أُنسُ المهمُوم [خطبة مُوجزة]

                                                                أُنسُ المهمُوم

                                                          [خطبة موجزة]

                                                        1441/11/12هـ

                                                          الخطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، أَمَّا بَعْد:

هناكَ قديمًا في إحدى بيوتِ المدينة، كان بيتُه يئِنُّ تحتَ وطأةِ الفقر، لمْ يكنْ ذو مالٍ وعيال، فمَا لَه في هذه الدنيا سوى ولدٍ وحيد تقرُ به عينُه، وتأنسُ به روحُه.

نادى المنادي مرَّةً فأجابَ الولدُ النداء، وركبَ الخيلَ في سبيلِ الله، ونصرةِ رسولِ الله، رجعَ الناسُ بعدَ مُدة، وخرجَ الوالدُ الضعيفُ يتلقى العائدين فلمْ يجدْ فلذةَ كبدِه، وجمارةَ قلبِه، فتيقنَ رضيَ اللهُ عنه أنَّ ابنَه وقعَ في الأسر، فضاقتْ بهِ الأرض، وتلاشتِ الدنيَا في عينِه، فانطلقَ إلى رسولِ الهدى شاكيًا: يا رسولَ اللهِ إنَّ العدوَ أَسِرَ ابنِي، والفقرَ قدْ هدَّنِي، فقالَ له رسولُ اللهِ ﷺ: «مَا أمسى عندَ آلِ محمدٍ إلا مُدٌ، فاتَّقِ اللهَ واصبرْ، وأكثرْ منْ قولِ: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله».

خرجَ عوفُ بنُ مالك الأشجعي منْ عندِ رسولِ اللهِ ﷺ بهذا الكنزِ النبويِّ العظيم، أتى بهَا إلى الأمِّ المكلومة، فلمَّا لقيتْ زوجَها قالتْ له: مَا قالَ لكَ النبي ﷺ ؟ قال: أمرني وإياكِ أنْ نستكثرَ منْ قولِ: لا حولَ ولا قوةَ إلّا بالله، قالتْ: نِعمَ مَا أمرَك به، فلزمَا (لا حول ولا قوة إلا بالله) بيقينٍ وإيمان، وأملٍ وإحسان، فبينمَا همَا في البيتِ إذْ تأتيهمَا البشرى على غيرِ ميعاد! البشرى وزيادة، فإذَا بابنهمَا يقدمُ عليهمَا بعدَ هذا الغيابِ، ومعه مغانمُ عظيمة، وخيراتٌ كثيرة. [والقصةُ أصلها عند الحاكم في المستدرك].

نعمْ أيهَا الفضلاءُ إنها (لا حول ولا قوة إلا بالله) الكنزُ العظيم، والفضلُ الكبير، والحرزُ المبارك، والذكرُ المضاعف.

جاءَ في الصحيحينِ عنه ﷺ أنَّه قالَ لأحدِ الصحابة: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».

وجاءَ في بعضِ الآثارِ عنْ أنس رضيَ اللهُ عنهُ قال: (منْ رأى شيئًا منْ مالِه فأعجبَه فقال: ﴿ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ لمْ يصِبْ ذلكَ المال آفةٌ أبدًا وقرأَ: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾.

ووصى بها جعفرُ الصادق سفيانَ الثوري فقال: (يَا سفيان إذَا أنعمَ اللهُ عليكَ بنعمةٍ، فأحببتَ بقاءَها ودوامَها، فأكثرْ منَ الحمدِ والشكرِ عليها، وإذَا استبطأتَ الرزقَ فأكثرْ منَ الاستغفار، يا سفيان إذا حزبكَ أمرٌ فأكثرْ منْ قول: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ فإنها مفتاحُ الفرجِ وكنزٌ منْ كنوزِ الجنة). قالَ سفيانُ الثوري: (فانتفعتُ بهذه الموعظة).

ألَا أيُّها المهمُوم! قِفْ قليلاً ثمَّ تأمَّلْ مَا تحمِلُه هذه الكلمةُ منَ المعاني العظيمة، فهيَ مِفتاحُ البركة، ومِفتاحُ الإعانة، لأنكَ بذكرِ الحوقلَة تفوضُ أمرَك إلى القاهرِ فوقَ عبادِه، إلى الجبارِ ﷻ وتقدستْ أسماؤه، فكأنَّك تقول: لا حركةَ لي ولا استطاعة، ولا تحوُّل من حالٍ إلى حالٍ إلا بحَولِ اللهِ وقوَّتِه.

فـ«لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ» توكلٌ وإيمان، وراحةٌ وسلام، هي أُنسُ المهمُومِ، وجلاءُ المغمُوم.

عجبًا لمن يقنَطُ وعندَه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله!

عجبًا لمن يقلَقُ وعندَه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله!

عجبًا لمن استبطأَ شيئًا وعندَه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله!

عجبًا لمنْ كثرتَ همومُه، وزادتْ غمومُه، وعندَه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله!

                                      يا صاحِ أكثرْ قولَ لَا حولَ ولَا ... قوةَ إلاَّ [بالله] فهيَ للداءِ دوَا

                                      وإنَّــهَـــــا كــــــنــــزٌ مـــنَ الجــنــــةِ يَا ... فــوزَ امـــــرئ لجـــــــنّـــــــــــةِ المــأوى أوا

يقولُ أحدُ العلماء لأحدِ تلاميذِه في موعظةٍ مؤثرة: (وقدْ نزلتْ بي شدةٌ عظيمة، ووقعتُ في خطرٍ شديد، فداومتُ على «لا حول ولا قوة إلا بالله» ليلاً ونهارًا إلى أن يغلبَني النوم، ففرَّجَ اللهُ عنِّي سريعًا فللهِ الحمدُ والمِنّة».

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم:

﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)﴾.

                                                             باركَ اللهُ لي ولكمْ..

                                                                الخطبة الثانية:

عبادَ الله:

«لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله» هيَ الشافيةُ الكافية، والمنجيةُ الفاتحة.

فيهَا يتجلى التوحيد، حيثُ الإسلامُ والاستسلام، والاعترافُ للهِ بالعجزِ والضعف، وأنْ ليسَ للعبدِ حيلةٌ في دفعِ شرٍ أو جلبِ خير، في أمرِ دينٍ أو دنيا، إلا باللهِ العزيزِ الحكيم، والعليِ العظيم.

يقول ابنُ عباسَ رضيَ اللهُ عنهما في تأويلِها: (لا حولَ بنَا على العملِ بالطاعةِ إلا بالله، ولا قوةَ لنَا على تركِ المعصيةِ إلا بالله) [أخرجه ابن أبي حاتم].

وهَا هنَا ثمةَ تنبيهٌ مهمٌ يا عبادَ اللهِ حيثُ إنَّ بعضَ الناسِ غلبتْهُ العادةُ على العبادة، فأصبحَ يقولُها نطقًا منْ غيرِ يقينٍ واعتقاد، فيقعُ في الخللِ والتقصيرِ، فتراه يقول: «لا حولَ ولا قوة» أو: «لاَ حولِ الله» ولا يأتي بها كاملة، وهذَا منَ الزللِ والخطأ، وكمالُها في الإثباتِ والنفي، والاعتقادِ واليقين، والإيمانِ والعمل.

فيا طوبىٰ لمن أقامَها في قلبِه ولسانِه،  وتزودَ منهَا في سائرِ حياتِه، فمَا منَّا أحدٌ إلا تعتريه الهمومُ والأحزان، والمضائقُ والنوائب، ومن التزمَها وحافظ عليها فازَ ونجح، وسعدَ وأفلح، كيفَ لَا وهيَ منَ الباقِيات الصالِحات، كما جاء ذلك في بعض المرويات: «استكثِرُوا منَ الباقِياتِ الصالِحات.. التكبيرُ، والتهليلُ، والتسبيحُ، والحمدُ لله، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله».

اللهم إنا نسألك صدقَ التوكل عليك، وحسنَ الظن بك.
اللهم ارزقنا قلوبًا سليمة، ونفوسًا مطمئنة يا رب العالمين.
المرفقات

أُنسُ-المهمُوم-وجلاء-المغمُوم

أُنسُ-المهمُوم-وجلاء-المغمُوم

المشاهدات 2341 | التعليقات 0