أمّتِي . . أينَ العُدَّةُ للنصر والتمكين . . أين ؟!
رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/07/08 - 2013/05/18 22:17PM
أمّتِي . . أينَ العُدَّةُ للنصر والتمكين . . أين ؟! .
الاستفتاح بما تيسّر وناسبَ ، ثم أما بعد :
قال الله تعالى:﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾(النور:55) .
معشر المؤمنين : هذا وعدٌ صادقٌ لا ريبَ فيه من الله تعالى بتحَقُّقِ ثلاثةِ مكاسب غاليةٍ عالية ، لمن جاء بالثَّمَن :
المكاسب هي: السيادة والاستخلاف في الأرض ، و الثانية تمكينُ الدين في الأرض حتى تكون له الكلمة العليا ، والثالثة تحقق الأمن والاستقرار من كُلِّ ما يُخاف ويُتَّقى من شر الأعداء والجوع والفزع . . ، جميع هذه المكاسب الجليلة لا تتحقق إلاَّ بثمن سنَّه اللهُ تعالى في الحياة ، سنَّةً لا تتبدَّل ولا تتغير:
أوَّلاً : ﴿آمنوا ﴾ : الإيمان الذي هو قولٌ باللسان ، واعتقادٌ راسخٌ في القلب والجنان ، وعملٌ وتطبيقٌ بالجوارح والأركان لما يعتقده القلب وينطق به اللسان. هذا هو الإيمان الذي يمثل القوة في الإسلام ، وهذا هو الإيمان الذي ترهبه الفرس والروم وآخرون من دونهم . .
الإيمان الذي يجعل القلب والبدن والروح واللسان والحياة والممات لله رب العالمين لا شريك له.. الإيمان الذي يحرر النفس من كل الشهوات و القيود ، فلا تعرفُ إلاّ قيدًا واحدًا هو عينُ الحُرّية و السعادة و الانطلاق ؛ إنّهُ قيدُ العبوديّة للهِ وحده لا شريك له . . وأكرم به من قيد . . !
الإيمان الذي قال فيه الله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ﴾(الحجرات:15). .
الإيمان الذي قال الله فيه :﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(النساء:65). .
الإيمان الذي قال الله فيه:﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾(المجادلة:22). .
الإيمان الذي قال فيه الحسن البصري - رحمه الله - :" ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني،ولكنه ما وقر في القلب وصدَّقه العمل ". .
هذا هو الإيمان الذي يسوق ويهدي إلى الاستخلاف والتمكين والأمن والاستقرار . . قال الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾(يونس:9) . .
والشرطُ الثاني – معشر المؤمنين - : ﴿وعملوا الصالحات﴾ :
كلمة الصالحات من الكلمات التي تتسع لتشمل كل الفضائل والمكارم والكمالات الدينية والدنيوية ، وفي موضوع النصر والتمكين تجد الصالحات تشمل الامتثال لقول الله تعالى :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(النور:56) . . ويشمل الامتثال لقول الله تعالى:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾(الأنفال:60) . . فكل تقصير من الأمة في هذا هو نوع تقصير في تحقيق العمل الصالح الذي يحبه الله ويرضاه . .
والشرطُ الثالث – معشر المؤمنين - : :﴿يعبدونني لا يشركون بي شيئًا﴾ :
إنه إرادة الله وحده بعمل القلب و اللسان والجوارح ، والتبرؤ من كل ما عبد من دون الله تعالى بالقلب و اللسان و الجوارح ، هو تحقيق توحيد الله تعالى بالحب فلا تتخذ مع الله ندًّا ومساويًا في المحبة من الأولاد والأزواج والإخوان والعشائر والتجارات والأموال ، قال الله تعالى:[FONT="]) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [FONT="]([/FONT]( البقرة:165). . [/FONT]
توحيد الله بالخوف فلا تتخذ مع الله ندًّا ومساويًا تخافه وترهبه،كما قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ ِبالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُّضْلِل اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾(الزمر:36). وكما قال الله تعالى:﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾(التوبة:13) . .
وتوحيد الله بالتوكل والاستعانة،كما قال الله تعالى في وصف المتوكلين:[FONT="]} الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [FONT="]{[/FONT](آل عمران :173). . [/FONT]
توحيده بالطمع والرجاء ، بالطلب والدعاء ، بالسجود والتعظيم ، بالطاعة والتلقي وحده لا شريك له . . هذا هو التوحيد الذي أوجد جيل النصر والتمكين ، ويوجد هذا الجيل متى توفرت الحقائق وتركزت في القلب والجوارح واللسان . .
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، أقول فولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
معشر المؤمنين :
كيف نريدُ العزَّةَ ونحن مقيمون على أسباب الذُّلِّ والمهانة والتبعية . . ؟
كيف نريدُ العزَّةَ ونحنُ نُمسِكُ الدِّينارْ و نعجِزُ أن ندفعَ خبزًا للجارْ . . ؟
كيف نريدُ الخير ونحن مقيمون على التبذير والمعاصي والمنكرات . . ؟
أم كيف نريدُ السعادةَ والطمأنينة ونحن مقيمون على أسباب البأس والعذاب الأليم . . ؟
ننتظرُ مثل عزِّ الأوَّلين دون جهدٍ ولا تعبٍ ولا إنفاقٍ في سبيل الله . . فطال انتظارنا . . وطال معه ذلُّنا وعارُنا. . ! .
هذا عثمان بن عفان [FONT="]رضي الله عنه ، أنفق على جيش العسرة ألف دينار،وألف بعير ومائة فرس[1]، وهذا أبو طلحة حين نزل قول الله تعالى:﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونْ﴾(آل عمران:92).قام إلى النبيِّ [FONT="]r[/FONT]فقال: يا رسول الله،إن الله تبارك وتعالى يقول: :﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونْ﴾؛وإن حبَّ أموالي إليَّ "بَيْرَحَاء"،وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله،فضعها يا رسول الله حيث أراك.. "[2]. [/FONT]
ما قيمة العقيدة إلا بصدقها في الحياة..!
لا بدَّ من الرجوع إلى الحقائق حتى ترجع لنا الكلمة في الأرض..!
والله لم يأت فتحٌ مبين إلا لمن توافرت فيهم صفات جيل التمكين التي ذُكِرت في القرآن الكريم ، إلا لمن كانت لديهم أسبابه في واقع حياتهم . .
هذا القائد العظيم محمد الفاتح رحمه الله ، وهو على فراش الموت في طريقه إلى فتح روما (إيطاليا) ، وكان الذي يسير إلى فتح إيطاليا عاصمة النصرانية في ذلك الزمن كالذي يسير إلى فتح أمريكا في هذا الزمان . .
قال - رحمه الله – يوصي ولده : " ها أنذا أموت ، ولكني غير آسف لأني تاركٌ خلفًا مثلك . .
كن عادلا صالحا رحيما ، وابسط على الرعية حمايتك بدون تمييز ، واعمل على نشر الدين الإسلامي ، فإن هذا هو واجب الملوك على الأرض ، قدِّم الاهتمام بأمر الدين على كل شيء ، ولا تُفْتِر في المواظبة عليه ، ولا تستخدم الأشخاص الذين لا يهتمون بأمر الدين ، ولا يجتنبون الكبائر وينغمسون في الفحش ، وجانب البدع المفسدة ، وباعد الذين يحرِّضونك عليها ، وسِّع رقعة البلاد بالجهاد واحْرُص أموالَ بيت المال من أن تَتَبَدَّد ، وإياك أن تمد يدك إلى مال أحد من رعيتك إلا بحق الإسلام ، واضمن للمعوزين قوتهم ، وابذل إكرامك للمستحقين . .
العلماء هم القوة المبثوثة في جسم الدولة ، فعظِّم جانبهم وشجعهم ، وإذا سمعت بأحد منهم في بلد آخر فاستقدمه إليك وأكرمه بالمال .
حذارِ حذار لا يغرنّك المال ولا الجند ، وإياك أن تبعد أهل الشريعة عن بابك ، وإياك أن تميل إلى أي عمل يخالف أحكام الشريعة ، فإن الدين غايتنا ، والهداية منهجنا وبذلك انتصرنا . .
خذ مني هذه العبرة : حضَرْتُ هذه البلاد كنملة صغيرة ، فأعطاني الله تعالى هذه النعم الجليلة، فالزم مسلكي ، واحْذُ حذوي ، واعمل على تعزيز هذا الدين وتوقير أهله ولا تصرف أموال الدولة في ترف أو لهو ، أو أكثَرَ من قدر اللزوم ، فإن ذلك من أعظم أسباب الهلاك " [3].
الله أكبر – أحبّتي - ؛ أرأيتُم الأنموذج . . ؟! ، والله إن جيل النصر والتمكين لا يُبعثُ من جيل هزيمة أبدًا . . ! " ، إنما يستخلصُ من مستخلصاتٍ كثيرة تنفض عنها خصال الجاهلية خصلةً خصلة ، حتى لا يبقى فيها شيء لغير الله تعالى ، في هذه الأجواء . . ومن هذا الجنسِ من الآباء . . ينشأ جيل النصر والتمكين . . ! .
نسأل الله العظيم التوفيق للخيرات ، والسلامة من الفواحش والمنكرات . . . اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين . . وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه و التابعين . .[FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]- الفتح(5/408).[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]- الصحيحة(3982).[/FONT]
[FONT="][3][/FONT] - السلطان محمد الفاتح،فاتح القسطنطينية وقاهر الروم:(ص/171-172)- عبد السلام عبد العزيز فهمي/دار القلم،دمشق،ط4-1987م.
الاستفتاح بما تيسّر وناسبَ ، ثم أما بعد :
قال الله تعالى:﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾(النور:55) .
معشر المؤمنين : هذا وعدٌ صادقٌ لا ريبَ فيه من الله تعالى بتحَقُّقِ ثلاثةِ مكاسب غاليةٍ عالية ، لمن جاء بالثَّمَن :
المكاسب هي: السيادة والاستخلاف في الأرض ، و الثانية تمكينُ الدين في الأرض حتى تكون له الكلمة العليا ، والثالثة تحقق الأمن والاستقرار من كُلِّ ما يُخاف ويُتَّقى من شر الأعداء والجوع والفزع . . ، جميع هذه المكاسب الجليلة لا تتحقق إلاَّ بثمن سنَّه اللهُ تعالى في الحياة ، سنَّةً لا تتبدَّل ولا تتغير:
أوَّلاً : ﴿آمنوا ﴾ : الإيمان الذي هو قولٌ باللسان ، واعتقادٌ راسخٌ في القلب والجنان ، وعملٌ وتطبيقٌ بالجوارح والأركان لما يعتقده القلب وينطق به اللسان. هذا هو الإيمان الذي يمثل القوة في الإسلام ، وهذا هو الإيمان الذي ترهبه الفرس والروم وآخرون من دونهم . .
الإيمان الذي يجعل القلب والبدن والروح واللسان والحياة والممات لله رب العالمين لا شريك له.. الإيمان الذي يحرر النفس من كل الشهوات و القيود ، فلا تعرفُ إلاّ قيدًا واحدًا هو عينُ الحُرّية و السعادة و الانطلاق ؛ إنّهُ قيدُ العبوديّة للهِ وحده لا شريك له . . وأكرم به من قيد . . !
الإيمان الذي قال فيه الله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ﴾(الحجرات:15). .
الإيمان الذي قال الله فيه :﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(النساء:65). .
الإيمان الذي قال الله فيه:﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾(المجادلة:22). .
الإيمان الذي قال فيه الحسن البصري - رحمه الله - :" ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني،ولكنه ما وقر في القلب وصدَّقه العمل ". .
هذا هو الإيمان الذي يسوق ويهدي إلى الاستخلاف والتمكين والأمن والاستقرار . . قال الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾(يونس:9) . .
والشرطُ الثاني – معشر المؤمنين - : ﴿وعملوا الصالحات﴾ :
كلمة الصالحات من الكلمات التي تتسع لتشمل كل الفضائل والمكارم والكمالات الدينية والدنيوية ، وفي موضوع النصر والتمكين تجد الصالحات تشمل الامتثال لقول الله تعالى :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(النور:56) . . ويشمل الامتثال لقول الله تعالى:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾(الأنفال:60) . . فكل تقصير من الأمة في هذا هو نوع تقصير في تحقيق العمل الصالح الذي يحبه الله ويرضاه . .
والشرطُ الثالث – معشر المؤمنين - : :﴿يعبدونني لا يشركون بي شيئًا﴾ :
إنه إرادة الله وحده بعمل القلب و اللسان والجوارح ، والتبرؤ من كل ما عبد من دون الله تعالى بالقلب و اللسان و الجوارح ، هو تحقيق توحيد الله تعالى بالحب فلا تتخذ مع الله ندًّا ومساويًا في المحبة من الأولاد والأزواج والإخوان والعشائر والتجارات والأموال ، قال الله تعالى:[FONT="]) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [FONT="]([/FONT]( البقرة:165). . [/FONT]
توحيد الله بالخوف فلا تتخذ مع الله ندًّا ومساويًا تخافه وترهبه،كما قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ ِبالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُّضْلِل اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾(الزمر:36). وكما قال الله تعالى:﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾(التوبة:13) . .
وتوحيد الله بالتوكل والاستعانة،كما قال الله تعالى في وصف المتوكلين:[FONT="]} الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [FONT="]{[/FONT](آل عمران :173). . [/FONT]
توحيده بالطمع والرجاء ، بالطلب والدعاء ، بالسجود والتعظيم ، بالطاعة والتلقي وحده لا شريك له . . هذا هو التوحيد الذي أوجد جيل النصر والتمكين ، ويوجد هذا الجيل متى توفرت الحقائق وتركزت في القلب والجوارح واللسان . .
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، أقول فولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
كيف نريدُ العزَّةَ ونحن مقيمون على أسباب الذُّلِّ والمهانة والتبعية . . ؟
كيف نريدُ العزَّةَ ونحنُ نُمسِكُ الدِّينارْ و نعجِزُ أن ندفعَ خبزًا للجارْ . . ؟
كيف نريدُ الخير ونحن مقيمون على التبذير والمعاصي والمنكرات . . ؟
أم كيف نريدُ السعادةَ والطمأنينة ونحن مقيمون على أسباب البأس والعذاب الأليم . . ؟
ننتظرُ مثل عزِّ الأوَّلين دون جهدٍ ولا تعبٍ ولا إنفاقٍ في سبيل الله . . فطال انتظارنا . . وطال معه ذلُّنا وعارُنا. . ! .
هذا عثمان بن عفان [FONT="]رضي الله عنه ، أنفق على جيش العسرة ألف دينار،وألف بعير ومائة فرس[1]، وهذا أبو طلحة حين نزل قول الله تعالى:﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونْ﴾(آل عمران:92).قام إلى النبيِّ [FONT="]r[/FONT]فقال: يا رسول الله،إن الله تبارك وتعالى يقول: :﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونْ﴾؛وإن حبَّ أموالي إليَّ "بَيْرَحَاء"،وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله،فضعها يا رسول الله حيث أراك.. "[2]. [/FONT]
ما قيمة العقيدة إلا بصدقها في الحياة..!
لا بدَّ من الرجوع إلى الحقائق حتى ترجع لنا الكلمة في الأرض..!
والله لم يأت فتحٌ مبين إلا لمن توافرت فيهم صفات جيل التمكين التي ذُكِرت في القرآن الكريم ، إلا لمن كانت لديهم أسبابه في واقع حياتهم . .
هذا القائد العظيم محمد الفاتح رحمه الله ، وهو على فراش الموت في طريقه إلى فتح روما (إيطاليا) ، وكان الذي يسير إلى فتح إيطاليا عاصمة النصرانية في ذلك الزمن كالذي يسير إلى فتح أمريكا في هذا الزمان . .
قال - رحمه الله – يوصي ولده : " ها أنذا أموت ، ولكني غير آسف لأني تاركٌ خلفًا مثلك . .
كن عادلا صالحا رحيما ، وابسط على الرعية حمايتك بدون تمييز ، واعمل على نشر الدين الإسلامي ، فإن هذا هو واجب الملوك على الأرض ، قدِّم الاهتمام بأمر الدين على كل شيء ، ولا تُفْتِر في المواظبة عليه ، ولا تستخدم الأشخاص الذين لا يهتمون بأمر الدين ، ولا يجتنبون الكبائر وينغمسون في الفحش ، وجانب البدع المفسدة ، وباعد الذين يحرِّضونك عليها ، وسِّع رقعة البلاد بالجهاد واحْرُص أموالَ بيت المال من أن تَتَبَدَّد ، وإياك أن تمد يدك إلى مال أحد من رعيتك إلا بحق الإسلام ، واضمن للمعوزين قوتهم ، وابذل إكرامك للمستحقين . .
العلماء هم القوة المبثوثة في جسم الدولة ، فعظِّم جانبهم وشجعهم ، وإذا سمعت بأحد منهم في بلد آخر فاستقدمه إليك وأكرمه بالمال .
حذارِ حذار لا يغرنّك المال ولا الجند ، وإياك أن تبعد أهل الشريعة عن بابك ، وإياك أن تميل إلى أي عمل يخالف أحكام الشريعة ، فإن الدين غايتنا ، والهداية منهجنا وبذلك انتصرنا . .
خذ مني هذه العبرة : حضَرْتُ هذه البلاد كنملة صغيرة ، فأعطاني الله تعالى هذه النعم الجليلة، فالزم مسلكي ، واحْذُ حذوي ، واعمل على تعزيز هذا الدين وتوقير أهله ولا تصرف أموال الدولة في ترف أو لهو ، أو أكثَرَ من قدر اللزوم ، فإن ذلك من أعظم أسباب الهلاك " [3].
الله أكبر – أحبّتي - ؛ أرأيتُم الأنموذج . . ؟! ، والله إن جيل النصر والتمكين لا يُبعثُ من جيل هزيمة أبدًا . . ! " ، إنما يستخلصُ من مستخلصاتٍ كثيرة تنفض عنها خصال الجاهلية خصلةً خصلة ، حتى لا يبقى فيها شيء لغير الله تعالى ، في هذه الأجواء . . ومن هذا الجنسِ من الآباء . . ينشأ جيل النصر والتمكين . . ! .
نسأل الله العظيم التوفيق للخيرات ، والسلامة من الفواحش والمنكرات . . . اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين . . وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه و التابعين . .[FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]- الفتح(5/408).[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]- الصحيحة(3982).[/FONT]
[FONT="][3][/FONT] - السلطان محمد الفاتح،فاتح القسطنطينية وقاهر الروم:(ص/171-172)- عبد السلام عبد العزيز فهمي/دار القلم،دمشق،ط4-1987م.
المشاهدات 2452 | التعليقات 2
آمين أستاذ منصور ، ولكم بمثل .
منصور الفرشوطي
لا فض فوك
تعديل التعليق