أهلُ المسجدِ-30-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

محمد بن سامر
1443/03/29 - 2021/11/04 14:35PM

أهلُ المسجدِ-30-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَا بَعْدُ:

فيا إخواني الكرامُ: مَرِضَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ-وَسَلَمَ أيَّامًا، فَبينَمَا المُسْلِمونَ في صَلاةِ الفَجْرِ مِنْ يَومِ الاثنينِ، وأَبُو بَكْرٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-يُصلِّي بِهِم، وَهُم صُفوفٌ في الصَّلاةِ، كَشَفَ النبيُّ-صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-سِتْرَ الحُجْرَةِ وهو قَائِمٌ كَأنَّ وجْهَهُ ورَقَةُ مُصْحَفٍ، فنَظَرَ إليهم فتبسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمُّوا أنْ يَفْتَتِنوا مِنَ الفَرَحِ برُؤْيَةِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-، فَنَكَصَ-رجعَ-أبو بَكْرٍ علَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وظَنَّ أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-خَارِجٌ إلى الصَّلَاةِ، فأشارَ إليهم رَسولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-بيدِهِ أن أتمُّوا صَلاتَكُم، ثمَّ دَخلَ الحُجرةَ وأَرخى السِّترَ، قالَ أَنسُ بنُ مالِكٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: "فتُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-في ذلِكَ اليومِ".

فهَلْ عَلِمْتُمْ سِرَّ تَبَسُّمِ الرسولِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم-وسَعَادَتِهِ-بأبِي هو وأُمِّي-في آخِرِ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ؟

إنَّهُ ذَلِكَ المَنْظَرُ الـمُبْهِجُ-الـمُفْرِحُ-وَهو يَرى المُسْلِمينَ مُجْتَمِعينَ صُفُوفًا فِي صَلاةِ الجَمَاعةِ، فِي بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللهِ-تَعَالى-، قَدْ أَجابُوا دَاعيَ اللهِ، وأَقَامُوا شَرِيعَةَ اللهِ، وكَأَنَّ نَظْرةَ وَداعِه تَقولُ لجَمِيعِ المُسلِمينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ ومَكَانٍ: لا خَوفٌ عَلِيكُم ما دُمْتُمْ مُحَافِظِينَ عَلَى صَلاةِ الجَمَاعَةِ في بُيُوتِ اللهِ-تَعالى-.

إنَّها صَلاةُ الجَماعَةِ، التي تَعَلَّقَ بِها قُلُوبُ الأتْقِياءُ، ورَابَطَ فِي انْتِظَارِها الأوْلِيَاءُ، وحَافَظَ عَلى إقَامَتِهَا الأوْفِيَاءُ، فِي المَشِي لها: تُرْفَعُ الدَّرَجاتُ، وتُكْتَبُ الحَسَناتُ، وتُمْحى السَّيِّئاتُ، ويُبشَّرُ المَشَّاؤونَ لها في الظُّلُمَاتِ بالنُّورِ التَّامِ يَومَ القِيامَةِ، ويُعِدُّ اللهُ-تَعالى-نُزُلًا وضِيَافَةً لِزوَّارِه فِي الجَنَّةِ كُلَمَا غَدَوْ أو رَاحُوا إلى المَسْجِدِ، فَمَا بَالُكَ بِمَصيرِ عَبْدٍ يَومَ القِيامةِ، قُد أُعِدَّتْ لَهُ الضِّيافةُ في الجَنَّةِ، وَهيَ تَنْتَظِرُه؟ وهَذا الذي عَلَّقَ قُلوبَ أهلِ الإيمانِ، حَتى قَالَ سعيدُ ابنُ المُسَيِّبِ: "مَا فَاتَتني التَّكبيرةُ الأولى مُنذُ خَمسينَ سَنةٍ".

في المَسْجِدِ: ما تَزَالُ في صَلاةٍ ما دُمْتَ في وَقتِ الانْتِظَارِ، وتَدْعُو لَكَ بالمَغْفِرةِ والرَّحْمَةِ المَلائكَةُ الأبْرَارُ، هُنَاكَ المَوعِدُ مَع عَلَّامِ الغُيُوبِ، وهُنَاكَ حَياةُ القُلُوبِ، وهُنَاكَ مَغْفِرةُ الذُّنوبِ، وهُنَاكَ الحَدُّ الفَاصِلُ بينَ النِّفَاقِ والإيمَانِ، كَما قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتـَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ-يعتمدُ عليهما من شدةِ المرضَ- حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ"، وهَا هو عامِرُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ ابنِ الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ وَهُوَ يَـجُودُ بِنَفْسِهِ-في سكراتِ الموتِ-، فَقَالَ: "خُذُوا بِيَدِي-إلى المسجدِ-، فَقِيْلَ: إِنَّكَ عَلِيْلٌ-مريضٌ-، قَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللهِ، فَلاَ أُجِيْبُهُ، فَأَخَذُوا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي المَغْرِبِ، فَرَكَعَ رَكْعَةً، ثُمَّ مَاتَ.

أتَعْلَمُونَ أنَّ اللهُ يَبْعَثُ مَلائكةً في اللَّيلِ والنَّهارِ يَحضرونَ الصَّلواتِ، يَشهدونَ على مَنْ حَضَرَ ومَنْ فَاتَ؟ ويَجتَمِعونَ في صَلاةِ العَصِرِ وصَلاةِ الصُّبْحِ، "ثُمَّ يَعْرُجُ-يَصْعَدُ-الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ-ربُهم-وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ"، فَهلْ اسْمُكَ مَرْفُوعٌ في سِجِّلاتِهم؟

وقُلْ لبِلالِ العَزمِ مِنْ قَلبِ صَادقٍ*

أَرِحْنَا بِها إنْ كُنْتَ حَـــــقًّا مُصَليًّا

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَا بَعْدُ:

فقد وَصَفَ اللهُ-تَعالى-أهْلَ المَساجِدِ، بأنَّه لا يُلهيهِم عن الصَّلاةِ شيءٌ، فَهي عِندَهم كِتابٌ مَوقُوتٌ، يَتـْرُكونَ ما بأَيدِهِم ويُجيبونَ لها النِّداءُ، ولو كانوا في مَصْدَرِ رِزقِهم مِنْ بَيعٍ أو شِراءٍ، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).

 كَانَ إبراهيمُ بنُ مَيمونَ-رحمه اللهُ تعالى-يَعملُ في الصِّياغةِ وطَرْقِ الذَّهبِ والفِضةِ، وكَانَ إذا رَفعَ الـمِطْرَقَةَ فَسمِعَ النِّداءَ-الأذانَ-لم يَرُدَّهَا.

نَحْتَاجُ دَائمًا إلى مَن يُذَكِّرُنا بفَضلِ صَلاةِ الجَمَاعةِ والتَّبْكِيرِ إلى المَسَاجِدِ، خَاصَّةً مع كَثْرةِ المَشاغِلِ والمُلهياتِ والتَّوَتُّرِ المُتَصَاعِدِ، فرَسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-لَمَّا رَأى التَّأخيرَ في أَصْحَابِه، قَالَ لهم مُذَكِّرًا ومُـحَذِّرًا: "تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، فما يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ".

ولِذَلكَ فَقَدْ كَانُوا يَخافُونَ من التَّأخرِ عن الصِّلاةِ، وكَانَ فَوَاتُ الصَّلاةِ مُصيبةً يُواسَوْنَ عَليهَا-يُعَزَوْنَ-، قَالَ إبراهيمُ الوَاسِطيُّ-رحمَهُ اللهُ تعالى-: "رأيتُ أَبا الليثِ الخُراسَانيَّ-رحمَهُ اللهُ تعالى-ببلدةِ طَرَسُوسَ يُعَزَّى، قُلتُ: مَا شَأنْهُ؟ قَالوا: فَاتَتْهُ الصَّلاةُ في جَماعةٍ".

فإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ، وأَحْسَنَ اللهُ عزاءَنا، إنْ كَانَتْ قُلوبُنا تَعلَّقَتْ بكُلِّ مكانٍ، إلا المَسجِدَ.

 يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئَها، اللهم اغفرْ لوالدِينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهُمَّ إني أسألُكَ لي وللمسلمين أنْ تُعَلِّقَ قُلُوْبَنَا بِالْمَسَاجِدِ، وتجعَلَ الصَّلَاةَ قُرَّةَ أَعْيُنِنَا، ورَاحَتَنَا وَأُنْسَنَا، اللهمَّ اجْعَلْنَا وذُرِّيَاتِنَا مُقِيمِي الصَّلاةِ، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعَاءَنَا، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1636036542_أهل المسجد-30-3-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1636036544_أهل المسجد-30-3-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1987 | التعليقات 0