أم المؤمنين خديجة في مؤتمر الضرار

1432/01/02 - 2010/12/08 09:58AM
الخطبة الأولى:


أيها الإخوة المؤمنون: منذ أربعة عشر قرنًا والمنافقون لا يَكَلُّون ولا يَمَلُّون من محاولاتهم المستميتة لتغيير الشريعة، وتبديل الملة الإسلامية السمحة، يقاتلون بِجَلَدٍ، ويبذلون في سبيل ذلك النفوسَ والمُهَجَ، يضحون بالغالي والثمين لِغَرَضٍ في نفوسهم؛ إما كراهيةً وبغضًا لشريعة الله تعالى التي قد لا تحقق لهم ما يصبون إليه من متاع الدنيا، وإما تحقيقًا لشهواتهم بالوصول إلى المناصب والظهور الإعلامي والحصول على المال، أو بغضًا لمن يمثلون التيار الديني في البلاد من أهل العلم وطلبته الأماجد، وسعيًا لقمعهم وحبسهم في أقفاص زجاجية معتمة، لئلا تَخْرُجَ أصواتُهم المناديةُ بتحكيم شريعة الله تعالى في شؤون العباد، ولكيلا تظهر صورتهم ذات السمت الإسلامي الظاهر: (يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [إبراهيم: 3].


ومنذ عدة أيام -يا عباد الله-، وإكمالاً لمسيرة ما بدأه المنافقون الأوائل، أقيمت فعاليات منتدى السيدة خديجة بنت خويلد بجدة تحت عنوان: (واقعية مشاركة المرأة في التنمية الوطنية)، وحاول مقيموه إضفاء صفة الشرعية عليه بالتسمية الواضحة التي تنتسب إلى أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-، وإدراج محاضرات ومناقشات شرعية ضمن فعاليات المنتدى؛ لمناقشة عمل المرأة، وحجابها وكشف وجهها، وقيادتها للسيارة، والاختلاط بين الرجال والنساء سواء في العمل أم في مناشط الحياة المختلفة، ومشاركتها في التنمية الوطنية في البلاد. هكذا زعموا.


وحاول المُؤْتَمِرُون -كالعادة- التشغيب والتعمية على أهداف المؤتمر المشبوهة التي ترمي إلى ما رنا إليه أسلافهم من دعاة تحرير المرأة في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي كمصر وتونس والمغرب وبلاد الشام، فزعموا أنهم يقتدون بأم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- وهي منهم براء؛ حيث هي -بالنسبة إليهم- أنموذج للمرأة المتحررة التاجرة التي كانت في الوقت ذاته أمًّا للمؤمنين وزوجة للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فجمعت بين التحرر والمنصب الإسلامي، وما ذلك إلا ستار لإضفاء شيء من الشرعية على هاتيك الأهداف المشبوهة التي تتصادم مع الشريعة في كثير من جوانبها، وليرضى المسلمون البسطاء بنتائج المؤتمر وتوصياته دون قيد أو شرط.


وإننا لنتساءل -أيها المؤمنون، يا أبناء خديجة وحفصة وعائشة-: هل كانت أمكم -رضي الله عنها- تخرج سافرة تخالط الرجال وتبيع في الأسواق؟! هل كانت تحضر حفلات الغناء وتجلس جنبًا إلى جانب الرجال متمايلة مع أنغام الموسيقى كما جاء في المؤتمر وشهدته فعالياته؟! أم أنها كانت تستأجر الرجال في مالها كما فعلت مع نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- دون مخالطة أو خضوع بالقول؟! إنها لما بلغها صدق حديثه وأمانته وكرم أخلاقه، عرضت عليه أن يخرج إلى الشام يتاجر بمالها، ولما رجع من تجارته وحُكي لها عن طيب نفسه وترفعه عن الحرام طلبت إليه أن يتزوجها ففعل، فَنِعْمَ المرأة ونِعْمَ الزوجة؛ أَبَتْ أن تترك نفسها لذئاب البشر تفترسها وتتحكم في مالها، ولم يدفعها ذلك للخروج وممارسة العمل بنفسها، فلما وجدت رجلاً مناسبًا، يحمل مؤهلات الخلق والعفة سارعت ليكون قَيِّمًا على مالها وعلى شؤونها، وعلمت أن رباط الزواج بهكذا رجل هو مكسب لها على كل المستويات، فالمرأة تحتاج إلى رجل يرعى أمورها، ويسد الخلة العاطفية في حياتها، ويعينها على الترفع عن دنايا الجاهلية التي كانت تسود مجتمعها، فلم تجد أفضل من محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون لها زوجًا، ولأبنائها أبًا، وعلى شؤونها قائمًا. وهكذا هي المرأة الصالحة.


الشاهد -عباد الله- أنها كانت أحصن ما تكون، وأعف ما تكون، وأرفع ما تكون عن غشيان مجالس الرجال ومخالطتهم، لا كما أحب السادة المُؤْتَمِرُون أن يوحوا به إلى متابعي المؤتمر من المسلمين السذج والبسطاء، لقد شهد المؤتمر –أيها الأحباب- مآسي تقشعر لها أبدان المؤمنين، ومخازي يندى لها جبين الفضيلة، لقد عمل المؤتمر على تكريس الاختلاط بصورة فجّة ومتعمَّدة؛ فقد كانت كل ندواته وفعالياته مختلطة فيما بين الرجال والنساء من الحضور بغير حائل أو حاجز، بل وحضرت النساء وهن سافرات الوجوه، متبرجات متزينات، وبعضهن كاشفات عن أشعارهن ونحورهن وسيقانهن، حتى المنظمون والضيوف أنفسهم كانوا يجلسون على مسرح الفندق الذي أقيم عليه مؤتمر الضرار هذا بطريقة تبادلية بين الرجال والنساء، فالرجل محاصر بامرأتين عن يمينه وشماله، والمرأة كذلك محاصَرَة برجلين عن يمينها وشمالها، هذا فضلاً عن الحفل الغنائي الذي أقيم في مفتتح المؤتمر، والذي غنَّت فيه إحدى النساء أمام الرجال، في مشهد يندى له جبين ذوي المروءة والحياء.


عباد الله: لا تغرنَّكم الأسماء، ولا تغرنّكم اللحى التي كانت رسمًا فوق وجوه بعض الحاضرين، ولا يغرنكم الالتفاف على أحكام الشريعة، وسَوْق الأقوال المرجوحة والأحاديث الموضوعة والفتاوى الشاذة؛ لتمرير ما تراه هذه الفئة من آرائها وأطروحاتها التغريبية؛ فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء، والعبرة بما يفعله القوم وما يقاتلون ليجعلوه واقعًا على الأرض، لا بشعارات زائفة يتسترون وراءها؛ فعن أبي مالكٍ الأشعري –رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا".


فهؤلاء القوم يرفعون شعارات براقة تأخذ العقول والألباب، تبهر السامعين والمتابعين لا سيما من النساء، حيث هنّ مجال اختصاص المؤتمر وأمثاله، وهن وقضاياهن ما اخْتِير ليكون البوابة التي ينفذون منها إلى أهدافهم ومآربهم الخبيثة، فتحرير المرأة، والنهوض بها، وتمكينها، وتوفير فرص عمل لها، والقضاء على بطالتها، ومناهضة العنف ضدها، كل هذه مجرد شعارات، ليست إلا عناوين براقة تسحر العيون وتأسر الأفئدة؛ بهدف تكريس منهج التغريب والعلمنة في البلاد.


عباد الله: هذه هي طريقة المنافقين على مدار التاريخ، فهم لا يقوون على إظهار عداوتهم لأهل الحق، ولا الإسفار عن أهدافهم الحقيقية التي تموج بها قلوبهم وعقولهم، لا سيما إن كان للحق منعة وشوكة؛ فهم في كل زمان ومكان، يعادون أهل الإسلام والإيمان، ويبطنون في أنفسهم ما لا يبدون للمؤمنين، يتظاهرون باتباع الشريعة وهم أنأى الناس عنها، ولكنهم لما استيقنوا أن القوة والمنعة لأهل الإيمان سلكوا سبيلهم، واستخفوا خلف مظاهرهم الإيمانية، تمامًا كما فعل أسلافهم وأساتذتهم في النفاق عندما بنوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا ومنطلقًا لمن يحارب الله ورسوله؛ يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) [التوبة: 107-108].


يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "وذلك أنه لما فرغ الناس من أُحُد، ورأى أبو عامر الراهب –وكان قد تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب- لما رأى أَمْرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فوعده ومنَّاه وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سَيَقْدُمُ بجيش يقاتل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويغلبه، ويرده عما هو فيه؛ وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه مَنْ يَقْدُمُ مِنْ عنده لأداء كتبه، ويكون مرصدًا له إذا قدم عليهم بعد ذلك.


فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم، فيحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية، فعصمه الله من الصلاة فيه، فقال: "إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا -إن شاء الله-"، فلما قفل -عليه السلام- راجعًا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل جبريل بخبر مسجد الضرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم -مسجد قباء- الذي أُسِّس من أول يوم على التقوى. فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك المسجد مَنْ هدمه وحرقه قبل مقدمه المدينة، وأمر أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة، ومات أبو عامر بالشام وحيدًا غريبًا.


فمن يتأمل -يا عباد الله- الحَدَثَيْنِ يجد تطابقًا عجيبًا لا ريب فيه منافقي اليوم والأمس، فقد سلك المُحْدَثون نفس وسائل الأقدمين، واتبعوا نفس الطرق؛ فمنافقو المدينة اسْتَعْدَوْا ملك الروم واستنصروا به على المسلمين، فالمنافقون (يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء: 139]، فكان الرجل سخيًّا معهم، فوعدهم ومنَّاهُمْ، (وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً) [الإسراء: 64]. ومنافقو اليوم لم يبتعدوا كثيرًا عن هذا المعنى، بل تلبسوا به، فغرَّبوا ناحية بلاد الحرية، استقوا منها علومهم وخبرتهم حتى صارت مرجعية لهم، يدينون لها بالولاء والفضل والنعمة، يستجلبون دعمها وعونها، ويستقوون بجنابها، فعاملتهم هي الأخرى بسخاء، وأسبغت عليهم من النعم والأفضال ما الله به عليم.


ومنافقو المدينة -يا عباد الله- بنوا واتخذوا مسجدًا؛ واختاروا المسجد من حيث الأصل لا بناءً آخر إمعانًا في التمويه على المؤمنين؛ لينخدعوا به، وليكون بناؤه أثبت في المكر بهم، وليزينوا في ألبابهم سوء فعالهم. أما إخوانهم الجدد فقد اتخذوا مؤتمرًا أسموه باسم صحابية جليلة، وأم من أمهات المؤمنين -رضي الله عنها-، وما هو إلا مكيدة ظاهرة، وستار للكيد للأمة في الظلام، وتشبيك الأيدي مع أعداء هذه الملة في الخفاء.


منافقو المدينة اتخذوا مسجد الضرار ليضاهئوا به مسجد قباء؛ ليكون بديلاً له، يفتنون به المسلمين عن دينهم، ويُعرِضونهم عنه. وإخوانهم الجدد اتخذوا المؤتمر ليكون بديلاً للمؤسسات الشرعية الحقيقية في الدولة؛ يخطط وينظم ويحاضر ويفتي وكأنه مؤسسات دولة بأكملها، منتهكًا بذلك القرار الملكي بتنظيم الإفتاء، وذلك بالطبع بمنأى عن المؤسسات الرسمية والشرعية التي تحظى بمراقبة حكومة المملكة وإشرافها.


منافقو المدينة طلبوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخبثهم ومكرهم ودهائهم أن يصلي بالمسجد فور بنائه؛ ليحصلوا على الشرعية النظامية؛ ليعظم أثرهم، ويزداد مريدوهم، وتُحْبَك خدعتهم. وإخوانهم الجدد طلبوا -حسبما نقلت وسائل الإعلام عنهم- حضور أعضاء من هيئة كبار العلماء للمؤتمر، إلا أن رجال الهيئة –حفظهم الله وسدد خطاهم- سجَّلوا موقفًا تاريخيًا، ورفضوا إعطاء شرعية لمجموعة من الموتورين وأصحاب الأهداف التي فاحت رائحة نتنها حتى أزكمت أنوف الشرفاء، بل وصرح الشيخ عبد الله المطلق -وهو أحد أعضاء هيئة كبار العلماء- أن المتحدثين بالمؤتمر لا يمثلون المرأة السعودية، فما كان من منظمي المؤتمر إلا أن استعانوا بأحد أرباب السوابق الشاذة في الفتوى ليكون مفتيهم وحامل لوائهم.


منافقو المدينة -أيها الإخوة الأحباب- كانت نيتهم إرصاد الفاسق الذي كان يحارب الله ورسوله وإيواءه؛ ليكون المسجدُ الستارَ الذي تنطلق منه الحرب على الله تعالى وعلى رسوله الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- وعلى المؤمنين، ولكن لم يسعفهم الزمن حتى يتموا مخططهم، فأحرق الله مسجدهم، وأبطل بدعتهم، ورجعوا خزايا مفتونين، وجعل مسجدهم مكبًّا للنفايات وفضلات الناس، وهلك الفاسق في بلاد الشام غير مأسوف عليه ولا محزون. وأما إخوانهم الجدد فقد أرصدوا مؤتمرهم لإيواء بعض النسوة من أصحاب الفكر المنحرف من مصر وتونس وبلاد المغرب، لبثِّ تجربتهم الفاشلة في تغريب المرأة، ومحاولة تعميمها على المملكة –حرسها الله-، ولكن بجهد أبناء هذا الوطن المخلصين، وعلى كواهل دعاته وشبابه الأخيار المؤمنين، يرد الله -عز وجل- كيد هؤلاء في نحورهم إن شاء الله، ويجعل تدبيرهم وبالاً عليهم، ويبدل أمنهم خوفًا.


منافقو المدينة –يا أصحاب العقول النيرة- أقسموا بالله جهد إيمانهم إن يريدون إلا الحسنى، أقسموا بالله ما بنوا المسجد إلا للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية، أقسموا بالله ما بنوه إلا للمصلحة العامة ليكون مأوى لفقراء المسلمين وعالتهم، (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، كاذبون في دعواهم، مموِّهون على هدفهم الأساسي الخبيث، وهو الضرار وإيواء من حارب الله ورسوله والتفريق بين المؤمنين ونشر الكفر بين الناس. أما إخوانهم الجدد فقد أقسموا ليلاً ونهارًا، سرًّا وجهارًا، إن أردنا إلا مصلحة المرأة، إن أردنا إلا النهوض بالمرأة، إن أردنا إلا تشغيل ودعم وتمكين المرأة، والله يعلم إنهم لكاذبون، يتخذون المرأة ستارًا لنواياهم وأهدافهم السمجة، فهم لا يفكرون إلا في المرأة الشاذة من أمثالهم، التي رضيت بالخروج من منزلها وإهمال أبنائها، والعمل وسط الرجال ومخالطتهم، وممارسة الرياضة والألعاب الأوليمبية في القنوات الفضائية والأرضية، والاستعلاء على الرجل زوجًا وأبًا ووليًا والخروج عن ولايته، أما المرأة العفيفة النقية الطاهرة، صاحبة الرسالة ومربية الأجيال، فليس لها من ذلك حظ أو نصيب، بل تنال نصيبها من الاستهزاء والسخرية بقدر ما فيها من عفة وحياء، وكأن لسان حالهم: "من الأخلاق تحللي تتوصلي"، فالكاشيرات المخالطات للرجال -على سبيل المثال- يحصلن على راتب شهري يقدر بنحو ثلاثة آلاف ريال، في حين لا تجد الأرملة التي فقدت عائلها ما تسد به رمقها وجوع عيالها، ولا المطلقة ما يعينها على سد خلتها ومواصلة مسيرتها!!


لمثلِ هذا يموتُ القلبُ من كمدٍ *** إن كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ


إن الإنسان ليعجب -يا أمة الإسلام- أن يقع كل هذا في بلاد الحرمين، مبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومُتَنَزَّلِ وحيه، وأرض دعوته، ولكن لا عجب؛ فالنفاق لا جنسية له ولا أرض، بل إن وجوده رهن بوجود الإيمان والمؤمنين، فحيثما وُجد الإيمان وُجد النفاق، وما زُرع الإيمان في قلوب أُمَّةٍ فقبلوه وصار محركهم ومحيي قلوبهم فخالطها ببشاشته، إلا وتسلل النفاق إلى القلوب الضعيفة، الضعيفة أمام المال، الضعيفة أمام المنصب والجاه، الضعيفة أمام فتنة الظهور الإعلامي والميكروفونات، وهذا هو الواقع المشاهد على أكثر من صعيد.


أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه كان غفارًا.





الخطبة الثانية:


أيها الإخوة المؤمنون: لا يزال مسجد الضرار يُتَّخذ في صور شتى تلائم ارتقاء الوسائل الخبيثة التي يتخذها أعداء هذا الدين في العالم المعاصر، تُتَّخذ في صورة نشاط ظاهِرُهُ للإسلام وباطِنُهُ لسحق الإسلام، أو تشويه الإسلام، أو تمويه وتمييع الإسلام، ويُتَّخذ في صورة أوضاع ترفع لافتة الدين عليها لتتترس وراءها وهي ترمي هذا الدين، ويُتَّخذ في صورة كتب وبحوث تتحدث عن الإسلام لتُخَدِّرَ القلقين الذين يرون الإسلام يحارَب ويحارَب أهله، فتخدرهم هذه التشكيلات إلى أن الإسلام بخير لا خوف عليه ولا قلق.


ولكن يكشف القرآن عن مصير كلِّ مسجدِ ضرارٍ يُقام إلى جوار مسجد التقوى بغض النظر عن صورته المتغيرة بتغير الزمان والحال، يكشف عن نهاية كل محاولة خادعة تُخْفِي وراءها نيةً خبيثة؛ ويُطَمْئِنُ العاملين المتطهرين من كل كيد يُرَادُ بهم، مهما لبس أصحابُه مسوحَ المصلحين: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة: 109].


فبناء التقوى راسخ متين مُطْمَئِنّ، لا تعصف به ريح التغريب المنتنة، بل هو ثابت ثبات مبادئ هذا الدين القويم، صلب لا يتزعزع ولا يتهاوى، أما بناء الضرار، فهو هاوٍ قائم على شفا جرف هار، قائم على تربة مخلخلة على حافة الانهيار، إننا نبصره اللحظةَ يتأرجح وينزلق ويهوي في نار جهنم، (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).


فليطمئن دعاة الحق على مصير دعوتهم، وليطمئن دعاة الحق في مواجهة دعوات الكيد والنفاق، وليطمئن دعاة الحق على بنيانهم الذي أُسس على التقوى من أول يوم، ليطمئنوا كلما واجهوا بُناةَ الكيد والضرار، فما يزال صاحب الكيد الخادع مُزَعْزَعَ العقيدة، حائرَ الوجدان، لا يَطْمَئِنُّ ولا يستقر، وهو من انكشاف سِتْرِه في قلق دائم، وريبة لا طمأنينة معها ولا استقرار: (لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 110].


لقد قيَّض الله تعالى لهذه الأمة رجالاً يتصدون لمكر الماكرين، وخبث الخبيثين، وتخطيط المتآمرين، رجالاً (يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)، يحبون أن يتطهروا من كل ما يشين النفس، أو يلوثها، أو يعكر صفوها، يحبون أن يتطهروا من أدران الرذائل التي ينشرها أهل النفاق؛ لذلك فهم لهم بالمرصاد، يتصدرون ويواجهون، بالكلمة النافعة، والإنكار على المسيء، والقلم الهادف، ونشر الخير بين الناس، وقمع الشبهة وغزوها في عقر دارها..


نسأل الله تعالى أن يبارك في جهود دعاة هذه البلاد وعلمائها، وأن يجعلهم للحق راية، وأن يكف بأس الذين كفروا، والله أشد بأسًا وأشد تنكيلاً. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
المشاهدات 4303 | التعليقات 10

[IMG]http://www.vb-khutabaa.com/picture.php?albumid=3&pictureid=32[/IMG]





لكن لي تحفظ على قولكم :
" السادة المُؤْتَمِرُون "



.


أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك في علمك وعملك وأن يجزيك خير الجزاء على ما بذلته من جهد رائع في نصرة الإسلام والمسلمين, بيّض الله وجهك يوم لقاه, وحرّمه على النّار, اللهم صلّ على محمّد وآله وصحبه والتّابعين لهم بإحسان.
وبعد: فإلى مزيد من هذا الطّرح الرائع .


أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك في علمك وعملك وأن يجزيك خير الجزاء على ما بذلته من جهد رائع في نصرة الإسلام والمسلمين, بيّض الله وجهك يوم لقاه, وحرّمه على النّار, اللهم صلّ على محمّد وآله وصحبه والتّابعين لهم بإحسان.
وبعد: فإلى مزيد من هذا الطّرح الرائع


أخي حاطب خير: مشكور على مرورك، ولكن ما تحفظك على ما ذكرت؟!
أخي أبا البراء: زينت الصفحة بتعليقك وأسأل الله تعالى أن ينفع بها كاتبها وقارئها ومستمعيها..


أولا :
روى أبو داود في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل )



ثانيا :
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله- : عن قول ( يا حاج ) ، و (السيد فلان) ؟
فأجاب بقوله:قول (حاج ) يعني أدى الحج لا شيء فيها . وأما السيد فينظر إن كان صحيحا أنه ذو سيادة فيقال : هو سيد بدون الـ فلا بأس به ، بشرط ألا يكون فاسقا ولا كافراً ، فإن كان فاسقا أو كافرا فإنه لا يجوز إطلاق لفظ سيد إلا مضافا إلى قومه ، مثل سيد بنى فلان ، أو سيد الشعب الفلاني ونحو ذلك .

ثالثا :
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله- :
إطلاق (السيدة) على المرأة و( السيدات) على النساء هذه الكلمة متلقاة فيما أظن من الغرب حيث يسمون كل امرأة سيدة وإن كانت من أوضع النساء ، لأنهم يسودون النساء أي يجعلونهن سيدات مطلقا


أيضا لي تحفظ على تعليقك [IMG]http://www.vb-khutabaa.com/picture.php?albumid=2&pictureid=29[/IMG] حيث قلتَ :
أخي حاطب خير: مشكور على مرورك [IMG]http://www.vb-khutabaa.com/picture.php?albumid=2&pictureid=27[/IMG]

أخي أبا البراء: زينت الصفحة بتعليقك :eek:

[IMG]http://www.vb-khutabaa.com/picture.php?albumid=2&pictureid=14[/IMG]






.


أخي حاطب خير: زينت الصفحة بتعليقك :)
وزادني الله وإياك علمًا وعملاً وروحًا طيبة..
كلامك في محله -أخي الحبيب-، ولكنني لم أسق تعبير "السادة المؤتمرين" على سبيل الاحترام أو التعظيم أو التوقير لأحد من المنافقين، وإنما سقته على سبيل السخرية والاستهزاء.. وفرق كبير بين الحالين والله أعلم..


اخي بارك الله فيك

كتبت فأبدعت

ةانني ان شاء الله انوي ان اخطب بهذه الخطبة في مسجدي

لكن ليتك تظيف لها دور المسلمين في التصدي لمثل هذه المؤتمرات

اخوك ابوعمر


وبارك فيك أخي حمود..

يختلف دور المسلمين إزاء هذه القضية كلٌّ بحسبه؛ فعلماء الأمة لا يسعهم السكوت عن مثل هذا البلاء، وواجبهم إنكاره لدى المسؤولين في هذه البلاد -حرسها الله-، وقد رأينا هبَّة قوية لعلمائنا الربانيين في مواجهة أمثال هؤلاء الأقزام، نسأل الله تعالى أن يحفظهم من كل سوء وأن يبارك فيهم وفي علمهم.

وأما من ملك قلمًا فلا يسعه تركه؛ فهو سلاحه الذي يقاتل به ويذب به عن هذا الدين، ومن امتلك زاوية في جريدة أو مجلة أو موقع إلكتروني فعليه دور كبير بتوجيه الرأي العام وتحذير الأمة مما يحاك لها في الظلام من هذه الشرذمة التي لا تعبر عن المجتمع السعودي الملتزم في مجموعه.

ومن امتلك منبرًا كحال إخواننا الخطباء –نفع الله بهم- فعليه نشر الوعي بين الناس وتعريفهم بالمؤامرة وأبعادها.

وأما آحاد الناس فيملكون لسانًا يحثون به الناس على فعل الخير، ويحثون به نساءهم على مزيد من التمسك بدينهن وحيائهن، فهو سلاحهن في هذه الحياة لمواجهة مثل هذه المخططات، أضف إلى ذلك إفراغهن وسعهن في تربية أبنائهن على الأخلاق والفضيلة، وبث الروح الإسلامية في نفوسهم، فهو الحصن الحصين، والدرع المتين.

والدعاء كذلك من أنجع الأسباب في دفع الشرور والبلاء، وهو عدة من لا عدة له، فإن عجز الإنسان عن كل ما ذكرنا ولم يكن لديه من الإمكانات ما يضرب به بسهم في أي منها فإنه لا يسعه ترك الدعاء:

أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما فعل الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لها أجل وللأجل انقضاءُ

هذا والله أعلم..

وهناك من الأعمال الكثير لمن تأمل، ولكن هذا ما تيسر على عجالة.


أخي محمد : مشكور على مرورك [IMG]http://www.vb-khutabaa.com/picture.php?albumid=2&pictureid=25[/IMG]



قلتَ :
" ولكنني لم أسق تعبير "السادة المؤتمرين" على سبيل الاحترام أو التعظيم أو التوقير لأحد من المنافقين "
وأقول : هذا الظن بك .



وقلتَ :
" وإنما سقته على سبيل السخرية والاستهزاء "

قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - :
" ولا يكفي المسلم حسن النية حتى يضم إلى ذلك سلامة العبارة ووضوحها . "














.


عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار ))
رواه أحمد بإسناد حسن وابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهم . وقال الألباني : صحيح لغيره .
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ ولفظه قال
: (( من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة )) وقال الألباني : صحيح لغيره .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (( من نصر أخاه المسلم بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة )) رواه ابن أبي الدنيا موقوفا وقال الألباني : حسن لغيره موقوف ...

اللهم ذب النار عن وجه كل من ذب عن عرض أمهات المؤمنين وعرض رسولك وسنته وكتابك وشريعتك يا حي يا قيوم ...