أمن يجيب المضطر إذا دعاه

أمن يجيب المضطر إذا دعاه

خطبة لأخيكم إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرَضين ، أرسل رسله حجة على العالمين ليحي من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد

عباد الله : اتقوا الله وأطيعوه وابتدروا أمره ولا تعصوه واعلموا أن خير دنياكم وآخراكم بتقوى الله تبارك وتعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5]) (يا أيها الذين آمنوا إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71])

عباد الله: يتقلب الإنسان في حياته بين الرخاء والشدة والعسر واليسر والمرض والصحة والضيق والسعة والفقر والغنى ولكل حالة عملها اللائق بها فعن عمرو بن ميمون رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اغتنم خمس قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك" فمن أحسن في الرخاء فأحسن التنسك والعبادة وأكثر الذكر مع الصلاة ورفع لله الدعوات وسائر صنوف العبادات جاءه من الله جل جلاله العون في الشدة والفرج بعد الكربة والسلون عن المصيبة فكانت عليه أهون من غيره ألم يقل ربنا تبارك وتعالى عن الصابرين (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157])

وعن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال، كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال " يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ"

وفي رواية قال عليه الصلاة والسلام "احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

عباد الله: إن على المؤمن إحسان العبادة ومراقبة الله جل جلاله في كل أحيانه وأوقاته وسلوا الله بما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك"

عباد الله: من حفظ الله حفظه ومن ذكر الله ذكره ومن استعان بالله أعانه ومن استعاذ بالله أعاذه ومن امتثل أمر الله كان من أوليائه فأيده الله ونصره وأعانه و قواه فهذا يونس بن متى عليه الصلاة والسلام كان في الرخاء لله طائعا ولأمره خاضعا ولنواهيه منتهيا وكان لسانه ذاكرا لله بالتسبيح والتحميد فلما اشتد عليه الكرب في ظلمات متتابعة ظلمة الحوت والبحر والليل رفع لله دعوته وأنزل له حاجاته فاستجاب له ربه (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88])

وأما حال يونس عليه الصلاة والسلام (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ [الصافات:143] لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:144]) فلما اضطر إلى ربه جاءته الإجابة .

وأيوب عليه الصلاة والسلام يلبس في البلاء ثمانية عشر عامًا فاشتدت حاجته وعظم مرضه واضطر لمولاه فيرفع لله دعاءه قائلا متضرعا بتمام الأدب (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:84])

وهذا هود عليه الصلاة والسلام اجتمع الملأ حوله مهددين وقد استضعفوا قوته واحتقروا حيلته فيقول بلغة الواثق بالله جل وعلا (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ [هود:55] إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم [هود:56]) فكانت العقبى له .

وموسى عليه الصلاة والسلام لما أيقن قومه الهلاك عند لحاق فرعون لهم نادوا (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62])

وهذا إمامكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم يوم بدر قابل قريش وهم ضعفي جنده فاضطر لربه ورفع يديه وإنكسر وأرى ربه ضعفه وسقط ردائه من كثرة مناداته لربه ويقول "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض" خوف على الأمة كبير وعلى مستقبل هذا الدين العظيم فجاءته البشرى وجاءته الملائكة وعلى رأسهم جبريل يقاتلون في بدر معه (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9]) ثم أنزل الله على عباده النعاس أمنة منه وألقى في قلوب الكفار الرعب وانتصر المؤمنون وُخذل المشركون.

ولما اضطر المؤمنون من بني إسرائيل في قتال جالوت وجنده  وكانت ساعة النزال واضطر أهل الإيمان لربهم تبارك وتعالى رفعوا لله دعوتهم وسجل القرآن ابتهالهم (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًاز وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250] فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ)

الدعاء تحتاجه في كل أحيانك وأوقاتك، لما حارب غلام في طريق الهداية وهل الحق مع الراهب أو الساحر (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]) دعا ربه ليدله فبينما هو سائر اعترض القوم دابة عظيمة فقال "اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب فأخذ حجر فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فعلم أن الراهب خير له من الساحر"

ولا تزال دعوات المحتاجين لربهم ترفع والرحمات من الله جل جلاله لعباده تنزل وفكر ودقق في حياتك تجد في هذا أمثالا كثيرة فألحوا عليه بالدعاء فالله يحب منكم  ، تأمل حديث رسول الله في الحديث القدسي " يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا"

ربكم العظيم يدعوكم لترفعوا إليه حاجاتكم فأين الموقنون بوعد الله جل جلاله (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل:62])

يا من اشتكى المصائب والمدلهمات يا من خاف على ولده من الفساد والملهيات  ويا من خاف على دينه أن يضل أو يذل ارفع لربك دعوتك فهو يحب منك أن ترفعها بل وتلح بالدعاء "إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردها صفرًا"

عباد الله: الدعاء عند الحاجة اضطرار والدعاء في الرخاء معرفة بعظمة الواحد القهار أنت في صحتك وفي أمنك وأهلك وأنت في أعلى درجات نجاحك هذه عبادة في الرخاء ومن تعرف على الله في الرخاء عرفه الله في الشدة.

ويا من كنت عن الله بعيدًا ولله مضطرا فالله يجيب دعوة المضطر وسر إجابة دعوة المضطر أنه في حالة اضطرار فالاضطرار جالب للإخلاص قال القرطبي رحمه الله عند قول الله (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) ضمن الله إجابة المضطر إذا دعاه وأخبر بذلك عن نفسه والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجأ ينشأ عنه الإخلاص وقطع القلب عما سواء وللإخلاص عنده موقع وذمة سواء وجد هذا الاضطرار من مؤمن أو كافر أو بر وفاجر"

فيا أهل الحاجات الله يقول في كتابه (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]) يا الله ما أعظمك فارفعوا لله دعواتكم فهو جل جلاله الملاذ في الشدة والأنيس في الوحشة والنصير في القلة أحاط بصره بهم وعلمه بنياتهم وأحاط غناه بفقرهم وقدرته بعجزهم يدعوه الغريق في غرقه والمظلوم في حاجته والمسجون في سجنه والمريض في مرضه والمكروب في كربته فيجيب عباده فيغفر ذنبًا ويستر عيبًا ويكشف كربًا ويجبر كسيرًا ويغني فقيرًا ويعلم جاهلاً ويهدي ضالًا ويكسو عاريًا ويجزي محسنًا وينصر مظلومًا ويقصم ظالمًا يفرج همًا ويشبع جائعًا ويرشد حيرانًا ويغيث لهفانًا وييسر عسرة ويستر عورة ويؤمن روعة ويرفع أقوامًا، اللهم ارفعنا جميعا في الدنيا والآخرة ويضع آخرين قلوب العباد ونواصيهم بيده وأزمة الأمور معقودة بقضائه وقدره فهو الله الصمد الذي يصمد إليه الناس في حاجاتهم فادعوه دعوة المضطر فقد وعد بالإجابة (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل:62])

اللهم اغفر لنا وارحمنا أجمعين يا أرحم الراحمين ..

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين ، أما بعد

الكريم من الناس إذا أتاه صاحب الحاجة أجابه فكيف بأكرم الأكرمين!

 

المشاهدات 1319 | التعليقات 0