أهلًا بالأحد ترحيبًا بالمتعلمين. 1446/2/12هـ.

عبد الله بن علي الطريف
1446/02/11 - 2024/08/15 22:45PM

أهلًا بالأحد ترحيبًا بالمتعلمين. 1446/2/12هـ.

الحمد لله الذي جعل الشمسَ ضياءً، والقمر نورًا، وقدَّره منازل لتعلموا عددَ السنين والحساب، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمد، ومنه المبتدأ وإليه المآب، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلَ من تعبدَ لله وأناب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا.

أما بعد أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.. أحبتي بعد غدٍ الأحد.. وما أدراك ما لأحد.؟ إنه يوم انطلاقُ أبناءِ الأمةِ وبناتِها إلى دورِ التربيةِ والتعليم لينهلوا مِن مَعينِها، ويَسْتَقُوا مِنْ معارِفِها.. فما أجمل تقاطر الأبناء والبنات زرافاتٍ ووحدانا إلى مدارسهم وكلياتهم؛ ليبدأوا عامًا دراسيًا جديدًا.. وقد عقدوا العزم على التعلم إيمانًا منهم ومن ذويهم بأهمية التَعَلُمِ.. وهل أمةٌ سادتْ بغيرِ التَعَلُمِ.. إِنَّ منظرَ خروجِهم منظرٌ يَسرُ الناظرُ لمجدِ أمتِه.. المتطلعِ لعزِ دينِهِ ووطنِهِ..

فيا أيها المعلمون والمعلمات: "إنكم تجلسونَ من كُرسيِ التعليمِ على عُرُوْشِ مَمَالكٍ رعاياها أطفالُ الأمةِ وفتيانُها فسُوسُوهم بالرفقِ والإحسانِ، وتَدرجوا بهم من مرحلةٍ كاملةٍ في التربيةِ إلى مرحلةٍ أكملَ منها، إنهم أمانةُ اللهِ عندَكم، وودائعُ الأمةِ بين أيديكم، سلمْتُهم إليكم أطفالاً لتردُوهم إليها رِجالاً.. وقدَّمتهم إليكم هياكلَ لتَنْفُخوا فيها الروحَ.. وألفاظًا لتعمروها بالمعاني.. وأوعيةً لتملؤها بالفضيلةِ والمعرفةِ..

واعلموا أنَّ التعليمَ بابٌ واسعٌ من أبوابِ نيلِ الحسنات، ورِفعةِ الدرجات، فهنيئًا لكم ما تؤدُونَهُ من واجبٍ، وما تحوزونَه من أجرٍ بتعليمِ الناس الخير، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ». رواه الترمذي وصححه الألباني والعلمُ إذا أُطلقَ يُرادُ به علمُ الشريعةِ، وإذا لم يُطلق فقد يدخُل فيه كلُ علم نافع.. أما تعلم العلوم الأخرى غيرَ علوم الشريعة، فقال عنها الغزالي رحمه الله: "فلا يتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة، بل الحِجامة والخياطة، فإنه لو خلا البلدُ من الحُجام تسارع الهلاك إليهم وحَرِجُوا بتعرِيضِهم أنفسَهم للهلاك؛ فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إلى استعماله وأَعدَ الأسبابَ لتعاطيه؛ فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله". ا هـ.

أيها المعلمون والمعلمات: أوصيكم بحسن استقبال الطلاب والطالبات، استقبلوهم بالبشر والبشاشة، ورحبوا بهم ترحيب المحب، وقولوا مرحبًا بطلاب العلم أخذًا بوصية نبينا ﷺ: فَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا: لَهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاقْنُوهُمْ». أي عَلِّمُوهُمْ. رواه ابن ماجة وحسنه الألباني. وكان أبو سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذا جاء طلاب العلم قال: "مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ".

وقد رحب رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال صَفْوَانُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ مُتَّكِئٌ عَلَى بُرْدٍ لَهُ أَحْمَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: "يَا رَسُولَ الله، إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ"، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ، إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِمَا يَطْلُبُ» رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني. وهذا الترحيبُ مفتاحٌ جميلٌ لبث الطمأنينة بين الطلاب وسكينتهم، وهدي إسلامي للتعامل معهم، وبداية حسنةٌ ترغّبهم بالعلم وتشجّعهم عليه، ودليلٌ على حرص المعلم وحبّه لنفعهم متى ما صدر هذا الترحيب بصدق وإخلاص.. ودرج على الترحيبِ بالمتعلمين وحُسنِ استقبالِهم والبشاشةِ لهم والاستئناسِ بهم علماءُ الأمةِ أخذًا بوصية النبي ﷺ بهم، وكُتب السيرِ مليئةٌ بأخبارهم من ذلك: ما رواه علقمةُ رحمه الله، قال: كان ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقرِّبُ طلابَ العلم إذا أتوه، ويقول: "أنتم دواءُ قلبي".. وكان أبو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إذا رأى طلبة العلم، قال: "مرحبًا بطلبة العلم"، وكان يقول: "إنَّ رسولَ الله ﷺ أوصى بكم" أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي. وكان الإمامُ أبو حنيفة رحمه الله إذا شاهد طلاب العلم يقبلُ عليهم بوجهٍ طلقٍ وبشاشةٍ ورحابةِ صدر ويقول: "أنتم مَسَارُّ قلبي وجلاءُ حُزني قد أسرجتُ لكم الفقهَ وألجمتُه فإذا شئتم فاركبوا"... وعليكم معاشر المعلمين بالرفق واللين في كل شيء حتى في العقوبة فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ». رواه مسلم

أحبتي: كم ارتفع قدر معلم عند طلابه برفقه بهم وبحسن معاملته لهم، وكم صلُحَ حالُ طلابٍ بالرفقِ والمعاملةِ الحسنة.. وكم نزلت أسهم معلم جافي الطبع خَشِنِ الجانب فظِّ الأخلاق متجهمِ الوجه يظن أن بناء شخصية المعلم تكون بذلك، وغفلَ عن قولِ المصطفى ﷺ: «وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ» رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. وعن قولِه ﷺ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أسأل الله أن يجعل هذا العام عام خير وبركة وصلى الله على نبينا محمد

الخطبة الثانية:

اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه النجباء وسلم تسليما.. أما بعد أيها الإخوة: في كل عام وقبل عودة المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات يُطلق بعض الناس تعليقات ساخرة منهم، وأنهم بصدد البداية بالتعب والنصب، وسلامٌ على الراحة، وكفاكم ما استمتعتم به من إجازة.. والظاهر لي أن هذا من التخذيل غير المشروع..

وحري بأمة اقرأ وأتباع النَّبِيِّ ﷺ وهو المحفز والمعزز لكل عمل إيجابي يُعز الأمة، ويَعْمُرُ الكونِ أن يكون مقالهم مهتدى بقول الهادي البشير ﷺ بقَوْلِهِ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» رواه أحمد والبخاري بالأدب المفرد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وصححه الألباني والفَسِيلة النخلة الصغيرة التي فُصلت عن النخلة الكبيرة.. فديننا يدعو للجد والنشاط وعمارة الكون حتى آخر لحظة في الحياة لدلالة هذا الحديث.. أما أولئك المخذلون والمثبطون وان نالوا شيئًا من المكانة، وتناقل الناس مقالاتهم وتعليقاتهم فلن يتعدى قدرهم ذلك.

وعلينا أيها الإخوة: أن نتجاهل تعليقاتهم الساخرة، ولا نتناقلها.. فهذه تعليقات يستخرج بها الشيطان مشاعر التحسر على أيام أجازه ولت ومضت، ويظهر السخط من أيام العمل القادمة..

فماذا يريد هؤلاء.؟! هل يريدون أن تضل الأمة في إجازة طوال حياتها.؟ هل يظنون أن السعادة بالقعود والراحة البدنية الدائمة.؟ نقول لهم لا.. فأمة الإسلام واجبُها قيادة العالم وهدايتُه.؟

أحبتي: ولا نقل هذه الأقوال من الدعابة والتسلية وقطع الوقت.! فالواجب أطلاق عبارات الترحيب والفرح والتحفيز والإيجابية والعمل الجاد الباني. فاللهم لك الحمد قد أنعمت على أكثرنا بإجازة مع أهله وأحبته بأمن وأمان، وطابت أعيادنا في أجواء من الطاعة والفرح.. فلا صفارات إنذار، ولا قصف، ولا قتل ولا تدمير ولا حصار ولا تشريد.. مع تمام العافية..

لما لا نقول أهلا بالأحد: ما دمنا بنعمة الإسلام رافلين..

أهلا بالأحد: فهمنا في الأيام القادمة النهوض للمدارس والأعمال، وليس الدفاع عن أعراضنا وأموالنا وأراضينا.. اللهم اجعل هذا العام الدراسي عام خير وصلاح وفلاح، ووفِّق أولاد الأمة للخير، وجنبهم الشر، واجعلهم هداة مهتدين.

المشاهدات 4342 | التعليقات 0