أنتِ حرّة (2)
د. منصور الصقعوب
1438/07/17 - 2017/04/14 05:54AM
الحمد لله رب العالمين, شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم, فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد فاتقوا الله عباد الله ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة.....)
تروي بعضُ كتبِ السِيَر أن امرأة مسلمة في عهد النبي ق قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع, وجلست إلى صائغ, فجعل اليهودُ يريدونها على كشف وجهها فأبت, فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها, فلما قامت انكشفت سوأتها, فضحكوا بها, فصاحت, فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً, فشدت اليهود على المسلم فقتلوه, فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود, فغضب المسلمون, فكانت شرارة إجلاء بني قينقاع.
منذ بزغ فجر الإسلام, والحربُ على المرأة المسلمة موجودة, يتزعمها اليهود, وينفّذها المنافقون
هذه الهجماتُ الإفسادية, والجهود التغريبية, والحملات المفسدة, لتحرير المرأة, وحرفِ تدينها, وإضعافِ تمسكها بتعاليم دينها, ليست بدعاً من الفعل, ولا جديداً من المكر, بل هي قديمةٌ, منذ قِدَمِ الصراع بين الخير والشرّ, والفضيلة والرذيلة.
فمنذ أعز الله الناس بالدين, والمنافقون يدأبون إلى إشاعة المحرمات, وإفساد المؤمنات, وما ذاك إلا لعلمهم أن ذلك بابٌ للشر على المجتمع بأكمله, كيف لا, وقد فطر الله ميل كل جنس إلى الآخر, وما كان لمجتمع أن تحل فيه الفضيلة إلا إذا تمسك رجاله ونساؤه بتعاليم الدين.
وقبل كل شيء, ليس يخفى أنه: لن تجد أمة تعرف للمرأة حقها, ولا ديناً يقدرها ويرفع شأنها, كمثل الإسلام والمسلمين, ولا عجب, فهي الأم والزوجة والبنت.
هي أمّنا لا حق فوق حقوقها وأبَرُ بَرٍّ من حباها بِرّه
هي أختُ كلِ كريم أصلٍ عنده ظلّ الأُخيّة جنّة مخضرّة
وبُنيّةٌ ما قيمة الدنيا بلا بنت بِعَين حبيبها كالزهرة
وشريكةُ العمُر التي من دونها كلّ اللذائذ - لو توالت - مُرّة
وعشيرةٌ لو حاول الشعراء ما وفّوا بحق عشيرةٍ لو شعرة
هي درّة يا ليت شعري من رأى أحداً يسوّق بابتذالٍ درّة
هي حرة يا ليت شعري من رأى حرّاً يتاجر في الملا بالحرّة
ﻷجلِ المرأةِ خاض النبي ق الحرب ضد بني قينقاع.
وﻷجلها حرّك المعتصم جيشه إلى عمورية.
ولِسُمْعَتها وضع الله حدّ القذف ثمانين جلدة.
بل, وقال عنها الرسول ق أمّا "الزم قدمها فثم الجنة".
لن أطيل في هذا, فليس مثله يخفى, والحمد لله.
إنما الذي لا بد من طرحه هنا, أن المرأة اليوم تواجه هجوماً شرساً من قبل خصوم عدة, وبأسماء مختلفة, ومن خلال شعارات متنوعة, مرّةً باسم نزع الولاية, وأخرى باسم طلب الحرية, وثالثةً باسم المساواة, وهكذا, والمؤدى واحد, وإن تعدد المنادون, وإن اختلفت الرايات.
هؤلاء المحاربون للمرأة ليسوا صنفاً واحداً, منهم الكاتب المستغرب في كتاباته, والإعلامي في منبره أو قنواته, والمسؤول الذي يسعى لتنظيم وشرعنة الفساد, ومن وراء الجميع الغربُ الفاجر الكافر, والذي يعد هذا جزءاً لا يتجزأ من حربه على الإسلام وقِيَمِه وأخلاقه.
ويتفنن المفسدون في الحرب على المرأة عبر عدة أبواب: مرةً يُبرِزون صورةَ المرأة الغربية على أنها النموذجَ للحرية, وأنها تعيشُ بكامل حريتها, ولهذا تتفنن وسائل الإعلام بنقل صورة الحياة الغربية بتفاصيلها .
ويتعامى هؤلاء المفسدون عن الحالِ البئيسة للمرأة الغربية, التي تُبرِزها النسبُ والإحصاءات المخيفة, الصادرة من القوم أنفسهم.
في تقريرٍ أصدرته إحدى المؤسسات في أمريكا كان مضمونه ما يلي: هناك عشرةُ ملايينَ أسرةٍ تعولها الأم فقط (دون وجود أب)، ويُقتَلُ بالإجهاض أكثرُ من مليون طفل سنوياً، ويوجد أكثر من 65 مليون شخص مصابون بأمراض جنسية لا يمكن شفاؤها، ويتم اغتصاب 683 ألف امرأة سنوياً، وتثبت التحقيقات أن 40 -50 % ممن يقتل من النساء يكون القاتل هو شريكها الحميم (زوج أو صديق)
أما في مجال الوظائف فإن 97 % من المناصب القيادية العليا في أكبر الشركات يشغلها رجال، كما أن 89 % من الخدم وعمال التنظيف هم من النساء.
وأما ختام مسيرة المرأة هناك فإن نصف عدد النساء الأمريكيات ممن تجاوزن 75 سنة يعشن وحدهن.
فأي هاوية يريد الإعلام المنحرف ودعاة الرذيلة أن يسوقوا نساءنا إليه؟ وأي نموذج يسعون أن نكونه؟
ولذا: فأكثر شرائح المجتمعات الغربية إسلاماً هي المرأة, لأنها تجد فيه حفظ حقوقها, ورعاية كرامتها, وصرح بذلك مفكروهم حيث قال أحدهم: "إن الإسلام قد أثّر تأثيرًا عظيماً وحسناً في رفع مقام المرأة أكثر من قوانيننا الأوروبية"
فليت نساء قومي يعلمن.
أيها المؤمنون: وتارة أخرى يُرفع الشعار عبر بوابة مظلومية المرأة المسلمة, وأنها تعاني الكبت والتضييق, وأنها مقيدةٌ بقيود الولاية عليها, فلا تسافر إلا بِمَحْرم, ولا تتصرف إلا بإذن الولي, ويُلَبِّسُ هؤلاء ويزينون, ويتناسون أن الذي قرر ذلك هو الذي خلق العباد, وأنه لا يقدر إلا ما فيه صلاح العباد والبلاد.
إن أعداء الدين يعلمون تمام العلم أنهم لن يستطيعوا الطعن بحقيقة قوامة الرجل على المرأة بمفهومها الإلهي وضوابطها الإسلامية وحقيقتها الشرعية, فهي مرتبطة بآيات من القرآن, وهي حقيقةٌ قائمة في واقع حياة الناس وممارساتهم اليومية شاؤوا أم أبوا, وسنة ماضية في خلقه سبحانه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, ولكنهم يحاولون التشغيب على هذه الحقيقة من خلال تشويه حقيقة القوامة التي شرعها الله تعالى, فيصورون القوامة بأنها تسلطٌ على المرأة واستعبادٌ لها, بينما هي في الحقيقة تكليف للرجل برعاية الأسرة والعناية بها وتحمل مسؤولية ما يُصلِح زوجتَه وأولادَه ومن يعول في دينهم ودنياهم .
وما من شك, أن ثمة صوراً خاطئة من أفراد, نعم يوجد لدينا حالات من ظلمِ وعضلِ وقهرِ المرأة، لكن هذا ليس يعني أن يكون التشريعُ في قفص الاتهام, ومِن مَن؟! من أناسٌ لا يرعون للحقوق, ولا للدين قدراً, إنما همّهم هزّ ثوابتنا, وهدم أخلاقنا وقيمنا.
ولو أن كلَّ حكمٍ شرعيٍ وقع في تطبيقه تقصيرٌ من أهله أُلغي، أو كلَّ نظامٍ كذلك؛ لم يبق حكمٌ ولا نظام، بل لصوّتَ بعضهم على أصل الإسلام!
يا كرام: شرع الله قوامة الرجل على المرأة تكليفاً لا استعباداً، فالابن يكون ولياً على أُمِّه, وهو نفسه إذا رآها قبل يديها, وجنّتُه تحت قدميها, والزوجُ يكون ولياًَ على أمه, وهو المطيع لها, وعلى ابنته, وهو الذي قلبه يذوب رحمة لها, لكنه قول الله (الرجال قوامون على النساء)
كيف تُستاغ دعوات المساواة فطرة وشرعاً, والفروق ثابتة طباً وطبعاً, ولو تأملت المرأة لعلمت أن الولاية لها لا عليها, ونموذج واحدٌ يبين ذلك: أن الإسلام أوجب على الرجل ولو كان فقيراً النفقةَ على المرأة ولو كانت غنيّة، فتكسّبه واجب وتكسّبها مباح.
وإنك لتعجب من قومٍ يرضى أحدهم بسلطة رئيسه في العمل، ويلتزم بأنظمة مديره، ويحترم الغرب، ويتغنى بحضارتهم، ويتشدق بحقوق الإنسان وحريةِ الأخلاق، ثم يطعن في التشريع، ويهزأ من تعاليم الدين، وينادي بتفكك الأسر وتحرر النساء، ويصف ولاية الرجل على أهله بالقيد والذل والإهانة، وهل يرضى أحدهم أن يلقي ماله أمام المارة، ويحتج بديانتهم وأمانتهم، بل هو أحرص على ماله من حرصه على عِرضه.
ولنتصور شركة بلا رئيس، ومدرسة بلا مدير، ودولة بلا حاكم، وطريق سير بلا ضبط، فكلٌ حرٌ بلا قيد، وسائرٌ بلا نظام، فهل ينتظم أمر العباد؟!،
فكيف يُعاب على مسئول يحافظ على رعيته، ووليٍ يهمه استقرار أسرته، فيُطلب من الولي ترك الحبل على الغارب، وسقوطُ الولاية، واستقلالُ المرأة بحياتها، بعيدًا عن رعاية وليها، حيث تخرج متى ما شاءت، وتسافر أين شاءت، بدون إذنٍ ولا أمر، ويعدون ذلك تمكينًا للمرأة، وتحررًا لها
جماع القول يا كرام: أنه لا يريد إسقاط الولاية إلا ذئبٌ يخشى من أسدٍ يصدُّه عن فريسته, أو امرأةٌ حمقاء غُرِّرَ بها ولم تتعظ بما يحصل لنساء الغرب, أو عدوٌ تغريبي يسعى لتحقيق الاتفاقيات الدولية، ويخالف التشريعات الربانية
وولاية الرجل على المرأة في الإسلام، ولايةُ توجيه وتسديد وصيانة، لا ولايةَ استبدادٍ وتسلط، وهي ولايةٌ ثابتة لا تتغير بتغير الزمان، ولا بتقدم السنّ واستقلال النساء بمعاشهن، فطبيعة المرأة لا تختلف، وحاجتها للولي لا تتغير, واليقين أن الخير كله في اتباع شرع رب العالمين.
اللهم رضّنا بأوامرك, واجعلنا مستسلمين لأمرك
اللهم صل على محمد
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد: فهذه رسالة من هذا المنبر إلى المَعْنِّيَةِ بالأمر, إنها رسالةٌ إلى ابنة الإسلام, إلى الحُرّةِ الأبية, الحرِّة بتدينها, وبتمسكها بشرع ربها, إليكِ يا أيتها المرأة:
إن المنافقين بدأوا بالحرب عليك منذ أن أعزّكِ الله بالدين, ولا زالت المؤمنات يقفن في وجه المنافقين جيلاً بعد جيل, حتى جاء هذا العصر, ونشطت الجهود.
يا ابنة الإسلام لقد شغلتِ الرأيَ العام, لقد نوقشت قضيتك في هيئات عالمية، ومؤتمرات دولية، ووضعوا لحريتك حلولاً بعيدة كل البعد عن تشريعات الإسلام وأحكامه، وأثبتت لنا الأحداث والوقائع بعد ذلك أننا أمام مشروع تغريبي يُراد بالمرأة هنا تحت شعار المطالبة بحريتها.
واليوم: الراية بيدك أنتِ, الكفارُ والمنافقونُ يريدون إسقاط هذه الراية, فهل ستصمدين, أم يكتب التاريخ أن معركة الفضيلة في هذه البلاد سقطت على أيدي نساء هذا الجيل.
الحجابُ والتمسك به, القرارُ بالبيت, القيامُ بدورك الذي أوجبه الله من حسن الرعاية للزوج, والتربيةِ للأولاد, البعدُ عن مخالطة الرجال إن في عملٍ أو في احتفال أو في أي مجال, هي أمورٌ ستتكسر أمامها رياحُ التغريب العاتية
يا ابنة الإسلام: للقوم –وعبر الإعلام- سلطةٌ خفيةٌ تعيد صياغة عقول الناس وتوجهاتِهم بطريقة غير مباشرة، ولهم تزيين للباطل, إذا قالوا ربما راوغوا, فقد يسمع البعض لقولهم, ويُخدع بدعاواهم, ربما خرج الواحد منهم أو خرجت ليوهموكِ أن طِلبَتَهم حُرِّيَتُكِ, ولا والله ما أرادوا إلا نقض تعبدك للرحمن, وأن تكوني حُرّةً على مراد الشيطان, ولقد اختصر المولى سبحانه الأمر في سورة المنافقون فقال (هم العدو فاحذرهم)
أجل يا مؤمنة: هم العدو فاحذريهم, وإن عقدوا اللقاءت والبرامج في القنوات منادين بتحررك.
هم العدو فاحذريهم وإن زخرفوا لكِ القول, وتباكوا على حالِك ووضعك, هم العدو لدينك, لعفتك, لخلقك, هذه الحقيقة, ولذا ظهر هذا على فلتات لسان أحدهم فقال: "كيف قادتنا جاهليتنا الحديثة إلى أن قسمنا وجودنا وكياننا إلى قسمين قليلاً ما التقينا".
وإنني لأتسائل ولعلكِ كذلك تتسائلين: هل انتهت قضايا المرأة حتى يَشغل هؤلاءِ المجتمعَ بتحريرها ما بين فينة وأخرى!
ولماذا مثلُ هذه الحملاتِ تنشَطُ في أوقاتِ الأزمات، وإبّان الحملات المغرضة ضد بلادنا والتي من المفترض أن يكون المجتمع فيها لُحمةً واحدةً مع علمائه وولاته؟! فأين صدق الانتماء ودعاوى الوطنية ممن يتصنع ويتفنن في مثل هذه الإثارة؟!
ولماذا يتحدثون –مثلاً- عن بطالة النساء، والقاعدات في البيوت، وعن شلل نصف المجتمع، والأيادي المعطلة، ثم هم يهمّشون عمل المرأة في بيتها, بل ويهمشون عطالة وبطالة الذكور.
وبعد: فنحن على يقين أن الصراع لن ينتهي, وأن له التخطيط الكبير, والجهود الضخمة, لكنها بإذن الله مهزومةٌ متى ما استعنتي بالله, واستمسكتي بشرعه.
وغداً حين تُلاقي المرأة ربّها سيُسعِدُها أن ترى في صحيفة أعمالها حجاباً تمسكت به, وحياء تحلت به, وعفةً حافظت عليها, وثباتاً على الحق وصبراً عليه, فتسعد حينها أنْ على بلاءِ الدنيا صبرت, ولربها أرضت, وعلى المنافقين استعلت.
اللهم احفظ نساء المسلمين من كيد الكائدين, وعدوان المنافقين والمغرضين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد فاتقوا الله عباد الله ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة.....)
تروي بعضُ كتبِ السِيَر أن امرأة مسلمة في عهد النبي ق قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع, وجلست إلى صائغ, فجعل اليهودُ يريدونها على كشف وجهها فأبت, فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها, فلما قامت انكشفت سوأتها, فضحكوا بها, فصاحت, فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً, فشدت اليهود على المسلم فقتلوه, فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود, فغضب المسلمون, فكانت شرارة إجلاء بني قينقاع.
منذ بزغ فجر الإسلام, والحربُ على المرأة المسلمة موجودة, يتزعمها اليهود, وينفّذها المنافقون
هذه الهجماتُ الإفسادية, والجهود التغريبية, والحملات المفسدة, لتحرير المرأة, وحرفِ تدينها, وإضعافِ تمسكها بتعاليم دينها, ليست بدعاً من الفعل, ولا جديداً من المكر, بل هي قديمةٌ, منذ قِدَمِ الصراع بين الخير والشرّ, والفضيلة والرذيلة.
فمنذ أعز الله الناس بالدين, والمنافقون يدأبون إلى إشاعة المحرمات, وإفساد المؤمنات, وما ذاك إلا لعلمهم أن ذلك بابٌ للشر على المجتمع بأكمله, كيف لا, وقد فطر الله ميل كل جنس إلى الآخر, وما كان لمجتمع أن تحل فيه الفضيلة إلا إذا تمسك رجاله ونساؤه بتعاليم الدين.
وقبل كل شيء, ليس يخفى أنه: لن تجد أمة تعرف للمرأة حقها, ولا ديناً يقدرها ويرفع شأنها, كمثل الإسلام والمسلمين, ولا عجب, فهي الأم والزوجة والبنت.
هي أمّنا لا حق فوق حقوقها وأبَرُ بَرٍّ من حباها بِرّه
هي أختُ كلِ كريم أصلٍ عنده ظلّ الأُخيّة جنّة مخضرّة
وبُنيّةٌ ما قيمة الدنيا بلا بنت بِعَين حبيبها كالزهرة
وشريكةُ العمُر التي من دونها كلّ اللذائذ - لو توالت - مُرّة
وعشيرةٌ لو حاول الشعراء ما وفّوا بحق عشيرةٍ لو شعرة
هي درّة يا ليت شعري من رأى أحداً يسوّق بابتذالٍ درّة
هي حرة يا ليت شعري من رأى حرّاً يتاجر في الملا بالحرّة
ﻷجلِ المرأةِ خاض النبي ق الحرب ضد بني قينقاع.
وﻷجلها حرّك المعتصم جيشه إلى عمورية.
ولِسُمْعَتها وضع الله حدّ القذف ثمانين جلدة.
بل, وقال عنها الرسول ق أمّا "الزم قدمها فثم الجنة".
لن أطيل في هذا, فليس مثله يخفى, والحمد لله.
إنما الذي لا بد من طرحه هنا, أن المرأة اليوم تواجه هجوماً شرساً من قبل خصوم عدة, وبأسماء مختلفة, ومن خلال شعارات متنوعة, مرّةً باسم نزع الولاية, وأخرى باسم طلب الحرية, وثالثةً باسم المساواة, وهكذا, والمؤدى واحد, وإن تعدد المنادون, وإن اختلفت الرايات.
هؤلاء المحاربون للمرأة ليسوا صنفاً واحداً, منهم الكاتب المستغرب في كتاباته, والإعلامي في منبره أو قنواته, والمسؤول الذي يسعى لتنظيم وشرعنة الفساد, ومن وراء الجميع الغربُ الفاجر الكافر, والذي يعد هذا جزءاً لا يتجزأ من حربه على الإسلام وقِيَمِه وأخلاقه.
ويتفنن المفسدون في الحرب على المرأة عبر عدة أبواب: مرةً يُبرِزون صورةَ المرأة الغربية على أنها النموذجَ للحرية, وأنها تعيشُ بكامل حريتها, ولهذا تتفنن وسائل الإعلام بنقل صورة الحياة الغربية بتفاصيلها .
ويتعامى هؤلاء المفسدون عن الحالِ البئيسة للمرأة الغربية, التي تُبرِزها النسبُ والإحصاءات المخيفة, الصادرة من القوم أنفسهم.
في تقريرٍ أصدرته إحدى المؤسسات في أمريكا كان مضمونه ما يلي: هناك عشرةُ ملايينَ أسرةٍ تعولها الأم فقط (دون وجود أب)، ويُقتَلُ بالإجهاض أكثرُ من مليون طفل سنوياً، ويوجد أكثر من 65 مليون شخص مصابون بأمراض جنسية لا يمكن شفاؤها، ويتم اغتصاب 683 ألف امرأة سنوياً، وتثبت التحقيقات أن 40 -50 % ممن يقتل من النساء يكون القاتل هو شريكها الحميم (زوج أو صديق)
أما في مجال الوظائف فإن 97 % من المناصب القيادية العليا في أكبر الشركات يشغلها رجال، كما أن 89 % من الخدم وعمال التنظيف هم من النساء.
وأما ختام مسيرة المرأة هناك فإن نصف عدد النساء الأمريكيات ممن تجاوزن 75 سنة يعشن وحدهن.
فأي هاوية يريد الإعلام المنحرف ودعاة الرذيلة أن يسوقوا نساءنا إليه؟ وأي نموذج يسعون أن نكونه؟
ولذا: فأكثر شرائح المجتمعات الغربية إسلاماً هي المرأة, لأنها تجد فيه حفظ حقوقها, ورعاية كرامتها, وصرح بذلك مفكروهم حيث قال أحدهم: "إن الإسلام قد أثّر تأثيرًا عظيماً وحسناً في رفع مقام المرأة أكثر من قوانيننا الأوروبية"
فليت نساء قومي يعلمن.
أيها المؤمنون: وتارة أخرى يُرفع الشعار عبر بوابة مظلومية المرأة المسلمة, وأنها تعاني الكبت والتضييق, وأنها مقيدةٌ بقيود الولاية عليها, فلا تسافر إلا بِمَحْرم, ولا تتصرف إلا بإذن الولي, ويُلَبِّسُ هؤلاء ويزينون, ويتناسون أن الذي قرر ذلك هو الذي خلق العباد, وأنه لا يقدر إلا ما فيه صلاح العباد والبلاد.
إن أعداء الدين يعلمون تمام العلم أنهم لن يستطيعوا الطعن بحقيقة قوامة الرجل على المرأة بمفهومها الإلهي وضوابطها الإسلامية وحقيقتها الشرعية, فهي مرتبطة بآيات من القرآن, وهي حقيقةٌ قائمة في واقع حياة الناس وممارساتهم اليومية شاؤوا أم أبوا, وسنة ماضية في خلقه سبحانه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, ولكنهم يحاولون التشغيب على هذه الحقيقة من خلال تشويه حقيقة القوامة التي شرعها الله تعالى, فيصورون القوامة بأنها تسلطٌ على المرأة واستعبادٌ لها, بينما هي في الحقيقة تكليف للرجل برعاية الأسرة والعناية بها وتحمل مسؤولية ما يُصلِح زوجتَه وأولادَه ومن يعول في دينهم ودنياهم .
وما من شك, أن ثمة صوراً خاطئة من أفراد, نعم يوجد لدينا حالات من ظلمِ وعضلِ وقهرِ المرأة، لكن هذا ليس يعني أن يكون التشريعُ في قفص الاتهام, ومِن مَن؟! من أناسٌ لا يرعون للحقوق, ولا للدين قدراً, إنما همّهم هزّ ثوابتنا, وهدم أخلاقنا وقيمنا.
ولو أن كلَّ حكمٍ شرعيٍ وقع في تطبيقه تقصيرٌ من أهله أُلغي، أو كلَّ نظامٍ كذلك؛ لم يبق حكمٌ ولا نظام، بل لصوّتَ بعضهم على أصل الإسلام!
يا كرام: شرع الله قوامة الرجل على المرأة تكليفاً لا استعباداً، فالابن يكون ولياً على أُمِّه, وهو نفسه إذا رآها قبل يديها, وجنّتُه تحت قدميها, والزوجُ يكون ولياًَ على أمه, وهو المطيع لها, وعلى ابنته, وهو الذي قلبه يذوب رحمة لها, لكنه قول الله (الرجال قوامون على النساء)
كيف تُستاغ دعوات المساواة فطرة وشرعاً, والفروق ثابتة طباً وطبعاً, ولو تأملت المرأة لعلمت أن الولاية لها لا عليها, ونموذج واحدٌ يبين ذلك: أن الإسلام أوجب على الرجل ولو كان فقيراً النفقةَ على المرأة ولو كانت غنيّة، فتكسّبه واجب وتكسّبها مباح.
وإنك لتعجب من قومٍ يرضى أحدهم بسلطة رئيسه في العمل، ويلتزم بأنظمة مديره، ويحترم الغرب، ويتغنى بحضارتهم، ويتشدق بحقوق الإنسان وحريةِ الأخلاق، ثم يطعن في التشريع، ويهزأ من تعاليم الدين، وينادي بتفكك الأسر وتحرر النساء، ويصف ولاية الرجل على أهله بالقيد والذل والإهانة، وهل يرضى أحدهم أن يلقي ماله أمام المارة، ويحتج بديانتهم وأمانتهم، بل هو أحرص على ماله من حرصه على عِرضه.
ولنتصور شركة بلا رئيس، ومدرسة بلا مدير، ودولة بلا حاكم، وطريق سير بلا ضبط، فكلٌ حرٌ بلا قيد، وسائرٌ بلا نظام، فهل ينتظم أمر العباد؟!،
فكيف يُعاب على مسئول يحافظ على رعيته، ووليٍ يهمه استقرار أسرته، فيُطلب من الولي ترك الحبل على الغارب، وسقوطُ الولاية، واستقلالُ المرأة بحياتها، بعيدًا عن رعاية وليها، حيث تخرج متى ما شاءت، وتسافر أين شاءت، بدون إذنٍ ولا أمر، ويعدون ذلك تمكينًا للمرأة، وتحررًا لها
جماع القول يا كرام: أنه لا يريد إسقاط الولاية إلا ذئبٌ يخشى من أسدٍ يصدُّه عن فريسته, أو امرأةٌ حمقاء غُرِّرَ بها ولم تتعظ بما يحصل لنساء الغرب, أو عدوٌ تغريبي يسعى لتحقيق الاتفاقيات الدولية، ويخالف التشريعات الربانية
وولاية الرجل على المرأة في الإسلام، ولايةُ توجيه وتسديد وصيانة، لا ولايةَ استبدادٍ وتسلط، وهي ولايةٌ ثابتة لا تتغير بتغير الزمان، ولا بتقدم السنّ واستقلال النساء بمعاشهن، فطبيعة المرأة لا تختلف، وحاجتها للولي لا تتغير, واليقين أن الخير كله في اتباع شرع رب العالمين.
اللهم رضّنا بأوامرك, واجعلنا مستسلمين لأمرك
اللهم صل على محمد
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد: فهذه رسالة من هذا المنبر إلى المَعْنِّيَةِ بالأمر, إنها رسالةٌ إلى ابنة الإسلام, إلى الحُرّةِ الأبية, الحرِّة بتدينها, وبتمسكها بشرع ربها, إليكِ يا أيتها المرأة:
إن المنافقين بدأوا بالحرب عليك منذ أن أعزّكِ الله بالدين, ولا زالت المؤمنات يقفن في وجه المنافقين جيلاً بعد جيل, حتى جاء هذا العصر, ونشطت الجهود.
يا ابنة الإسلام لقد شغلتِ الرأيَ العام, لقد نوقشت قضيتك في هيئات عالمية، ومؤتمرات دولية، ووضعوا لحريتك حلولاً بعيدة كل البعد عن تشريعات الإسلام وأحكامه، وأثبتت لنا الأحداث والوقائع بعد ذلك أننا أمام مشروع تغريبي يُراد بالمرأة هنا تحت شعار المطالبة بحريتها.
واليوم: الراية بيدك أنتِ, الكفارُ والمنافقونُ يريدون إسقاط هذه الراية, فهل ستصمدين, أم يكتب التاريخ أن معركة الفضيلة في هذه البلاد سقطت على أيدي نساء هذا الجيل.
الحجابُ والتمسك به, القرارُ بالبيت, القيامُ بدورك الذي أوجبه الله من حسن الرعاية للزوج, والتربيةِ للأولاد, البعدُ عن مخالطة الرجال إن في عملٍ أو في احتفال أو في أي مجال, هي أمورٌ ستتكسر أمامها رياحُ التغريب العاتية
يا ابنة الإسلام: للقوم –وعبر الإعلام- سلطةٌ خفيةٌ تعيد صياغة عقول الناس وتوجهاتِهم بطريقة غير مباشرة، ولهم تزيين للباطل, إذا قالوا ربما راوغوا, فقد يسمع البعض لقولهم, ويُخدع بدعاواهم, ربما خرج الواحد منهم أو خرجت ليوهموكِ أن طِلبَتَهم حُرِّيَتُكِ, ولا والله ما أرادوا إلا نقض تعبدك للرحمن, وأن تكوني حُرّةً على مراد الشيطان, ولقد اختصر المولى سبحانه الأمر في سورة المنافقون فقال (هم العدو فاحذرهم)
أجل يا مؤمنة: هم العدو فاحذريهم, وإن عقدوا اللقاءت والبرامج في القنوات منادين بتحررك.
هم العدو فاحذريهم وإن زخرفوا لكِ القول, وتباكوا على حالِك ووضعك, هم العدو لدينك, لعفتك, لخلقك, هذه الحقيقة, ولذا ظهر هذا على فلتات لسان أحدهم فقال: "كيف قادتنا جاهليتنا الحديثة إلى أن قسمنا وجودنا وكياننا إلى قسمين قليلاً ما التقينا".
وإنني لأتسائل ولعلكِ كذلك تتسائلين: هل انتهت قضايا المرأة حتى يَشغل هؤلاءِ المجتمعَ بتحريرها ما بين فينة وأخرى!
ولماذا مثلُ هذه الحملاتِ تنشَطُ في أوقاتِ الأزمات، وإبّان الحملات المغرضة ضد بلادنا والتي من المفترض أن يكون المجتمع فيها لُحمةً واحدةً مع علمائه وولاته؟! فأين صدق الانتماء ودعاوى الوطنية ممن يتصنع ويتفنن في مثل هذه الإثارة؟!
ولماذا يتحدثون –مثلاً- عن بطالة النساء، والقاعدات في البيوت، وعن شلل نصف المجتمع، والأيادي المعطلة، ثم هم يهمّشون عمل المرأة في بيتها, بل ويهمشون عطالة وبطالة الذكور.
وبعد: فنحن على يقين أن الصراع لن ينتهي, وأن له التخطيط الكبير, والجهود الضخمة, لكنها بإذن الله مهزومةٌ متى ما استعنتي بالله, واستمسكتي بشرعه.
وغداً حين تُلاقي المرأة ربّها سيُسعِدُها أن ترى في صحيفة أعمالها حجاباً تمسكت به, وحياء تحلت به, وعفةً حافظت عليها, وثباتاً على الحق وصبراً عليه, فتسعد حينها أنْ على بلاءِ الدنيا صبرت, ولربها أرضت, وعلى المنافقين استعلت.
اللهم احفظ نساء المسلمين من كيد الكائدين, وعدوان المنافقين والمغرضين.