ألطافه ونعمه (وورد+نصية+بي دي إف)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1440/02/02 - 2018/10/11 18:38PM

3 صفر 1440هـ. الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه مِن إله كريم، ورب رحيم، عم بفضله وكرمه جميع المخلوقات. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فيا عباد الله! اتقوا الله حق تقواه، فإن مَن اتقى الله حفظه ووقاه.

شيخ كبير في الثمانين من عمره، فجأة أصيب في أحد الأيام باحتباس في البول، فحمله أبناؤه إلى المستشفى. وهناك الطبيب قام بعمل قسطرة ، خرج البول وانتهت آلام الوالد.

توجه الأبناء للطبيب، وأخذوا يشكرونه ويثنون عليه كثيرًا ..

التفت الأبناء إلى أبيهم ليطمئنوا عليه، فإذا هو غارق في البكاء، فأخذوا يهدئونه ويقولون له: إن المشكلة انتهت فلمَ البكاء !؟

هدأ قليلا ثم بيّن لهم سبب بكائه بهذه الكلمات:

ساعدني الطبيب مرة واحدة فقط، واستشعرنا فضله ومعروفه، وشكرناه كثيرًا، وثمانون عامًا يغمرني الله -جل جلاله- بكرمه وإحسانه وستره وبدون الحاجة إلى أية عملية ولم نستشعر فضله! {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}. {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}.

يقول ابن القيم -رحمه الله-:(فلو كَشَف اللهُ الغطاءَ عن ألطافه وبره وصنعه لعبده من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم لذاب قلبه حبًا له وشوقاً إليه وشكراً له)([1]).

اعتدنا على النِعم حتى إننا إذا سُئلنا عن حالنا قلنا: لا جديد !! كيف لا جديد، والنعم في تجدد ومزيد؟!! فهل استشعرنا تجدّد العافية، وبقاء النِعم؟!!

لك الحمد ربَّنا عددَ خلايا أجسادِنا المتعافية، وعددَ أيامِنا التي لا نشكو فيها، وعدد نعمك التي لا نحصيها.

ولنكثر من حمد الله في كل يوم بل كل لحظة، ولنأخذ على أيدي السفهاء الذين إن تركناهم وكُفرِهم نعمة الله كانت العاقبة أن نَحِلَّ دار البوار:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}.

فلنتعظ جميعًا بقول ربنا: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أي: ندنيهم من عذاب قد يكون نوعاً من النعيم في ظاهر الأمر.

ولنقل كل صباح ومساء ذلك الدعاء الذي من قاله فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ.  أتدرون ما ذلكم الدعاء؟! إنه: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ أو ما أمسى بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ؛ فَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ([2]).

عباد الله: من أراد أن يكون عبداً شكوراً فلينظر إلى مَن دونه في الدنيا. قال e: انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ([3]).

فَمَنْ يَسكن في بيت يرى أنه ضَيِّق فليتأمل مثلاً حال الذين أصاب بيوتهم زلزال فصاروا في الشوارع ، وحال الْمَطْرُوحِينَ فِي الطَّرِيقِ، الَّذِينَ لَا مَأْوَى لَهُمْ.

والذي عنده راتب لا يكفيه آخر الشهر فيتذمر فليتفكر في الذين يموتون جوعًا.

والذي يتلوى من المرض ليتفكر في الموقف التالي:

رَأَى رَجُلٌ فِيَ يَدِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قُرْحَةً، فَكَأَنَّهُ رَأَى مَا شَقَّ عَلَيه مِنْهَا، فَقَالَ ابْنُ وَاسِعٍ: أَتَدْرِي مَاذَا لِلَّهِ عَلَيَّ فِي هَذِهِ الْقُرْحَةِ مِنَ النِّعْمَةِ؟ فَسَكَتُّ، فَقَالَ: حِينَ لَمْ يَجْعَلْهَا عَلَى حَدَقَتِي، وَلَا عَلَى طَرْفِ لِسَانِي..وَلَا عَلَى طَرْفِ ذَكَرِي!!

قَالَ الرَّجُل: فَهَانَتْ عَلَيَّ قُرْحَتُهُ([4]).

الحمد لله على لطفه الخفي، وفضله وإحسانه الجلي، والصلاة والسلام على النبي الأمي، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان معتلي، أما بعد:

 فمن أراد أن يكون عبداً شكوراً: فليشكر الناس على إحسانهم إليه، فهو من شكر الله، قال e: لا يشكرُ اللهَ من لا يشكرُ الناس. وأحسنُ الشكرِ أن نقول للمحسن والمتقن: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. قَالَe عمن قالها: فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ. رواه الترمذي وحسنه([5]).

وإذا لم تُنْصَفْ، ولم تُعْطَ قدرك، فلا تغضب، بل انتظر الشكر من خالقك. وقل كما قال المخلصون: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} فإن الدعاء نوع من الجزاء على الإحسان والإساءة.. ولذا كانوا إذا كافأهم المُعْطَى بدعاء وغيره قابلوه بمثل ذلك؛ ليبقى أجرهم على الله تعالى، ولا يكونوا قد اعتاضوا منه، كما كانت عائشة < إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للمرسَل: اسمع ما يدعون به لنا، حتى ندعوَ لهم بمثل ما دعوا لنا، ويبقى أجرنا على الله([6]).

ألا هل شَكَر نعمة الله، من نبت جسده مِنَ الربا والحرام؟ وهل شَكَر نعمة الله من فرط في عمود دينه، فترك الصلاة أو تهاون في أدائها وأخرها عن أوقاتها؟ وهل شَكَر نعمة الله من عق والديه وقطع رحمه؟ وهل شَكَر نعمة الله من هجر كتاب ربه؟ وهل شَكَر نعمة الله من أصغى بأذنيه إلى الغناء، وبعينيه للبِغاء؟

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان , واستر عوراتهم, وآمن روعاتهم, ورد غائبهم, وعاف مبتلاهم, واهد ضالهم, واكْسُ عاريهم, واحمل حافيهم , وأطعم جائعهم, واجمع شملهم على الحق , وأيقظهم من سِنَةِ الغفلة , واجعلهم حماة للملة.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا ودورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وافرج لهم في المضائق, واكشف لهم وجوه الحقائق, وأعنهم ببطانة ناصحة, واصرف عنهم بطانة السوء, وقالة السوء, ونقلة السوء, وأهل الغش والخديعة, والذمم الوضيعة.

([1])طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 180)

([2])سنن أبى داود (5075) وصحيح ابن حبان (861) وصححه النووي في الأذكار ص66 وابن حجر في الفتوحات (3  /107) ونتائج الأفكار(2  /360).

([3])صحيح مسلم (7619)

([4])الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا (ص:126) برقم 184، وفي الأثر زيادة: وَلَا عَلَى طَرْفِ ذَكَرِي!!

([5])سنن الترمذي (2035)

([6])بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية (1  /527)

المرفقات

وألطافه

وألطافه

وألطافه-2

وألطافه-2

المشاهدات 976 | التعليقات 0