«أَلَيْسَ قَدْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟»      7/ 9/ 1446هـ

د عبدالعزيز التويجري
1446/09/06 - 2025/03/06 17:22PM

الخطبة الاولى : «أَلَيْسَ قَدْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟»      7/ 9/ 1446هـ

الحمد لله الكريم الوهاب، الغفور التواب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى في ربوبيتهِ، وألوهيته، وأسمائهِ وصفاته، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يم الدين وسلم تسليما مزيا أما بعد

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.

أخرج الإمام أحمد وغيره عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَكَانَ إِسْلامُهُمَا جَمِيعًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ صَاحِبِهِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَيَّ فَقَالا لِي: ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى. قال: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟» قَالُوا: بَلَى قال: «وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا : بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : «فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»

بلوغ شهر رمضان نعمة لمن عرف قيمته ، ومنحة ربانية لمن استغل أيامه وساعاته .. " لاتحسب الايام تذهب سدى ، إنما هي مطاي وأحمال تودع بها الحسنات "وخيركم من طال عمره وحسن عمله"

فما اكرم الله وما اجزل عطائه .. ساق إلينا بلوغ اهلاله، وعرّفنا بركة كماله، ونادانا بعظيم آياته للمسارعةِ والمسابقة لجناته {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} مسارعة ومسابقة ليس فيها وقت للتواني أو التكاسل ، لم تُعَد هذه الجنان لمن ضيع الصلوات واتبع الشهوات أوتكاسل عن الطاعات ، ولم تتزين لمن آذى المسلمين بلفظه وفعله ، أو ظلم العباد بتكبره وتجبره، إنما {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} فضل من الله ونعمة {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}

هذا الفضل العظيم، والفوز المبين، والنعيم المقيم، تتفتح ابوابه في هذا الشهر الكريم «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ».

 يَنالُ هذه الجنةِ العالية من حزم أمره ، وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فلن يدرك البطال منازل الأبطال، ولا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه .. والجنة حفت بالمكاره.

 لولا المشقة ساد الناس كلِهم  **  الجود يفقر والإقدام قتال

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.

كل شي يعوض إلا الجنة فإنه لا عوض عنها، وكل شي يستغنى عنه إلا لذة النظر إلى وجه الكريم جلل جلاله، وكل شراب وزينة تفنى إلا الشرب والورد على الحوض.

يا بئس من أعد برامجه وخزيه لعرضها في رمضان، والجنان قد تفتحت وتزينت لن أعد الإحسان في رمضان.

ألا حسرة من هيئ لنهاره نوم طويل، وملائكة الرحمن تطوف في الأرض تلتمس التالين للقرآن الذاكرين بالليل بالنهار لرفعها لذي الجلال والإكرام " إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ" أخرجه البخاري.

ما أتعس من لم يذق من حلاوة رمضان إلا شبع بطنه وملأ جيبه ..

ما أخسر من لم يجد وقتاً لمشاهدة اللهو والتسلية إلا في شهر الصلاة والقرآن {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}.

ألا لا تحرمنّكم مناظر الخزي والعار  عن النظر إلى وجه الجبار جل جلاله .

ألا لا تصدنّكم شبكات تواصل عن ذكر الله وعن الصلاة .

المتقون يستنشقون ريح الجنة في أنسام الظمأ، ويتسعذبون الرحيق في جو العبادة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} هذه السر التي جعلت ثلةٌ من المؤمنين تستلذُ بطولِ القراءةِ في التراويحِ والقيام ..

هي التقوى التي أطلقت ألسنة الذاكرين بكثرة التلاوة وتعدد الختمات..

هي التقوى التي حجزت ألسنة وأسماع وأبصار عن الحرام، وعلقت أفئدةٌ بالملك العلام.

ما صامَ مَنْ لم يَرْعَ حقَّ مجـــــاورٍ        وأُخُوَّةٍ وقرابةٍ وصحابِ

ما صامَ مَنْ أكَلَ اللحومَ بِغيبَةٍ        أو قالَ شراً أو سَعَى لخرابِ

ما صامَ مَنْ أدّى شهادةَ كاذبٍ       وأَخَلَّ بالأَخلاقِ والآدابِ

كَمْ مِنْ صيامٍ ما جَنَى أصَحابُه        غيرَ الظَّما والجوعِ والأتعابِ

ما كلُّ مَنْ تَرَك الطعامَ بصائمٍ         وكذاك تاركُ شهوةٍ وشرابِ

فالتقوا الله ربكم واغتنموا الأوقات فإنما هي أيامٌ معدودات، حفظوا أسماعكم وأبصاركم وقلوبكم يحفظ الله لكم دينكم ويثبت قلوبكم ، ويجازيكم بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربكم رحيم ودود

الخطبة الثانية .. الحمدلله على رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على خير خلقه وعلى أصحابه والتابعين اما بعد .

لما غَابَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ،  لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللهُ قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ»{ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}

فهل من قائلٍ لئن لأحافظن على تكبيرة الإحرام ، ولأزاحمن للدنو من الإمام ..

وهل من قائلٍ يقول: لانتهين من شرب الدخان ومجالسة ومتابعة أهل السفه والخسران..؟

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَبِيهِ أَوْصِنِي يَا أَبَتِ، فَقَالَ " يَا بُنَيَّ انْوِ الْخَيْرَ فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا نَوَيْتَ الْخَيْرَ ".

انوِ الخير واعزم على كثرة الختمات والركعات والسجدات وطيب الدعوات .. وياخسارة من لم يرى من رمضان إلا موسما للتخفيضات {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}

انوِ الخير واصنع برنامجاً طيبا لأسرتك ولأهل بيتك تحفظ به أوقاتهم وتزيد من إيمانهم وتصدهم عن برامج اللغو والسوء والفحشاء.

الصلاة الصلاة عماد الدين وركن الإسلام الذي لايقوم ولا يصح إلأ بها ، والمساجد تشكو من قلة المصلين في صلاة الظهر .. ولايصح الصيام بترك الصلاة ، ولا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها "

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحين عبادتك، ورزقنا الإخلاص في القول والعمل، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم .. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ..

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة امورنا .....

المشاهدات 1180 | التعليقات 0