أهل القرآن وفاجعة قندوز بأفغانستان
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الحمد لله علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل القرآن هداية للناس، ونبراساً يضيء لهم الطريق، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم، علم القرآن فكان خير معلم، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... نحن المسلمون جميعاً نوظف جميع الإمكانات والطاقات لخدمة هذا الدين العظيم، إلا وإن من أعظم ما يُخدم به هذا الدين كلام ربا العالمين.
القرءان هو كلام الله منزل غير مخلوق ، الذي أنزله على نبيه محمد ﷺ باللفظ والمعنى ، القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد، ومعجزته الكبرى، وهداية للناس أجمعين ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) ولقد تعبدنا الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ).
في القرآن تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً، ولقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ).
القرآن مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مسموع بالآذان ، فالاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات، ومن أعظم القربات ، كيف لا !! وفي كل حرف منه عشر حسنات. وقد أودع الله فيه علمَ كل شىء .. ففيه الأحكام والشرائع، والأمثال والحكم ، والمواعظ والتأريخ ، والقصص ونظام الأفلاك ، فما ترك شيئًا من الأمور إلا وبينها ، وما أغفل من نظام في الحياة إلا أوضحه.
كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
هذا كتابنا، هذا دستورنا ، هذا نبراسنا ، إن لم نقرأه نحن معاشر المسلمين، فمن يقرأه !! ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا ) فما أعظمه من أجر لمن قرأ كتاب الله ، وعكف على حفظه، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.
فهنيئاً لمن حفظ كتاب الله الكريم، هنيئاً لهم هذا الأجر العظيم، والثواب الجزيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وهم أحق الناس بالإجلال والإكرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط ).
فأهل القرآن خير الناس للناس، لقد نالوا بهذه الخيرية على لسان النبي ﷺ ( خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ ).
أهل القرآن أعلى الناس منزلة، وأرفعهم مكانة، فلقد تسنَّموا مكاناً عالياً، وارتقوا مرتقًا رفيعاً، بحفظهم لكتاب الله، قال ﷺ ( إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين ).
حفاظ كلام الله .. هم أعظم الخلق أجراً، وأكثرهم ثواباً، كيف لا !! وهم تحملون في صدورهم كلام ربهم ، ويسيرون بنور مولاهم وخالقهم، قال رسولُ اللَّهِ ﷺ ( الَّذِي يَقرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكرَامِ البررَةِ، والذي يقرَأُ القُرْآنَ ويتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ له أجْرا ).
أبشروا يا أهل القرآن، أبشروا بهذه البشرى من نبي الهدى، والذي يصور فيه حوار القرآن والشفاعة لصاحبه يوم القيامة، قال ﷺ ( يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ : اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً ) وقال ﷺ ( اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإِنَّهُ يَأْتي يَوْم القيامةِ شَفِيعاً لأصْحابِهِ ).
فيا حفظة كتاب الله .. أينما اتجهتم فعين الله ترعاكم، فأهل القرآن هم الذين لا يقدمون على معصية ولا ذنباً، ولا يقترفون منكراً ولا إثماً، لأن القرآن يردعهم، وكلماته تمنعهم، وحروفه تحجزهم، وآياته تزجرهم، ففيه الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد ، فلتلهج ألسنتكم بتلاوة القرآن العظيم، ولترتج الأرض بترتيل الكتاب العزيز، وليُسمع لتلاوتكم دوي كدوي النحل، قال ﷺ ( يُؤْتى يوْمَ القِيامةِ بالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ الذِين كانُوا يعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنيَا تَقدُمهُ سورة البقَرَةِ وَآل عِمرَانَ، تحَاجَّانِ عَنْ صاحِبِهِمَا ) وقال عليه الصلاة والسلام ( إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ ).
وكان من وصيته ﷺ لأمته عامة ، ولِحَفَظَة كتاب الله خاصة ، تعاهد القرآن بشكل دائم ومستمر، فقال ﷺ (تعاهَدوا هذا القرآنَ، فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه، لهو أشَدُّ تفَلُّتًا من الإبِل في عُقُلِها ) ومن تأمل هذا الحديث العظيم، ونظر في معانيه ، أدرك عِظَمَ هذه الوصية، وعَلِمَ أهمية المحافظة على تلاوة كتاب الله ومراجعته، والعمل بما فيه، ليكون من السعداء في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... لا أنسى أن أهنئ الأولياء الذين عرفوا أهمية الرعاية السليمة الصحيحة لأبنائهم، وفق كتاب الله تعالى، ووفق سنة نبيه ﷺ فقاموا بما أوجب الله عليهم من الرعاية بالأبناء، وأحاطوهم بالاهتمام والنصح والإرشاد، فهنيئاً لهم أولئك الأبناء الصلحاء النجباء، الذين يحملون كتاب الله بين جنباتهم.
وإلى كل أب وأم أدركا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهما، أُبشرهما بحديث رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حيث قال ( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا ) فهنيئاً لكم أيها الأولياء هذه البشارة النبوية من الذي لا ينطق عن الهوى ﷺ.
عباد الله ... في اليوم الاثنين الماضي وقعت جريمة نكراء على إخواننا المسلمين في مدينة قندوز شمال شرق أفغانستان إثر الغارة الجوية من قبل الاحتلال الأمريكي على مدرسة قرآنية، مما أدى إلى مقتل (100 شخص بينهم عدد كبير من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و17 عاماً) وإصابة ( 50 آخرين ) معظمهم من المدنيين تجمعوا في المدرسة لحضور حفل لتخريج مرتلي وحفظة القرآن.
حيث استهدفت المقاتلة مدرسة دينية أثناء الاحتفال بتخريج دفعة من حفظة القرآن الكريم.
فهذه الجريمة الشنيعة التي أودت بحياة أطفال يافعين من حفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية. فنسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء عنده في عليين، وأن ينتقم من أمريكا، ومن يعاونها على جرائمها، الذين أعملوا نصالهم وسلاحهم في ضعفة هذه الأمة من شعوب أهل السنة .
وإن هذه المذبحة واستهداف حملة القرآن الكريم والعلماء، والدعاة، لتأتي في سياق الانتهاكات المتتابعة للمسلمين من أهل السنة على امتداد بلدانهم من الشام، وفلسطين إلى بورما، وأفغانستان ... ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
فعلى الآباء والأمهات أن يصبروا ويحتسبوا ما أصاب فلذات أكبادهم ، وأن يعلموا أن الله تعالى قد اختار لهم ما هو أعظم من شهادات الدنيا، وندعوا وإياهم على الظالمين أن ينتقم الله منهم.
على الدول العربية والإسلامية التدخل لوقف هذه الجرائم المتعمدة ضد المسلمين العزل في أفغانستان وغيرها. هذا وإن مقتضى الولاء لأخوة الإيمان والعقيدة يفرض عليها ضرورة قطع العلاقات مع هذه الدولة المحتلة المحاربة، ( وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير ).
عباد الله ... يكاد العجب لا ينقضي من الصمت المطبق ، وعدم التفاعل مع هذا الحدث من بعض قنوات الإعلام العربي والإسلامي إزاء هذه الفاجعة والنازلة والمصاب الجلل الذي حل بأهل القرآن.
إن على العلماء والدعاة والخطباء أن يذكروا المسلمين بهذا المصاب العظيم، وأن يقوموا بما أوجب الله تعالى عليهم من النصرة والعون والدعاء لإخوانهم المظلومين والمنكوبين في كل أرجاء المعمورة ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ).
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا ، اللهم اجعله شفيعاً لنا ، وشاهداً لنا لا شاهداً علينا ، اللهم ألبسنا به الحلل ، وأسكنا به الظلل ، واجعلنا به يوم القيامة من الفائزين ، وعند النعماء من الشاكرين ، وعند البلاء من الصابرين ، اللهم حبِّب أبناءنا في تلاوته وحفظه والتمسك به، واجعله نوراً على درب حياتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين