ألوية الغدر
د صالح بن مقبل العصيمي
1436/12/17 - 2015/09/30 17:37PM
أَلْوِيَةُ الْغَدْرِ
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا .
أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَاْدَ اللهِ، لَقَدْ طَاْلَ لَيْلُ خَوَاِرْجِ هَذَاْ الْعَصْرِ، وَاِزْدَاْدَ شَرُّهُمْ، وَتَأَذَّىْ الْنَّاْسُ مِنْ مَكْرِهِمْ، وخِدَاْعِهِمْ؛ فَهُمْ أَهْلُ الْغَدْرِ، وَالْخِيَاْنَةِ، وَاللُّؤْمِ؛ لَاْ يَأْمَنُهُمْ أَبٌ، وَلَاْ أُمٌّ، وَلَا قَرِيبٌ، وِلَا بَعِيدٌ، وَمَاْ أَنْ فُجِعَ الْنَّاْسُ بِقَاْتِلِ خَاْلِهِ فِي أَيَّاْمِ عِيْدِ الْفِطْرِ الْمُبَاْرَكِ، وَظَنُّوْا أَنَّ اِغْتِرَاْرَ بَعْضِ الْنَّاْشِئةِ بِهِمْ قَدْ زَاْلَ؛ إِلَّاْ وَفُجِعَ الْنَّاْسُ فِي أَيَّاْمِ عِيْدِ الْأَضْحَىْ الْمُبَاْرَكِ بِفَاْجِعَةٍ، لَاْ تَقِلُّ عَنْ تِلْكَ الْفَاْجِعَةِ؛ أَلَا وَهِيَ فَاجِعَةُ قَاتِلِ اِبْنِ عَمِّهِ، وَصَدِيقِ عُمْرِهِ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):" إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْـهـَرْجَ ". قِيلَ: وَمَا الْـهَرْجُ؟ قَالَ: "الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ ". قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ؟! قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ ". قَالُوا: سُبْحَانَ اللهِ ومَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قَالَ: " لَا. إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكُم الزَّمَانِ حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَأَصْبَحَ لِسَانُ حَالِ الْمُـجْتَمَعِ بَعْدَ هَذِهِ الْـحَادِثَةِ يَقُولُ:
مِحْنَةٌ وَدَّعَتْ وَأُخْرَىْ أَغَاْرَتْ دُكَّ مِنْ هَوْلِهَاْ الْبِنَاْءُ الْمُشِيْدُ
نَعَمْ وَرَبِّيْ إَنَّ هَؤُلَاْءِ الْأَشْرَاْرَ لَاْ يُؤْمَنُ مَكْرُهُمْ، وَلَاْ يُوْثَقُ بِهِمْ، يَخْرُجُوْنَ أَمَامَ النَّاسِ فَجْأَةً، وَيَتَغَيَّرُوْنَ فِيْ لَحْظَةٍ، جُبَنَاْءَ يُخْفُوْنَ مَاْ لَاْ يُظْهِرُوْنَ، يُظْهِرُوْنَ الْمُسَاْلَمَةَ وَالْمُـوَادَعَةَ، وَهُمْ مِنَ شَرِّ مَنْ مَشَىْ عَلَىْ الْأَرْضِ وَدَرَجَ، فَلَاْ تَجِدُ مُسْلِمًا إِلَّا وَهَوُ مُسْتَهْدَفٌ مِنْ قِبَلِهِمْ، مُصْطَلٍ بِنَاْرِهِمْ، مُتَوَعَّدٌ بِشَرِّهِمْ، بِاِسْتَثْنَاْءِ حِزْبِهِمْ وَجَمَاْعَتِهِمْ، سَلِمَ مِنْهُمْ الْيَهُوْدُ، وَالْنَّصَاْرَىْ، وَجَمِيْعُ أَهْلِ الْكُفَرِ؛ مِنْ عُبَّاْدِ الْأَشْجَاْرِ، وَالْأَحْجَاْرِ، وَالْأَوْثَاْنِ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ آبَاْءٌ، وَلَاْ أُمَّهَاْتٌ، وَلَاْ أَعْمَاْمٌ، وَلَاْ أَخْوَاْلٌ، وَلَاْ أَصْدِقَاْءٌ وَلَاْ أَصْحَاْبٌ. لَمْ أَرَ مَسْأَلَةً مِنْ مَسَاْئِلِ هَذَاْ الْعَصْرِ؛ اِجْتَمَعَتْ فِيْهَاْ كَلِمَةُ الْعُلَمَاْءِ، وَالْدُّعَاْةِ، مِنْ مُخْتَلَفِ الْمَشَاْرِبِ؛ وَالْمَذَاْهِبِ، كَاِجْتِمَاْعِهِمْ عَلَىْ تَضْلِيْلِ هَؤُلَاْءِ الْجَّمَاْعَاْتِ الْخَاْرِجَةِ. وَالْعَجَبُ الْعُجَاْبُ؛ أَنَّ خَوَاْرِجَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ -مَعَ شَرِّهِمْ، وَضَلَاْلِهِمْ-كَاْنُواْ أَهْلَ عِبَاْدَةٍ وَطَاْعَةٍ، أَمَّاْ خَوَاْرِجُ هَذَاْ الْعَصْرِ، فَهُمْ مِنْ أَضْعَفِ الْنَّاْسِ فِيْ الْعِبَاْدَةِ، وَأَقْبَحِهِمْ مَنْهَجًا، وَأَسْوَئِهِمْ سُلُوْكًا، وَأَخْلَاقًا؛ فَإِنَّ تَحَدَّثْتَ عَنْ الْعُقُوْقِ، فَلَنْ تَجْدَ نَمَاْذِجَ يُضْرَبُ بِهَاْ الْمَثَلُ فِيْ الْعُقُوْقِ كَنَمَاْذِجِهِمْ، وَمَنْ سَـمِعَ كَلَامَ الْأَبِ الْمَكْلُومِ، الَّذِي قَتَلَ اِبْنَاهُ اِبْنَ عَمِّهِمَا، وَكَيْفَ أَعْلَنَ أَنَّ حَيَاتَهَ اِنْتَهَتْ، وَأَنَّهُ تَـحَطَّمُ، بَلْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ بِـجَهَنَّمَ، وَلَا يَصِلُ أَبٌ لِـهَذَا الْـحَالِ؛ إِلَّا ِإذَا بَلَغَ الْعُقُوقُ غَايَتَهُ وَمُنْتَهَاهُ،وَإِنْ تَحَدَّثْتَ عَنْ الْظُّلْمِ، فَقَدْ نَاْلُوْاْ مِنْهُ أَوْفَرَ الْحَظِّ وَالْنَّصِيْبِ، وَإِنْ تَحَدَّثْتَ عَنِ الْعِبَاْدَةِ، فَلَنْ تَجِدَ أَعْجَزَ مِنْهُمْ؛ وَلَاْ أَكْسَلَ.
عِبَاْدَ اللهِ، لَقَدْ فُجِعَ الْنَّاسُ بِمَنْظَرٍ، وَمَشْهَدٍ لِأَحَدِ خَوَاْرِجِ الْعَصْرِ، وَهَوَ يَتَقَرَّبُ إِلَىْ اللهِ بِاْلخِيَاْنَةِ وَالْغَدْرِ، مِنْ خِلَالِ الْقَتْلِ، يَتَقَرَّبُ إِلَىْ اللهِ بِمَعْصِيَتِةِ لِرَبِّهِ. لَقَدْ مَكَرَ هَؤُلَاْءِ الْخَوَاْرِجُ الْخَوَنَةُ، وَاِسْتَدْرَجَ هَؤُلَاْءِ الْأَشْرَاْرُ الْفَجَرَةُ، قَرِيْبًا لَهُمْ، عَاْشَ مَعَهُمْ تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ وَاْحِدٍ، وَكَاْنَ جَلِيْسَهُمْ بِالَّلِيْلِ وَالْنَّهَاْرِ، صَلَاْتُهُ - بِشَهَاْدَةِ وَاْلِدِهِمْ- خَيْرٌ مِنْ صَلَاْتِهِمْ، وَلَكِنَّ هَذَاْ لَمْ يَنْفَعْهُ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَشْفَعْ لَهُ لَدِيْهِمْ؛ فَدَعَوْهُ لِنُزْهَةٍ بَرِّيَّةٍ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ بِكُلِّ أَمْنٍ وَأَمَاْنٍ، وَلَكِنَّهُمْ خَوَنَةٌ؛ فَخَاْنُوْهُ، وَخَوَاْرِجٌ ظَلَمَةٌ فَجَرَةٌ؛ فَأَزْهَقُوْا رُوْحَهُ، وَقَتَلُوْهُ، وَلَمْ يَشْفَعْ لَهُ دِيْنُهُ، وَلَاْ قَرَاْبِتُهُ، وَلَاْ الْأَمَاْنَ الَّذِيْ فِيْ رِقَاْبِهِمْ لَهُ، وَلَاْ تَوَسُّلَاتُهُ، وَلَاْ اِسْتِجْدَاْؤُهُ إِيَّاْهُمْ. فَلَا رَحْمَةَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ، وَلَا إِيمَانَ فِي صُدُورِهِمْ. فَلَا إِفْسَادَ بَعْدَ إِفْسَادِهِمْ، وَصَدَقَ اللهِ تَعَاْلَىْ: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ " . أَيَّةُ عُقُوْلٍ تُدِيْرُ هَؤُلَاْءِ؟ وَأَيُّ دِيْنٍ يُؤْمِنُونَ بِهِ؟ وَأَيُّ مَنْهَجٍ يُوَجِّهُهُمْ؟ عَجَبٌ وَاللهِ! كَيْفَ طَاْشَتْ عُقُوْلُهُمْ مَعَ هَذَاْ الْمَنْهَجِ الْضَّاْلِ، وَصَدَّقَتْ نُفُوسُهُمْ هَذَاْ الْمَذْهبَ الْفَاْسِدَ؟ أَمَاْ عَلِمُوْا أَنَّ الْخِيَاْنَةَ خُلُقٌ ذَمِيْمٌ، قَدْ حَذَّرَ اللهُ مِنْهُ؟ فَقَاْلَ سُبْحَاْنَهُ وَتَعَاْلَىْ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ". بَلْ وَاِسْتَعَاْذَ الْنَّبِيُّ(صَلَّىْ اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ الْخِيَاْنَةِ فَقَاْلَ :( وَأَعُوْذُ بِكَ مِنَ الْخِيَاْنَةِ؛ فِإِنَّهَا بَئِسَتْ الِبِطَاْنَةْ). حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاودَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَاِبْنُ مَاجَه. إِيْ وَرَبِّيْ إِنَّهَاْ أَسْوَأُ، وَأَقْبَحُ بِطَاْنَةٍ، لَقَدْ حَذَّرَ الْنَّبِيُّ(صَلَّىْ اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ قَتْلِ الْمُعَاْهَدِ؛ لِأَنَّهُ أُعْطِيَ أَمَانًا، فَقَاْلَ -بِأَبِيْ هَوْ وَأُمِّيْ-: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» أَخْرَجَهُ الْبُخَاْرِيْ فِيْ صَحِيْحِهِ. لَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذِهِ الْعُقُوبَةَ الزَّاجِرَةَ لِمَـنْ غَدَرَ بِمُـعَاهَدٍ لِأَسْبَابٍ؛ مِنْهَا:
أَوَّلًا: حُرْمَةُ دَمِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ مُطْلَقًا.
ثَانِيًا: حُرْمَةُ الْإِخْلَاْلِ بِالْعَهْدِ وَالْمِـيثَاقِ.
ثَالِثًا: حُرْمَةُ خَفْرِ عَهْدِ الْـمُسْلِمِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ فِعْلَةَ هَؤُلَاْءِ الْأَنْذَاْلِ، وَخِيَانَةَ عَهْدِهِمْ؛ لَاْ أَظُنُّ الْتَّاْرِيْخَ عَرَفَ بِالْغَدْرِ مِثْلَهَاْ؛ فَلَقَدْ صَدَرَتْ مِنْ عُقُوْلٍ طَاْئِشَةٍ؛ أَمَاْ سَمِعَ هَؤُلَاْءِ بِقَوْلِهِ(صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَمَّنَ مُؤْمِنًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ "أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَاْدٍ حَسَنٍ.
لَقَدْ غَدَرَ هَؤُلَاْءِ بِقَرِيْبِهِمْ الْمِسْكِيْن، الَّذِيْ صَدَّقَهُمْ، وَخَرَجَ بِأَمْنٍ مَعَهُمْ، وِإِنْ قَاْلَ قَاْئِلٌ: مَنْ قَاْلَ إِنَّهُمْ أَمَّنُوْهُ؟ فَيُقَاْلُ: إِنَّ الْأَمَانَ لِيْسَ بِالْكَلَاْمِ فَقِطْ، بَلْ بِالْفِعْلِ؛ فَحِيْنَمَاْ تَدْعُوْ إِنْسَاْنًا إِلَىْ دَاْرِكَ فَقَدْ أَمَّنْتَهُ، وَحِيْنَمَا تُسَاْفِرُ أَوْ تَتَنَزَّهُ مَعَهُ؛ فَقَدْ أَمَّنْتَهُ، وَلَوْ كَاْنَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاْوَةٌ سَاْبِقَةٌ، فَكَيِفَ بِمَنْ لَاْ عَدَاْوَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَلَاْ خُصُوْمَةَ لَهُ مَعَهُمْ؟! هَذَا غَدْرُ وَلَاْ غَدْرَ بَعْدَهُ. أَمَا عَلِمَ هَؤُلَاءِ عَاقِبَةَ الْغَدْرِ يَوْمَ يَقِفُونَ بَيْـنَ يَدَيِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) ؟! قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ". أخرجهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):" مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدْ بِإِسْنَاْدٍ صَحِيْحٍ. فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ.
عِبَادَ اللهِ، الْغَدْرُ مُحَرَّمٌ حَتَّىْ مَعَ الْكُفَّاْرِ بِإِجْمَاْعِ الْأُمَّةِ، قَاْلَ اِبْنُ عَبْدِ الْبِرِّ:( إِذَا كَاْنَ دَمُ الْحَرْبِيِّ الْكَاْفِرِ يُحَرَّمُ بِالْأَمَاْنِ، فَمَاْ ظَنُّكَ بِالْمُسْلِمِ الَّذِيْ يُصْبِحُ وَيُمْسِيْ فِيْ ذِمَّةِ اللهِ؟! وَالْغَدْرُ أَنْ يُؤْمِّنَ ثُمَّ يَقْتُلَ، وَهَذَاْ حَرَاْمٌ بِالْإِجْمَاْعِ، وَالْغَدْرُ وَالْقَتْلُ سَوَاْءٌ، لِقُوْلِهِ(صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ». أَخْرَجَهُ أَبُوْ دَاْوُدْ فِيْ سُنَنِهِ بِإِسْنَاْدٍ صَحِيْحٍ.
وَقَاْلَ اِبْنُ عَبَّاْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَاْ َخَتَر قُوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّاْ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ).
أَخْلِقْ بِمَنْ رَضِيَ الْخِيَاْنَةَ شِيْمَةً أَلَّاْ يُرَىْ إِلَاْ صَرِيْعَ حَوَاْدِثِ
مـَاْزَاْلَتْ الْأَرْزَاْءُ تُـلْحِقُ بُؤْسَهَاْ أَبَـدًا بِغَـاْدِرِ ذِمَّـٍة أَوْ نَاْكِثِ
عَجِيْبٌ أَمْرُ هَؤُلَاْءِ الْضُّلَّاْلِ! كَيْفَ غُزِيَتْ عُقُوْلُهُمْ، وَعُبِثَ بِأَفْكَاْرِهِمْ؟ فَأَصْبَحُوْا يَرَوْنَ الْمُنْكَرَ مَعْرُوْفًا؛ وَالْمَعْرُوْفَ مُنْكَرًا، حَتَّىْ عَاْدَوْا الْوُلَاْةَ وَالْعُلَمَاْءَ، وَالْدُّعَاْةَ، وَالْمُجْتَمَعَ بِأَسْرِهِ.
لَقَدْ اِنْطَلَقَ هَؤُلَاْءِ الْأَشْرَاْرُ-كَمَاْ قَاْلَ اِبْنُ عُمَرَ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) -«إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ». أَخْرَجَهُ الْبُخَاْرِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ.
فَتَسْمَعُ مِنْ هَؤُلَاْءِ الْضُّلَّاْلِ الْاِسْتِشْهَاْدَ بِالْنُّصُوْصِ، وَهُمْ مِنْ َأْجَهَلِ الْنَّاْسِ بِالْنُّصُوْصِ؛ حَتَّىْ أَخْرَجُوْا الْمُؤْمِنِيْنَ مِنْ دِيْنِ اللهِ أَفْوَاْجًا؛ فَلَمْ يِبْقَ عِنْدَهُمْ مُؤْمِنٌ إِلَّا مَنْ اِلْتَحَقَ بِالْـجِبَاْلِ، أَوْ عَاْشَ فِيْ الْأَدْغَاْلِ.
عِبَاْدَ اللهِ: إِنَّ مِنْ هَؤُلَاْءِ الْجُّهَّاْلِ عُبَّاْدًا، وَلَكِنَّ عِبَاْدَتَـهُمْ عَلَىْ جَهْلٍ؛ تَضُرُّ وَلَاْ تَنْفَعُ، فَالْعِبَاْدَةُ عَلَىْ جَهْلٍ دَاْءٌ عُضَاْلٌ، وَصَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ(صَلَّىْ اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ) إِذْ يَقُوْلُ لِأَصْحَابِهِ:" دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" رَوَاْهُ الْبُخَاْرِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ. وَإِذَاْ كَاْنَ مِنْ سِمَاْتِ الْخَوَاْرِجِ الْأُوَلِ الْعِبَاْدَةُ الَّتِيْ لَمْ تَنْفَعْهُمْ، فَإِّنَ مِنْ سِمَاْتِ غَاْلِبِ خَوَاْرِجِ الْعَصْرِ-وَمَاْ أَكْثَرَهُمْ، لَاْ كَثَّرَهُمْ اللهُ-ضَعْفُ عِبَاْدَتِهِمْ، فَلَاْ يَعْرِفُوْنَ – فِيْ الْغَاْلِبِ- جـُمَـعًا وَلَاْ جَمَاْعَاْتٍ، بَلْ هُمْ فِيْ الْعِبَاْدَةِ أَهْلُ عَجْزٍ، وَكَسَلٍ، وَرَاْحَةٍ، وَدَعَةٍ، وَيَأْسٍ مِنَ الْحَيَاْةِ، الَّتِيْ يَأِسُوْا مِنْهَا؛ فَهَرَبُوْا لِقَتْلِ غَيْرِهِمْ، وَتَفْجِيْرِ أَنْفُسِهِمْ، رَاْفِعِيْنَ شِعَاْرَ الْرَّوَاْحِ إِلَىْ الْجَّنَّةِ؛ حَتَّىْ صَدَّقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَّنَّةِ؛ إِلَّاْ إِزْهَاْقُ رُوْحِ قَرِيْبِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رِجَاْلِ الْأَمْنِ، فَتَقَرَّبُوْا إِلَىْ اللهِ بِإِزْهَاْقِ أَرْوَاْحٍ بَرِيْئَةٍ، وَأَنْفُسٍ زكَيَّةٍ؛ كَمَاْ تَقَرَّبَ أَسْلَاْفُهُمْ إِلَىْ اللهِ بِإِزْهَاْقِ رُوْحَيِّ خَلِيْفَتَيْنِ رَاْشِدَيْنِ: عُثْمَاْنَ، وَعَلِّيٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
إِنَّ هَؤُلْاَءِ حُدَثَاْءَ الْأَسْنَاْنِ، سُفَهَاْءَ الْأَحْلَاْمِ قَدْ ظَنُّوْا بِأَنْفُسِهِمْ الْكَمَاْلَ فِيْ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، فَسَفَّهُوْا الْعُلَمَاْءَ، وَجَهَّلُوْهُمْ، وَأَنْكَرُوْا عَلَيْهِمْ مَاْ هُمْ عَلَيْهِ مِنْ صَوَاْبٍ، وَلَاْ عَجَبَ فَأَسْلَاْفُهَمْ؛ خَوَّنُوْا رَسُوْلَ اللهِ(صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَاِتَّهَمُوْهُ بِالْـجَوْرِ، حَتَّىْ قَاْلَ الْنَّبِيُّ (صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لـهم: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي». أَخْرَجَهُ الْبُخَاْرِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ.
لَقَدْ خَوَّنُوْا الْحُكَّاْمَ، وَالْعُلَمَاْءَ، وَالُجنْدَ، وَعَاْمَةَ الْمُجْتَمَعِ، لَقَدْ أَبَاْحُوْا دِمَاْءَ رِجَاْلِ الْأَمْنِ الْسُّعُوْدِيِّيْنَ، وَقَاْتَلُوْا ضِدَّهُمُ مَعَ الْحُوْثِيِّيْنَ فِيْ الْيَمَنِ، وَتَرَكُوْا الْحُوْثِيِّيْنَ يَعِيْثُوْنَ فِيْهَاْ فَسَاْدًا، وَهَذَاْ يُؤَّكِدُ جَهْلَهُمْ وَعَمَاْلَتَهُمْ.
اللَّهُمَّ اُسْتُرْ عَوَرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاِهْدِ ضَالَّنَا.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ..
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَاْدَ اللهِ، إِنَّ غَاْلِبَ ضَحَاْيَاْ هَذِهِ الْفِئَةِ الْبَاْغِيَةِ، وَالْفِرْقَةِ الْمَاْكِرَةِ، وَالْخَوَاْرِجِ الْمَاْرِقَةِ، هُمْ مِنَ فِئَةِ الشَّبَابِ، يَغْزُوْنَهُمْ بِأَفْكَاْرِهِمْ، وَيَبُثُّونَ فِي عُقُولِهِمْ شُبُهَاْتٍ هِيَ – وَرَبِّيْ - أَوْهَىْ مِنْ بَيْتِ الْعَنْكَبُوْتِ، لَاْ تَنْطَلِيْ عَلَىْ مَنْ كَاْنَ لَهُ قَلْبٌ، أَوْ دِيْنٌ وَمُرُوْءَةٌ، أَوْ أَخْلَاْقٌ وَشَهَاْمَةٌ، أَوْ عِلْمٌ صَحِيْحٌ وَإِنَّ قَلَّ.
لَقَدْ اِسْتَغَلَ قَاْدَةُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ الْمَاْرِقَةِ وَسَاْئِلَ الْتَّقَانَةِ الْحَدِيْثَةِ، وَالْهَوَاْتِفَ الْذَّكِيَّةَ، وَالْاِتِّصَاْلَاْتِ الْمُتَعَدِّدَةَ، وَالَّتِيْ هِيَ بِحَوْزَةِ الْصِّغَاْرِ وَالْكِبَاْرِ، حَتَّىْ أَصْبَحُوْا عَلَيْهَاْ عَاْكِفِيْنَ، وَمَنِ مَنَاْبِعِهَاْ مُسْتَلْهِمِيْنَ، فَيَمْكُثُوْنَ أَمَاْمَهَاْ الْسَّاْعَاْتِ الْطِّوَاْلَ، فَيَغْزُونَهُمْ مِنْ خِلَاْلِـهَا، وَهُنَاْ يَجِبُ أَنْ نَكُوْنَ صُرَحَاْءَ مَعَ أَنْفُسِنَاْ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَاْ الْـمُكْثَ الطَّوِيلَ مُلْفِتًا لِلْآبَاْءِ وَالْأُمَّهَاْتِ؛ إِذَاْ أَرَاْدُوْا حِمَاْيَةَ أَوْلَاْدِهِمْ مِنَ الْفِتَنِ، فَعَلِيْهِمْ مَعْرِفَةَ مَاْذَاْ يُتَاْبِعُوْنَ، وَمَعَ مَنْ يَتَوَاصَلُونَ، وَمَنْ هُمْ الْـمُلْهِمُونَ وَالْمُوَجِّهُوْنَ لَـهُمْ؛ فَإِذَاْ كَاْنَ عُمْرَ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) يُفَتِّشَ عَلَىْ الْوُلَاْةِ -مَعْ صُحْبَتِهِمْ وَفَضْلِهِمْ- لِعِلَاْجِ الْخَلَلِ إِذَاْ حَدَثَ، فَعَلَيْنَاْ مِنْ بَاْبِ أَوْلَىْ أَنْ نُرَاْقِبَ أَبْنَاْئَنَا وَبَنَاْتِنَا؛ أَنَسْتَحِيْ أَنْ نُفَتِّشَ عَلَىْ الْأَبْنَاْءِ وَالْبَنَاْتِ بِمَاْ فِيْ صَاْلِحِهْم مِنْ غَيْرِ تَخْوِيْنٍ لَهُمْ؟! سُبْحَانَ اللهِ! مَا هَذِهِ الْعَاطِفَةُ الْبَارِدَةُ؟! إِنَّ عَلَيْنَاْ أَنْ نَعْرِفَ أَقْوَىْ الْشُّبَهِ، الَّتِيْ يَبُثُّوْنَهَاْ فَنُنَاْقِشُهَاْ مَعَهُمْ، كَذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ مِنْ وَسَاْئِلِ هَذِهِ الْفِرَقِ الْضَّاْلِةِ الْاِبْتِزَاْزَ، فَقَدْ يُمْسِكُوْنَ عَلَىْ بَعْضِ الْنَّاْشِئَةِ أُمُوْرًا تَتَعَلَّقُ بِدِيْنِهِمْ وَأَخْلَاْقِهِمْ، فَيُهَدِّدُوْنَهُمْ بِفَضْحِهِمْ؛ إِنْ لَمْ يَنْصَاْعُوْا لَهُمْ، وَيَسِيْرُوْا عَلَىْ نَهْجِهِمْ، وَيَكُوْنُوْنَ طَوْعَهُمْ، هَذَا وَرَبِّي اِبْتِزَاْزٌ لَاْ اِبْتِزَاْزَ مِثْلَهُ، وَلُوْ عَلِمَ الْشَّاْبُّ أَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَتِيْنِ بِأَخَفِّهِمَا خَيْرٌ لَهُ لِمَاْ اِنْصَاْعَ لَهُمْ، كَذَلِكَ عَلَىْ كُلِّ شَاْبٍّ وَشَاْبَّةٍ أَنْ يِتَجَنَّبُوْا مِنْ أَصْحَاْبِهِهِمْ مَنْ تَلَوَّثُوْا بِهَذِهِ الْأَفْكَاْرِ، وَلَاْ يَتَرَدَّدُوْا فِي اِلْإِبْلَاْغِ عَنْهُمْ، إِذَاْ لَمْ يَنْتَصِحُوْا لِأُمُوْرٍ:
أَوَّلًا: إِنَّ مِنْ مَصْلَحَةِ مَنْ اِبْتُلِيَ بِهَذِهِ الْأَفْكَاْرِ أَنْ يُنْقَذَ، وَيُخَلَّصَ مِنْهَاْ، حَتَّىْ يَحْمُوْهُ مِنْ أَنْ تَتَلُوَّثَ يَدُهُ بِدِمَاْءٍ طَاْهِرَةٍ زَكِيَّةٍ، وَلِسَاْنُهُ بِأَفْكَاْرٍ مَاْرِقَةٍ خَبِيْثَةٍ.
ثَاْنِيًّا: حِمَاْيَةً لِلْمُجْتَمَعِ مِنْ أَنْ يَتَأَثَّرَ أَبْنَاْؤُهُ بِهَذَاْ الْفِكْرِ الْضَّاْلِّ، وَيُحْمَىْ مِنْ آثَاْرِهِمْ الْسَّيِّئَةِ.
ثَاْلِثًا: إِنَّ هَذَاْ مِنْ بَاْبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوْفِ وَالْنَّهِّيْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْمُسْتَفِيْدُ مِنْ هَذَا الْإِنْكَاْرِ وَالْإِبْلَاْغِ إِذَاْ لَمْ يَنْتَصَحْ جَمِيْعَ الْأَطْرَاْفِ، وَيَظَلُّ الْمُسْتَفِيْدُ الْأَوْلَ الْمُنْكَرُ عَلَيْهِ:
1- حَيْثُ كُفَّتْ يَدُهُ عَنْ الْوُلُوْغِ فِيْ دِمَاْءِ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُعَاْهَدِيْنَ، وَكُفَّ لِسَاْنَهُ عَنْ نَشْرِ شُبْهِهِ بَيْنَ الْعَاْلَمْيِنَ.
2- وَكَذَلِكَ يَسْتَفِيْدُ الْمُبَلِّغُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْمَعْرُوْفِ، وَنَهَىْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَكَذَلِكَ لَاْ يَكُوْنُ شَرِيْكًا فِيْ الْجَّرِيْمَةِ، فَالْرَّاْضِيْ كَاْلفَاْعِلِ، وَالْسَّاْكِتُ عَنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَاْنِ مُتَعَاْوِنٌ مَعَهُ عَلَى الْبَاْطِلِ.
3- كَذَلِكَ يَسْتَفِيْدُ الْـمُجْتَمَـعُ بِوَأْدِ هَذَاْ الْشَّرِّ قَبْلَ اِسْتِفْحَاْلِهِ، وَدَرْءِ شَرِّ هَذَاْ الْمَاْرِقِ قَبْلَ وُلُوْغِهِ فِي الدِّمَاءِ الْـمَعْصُومَةِ.
4-يَسْتَفِيْدُ أَهْلُ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ، قَبَلَ أَنْ يُفْنِيْهِمْ وَاْحِدًا تِلْوَ الْأَخَرِ، وَيَجْلِبَ لَهُمْ الْعَاْرَ وَالشَّنَارَ، فَسِجْنُهُ، وَتَوْجِيْهُهُ، وَنُصْحُهُ، وَعَوْدَتُهُ صَاْلِحًا رَاْشِدًا؛ خَيُرٌ لَهُمْ وَلَهُ، مِنْ فِتَنٍ يَتَبِنَّاهَاْ، وَدِمَاْءٍ يُزْهِقُهَا، وَفَضَاْئِحَ يَجْلِبُهَا لَهُمْ.
اللَّهُمَّ اِحْمِنَاْ وَشَبَابَنَا وَفَتَيَاْتِنَا مِنْ الْفِتَنِ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ,وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا .
أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَاْدَ اللهِ، لَقَدْ طَاْلَ لَيْلُ خَوَاِرْجِ هَذَاْ الْعَصْرِ، وَاِزْدَاْدَ شَرُّهُمْ، وَتَأَذَّىْ الْنَّاْسُ مِنْ مَكْرِهِمْ، وخِدَاْعِهِمْ؛ فَهُمْ أَهْلُ الْغَدْرِ، وَالْخِيَاْنَةِ، وَاللُّؤْمِ؛ لَاْ يَأْمَنُهُمْ أَبٌ، وَلَاْ أُمٌّ، وَلَا قَرِيبٌ، وِلَا بَعِيدٌ، وَمَاْ أَنْ فُجِعَ الْنَّاْسُ بِقَاْتِلِ خَاْلِهِ فِي أَيَّاْمِ عِيْدِ الْفِطْرِ الْمُبَاْرَكِ، وَظَنُّوْا أَنَّ اِغْتِرَاْرَ بَعْضِ الْنَّاْشِئةِ بِهِمْ قَدْ زَاْلَ؛ إِلَّاْ وَفُجِعَ الْنَّاْسُ فِي أَيَّاْمِ عِيْدِ الْأَضْحَىْ الْمُبَاْرَكِ بِفَاْجِعَةٍ، لَاْ تَقِلُّ عَنْ تِلْكَ الْفَاْجِعَةِ؛ أَلَا وَهِيَ فَاجِعَةُ قَاتِلِ اِبْنِ عَمِّهِ، وَصَدِيقِ عُمْرِهِ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):" إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْـهـَرْجَ ". قِيلَ: وَمَا الْـهَرْجُ؟ قَالَ: "الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ ". قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ؟! قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ ". قَالُوا: سُبْحَانَ اللهِ ومَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قَالَ: " لَا. إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكُم الزَّمَانِ حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَأَصْبَحَ لِسَانُ حَالِ الْمُـجْتَمَعِ بَعْدَ هَذِهِ الْـحَادِثَةِ يَقُولُ:
مِحْنَةٌ وَدَّعَتْ وَأُخْرَىْ أَغَاْرَتْ دُكَّ مِنْ هَوْلِهَاْ الْبِنَاْءُ الْمُشِيْدُ
نَعَمْ وَرَبِّيْ إَنَّ هَؤُلَاْءِ الْأَشْرَاْرَ لَاْ يُؤْمَنُ مَكْرُهُمْ، وَلَاْ يُوْثَقُ بِهِمْ، يَخْرُجُوْنَ أَمَامَ النَّاسِ فَجْأَةً، وَيَتَغَيَّرُوْنَ فِيْ لَحْظَةٍ، جُبَنَاْءَ يُخْفُوْنَ مَاْ لَاْ يُظْهِرُوْنَ، يُظْهِرُوْنَ الْمُسَاْلَمَةَ وَالْمُـوَادَعَةَ، وَهُمْ مِنَ شَرِّ مَنْ مَشَىْ عَلَىْ الْأَرْضِ وَدَرَجَ، فَلَاْ تَجِدُ مُسْلِمًا إِلَّا وَهَوُ مُسْتَهْدَفٌ مِنْ قِبَلِهِمْ، مُصْطَلٍ بِنَاْرِهِمْ، مُتَوَعَّدٌ بِشَرِّهِمْ، بِاِسْتَثْنَاْءِ حِزْبِهِمْ وَجَمَاْعَتِهِمْ، سَلِمَ مِنْهُمْ الْيَهُوْدُ، وَالْنَّصَاْرَىْ، وَجَمِيْعُ أَهْلِ الْكُفَرِ؛ مِنْ عُبَّاْدِ الْأَشْجَاْرِ، وَالْأَحْجَاْرِ، وَالْأَوْثَاْنِ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ آبَاْءٌ، وَلَاْ أُمَّهَاْتٌ، وَلَاْ أَعْمَاْمٌ، وَلَاْ أَخْوَاْلٌ، وَلَاْ أَصْدِقَاْءٌ وَلَاْ أَصْحَاْبٌ. لَمْ أَرَ مَسْأَلَةً مِنْ مَسَاْئِلِ هَذَاْ الْعَصْرِ؛ اِجْتَمَعَتْ فِيْهَاْ كَلِمَةُ الْعُلَمَاْءِ، وَالْدُّعَاْةِ، مِنْ مُخْتَلَفِ الْمَشَاْرِبِ؛ وَالْمَذَاْهِبِ، كَاِجْتِمَاْعِهِمْ عَلَىْ تَضْلِيْلِ هَؤُلَاْءِ الْجَّمَاْعَاْتِ الْخَاْرِجَةِ. وَالْعَجَبُ الْعُجَاْبُ؛ أَنَّ خَوَاْرِجَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ -مَعَ شَرِّهِمْ، وَضَلَاْلِهِمْ-كَاْنُواْ أَهْلَ عِبَاْدَةٍ وَطَاْعَةٍ، أَمَّاْ خَوَاْرِجُ هَذَاْ الْعَصْرِ، فَهُمْ مِنْ أَضْعَفِ الْنَّاْسِ فِيْ الْعِبَاْدَةِ، وَأَقْبَحِهِمْ مَنْهَجًا، وَأَسْوَئِهِمْ سُلُوْكًا، وَأَخْلَاقًا؛ فَإِنَّ تَحَدَّثْتَ عَنْ الْعُقُوْقِ، فَلَنْ تَجْدَ نَمَاْذِجَ يُضْرَبُ بِهَاْ الْمَثَلُ فِيْ الْعُقُوْقِ كَنَمَاْذِجِهِمْ، وَمَنْ سَـمِعَ كَلَامَ الْأَبِ الْمَكْلُومِ، الَّذِي قَتَلَ اِبْنَاهُ اِبْنَ عَمِّهِمَا، وَكَيْفَ أَعْلَنَ أَنَّ حَيَاتَهَ اِنْتَهَتْ، وَأَنَّهُ تَـحَطَّمُ، بَلْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ بِـجَهَنَّمَ، وَلَا يَصِلُ أَبٌ لِـهَذَا الْـحَالِ؛ إِلَّا ِإذَا بَلَغَ الْعُقُوقُ غَايَتَهُ وَمُنْتَهَاهُ،وَإِنْ تَحَدَّثْتَ عَنْ الْظُّلْمِ، فَقَدْ نَاْلُوْاْ مِنْهُ أَوْفَرَ الْحَظِّ وَالْنَّصِيْبِ، وَإِنْ تَحَدَّثْتَ عَنِ الْعِبَاْدَةِ، فَلَنْ تَجِدَ أَعْجَزَ مِنْهُمْ؛ وَلَاْ أَكْسَلَ.
عِبَاْدَ اللهِ، لَقَدْ فُجِعَ الْنَّاسُ بِمَنْظَرٍ، وَمَشْهَدٍ لِأَحَدِ خَوَاْرِجِ الْعَصْرِ، وَهَوَ يَتَقَرَّبُ إِلَىْ اللهِ بِاْلخِيَاْنَةِ وَالْغَدْرِ، مِنْ خِلَالِ الْقَتْلِ، يَتَقَرَّبُ إِلَىْ اللهِ بِمَعْصِيَتِةِ لِرَبِّهِ. لَقَدْ مَكَرَ هَؤُلَاْءِ الْخَوَاْرِجُ الْخَوَنَةُ، وَاِسْتَدْرَجَ هَؤُلَاْءِ الْأَشْرَاْرُ الْفَجَرَةُ، قَرِيْبًا لَهُمْ، عَاْشَ مَعَهُمْ تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ وَاْحِدٍ، وَكَاْنَ جَلِيْسَهُمْ بِالَّلِيْلِ وَالْنَّهَاْرِ، صَلَاْتُهُ - بِشَهَاْدَةِ وَاْلِدِهِمْ- خَيْرٌ مِنْ صَلَاْتِهِمْ، وَلَكِنَّ هَذَاْ لَمْ يَنْفَعْهُ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَشْفَعْ لَهُ لَدِيْهِمْ؛ فَدَعَوْهُ لِنُزْهَةٍ بَرِّيَّةٍ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ بِكُلِّ أَمْنٍ وَأَمَاْنٍ، وَلَكِنَّهُمْ خَوَنَةٌ؛ فَخَاْنُوْهُ، وَخَوَاْرِجٌ ظَلَمَةٌ فَجَرَةٌ؛ فَأَزْهَقُوْا رُوْحَهُ، وَقَتَلُوْهُ، وَلَمْ يَشْفَعْ لَهُ دِيْنُهُ، وَلَاْ قَرَاْبِتُهُ، وَلَاْ الْأَمَاْنَ الَّذِيْ فِيْ رِقَاْبِهِمْ لَهُ، وَلَاْ تَوَسُّلَاتُهُ، وَلَاْ اِسْتِجْدَاْؤُهُ إِيَّاْهُمْ. فَلَا رَحْمَةَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ، وَلَا إِيمَانَ فِي صُدُورِهِمْ. فَلَا إِفْسَادَ بَعْدَ إِفْسَادِهِمْ، وَصَدَقَ اللهِ تَعَاْلَىْ: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ " . أَيَّةُ عُقُوْلٍ تُدِيْرُ هَؤُلَاْءِ؟ وَأَيُّ دِيْنٍ يُؤْمِنُونَ بِهِ؟ وَأَيُّ مَنْهَجٍ يُوَجِّهُهُمْ؟ عَجَبٌ وَاللهِ! كَيْفَ طَاْشَتْ عُقُوْلُهُمْ مَعَ هَذَاْ الْمَنْهَجِ الْضَّاْلِ، وَصَدَّقَتْ نُفُوسُهُمْ هَذَاْ الْمَذْهبَ الْفَاْسِدَ؟ أَمَاْ عَلِمُوْا أَنَّ الْخِيَاْنَةَ خُلُقٌ ذَمِيْمٌ، قَدْ حَذَّرَ اللهُ مِنْهُ؟ فَقَاْلَ سُبْحَاْنَهُ وَتَعَاْلَىْ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ". بَلْ وَاِسْتَعَاْذَ الْنَّبِيُّ(صَلَّىْ اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ الْخِيَاْنَةِ فَقَاْلَ :( وَأَعُوْذُ بِكَ مِنَ الْخِيَاْنَةِ؛ فِإِنَّهَا بَئِسَتْ الِبِطَاْنَةْ). حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاودَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَاِبْنُ مَاجَه. إِيْ وَرَبِّيْ إِنَّهَاْ أَسْوَأُ، وَأَقْبَحُ بِطَاْنَةٍ، لَقَدْ حَذَّرَ الْنَّبِيُّ(صَلَّىْ اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ قَتْلِ الْمُعَاْهَدِ؛ لِأَنَّهُ أُعْطِيَ أَمَانًا، فَقَاْلَ -بِأَبِيْ هَوْ وَأُمِّيْ-: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» أَخْرَجَهُ الْبُخَاْرِيْ فِيْ صَحِيْحِهِ. لَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذِهِ الْعُقُوبَةَ الزَّاجِرَةَ لِمَـنْ غَدَرَ بِمُـعَاهَدٍ لِأَسْبَابٍ؛ مِنْهَا:
أَوَّلًا: حُرْمَةُ دَمِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ مُطْلَقًا.
ثَانِيًا: حُرْمَةُ الْإِخْلَاْلِ بِالْعَهْدِ وَالْمِـيثَاقِ.
ثَالِثًا: حُرْمَةُ خَفْرِ عَهْدِ الْـمُسْلِمِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ فِعْلَةَ هَؤُلَاْءِ الْأَنْذَاْلِ، وَخِيَانَةَ عَهْدِهِمْ؛ لَاْ أَظُنُّ الْتَّاْرِيْخَ عَرَفَ بِالْغَدْرِ مِثْلَهَاْ؛ فَلَقَدْ صَدَرَتْ مِنْ عُقُوْلٍ طَاْئِشَةٍ؛ أَمَاْ سَمِعَ هَؤُلَاْءِ بِقَوْلِهِ(صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَمَّنَ مُؤْمِنًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ "أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَاْدٍ حَسَنٍ.
لَقَدْ غَدَرَ هَؤُلَاْءِ بِقَرِيْبِهِمْ الْمِسْكِيْن، الَّذِيْ صَدَّقَهُمْ، وَخَرَجَ بِأَمْنٍ مَعَهُمْ، وِإِنْ قَاْلَ قَاْئِلٌ: مَنْ قَاْلَ إِنَّهُمْ أَمَّنُوْهُ؟ فَيُقَاْلُ: إِنَّ الْأَمَانَ لِيْسَ بِالْكَلَاْمِ فَقِطْ، بَلْ بِالْفِعْلِ؛ فَحِيْنَمَاْ تَدْعُوْ إِنْسَاْنًا إِلَىْ دَاْرِكَ فَقَدْ أَمَّنْتَهُ، وَحِيْنَمَا تُسَاْفِرُ أَوْ تَتَنَزَّهُ مَعَهُ؛ فَقَدْ أَمَّنْتَهُ، وَلَوْ كَاْنَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاْوَةٌ سَاْبِقَةٌ، فَكَيِفَ بِمَنْ لَاْ عَدَاْوَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَلَاْ خُصُوْمَةَ لَهُ مَعَهُمْ؟! هَذَا غَدْرُ وَلَاْ غَدْرَ بَعْدَهُ. أَمَا عَلِمَ هَؤُلَاءِ عَاقِبَةَ الْغَدْرِ يَوْمَ يَقِفُونَ بَيْـنَ يَدَيِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) ؟! قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ". أخرجهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):" مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدْ بِإِسْنَاْدٍ صَحِيْحٍ. فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ.
عِبَادَ اللهِ، الْغَدْرُ مُحَرَّمٌ حَتَّىْ مَعَ الْكُفَّاْرِ بِإِجْمَاْعِ الْأُمَّةِ، قَاْلَ اِبْنُ عَبْدِ الْبِرِّ:( إِذَا كَاْنَ دَمُ الْحَرْبِيِّ الْكَاْفِرِ يُحَرَّمُ بِالْأَمَاْنِ، فَمَاْ ظَنُّكَ بِالْمُسْلِمِ الَّذِيْ يُصْبِحُ وَيُمْسِيْ فِيْ ذِمَّةِ اللهِ؟! وَالْغَدْرُ أَنْ يُؤْمِّنَ ثُمَّ يَقْتُلَ، وَهَذَاْ حَرَاْمٌ بِالْإِجْمَاْعِ، وَالْغَدْرُ وَالْقَتْلُ سَوَاْءٌ، لِقُوْلِهِ(صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ». أَخْرَجَهُ أَبُوْ دَاْوُدْ فِيْ سُنَنِهِ بِإِسْنَاْدٍ صَحِيْحٍ.
وَقَاْلَ اِبْنُ عَبَّاْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَاْ َخَتَر قُوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّاْ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ).
أَخْلِقْ بِمَنْ رَضِيَ الْخِيَاْنَةَ شِيْمَةً أَلَّاْ يُرَىْ إِلَاْ صَرِيْعَ حَوَاْدِثِ
مـَاْزَاْلَتْ الْأَرْزَاْءُ تُـلْحِقُ بُؤْسَهَاْ أَبَـدًا بِغَـاْدِرِ ذِمَّـٍة أَوْ نَاْكِثِ
عَجِيْبٌ أَمْرُ هَؤُلَاْءِ الْضُّلَّاْلِ! كَيْفَ غُزِيَتْ عُقُوْلُهُمْ، وَعُبِثَ بِأَفْكَاْرِهِمْ؟ فَأَصْبَحُوْا يَرَوْنَ الْمُنْكَرَ مَعْرُوْفًا؛ وَالْمَعْرُوْفَ مُنْكَرًا، حَتَّىْ عَاْدَوْا الْوُلَاْةَ وَالْعُلَمَاْءَ، وَالْدُّعَاْةَ، وَالْمُجْتَمَعَ بِأَسْرِهِ.
لَقَدْ اِنْطَلَقَ هَؤُلَاْءِ الْأَشْرَاْرُ-كَمَاْ قَاْلَ اِبْنُ عُمَرَ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) -«إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ». أَخْرَجَهُ الْبُخَاْرِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ.
فَتَسْمَعُ مِنْ هَؤُلَاْءِ الْضُّلَّاْلِ الْاِسْتِشْهَاْدَ بِالْنُّصُوْصِ، وَهُمْ مِنْ َأْجَهَلِ الْنَّاْسِ بِالْنُّصُوْصِ؛ حَتَّىْ أَخْرَجُوْا الْمُؤْمِنِيْنَ مِنْ دِيْنِ اللهِ أَفْوَاْجًا؛ فَلَمْ يِبْقَ عِنْدَهُمْ مُؤْمِنٌ إِلَّا مَنْ اِلْتَحَقَ بِالْـجِبَاْلِ، أَوْ عَاْشَ فِيْ الْأَدْغَاْلِ.
عِبَاْدَ اللهِ: إِنَّ مِنْ هَؤُلَاْءِ الْجُّهَّاْلِ عُبَّاْدًا، وَلَكِنَّ عِبَاْدَتَـهُمْ عَلَىْ جَهْلٍ؛ تَضُرُّ وَلَاْ تَنْفَعُ، فَالْعِبَاْدَةُ عَلَىْ جَهْلٍ دَاْءٌ عُضَاْلٌ، وَصَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ(صَلَّىْ اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ) إِذْ يَقُوْلُ لِأَصْحَابِهِ:" دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" رَوَاْهُ الْبُخَاْرِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ. وَإِذَاْ كَاْنَ مِنْ سِمَاْتِ الْخَوَاْرِجِ الْأُوَلِ الْعِبَاْدَةُ الَّتِيْ لَمْ تَنْفَعْهُمْ، فَإِّنَ مِنْ سِمَاْتِ غَاْلِبِ خَوَاْرِجِ الْعَصْرِ-وَمَاْ أَكْثَرَهُمْ، لَاْ كَثَّرَهُمْ اللهُ-ضَعْفُ عِبَاْدَتِهِمْ، فَلَاْ يَعْرِفُوْنَ – فِيْ الْغَاْلِبِ- جـُمَـعًا وَلَاْ جَمَاْعَاْتٍ، بَلْ هُمْ فِيْ الْعِبَاْدَةِ أَهْلُ عَجْزٍ، وَكَسَلٍ، وَرَاْحَةٍ، وَدَعَةٍ، وَيَأْسٍ مِنَ الْحَيَاْةِ، الَّتِيْ يَأِسُوْا مِنْهَا؛ فَهَرَبُوْا لِقَتْلِ غَيْرِهِمْ، وَتَفْجِيْرِ أَنْفُسِهِمْ، رَاْفِعِيْنَ شِعَاْرَ الْرَّوَاْحِ إِلَىْ الْجَّنَّةِ؛ حَتَّىْ صَدَّقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَّنَّةِ؛ إِلَّاْ إِزْهَاْقُ رُوْحِ قَرِيْبِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رِجَاْلِ الْأَمْنِ، فَتَقَرَّبُوْا إِلَىْ اللهِ بِإِزْهَاْقِ أَرْوَاْحٍ بَرِيْئَةٍ، وَأَنْفُسٍ زكَيَّةٍ؛ كَمَاْ تَقَرَّبَ أَسْلَاْفُهُمْ إِلَىْ اللهِ بِإِزْهَاْقِ رُوْحَيِّ خَلِيْفَتَيْنِ رَاْشِدَيْنِ: عُثْمَاْنَ، وَعَلِّيٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
إِنَّ هَؤُلْاَءِ حُدَثَاْءَ الْأَسْنَاْنِ، سُفَهَاْءَ الْأَحْلَاْمِ قَدْ ظَنُّوْا بِأَنْفُسِهِمْ الْكَمَاْلَ فِيْ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، فَسَفَّهُوْا الْعُلَمَاْءَ، وَجَهَّلُوْهُمْ، وَأَنْكَرُوْا عَلَيْهِمْ مَاْ هُمْ عَلَيْهِ مِنْ صَوَاْبٍ، وَلَاْ عَجَبَ فَأَسْلَاْفُهَمْ؛ خَوَّنُوْا رَسُوْلَ اللهِ(صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَاِتَّهَمُوْهُ بِالْـجَوْرِ، حَتَّىْ قَاْلَ الْنَّبِيُّ (صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لـهم: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي». أَخْرَجَهُ الْبُخَاْرِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ.
لَقَدْ خَوَّنُوْا الْحُكَّاْمَ، وَالْعُلَمَاْءَ، وَالُجنْدَ، وَعَاْمَةَ الْمُجْتَمَعِ، لَقَدْ أَبَاْحُوْا دِمَاْءَ رِجَاْلِ الْأَمْنِ الْسُّعُوْدِيِّيْنَ، وَقَاْتَلُوْا ضِدَّهُمُ مَعَ الْحُوْثِيِّيْنَ فِيْ الْيَمَنِ، وَتَرَكُوْا الْحُوْثِيِّيْنَ يَعِيْثُوْنَ فِيْهَاْ فَسَاْدًا، وَهَذَاْ يُؤَّكِدُ جَهْلَهُمْ وَعَمَاْلَتَهُمْ.
اللَّهُمَّ اُسْتُرْ عَوَرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاِهْدِ ضَالَّنَا.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ..
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَاْدَ اللهِ، إِنَّ غَاْلِبَ ضَحَاْيَاْ هَذِهِ الْفِئَةِ الْبَاْغِيَةِ، وَالْفِرْقَةِ الْمَاْكِرَةِ، وَالْخَوَاْرِجِ الْمَاْرِقَةِ، هُمْ مِنَ فِئَةِ الشَّبَابِ، يَغْزُوْنَهُمْ بِأَفْكَاْرِهِمْ، وَيَبُثُّونَ فِي عُقُولِهِمْ شُبُهَاْتٍ هِيَ – وَرَبِّيْ - أَوْهَىْ مِنْ بَيْتِ الْعَنْكَبُوْتِ، لَاْ تَنْطَلِيْ عَلَىْ مَنْ كَاْنَ لَهُ قَلْبٌ، أَوْ دِيْنٌ وَمُرُوْءَةٌ، أَوْ أَخْلَاْقٌ وَشَهَاْمَةٌ، أَوْ عِلْمٌ صَحِيْحٌ وَإِنَّ قَلَّ.
لَقَدْ اِسْتَغَلَ قَاْدَةُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ الْمَاْرِقَةِ وَسَاْئِلَ الْتَّقَانَةِ الْحَدِيْثَةِ، وَالْهَوَاْتِفَ الْذَّكِيَّةَ، وَالْاِتِّصَاْلَاْتِ الْمُتَعَدِّدَةَ، وَالَّتِيْ هِيَ بِحَوْزَةِ الْصِّغَاْرِ وَالْكِبَاْرِ، حَتَّىْ أَصْبَحُوْا عَلَيْهَاْ عَاْكِفِيْنَ، وَمَنِ مَنَاْبِعِهَاْ مُسْتَلْهِمِيْنَ، فَيَمْكُثُوْنَ أَمَاْمَهَاْ الْسَّاْعَاْتِ الْطِّوَاْلَ، فَيَغْزُونَهُمْ مِنْ خِلَاْلِـهَا، وَهُنَاْ يَجِبُ أَنْ نَكُوْنَ صُرَحَاْءَ مَعَ أَنْفُسِنَاْ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَاْ الْـمُكْثَ الطَّوِيلَ مُلْفِتًا لِلْآبَاْءِ وَالْأُمَّهَاْتِ؛ إِذَاْ أَرَاْدُوْا حِمَاْيَةَ أَوْلَاْدِهِمْ مِنَ الْفِتَنِ، فَعَلِيْهِمْ مَعْرِفَةَ مَاْذَاْ يُتَاْبِعُوْنَ، وَمَعَ مَنْ يَتَوَاصَلُونَ، وَمَنْ هُمْ الْـمُلْهِمُونَ وَالْمُوَجِّهُوْنَ لَـهُمْ؛ فَإِذَاْ كَاْنَ عُمْرَ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) يُفَتِّشَ عَلَىْ الْوُلَاْةِ -مَعْ صُحْبَتِهِمْ وَفَضْلِهِمْ- لِعِلَاْجِ الْخَلَلِ إِذَاْ حَدَثَ، فَعَلَيْنَاْ مِنْ بَاْبِ أَوْلَىْ أَنْ نُرَاْقِبَ أَبْنَاْئَنَا وَبَنَاْتِنَا؛ أَنَسْتَحِيْ أَنْ نُفَتِّشَ عَلَىْ الْأَبْنَاْءِ وَالْبَنَاْتِ بِمَاْ فِيْ صَاْلِحِهْم مِنْ غَيْرِ تَخْوِيْنٍ لَهُمْ؟! سُبْحَانَ اللهِ! مَا هَذِهِ الْعَاطِفَةُ الْبَارِدَةُ؟! إِنَّ عَلَيْنَاْ أَنْ نَعْرِفَ أَقْوَىْ الْشُّبَهِ، الَّتِيْ يَبُثُّوْنَهَاْ فَنُنَاْقِشُهَاْ مَعَهُمْ، كَذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ مِنْ وَسَاْئِلِ هَذِهِ الْفِرَقِ الْضَّاْلِةِ الْاِبْتِزَاْزَ، فَقَدْ يُمْسِكُوْنَ عَلَىْ بَعْضِ الْنَّاْشِئَةِ أُمُوْرًا تَتَعَلَّقُ بِدِيْنِهِمْ وَأَخْلَاْقِهِمْ، فَيُهَدِّدُوْنَهُمْ بِفَضْحِهِمْ؛ إِنْ لَمْ يَنْصَاْعُوْا لَهُمْ، وَيَسِيْرُوْا عَلَىْ نَهْجِهِمْ، وَيَكُوْنُوْنَ طَوْعَهُمْ، هَذَا وَرَبِّي اِبْتِزَاْزٌ لَاْ اِبْتِزَاْزَ مِثْلَهُ، وَلُوْ عَلِمَ الْشَّاْبُّ أَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَتِيْنِ بِأَخَفِّهِمَا خَيْرٌ لَهُ لِمَاْ اِنْصَاْعَ لَهُمْ، كَذَلِكَ عَلَىْ كُلِّ شَاْبٍّ وَشَاْبَّةٍ أَنْ يِتَجَنَّبُوْا مِنْ أَصْحَاْبِهِهِمْ مَنْ تَلَوَّثُوْا بِهَذِهِ الْأَفْكَاْرِ، وَلَاْ يَتَرَدَّدُوْا فِي اِلْإِبْلَاْغِ عَنْهُمْ، إِذَاْ لَمْ يَنْتَصِحُوْا لِأُمُوْرٍ:
أَوَّلًا: إِنَّ مِنْ مَصْلَحَةِ مَنْ اِبْتُلِيَ بِهَذِهِ الْأَفْكَاْرِ أَنْ يُنْقَذَ، وَيُخَلَّصَ مِنْهَاْ، حَتَّىْ يَحْمُوْهُ مِنْ أَنْ تَتَلُوَّثَ يَدُهُ بِدِمَاْءٍ طَاْهِرَةٍ زَكِيَّةٍ، وَلِسَاْنُهُ بِأَفْكَاْرٍ مَاْرِقَةٍ خَبِيْثَةٍ.
ثَاْنِيًّا: حِمَاْيَةً لِلْمُجْتَمَعِ مِنْ أَنْ يَتَأَثَّرَ أَبْنَاْؤُهُ بِهَذَاْ الْفِكْرِ الْضَّاْلِّ، وَيُحْمَىْ مِنْ آثَاْرِهِمْ الْسَّيِّئَةِ.
ثَاْلِثًا: إِنَّ هَذَاْ مِنْ بَاْبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوْفِ وَالْنَّهِّيْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْمُسْتَفِيْدُ مِنْ هَذَا الْإِنْكَاْرِ وَالْإِبْلَاْغِ إِذَاْ لَمْ يَنْتَصَحْ جَمِيْعَ الْأَطْرَاْفِ، وَيَظَلُّ الْمُسْتَفِيْدُ الْأَوْلَ الْمُنْكَرُ عَلَيْهِ:
1- حَيْثُ كُفَّتْ يَدُهُ عَنْ الْوُلُوْغِ فِيْ دِمَاْءِ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُعَاْهَدِيْنَ، وَكُفَّ لِسَاْنَهُ عَنْ نَشْرِ شُبْهِهِ بَيْنَ الْعَاْلَمْيِنَ.
2- وَكَذَلِكَ يَسْتَفِيْدُ الْمُبَلِّغُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْمَعْرُوْفِ، وَنَهَىْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَكَذَلِكَ لَاْ يَكُوْنُ شَرِيْكًا فِيْ الْجَّرِيْمَةِ، فَالْرَّاْضِيْ كَاْلفَاْعِلِ، وَالْسَّاْكِتُ عَنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَاْنِ مُتَعَاْوِنٌ مَعَهُ عَلَى الْبَاْطِلِ.
3- كَذَلِكَ يَسْتَفِيْدُ الْـمُجْتَمَـعُ بِوَأْدِ هَذَاْ الْشَّرِّ قَبْلَ اِسْتِفْحَاْلِهِ، وَدَرْءِ شَرِّ هَذَاْ الْمَاْرِقِ قَبْلَ وُلُوْغِهِ فِي الدِّمَاءِ الْـمَعْصُومَةِ.
4-يَسْتَفِيْدُ أَهْلُ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ، قَبَلَ أَنْ يُفْنِيْهِمْ وَاْحِدًا تِلْوَ الْأَخَرِ، وَيَجْلِبَ لَهُمْ الْعَاْرَ وَالشَّنَارَ، فَسِجْنُهُ، وَتَوْجِيْهُهُ، وَنُصْحُهُ، وَعَوْدَتُهُ صَاْلِحًا رَاْشِدًا؛ خَيُرٌ لَهُمْ وَلَهُ، مِنْ فِتَنٍ يَتَبِنَّاهَاْ، وَدِمَاْءٍ يُزْهِقُهَا، وَفَضَاْئِحَ يَجْلِبُهَا لَهُمْ.
اللَّهُمَّ اِحْمِنَاْ وَشَبَابَنَا وَفَتَيَاْتِنَا مِنْ الْفِتَنِ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ,وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.
المرفقات
مَشْكُولَةٌ.docx
مَشْكُولَةٌ.docx
غير مشكولة .docx
غير مشكولة .docx
المشاهدات 3789 | التعليقات 3
عليهم من الله مايستحقون
جزاك الله خير شيخنا الفاضل
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
أبو عبدالرحمن السبيعي
جزاك الله خير يا شيخ صالح على هذه الخطبة ونفع الله بك الأمة وجعلك مباركا أينما كنت وغفر الله لك ولوالديك
تعديل التعليق