أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة .. يقول الله سبحانه في كتابه العزيز (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ)
هذه الآية تبين أن الفتن والابتلاءات لا تصيب الطغاة والظالمين فقط ، فالجماعة التي تسمح لفريق منها بالظلم ولا تقف في وجه الظالمين، تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين. فالإسلام منهج تكافلي إيجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن الظلم والفساد والمنكر يشيع، ثم بعد ذلك يرجون أن يخرجهم الله من الفتنة لأنهم هم في ذاتهم صالحون طيبون. وقد قص الله تعالى في القرآن الكريم أحوال السابقين، وما حلّ بهم من أنواع العذاب والعقوبات؛ ليَحذَرَ الناسُ من أعمالهم. ففي القرآن ذكر لبعض جند الله تعالى التي أرسلها على الظالمين فكانت سبب هلاكهم، الغرق، الريح، الصيحة، وغير ذلك؛ يتابع نُذُرَه على عباده ، ويريهم شيئاً من قدرته وآياته ، لعلهم يتذكرون ، لعلهم يرجعون. وأصحاب القلوب الحية هم الذين تؤثر فيهم المواعظ القرآنية، والنذر الربانية (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
أما أصحاب القلوب الميتة التي انغمست في الشهوات ، فإن الآيات لا تنفع فيهم، ولا تجدي النذر عليهم شيئًا ، حتى يبغتهم العذاب وهم في غفلتهم ساهون (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أصناف من العذاب ، وأنواع من الآيات والنذر جزاءً وفاقًا علي انتشار الظلم والفساد في المجتمعات. عُذب بالخسف أمم ذكرها الله سبحانه كقوم لوط عليه السلام(وَالمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى* فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى* فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) وَالمُؤْتَفِكَةَ من الإفك ، وهو القلب والصرف، لأن جبريل رفعقرى أهل لوط نحو السماء ثم قلبها (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) أهلكهم عز وجل من قبل عاد وثمود، كانوا أشدّ ظلما لأنفسهم، وأعظم كفرا بربهم ، وأشدّ طغيانًا وتمرّدًا على الله من الأمم التي أهلكها الله من بعدهم، دعاهم نبيّ الله نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلم يزدهم ذلك إلا عنادًا وطغيانًا (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) فكانت المياه التي جعلها الله شريان الحياة هي نفسها سبب هلاكهم. إن الجرأة على شريعة الله ، وانتهاك حرماته ، تجلب غضب الله وسخطه ، أنصتوا لقوله تعالي في يهود أصحاب السبت (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)  فهل بعد هذا يأمن العصاة مكر الله!! ويتجرؤون على شريعته، وانتهاك حرماته؟ (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ) إنه تهديد عظيم بالخسف والزلزلة. نسأل الله أن يملأ قلوبنا بالإيمان، وأن يحفظ علينا إيماننا وأمننا، وأن يصرف ع7نا وعن بلادنا وبلاد المسلمين شر الأشرار، وكيد الفجار. أقول ما تسمعون...       الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... مبارزةُ الناسِ الله بالمعاصي، وتحديهم السافر لشريعته، ســبب العقوبات الربانية، وقد شهدت الكرة الأرضية عددًا من الزلازل والعواصف والبراكين، أهلكت بشراً كثيراً، ودمرت عمراناً عظيماً، وراح ضحيتها آلاف القتلى، ومئات الآلاف من الجرحى والمشردين، وفقد الأحياء كل شيء يملكونه في لحظات، وإن أعظم أسباب دفع هذا البلاء عن الأفراد والأمم : هو الإصلاح في الأرض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على أيدي السفهاء؛ فإن الله تعالى قال في الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر (أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) وإذا رحمهم الله عز وجل لم يعذبهم (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فنجي الله الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ودمر الفسقة الظالمين. وسألت زَيْنَبُ ابنة جَحْشٍ رضي الله عَنْهُما رسولَ الله صلي الله عليه وسلم فقالت (أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟) قال (نعم، إذا كَثُرَ الْخَبَثُ) ولا يكثر الخبث إلا حين يُعطل الاحتساب على الناس ، فلا يؤمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، ويتخاذل الناس عن نصرة المنكوب ، ويفرغون وسعهم في السفاسف من الأمور. علينا أن نتوب إلى الله عز وجل وأن نعتبر ونتعظ بما نرى ونسمع مما يقع من الكوارث قبل أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، ولا نكون كالذين قال الله فيهم (وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ لا يؤمنوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين  
المشاهدات 1361 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا