أمسك عليك لسانك (التحذير من المناهي اللفظية)

عنان عنان
1436/11/04 - 2015/08/19 19:56PM
" الخطبة الأولى "

عباد الله: إن على المسلم أن يعلم أن الكلمة التي يتكلم بها بلسانه شأنها عظيم فكلمة ترزقه السعادة وكلمة تورده المهالك
عن بلالِ بنِ حارثٍ المُزني-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظنُّ أنها تبلغُ ما بلغت يكتب اللهُ بها رضوانَه إلى يوم يلقاه وإن الرجل لَيتكلم بالكلمة من سخط الله-عز وجل- ما كان يظنُّ أنها تبلغُ ما بلغت يكتب الله بها سخطَه إلى يومِ يلقاه " [روه مالك والترمذي].

لذلك كان اللسان عباد الله: شأنه عظيم وخطير فالأعضاء كلُّها تَذلُّ وتخضعُ له
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللسانَ تقول: اتقِ الله فينا فإنما نحن بك فإنِ استقمتَ استقمنا وإنِ إعوججتَ إعوججنا " [رواه الترمذي].
ومن أراد النجاة والسلامة فليكفْ وليمسك عليه لسانَه
عن عقبةَ بنِ عامرٍ-رضي الله عنه-قال: قلتُ: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: " أمسك عليك لسانَك وليسعْكَ بيتُك وابكِ على خطيئتك " [رواه الترمذي].
وقد قال-صلى الله عليه وسلم-لمعاذ: بعد أن ذكر أموراً كثيراً من أمور الإسلام ألا أُخبرك بِمِلاكِ ذلك كُلِّهِ قال: قلتُ: بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه وقال: كفَّ عليك هذا قلتُ: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون لما نتكلم به؟ فقال-عليه الصلاة والسلام-: وهل يكبُ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتِهم.

فلذلك يجب على المسلم أن يحافظ على لسانه من أن يقول ما لا يُرضي الله-عز وجل- وأن يدقِّقَ ويعدَ النظرَ في ما يقوله وفي ما يتلفظ به فإن العبد أحياناً يقول كلمة لا يحسب لها حِساباً تكون عند الله جُرماً عظيماً وإثماً كبيراً وهو لا يعلم
عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " إن العبد لَيتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزلُّ بها إلى النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب " [متفق عليه].
وهناك عدد من الألفاظ قد درجت على كثيرٍ من ألسن الناس هي من قبيل الشرك بالله-عز وجل- أو من قبيل المعاصي ولكنهم لا يعلمون لذلك سأنبه على عددٍ من تلك الألفاظ أما من أشكل عليه شيءٌ أو لفظٌ شكَّ فيه فليسئلْ أهل العلم
وليقلْ خيراً أو ليصمتْ.

فمن تلك الألفاظِ أن يقول الإنسان ما شاء الله وشئتَ أو لولا الله وفلان أو مالي إلا الله وأنت أو عند الله وعندك أو نحوُها من الألفاظ فإن ذلك كلَّه لا يجوز وشرك بالله-سبحانه وتعالى- لذلك أمر النبي-صلى الله عليه وسلم-أصحابَه أن يقولوا ما شاء الله ثم شئت وعن ابن عباسٍ أن رجلاً قال: ذلك فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: " أجعلتني للهِ نِدَّاً بل ما شاء اللهُ وحدَه " [رواه النسائي].
ومن الألفاظ المحرمة قول الناس عليَّ كذا والباقي على الله فإن في ذلك غلوٌّ في الأسباب فإن الأمرَ كلَّه لله أوَّلَه وآخرَه
ومنها أن يقول إن الله على ما يشاء قدير فهذا خطأٌ لأن وصف الله بالقدرة أمر ذاتي أزلي والقدرة شاملة لمن يشاء الله ولمن لا يشاء والصحيح أن يقول كما في كتاب الله-عز وجل- " إنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ ".
ومن الألفاظ المحرمة سب الدهر أو الزمان أو الريح أو الساعة وذلك لأن الله هو مصرف هذه الأمور وما يجري فيها من خير أو شرٍّ عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: يقول الله-عز وجل-: " يؤذيني ابن آدم يسُبُّ الدهر وأنا الدهر أُقلِّبُ الليلَ والنَّهارَ " [متفق عليه]. وفي رواية: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ".
وعن أُبي بن كعب-رضي الله عنه-قال: قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: " لا تسبُّوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخيرِ ما فيها وخيرِ ما أُمرتْ بهِ ونعوذ بك من شرِّ هذه الريح وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أُمرتْ به "

ومن الألفاظ المحرمة أيضاً قول الشخص أدام الله بقاءَك وأيَّامَك لأنه من الإعتداء في الدعاء لان دوام الأيام مُحالٌ لقول الله-عز وجل-: " كُلُّ من عليها فانٍ ويبقى وجه ربِّك ذو الجلالِ والإكرام ". وكذلك قولهم أطال الله عمرَك لأن طول العمر قد يكون خيراً وقد يكون شرَّاً فإن شرَّ النَّاس من طال عمرُه وساء عملُه فلو أنه قال: أطال الله عمرَك على الطاعة ونحوِ ذلك فلا بأس ومن الألفاظ المحرمة إستخدام لفظِ لو كأن يقول: لو فعلتُ كذا لكان كذا وكذا تحسراً على ما مضى
فإن ذلك لا يجوز لأنها لا تُفيِدُ شيئاً وإنها تفتح أبواب الأحزانِ والنَّدمِ
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قلْ قدَّر اللهُ وما شاء وفعل فإن لو تفتحُ عملَ الشيطان " [حديث صحيح].

ومن الألفاظ المحرمة قول الإنسان عند تعزية شخصٍ إنتقل إلى الرفيق الأعلى لأن ذلك من علم الغيب فلا يجوز
وكذلك قولهم دُفِنَ في مثواه الآخيرِ فهذا حرامٌ لأن مقتضاه أن القبرَ أخرُ شيءٍ له فيتضمن إنكارَ البعث وما بعده من الحساب والجزاء وكذلك قرءاتهم للآية أو كتابتهم لها عند التعزية في قوله-عز وجل- " يا أيتها النفس المطمئنَّة ارجعي إلى ربِّك راضيةً مرضيةً فادخلي في عبادي وأدخلي جنَّتي ". فهذا لا يجوز لأنه شهادةٌ له بالجنة وهذا من علم الغيب كما لا يجوز لنا أن نشهد لشخصٍ بعينه أنه شهيد حتى لو قُتِل مظلوماً أو قُتِلَ وهو يُدافِعُ عن الحقِّ فلا تقل أُستشهِدَ فلانٌ أو فلانٌ شهيدٌ فقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: " والله أعلم بمن يُكلَمُ في سبيله ".
وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: " بابُ لا يُقالُ فلان شهيد ". لأن مدار الشهادة على القلب والإخلاص وهذا لا يعلمه إلا اللهُ-عز وجل- ويُستثنى من ذلك ما جاء في الأدلة الصحيحة على تسميته شهيداً بعينه كمثل عمرَ وعثمان-رضي الله عنهما-

ومن الألفاظ المحرمة قولهم شاءت الأقدار أو شاءت إرادة الله أو شاءت الظروف وذلك لأن القدر والإرادة والظرف والزمان لا مشيئةَ لها وإنما هي بمشيئةِ الله-سبحانه وتعالى-
ومن الألفاظ المحرمة عدم الجزم في الدعاء كقولك: اللهمَّ اغفر لي إن شئت أو قول الناس يغفر الله لك إن شاء الله
أو رحمك الله إن شاء الله ونحوُه
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " لا يقولَنَّ أحدكم اللهمَّ اغفرْ لي إن شئتَ اللهمَّ ارحمني إن شئتَ ليعزمِ المسألةَ فإن اللهَ لا مُكرِهَ له " [حديث صحيح].
فالصحيح أن يقول: اللهمَّ اغفر لي اللهم ارحمني أو أسأل الله لك المغفرةَ والرحمةَ من غير ذكر لمشيئة الله بقوله: إن شاء الله كما أنه يحرم عليه أن يقول على شخصٍ واللهِ لا يغفرُ اللهُ لفلانٍ فإن هذا من المُهلكات
عن جُندبِ بنِ عبدِ اللهِ-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " قال رجلٌ: واللهِ لا يغفر الله لفلانٍ فقال الله-عز وجل-: من ذا الذي يتألَّى علي-أي يحلف علي- أن لا أغفرَ لفلانٍ إني قد غفرتُ له وأحطبتُ عملَك " [رواه مسلم].
قال أبو هريرة-رضي الله عنه-: " تكلَّم بكلمة أوبقت دنياه وآخرتَه ".

كما يحرم عليه أن يقول: يعلم الله إني ما فعلتُ كذا وهو في ذلك من الكاذبين حين ينسب هذا الكذب إلى علم الله-عز وجل- فإن ذلك عند الله عظيم كما قال ابن عباس-رضي الله عنهما- بل قد عدَّها بعضُ أهل العلم من الألفاظ الكُفرية-عافنا الله وإياكم- كما عليه إجتناب الحلف بغير الله-عز وجل- كالحلف بالآباء أو الأبناء أو بحياةِ فلان
فإن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " من حلف بغير الله فقد أشرك ".

عباد الله: ومن الألفاظ المحرمة أيضاً إختصارُهم لكلمةِ الحوقلة " لا حول ولا قوة إلا بالله " بقولهم لا حول لله
أو لا حول فإن في ذلك نفيَ الحول والقدرةِ عن الله-عز وجل- وهذا أمر عظيم لا ينتبه إليه الناس
ومنها قول بعضهم عند سماعه لمصاب فلان أو لشخصٍ وقع عليه حادث فإن بعض الناس يقولون: والله فلانٍ لا يستاهل
أو لا يستحق فهذا إعتراض على قضاء الله-عز وجل- وقدره وسوءِ أدبٍ مع الله-عز وجل- " فلا يظلم ربُّك أحداً ".
ومن الألفاظ المحرمة دعاءُ صفات الله-عز وجل- نفسها كقولهم يا رضا الله أو يا رحمة الله وإنما الصواب أن تدعوَ الله-عز وجل- بصفاته فتقول يا رحمنُ ارحمني يا الله ارضى عني فهذه عباد الله جملة من الألفاظ التي يجب على المسلم أن يملك عنها لسانَه فعلى المسلم أن يملك لسانه وأن يحافظَ عليه من الزلل والخطأ
فعن سهلِ بنِ سعدٍ-رضي الله عنه- عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة " [متفق عليه].

اللهم اجعلنا من أهل الجنة
أقولوا ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

" الخطبة الثانية "

عباد الله: إن من الألفاظ الشائعة بين الناس متعلمِهم وعاميهم تسمية الدولة اليهودية الكافرة المغضوب عليها بإسم إسرائيل وهذه ظاهرة خطيرة تمسُّ كرامةَ نبيٍ من أنبياءِ الله ورسولٍ من سادةِ الرسل ألا وهو يعقوبُ-عليه السلام- فإسرائيل هو يعقوب فكيف يُلصَقُ باليهود ويَلصقون به بل يسوق كثير من الناس اسمَه في سياق ذمِّ هذه الدولة فيقولون: فعلت إسرائيل كذا أو لعنة الله على إسرائيل وهذا أمر منكر لا يجوز وهذه التسمية من كيد ومكر اليهود وقد انطلت على كثيرٍ من المثقفين فضلاً عن العوام فالله-عز وجل-قد ذم اليهود في القرآن الكريم كثيراً ولعنهم وحدثنا عن الغضب عليهم
لكن بإسم اليهود وإسم أهل الكتاب وإسم الذين كفروا من بني إسرائيل لا بإسم إسرائيل النبيِّ الكريمِ يعقوبَ-عليه السلام- وهؤلاء اليهود ليس لهم أي علاقة دينية بنبيِّ اللهِ يعقوبَ ولا بإبراهيم-عليه السلام-
" ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مُسلماً وما كان المشركين* إنَّ أولى النَّاسِ بإبراهيم لَلَّذين اتبعوه وهذا النبيُّ والذين آمنوا والله وليُّ المؤمنين ".

عباد الله: إن باب الألفاظ الخاطئة والتي قد تصل إلى حد الشرك بالله كثيرة وعديدة بل تتجدد وتتعدد كلَّما ازداد الناسُ جهلاً وإبتعاداً عن كتاب الله وسُنةِ نبيه-صلى الله عليه وسلم- ومجانبةً لإهل العلم والحرصَ على سؤالهم
فعلى العبد أن يتعلم دينه ليلقى اللهَ طاهراً من الشرك والبدع والذنوب والمعاصي فإن العبد محاسب على كُلِّ كلمةٍ يقولها
قال الله-عز وجل-: " ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد "
فعلى المسلم أن يطهر لسانَه وأعمالَه عن كل ما يغضب الله-عز وجل- كالغيبة والنميمة والغناء وقول الزور وغير ذلك من معاصي اللسان
اللهم احفظ ألسنتَنا إلا في رضاك

وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

من باب الأمانة العلمية: هذه الخطبة خطبة صوتية لفضيلة الشيخ خالد بن ضحوي الظفيري-حفظه الله-
وقد فرغتها خطبةً نصيةً.
المشاهدات 4070 | التعليقات 0