأساس للبنيان، وبمنزلة الروح للجسد.
فلا عبادة ولا عبودية لمن لا إخلاص له.
قال الله تعالى مخبراً عن أعمال الكفار التي لا إخلاص فيها ولا توجيه: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾.
فهذا الإحباط للعمل، والإبطال للسعي.. نصيب كل من لم يخلص لله في قوله وعمله، قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ ` أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

أيها المؤمنون: اتقوا الله، وأخلصوا أعمالكم لله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن أول الناس يوم القيامة يقضى عليه.. رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال الله تعالى: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: فلان جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال الله تعالى: كذبت ولكنك قرأت لأن يقال: قاريء تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)) مسلم.
نعوذ بالله من حال أهل النار.

أيها الكرام.. روى ابن عساكر في تاريخه قال:
جلس الفضيل بن عياض وسفيان الثوري يوماً يتذاكران شيئاً من الرقائق، فَرَّق كل واحد منهم وبكى..
فقال سفيان: "أرجو أن يكون هذا ا لمجلس علينا رحمة وبركة".
فقال الفضيل: "ولكني أخاف يا أبا عبد الله ألا يكون أضرَ علينا منه.. ألست تخلصتَ من أحسن حديثك وتخلصتُ أنا إلى أحسن حديثي.. فتزينتُ لك.. وتزينتَ لي". فبكى سفيان، وقال: "أحييتني أحياك الله".

إن النية تتقلب على الإنسان.. وقد يقع منه العجب والغرور والرياء دون أن يدري، فيحبط عمله وهو لا يشعر. ويفسد العمل ويذهب ثوابه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الرياء والعجب فيقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم.
ويقول عمر الفاروق: اللهم اجعل عملي صالحا، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.
ويقول الحسن البصري: لأن أبيت نائماً ثم أصبح نادماً.. أحب إلى من أبيت قائماً ثم أصبح معجباً..

أيها المؤمنون... إن لإخلاص العمل فوائد كثيرة، منها:
أن الأقوال والأعمال لا تقبل مهما حسن أداؤها إذا لم يصاحبها إخلاص لله تعالى: فعن أبي أمامة مرفوعاً: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه)) النسائي.
وفي حديث أبي هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ) البخاري.

ومن فوائد الإخلاص: أن العمل القليل مع الإخلاص سبب للفوز برضا الله تعالى، ومن أمثلة ذلك قوله: صلى الله عليه وسلم ((اتق النار ولو بشق تمرة)) البخاري. فشق التمرة مع الإخلاص يقي النار بمنة الكريم المنان، كما أن كثير العمل مع الرياء يولج العبد أسفل النيران، كما قال العزيز القهار: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾.

ومن فوائد الإخلاص: أن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من التوحيد والإخلاص، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض وفي الحديث: ((إن الرجل لينصرف وما كتبت له إلا عشر صلاته أو تسعها أو ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها)) أبو داود.

ومن فوائد الإخلاص والصدق مع الله أنه يعين العبد على النهوض بالحق، والقيام به، والدعوة إليه، مهما عظمت قوة الباطل، فهذا نبي الله هود عليه الصلاة والسلام تحدى قومه كما قص الله علينا نبأهم في كتابه حيث قال: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ` إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ فالإخلاص أعظم ما يعين العبد على القيام بالحق.
ويقول تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين﴾ وقد بين الله سبحانه هؤلاء العباد في قوله: ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ فالمخلِصون الموحِدون محفوظون بحفظ الله ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.

فاجتهدوا أيها المؤمنون في إخلاص العمل لله، عسى أن تحصلوا تلك الفضائل والمناقب، وأخلصوا لله أعمالكم فإنه لا يضيع عمل المخلصين.

وقانا الله وإياكم أسباب الرياء والعجب.. وجنبنا مبطلات الأعمال..

اللهم اجعل أعمالنا صالحة.. واجعلها لوجهك خالصة.. ولا تجعل لأحد فيها شيئاً

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... ونفعنا بهدي سيد المرسلين..
المشاهدات 2783 | التعليقات 1

بالله قولك هذا سال من عسل أم قد سكبتَ على أفواهنا العسلَ

جزاك الله خيراً أبا معاذ 00 ورزقنا الله وإياك الإخلاص في القول والعمل 0