أهلاً وسهلاً ومرحباً يا رمضان ..

عبدالله محمد الطوالة
1442/08/27 - 2021/04/09 11:40AM

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ مسيرِ الليالي والأيامِ، ومصرفِ الشهورِ والأعوامِ، الملكِ القدوسِ العزيزِ السلامِ .. {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ..

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، حي قيومٌ .. تفردَ بالسرمدية والعظمةِ والدوامِ .. {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} ...

 وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولهُ، النبيُّ الأميُّ الإمام، أزكى الأنامِ، ومسكُ الختامِ، وبدرُ التمامِ، وخيرُ من صلى وصامَ، وطافَ بالبيت الحرامِ .. صلى الله وسلم وبارك عليهِ وعلى آله الأعلامِ وصحبهِ الكرامِ، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم .. تسليماً كثيراً ..

أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عباد الله واعلموا أنَّ في القلب شعثًا لا يلمّهُ إلا الإقبالُ على الله، وفيهِ وحشةٌ لا يُزِيلُها إلا الأُنسَ بطاعة اللهِ، وفيهِ حزنٌ لا يُذهِبُهُ إلا السرورُ بمعاملة الله، وفيهِ قلقٌ لا يُسكِّنهُ إلا إدامَةُ ذِكرِ اللهِ، وفيهِ فاقةٌ لا يسُدُّها إلا محبةُ اللهِ والإنابةِ إليهِ .. {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ..

معاشر المؤمنين الكرام: لا شك أنَّ شهرَ رمضان المبارك، هو أعظمُ مواسِمِ المؤمنِ وأغلاها، وأنفسِها وأشرفِها وأزكَاها .. إنه موسمٌ نفيسٌ جليل، ليس له في المواسمِ شبيهٌ ولا مثيل .. فأهنئكم أحبتي في الله ونفسي بقدومه وقربِ حُلولِه .. وأبشركم كما كانَ المصطفى ﷺ يبشرُ أصحابه فيقول: "أتاكم رمضان شهرٌ مبارك، فرض اللهُ عليكم صيامه, تُفتحُ فيه أبوابُ السماء، وتُغلَّقُ فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردةُ الشياطين، للهِ فيه ليلهٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم" .. ويقول ﷺ: "أتاكُم شهرُ رمضان، شهرُ بركةٍ، يغشاكُمُ الله فيه برحمتِه، ويحُطُّ الخطايا، ويستجيبُ الدعاءَ، ينظرُ إلى تنافُسِكُم فيه، ويُباهي بِكُم ملائكتَه، فَأروا الله مِن أنفُسَكُم خيراً، فإن الشقيَّ من حُرِمَ رحمَة الله"..

إنها يا عباد الله بشائرُ عظيمة .. وكيف لا يُبشرُ المؤمن بشهرٍ مُليء بالخيرات والبركات، والنفحات والرحمات، وكيف لا يُبشرُ المؤمنُ بليلةٍ هي خيرٌ من ألف شهر، من حُرمَ خيرها فهو المحروم حقاً .. كيف لا يبشر المؤمنُ بموسمٍ فُرصُ الربحِ فيه تضاعفت وتضخمت، ومعوقات النجاح أزيلت وابعدت، وعوامل التشجيع والاغراء كثرت وتنوعت .. فَمَرَدَةُ الشياطين قد صُفِّدت، وسحائِبُ الإيمانِ قد هبت وأقبلت، وبيوتُ اللهِ قد ازدانت وعُمِرت، ونفحاتُ الرحمنِ دنت وتنزلت، ودعواتُ المسلمين قد لهجت وصعدت .. والنفوسُ قد تاقت وتهيئت، وربُّنا الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم، قد أكرمنا بعفوِه وحلمِه، وغمرنا بمغفرتِه وسِتره .. ينادينا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .. ويؤكد لنا توبته بصيغة المبالغة: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} .. "يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيءُ النّهارِ، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل" .. وينادي جلَّ وعلا: "يا ابنَ آدم، إنّك ما دعوتني ورجَوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي. يا ابنَ آدم، لو بلغَت ذنوبك عَنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك. يا ابنَ آدم، إنك لو أتيتني بقرابِ الأرض خطايا ثم لقيتَني لا تشرِك بي شيئًا لأتيتُك بقرابها مغفرةً" .. فحري والله بكل مسلمٍ أن يقْدِرَ لرمضان قدْرَه، وأن يعرفَ له شرفهُ وفضله، وأن يستقبلهً أحسنَ استقبال، وأن يفرحَ بقدومه غاية الفرح، وأن يستعد له أحسن الاستعداد، وأن يُقبلَ عليه أفضلَ الإقبال ..

فأهلاً وسهلاً ومرحباً يا رمضان، شهرُ الخير والبركةِ والإحسان، شهرُ التقوى والهدى والإيمان .. شهرُ البشائرِ والذخائر، شهرُ المرحمة والمسامحة، شهرُ التوبة والغُفران، والعتقِ من النيران، في الحديث الصحيح، قال ﷺ: "من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال ﷺ: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال ﷺ: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ..

أهلاً وسهلاً ومرحباً يا رمضان، شهرُ القرب والطاعة، شهرُ الفرجِ والشفاعة .. ففي الحديث الصحيح: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيُشَفَّعان" ..

أهلاً وسهلاً ومرحباً يا رمضان، شهر الصبر والإخلاص، شهر الفضل والاختصاص، ففي الحديث الصحيح: "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عزَّ وجلَّ: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به" .. وفي محكم التنزيل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ..

أهلاً وسهلاً ومرحباً يا رمضان، شهر الفرحةِ والبهجة .. ففي صحيح مسلم يقول النبي ﷺ: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه" ..

أهلا وسهلا ومرحباً يا رمضان، شهر الكرم والعطاء، شهر إجابة الدعاء .. ففي الحديث الصحيح: "ثلاث دعواتٍ مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر" ..

إنها يا عباد الله مناسبةٌ غاليةٌ لا تعوض، وأوقاتٌ نفيسةٌ لا تقدر بثمن، فهل من مدكر، وهل من مستعدٍ ومُشمِّر .. فالسعيدُ واللهِ من اغتنمها،  وبالطاعة عمرها واستثمرها .. ووالله لو قيلَ لأهل القبورِ تمنّوا .. لتمنوا يوماً من رمضان .. فيا من أدركَ رمضان، هل استشعرت قيمة الفرصة، فبادِر وقتك، واستثمر فرصتك .. واعلم أن الله جلَّ جلاله يدعوك للمُسَابَقَةِ في الخيرات، وَيدعوك إلى المُنَافَسَةِ والمُسَارَعَةِ يقولُ جل وعلا: {فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ} وَيقَولَ تعالى: {وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ} .. وَيقَولُ تبارك وتعالى: {سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ} .. وَيقَولُ سبحانه وبحمده: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ * في جَنَّاتِ النَّعِيمِ} .. وتَأَمَّلُوا عِبَادَ اللهِ قَولَ رَبِّكُم جَلَّ وَعَلا: {مَن ذَا الَّذِي يُقرِضُ اللهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أضعافًا كَثِيرَةً}، لِتَعلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِ استَقرَضَكُم أَموَالَكُم وَأَعمَارَكُم وَأَعمَالَكُم، لِيُوَفِّيَكُم أَجَورَكُم وَيُضَاعِفَ حَسَنَاتِكُم .. فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وَاستَعِدُّوا لرمضان بِإِصلاحِ قُلُوبِكم وَتَنقِيَةِ سرائركمِ، وَاعقُدُوا العَزمَ عَلَى المُتَاجَرَةِ مَعَ اللهِ بِأَحسَنِ مَا تَجِدُونَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} ..  

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ..

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ...

أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ..

معاشر المؤمنين الكرام: تخيلوا رجلاً مسكيناً محتاجاً، يمرُّ عليه أحدُ المحسنين الكبار، فيقول له افتح جيبك لأملئه لك ذهباً، فيقول له المسكين، ليس لي جيوب، فيقول له المحسن فأتني بماعونٍ أملئهُ لك، فيقول المسكين، ليس معي ماعون، فيمضى المحسن دون يغنمَ المسكين منه شيئاً .. ليصبح ذلك المحروم مثلاً يُضربُ في دناءة الهمَّةِ، وبلادة الطبعِ: خُذ يا فقير، قال ليس معي ماعون .. وهذا هو ما حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: "أتاني جبريل فقال يا محمد: من أدرك شهر رمضان فمات ولم يغفر له فأُدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت آمين" ..

فاستعيذوا بالله عباد الله: أن تمرَّ بكم مواسم الخير وفرص السعادة، ثم لا تَزدادون هدًى، ولا ترتَدِعون عن هوى .. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "بمحلوف رسول الله ﷺ ما أتى على المسلمين شهرٌ خيرٌ لهم من رمضان، ولا أتى على المنافقين شهرٌ شرٌّ لهم من رمضان، ثم قال في نهاية الحديث: هو غنمٌ للمؤمن، ونقمةٌ للفاجر) ..

رمضان أحبتي في الله فرصة وأيّ فرصة، زمانٌ لا يضاهيه زمان، وموسم لا يدانيه موسم، وهو يدعونا للجد والعمل، وترك التواني والكسل .. فلنستنفر كل طاقاتنا وقدراتنا، ولنستثمر كل أوقاتنا وإمكانياتنا فيما يُسعدنا ويرضي عنا ربنا .. عسى أن لا نكون من المفرطين المحرومين ..

إنه كما قال الله: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ}، فلنجدَّ ونجتهدَ في اغتنامها بالخيرات، ولنسارع في عِمارتها بالصالحات، ولنحذر أن نضيِّع شيئاً منها في التفاهات والترهات ..

الله .. الله يا عباد الله .. أروا الله من أنفسكم خيرًا ..

فها هي أسواق الخير قد نُصبت أعلامها فأين هم المتاجرون؟! ..

وها هي ساحة العفو قد اتسعت ميادينها فأين هم المتنافسون؟!

وها هي الرحمات والبركات تتنزل، فأين هم المشمرون المثابرون ؟!

ها هي أبواب الجنة قد فتحت، فأين هم المسارعون الجادون ؟!

ها هي أبواب النيران قد غلّقت، فأين هم التائبون النادمون ؟!

وها هي مردة الشياطين قد صفدت، فأين هم المجتهدون العازمون ؟!

فيا من يطمع في المغفرة وقبول التوبة، ها قد أقبل رمضان .. فماذا نويت وعلام عزمت ؟

ألا فاتقوا عباد الله في هذه الفرصة الغالية، وحفزوا هممكم، وشدّوا عزائمكم، وهُبّوا هبَّة أُسدِ الشرى، واقطعوا حبائلَ التسويف والهوى، وأروا الله من أنفسكم خيرًا، وعليكم بالجدّ والاجتهاد .. فبالجد والاجتهاد فاز من فاز، ووصل من وصل .. {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} ..

يا ربِّ عبدُكَ قد أتاكَ وقد أساءَ وقد هفَا ..

حملَ الذنوبَ على الذنوب الموبقاتِ وأسرفَا ..

وقد استجارَ بجود عفوكِ من عقابكِ مُلحِفا ..

مُتحسراً، مُتأوهاً، مُتأسفاً ..

يا ربِّ فاعفُ عنهُ وعافِه، فلأنتَ أولى من عفَا ..

ألا فاتَّقُواْ اللّهَ عباد الله وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ .. فَمَا أَحسَنَ عَاقِبَةَ الصِّدقِ مَعَ اللهِ .. فوَاللهِ، يا عباد الله: مَا مِن عَبدٍ يَطَّلِعُ اللهُ عَلى قَلبِهِ .. فَيَرَى أَنَّهُ صادق .. يُرِيدُ الفَوزَ في رَمَضَانَ .. إِلاَّ أَعطَاهُ اللهُ مُرَادَهُ .. كيف لا وهو الذي يفرحُ بتوباتنا، ويتقرب إلينا أكثرَ مما نتقرب إليه .. فَالصِّدقَ الصِّدقَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، فَعَلَى قَدرِ الصِّدقِ يَكُونُ الفَوزُ والفلاح، قال سُبحَانَهُ: {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} .. فاصدقوا الله يصدقكم .. اصدقوا الله يصدقكم، واستقبلوا شهركم بتوبة خالصةٍ نصوح، وعودةٍ قوية صادقة، ونيةٍ في الخير عازِمةٍ جازِمة، استروحوا روائِح الجنان، وتعرضوا للنفحات الرحمن، وتزودوا بزاد التقوى والإيمان .. بلغني الله وإياكم رمضان، وجعلنا فيه وفي غيره من أهل الذكر والقرآن، والبر والإحسان ..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..

اللهم صل على محمد وعلى ...

المشاهدات 768 | التعليقات 1

للرفع