أَمنُ الوطنِ مسؤوليةُ الجميعِ
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ ربِّ العَالمينَ، جعلَ الأمنَ مقرونًا بالإيمانِ، فقال سبحانه {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وآلِه وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ؛{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102].
أيُّها المؤمنونَ: الأمنُ مطلبٌ ضروريٌ لا تستقرُّ الحياةُ بدونِه، وهو مسئوليةُ كلِّ مواطنٍ ومقيمٍ يعيشُ على أرضِ هذِه البلادِ، والحاجةُ إليهِ أشدُّ من الحاجةِ إلى الطعامِ والشرابِ، فلا قوامَ للحياةِ بدونِه، يقولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فهوَ ضرورةٌ لجميعِ الخلقِ، ولا سيَّما في بلادِ المسلمينَ، فبهِ تَتمُّ الحقوقُ والمصالحُ، وبفقدِه يَضيعُ ذلكَ، ويَحُصلُ الخوفُ والقلقُ والفزعُ والفوضى، ويَتسلَّطُ القويُّ على الضعيفِ، وتَحصُلُ السرقاتُ والسلبُ والنَّهبُ، وتُسفكُ الدماءُ وتُنتهكُ الأعراضُ، وبدونِه لا يأمنُ الإنسانُ على نفسِه وأهلِه وأولادِه ومالِه، وكلُّ فردٍ في المجتمعِ عليه مسئوليةٌ كبيرةٌ كلٌ على قدرِ استطاعتِه للحفاظِ على الأمنِ، والوقوفِ أمامَ كلِّ مَنْ تُسوِّلُ له نفسُه العبثَ بأمنِ هذِه البلادِ أو الاعتداءَ على حرماتِ العبادِ.
عبادَ اللهِ: لقد تَفَنَّنَ الأعداءُ في بثِّ سُمومِهمْ ونَشْرِ مكائدِهم في الفضائياتِ
والمواقعِ المشبوهةِ والقنواتِ الضَّالةِ المنحرفةِ بزرعِ الفتنِ في بلادِ المسلمينَ، والوقيعةِ بينَ ولاةِ الأمرِ ورعاياهُم، وحقَّقُوا شيئًا من مقاصدِهم في بعضِ بلادِ المسلمينَ، وتناسى هؤلاءِ قولَ رسولِنَا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (عَليكُمْ بِالجَمَاعةِ، وإيَّاكُم والفُرقةَ، فإنَّ الشيطانَ معَ الوَاحِدِ وهَوَ منْ الاثنينِ أَبعدُ. مَنْ أرادَ بحْبُوحةَ الجَنَّةِ فلْيلْزَمِ الجَمَاعَةَ)(رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع)، ومَا أخبرَ بِه صلَّى اللهُ عليِه وسلَّم حُذيفَةَ بنِ اليَمانِ رضَّي اللهُ عنهُ بحدوثِ الفتنِ وانفلاتِ الولايةِ، فقال لهُ حذيفةُ: ما تأْمُرني يا رسولَ اللهِ إنْ أدْركني ذلكَ؟ قالَ: أَنْ تَلْزَمَ جماعةَ المسلمينَ وإمامِهم..)(رواه البخاري).
عبَادَ اللهِ: إنَّ الأمنَ لا يتَحقَّقُ إلا بتوحيدِ اللهِ وتعظيمِه وطاعتِه فيمَا أَمرَ، واجتماعِ الكلمةِ وطَاعةِ ولاةِ الأمورِ، قالَ صلًَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (أُوصِيكُمْ بتقوى اللهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ وإنْ تأَمَّرَ عليكُم عبدٌ فإنِّه مَنْ يَعشْ منكُم فَسَيرَى اختلافًا كثيرًا فعليكُم بسنَّتِي وسنةِ الخُلفَاءِ الرَاشِدينَ المهديينَ تَمسَّكُوا بهَا وعضُّوا عليهَا بالنواجذِ وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمورِ)(رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني).
وقدْ تقرَّرَ عندَ أهلِ السُّنةِ أنَّه لا دينَ إلا بجماعةٍ، ولا جماعةَ إلا بإمامةٍ، ولا إمامةَ إلا بطاعةِ، وأمَّا العبثُ وزعزعةُ الأمورِ فهَذا هو الهلاكُ العظيمُ وإنْ زيَّنَ وزَخْرفَ أصحابُ الهوى والفكرِ الضَّالِ أنَّه طلبٌ للحريةِ والإصلاحِ وتحقيقِ المصالحِ وكلُّ هذَا كذبٌ. وهَا هُمْ صحابةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم رِضوانُ اللهِ عليهِمْ لمَّا تُوفِّي النَّبيُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سَجَّوهُ، أيْ غَطَّوهُ بالغطاءِ، وقبلَ تغسيلِه وتكفينِه والصلاةِ عليه ذهبُوا إلى سقيفةِ بني ساعدةٍ لاختيارِ خليفةٍ لهم، فبايعُوا أبا بكرٍ الصديقَ رضَّي اللهُ عنْه لعلْمِهمْ أنَّه بِوليِّ الأمرِ يُحسَمُ الخلافُ وتُحَكُّمُ الشريعةُ، وتقامُ الحدودُ والتعزيراتُ، ويَرتدعُ الظلمةُ، وتُؤمَّنُ السبلُ والأسفارُ، وتَقُومُ التجاراتُ، ويَعمُّ الأمنُ، ويأمنُ النَّاسُ على حياتِهم وأعراضِهم وأموالِهم. يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ: " ولا يُعرفُ طائفةٌ قامتْ على ولِّي أمرِهَا إلا كانَ حالُها بعدَ زوالِه أسوأَ من حالِها معَ وجودِه"، والواقعُ اليومَ خيرُ شاهدٍ على ذلكَ.
وصَدَقَ اللهُ العظيمُ: {لإِيلاَفِ قُرَيْش* إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف}[قريش].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالميَن، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الكريم، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ، واعلمُوا أنِّ مَا يقومُ بِه علماءُ هذِه البلادِ ودعاتُها وخطبائُها من النُّصحِ والتَّوجيهِ للتمسكِ بهديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في طاعةِ ولاةِ الأمرِ في العسرِ واليُسرِ والمنشطِ والمكرهِ، هو سبيلُ النَّجاةُ للجميعِ، فهمْ أعلمُ النَّاس بالشرعِ، وأحرصُ ما يكونُ على مصالحِ الخلقِ، فعلَى كلِّ فردٍ أن يكونَ عاملَ بناءٍ في هذِه البلادِ، وألا يكونَ معولَ هدمٍ فيها، وليكنْ الجميعَ صفًا واحدًا مع ولاةِ أمرهِم وعُلمائِهم للذبِّ عن حياضِها، ومنعِ كلِّ مَنْ تُسوِّلُ لهُ نفسُه الإفسادَ والإخلالَ بالأمنِ وزعزعةِ الصفَّ، فالخيرُ كلُّ الخيرِ في الاجتماعِ ونبذِ الفُرقةِ وتوحيدِ الصفِّ ولزومِ الجماعةِ.
عبادَ اللهِ: ولقد سَرَّنَا ثناءُ وليِّ أمرِنَا خادمِ الحرمينِ الشريفينِ على المعلمينَ والمعلماتِ في أداءِ واجبهِم في هذهِ الظروفِ الصَّعبةِ، فهم بحقٍّ الروادُ والموجهونَ، وعلى تقديرِ عطائهِم يكونُ مستقبلُ طلابِنا وطالباتِنا.
فشكرَ اللهُ لكلِّ معلمٍ ومعلمةٍ أخلصُوا في عملِهم، وقامُوا بواجبِهم خيرَ قيامٍ، وجزى اللهُ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ خيرَ الجزاءِ على هذِه الَّلفتةِ المباركةِ، ففيهَا الدعمُ الكبيرُ لهم للاستمرارِ في عطائِهم بِتَمَيّزٍ، وهمْ أهلٌ لذلكَ. جعلَ اللهُ ما يقومونَ بِه بركةً في أعمارِهم وأرزاقهم وذرياتهم.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والنبيِّ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 22 /2/1442هـ