أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً

مبارك العشوان
1438/02/09 - 2016/11/09 21:44PM
إنَّ الحَمْدَ لِلهِ...أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا ... مُسْلِمُون.
عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ) وَرَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلــمَ: ( لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ ) وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ يَحْلِفُ: ( لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ ).
وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا ... ) رواه البخاري. وَمِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعْ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني. وَمِنْهُ: ( اللَّهُمَّ بَرِّدْ قَلْبِي بِالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَالمَاءِ الباردِ، اللهُمَّ نَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوبَ الأَبْيَضِ مِنَ الدَّنَسِ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني..
القَلْبُ عِبَادَ اللهِ: هُوَ أَشْرَفُ مَا فِي الإِنْسَانِ؛ القَلْبُ هُوَ العَالِمُ بِاللهِ، العَامِلُ لَهُ، السَّاعِي إلَيهِ، أَوْ هُوَ الجَاهِلُ بِاللهِ، العَاصِي لَهُ المُعْرِضُ عَنْهُ.
بَصِيْرَةُ القَلْبِ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ هِيَ البَصِيرَة، وَعَمَى القَلبِ هُوَ العَمَى: { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج 46 صَلَاحُ القَلبِ هُوَ الصَّلَاحُ، وَفَسَادُهُ هُوَ الفَسَاد،: ( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ). رواه البخاري ومسلم.
يَقُولُ شَيخُ الإِسلَامِ اِبنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: [ ثُمَّ الْقَلْبُ هُوَ الْأَصْلُ فَإِذَا كَانَ فِيهِ مَعْرِفَةٌ وَإِرَادَةٌ سَرَى ذَلِكَ إلَى الْبَدَنِ بِالضَّرُورَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْبَدَنُ عَمَّا يُرِيدُهُ الْقَلْبُ.... ] الخ.
وَيَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَمَنْ تَأَمَّلَ الشَّرِيعَةَ فِي مَصَادِرِهَا وَمَوَارِدِهَا، عَلِمَ ارتِبَاطَ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ بِأَعْمَالِ القُلُوبِ، وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ بِدُونِهَا، وَأَنَّ أَعْمَالَ القُلُوبِ أَفْرَضُ عَلَى العَبْدِ مِنْ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ، وَهَلْ يُمَيَّزُ المُؤْمِنُ عَنِ المُنَافِقِ إِلَّا بِمَا فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي مَيَّزَتْ بَيْنَهُمَا، وَهَلْ يُمْكِنُ أَحَدٌ الدُّخُولَ فِي الإِسْلَامِ إِلَّا بِعَمَلِ قَلْبِهِ قَبْلَ جَوَارِحِهِ، وَعُبُودِيَّةُ القَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الجَوَارِحِ وَأَكْبَرُ وَأَدْوَمُ... الخ.
وَيَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَهَذَا الجَمَالُ البَاطِنُ هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ اللهِ مِنْ عَبْدِهِ، وَمَوْضِعُ مَحَبَّتِهِ؛ كَمَا فِي الحَدِيثِ الصَّحِيْـــحِ: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) رواه مسلم. وَهَذَا الجَمَالُ البَاطِنُ يُزَيِّنُ الصُّورَةَ الظَّاهِرَةَ وَإنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ جَمَالٍ؛ فَتَكْسُوا صَاحِبَهَا مِنْ الجَمَالِ وَالمَهَابَةِ وَالحَلَاوَةِ بِحَسَبِ مَا اكْتَسَتْ رُوحُهُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ؛ فَإِنَّ المُؤْمِنَ يُعْطَى مَهَابَةً وَحَلَاوَةً بِحَسَبِ إِيْمَانِهِ؛ فَمَنْ رَآهُ هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبَّهُ، وَهَذَا أمْرٌ مَشْهُودٌ بِالعَيَانِ؛ فَإنَّكَ تَرَى الرَّجُلَ الصَّالِحَ المُحْسِنَ ذَا الْأَخْلَاقِ الجَمِيْلَةِ مِنْ أحْلَى النَّاسِ صُوْرَةً وَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ غَيْرَ جَمِيْلٍ؛ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُزِقَ حَظًا مِنْ صَلَاةِ الليلِ فَإِنَّهَا تُنَوِّرُ الوَجْهَ وَتُحَسِّنُهُ... الخ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم ...وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُون...
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ ... أمَّا بَعدُ: فَتَعَاهَدُوا قُلُوبَكُم رَحِمَكُمُ اللهُ ، واِحْرِصُوا عَلَى صَلَاحِهَا وَسَلَامَتِهَا؛ تَنْفَعُكُمْ يَومَ القِيَامَةِ: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } الشعراء:88-89 يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَالقَلْبُ السَّلِيمُ: مَعْنَاهُ: الذِي سَلِمَ مِنَ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ، وَمَحَبَّةِ الشَّرِّ، وَالإِصْرَارِ عَلَى البِدْعَةِ، وَالذُّنُوبِ؛ وَيلْزَمُ مِنْ سَلَامَتِهِ مِمَّا ذُكِرَ؛ اِتِّصَافُهُ بِأَضْدَادِهَا؛ مِنَ الإخْلَاصِ وَالعِلْمِ، وَاليَقِينِ، وَمَحَبَّةِ الخَيْرِ وَتَزْيِيْنِهِ فِي قَلْبِهِ، وَأَنْ تَكُونَ إرَادَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ تَابِعَةٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ، وَهَوَاهُ تَابِعاً لِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ.أ هـ
عِبَادَ اللهِ: أَلَا وَإنَّ مِنْ أسْبَابِ سَلَامَةِ القُلُوبِ وَصَلَاحِهَا: الإِكْثَارُ مِنَ الطَّاعَاتِ؛ وَالتَّوبَةُ وَالاسْتِغْفَارُ مِنَ الخَطِيئَاتِ؛ يَقُولُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( إنَّ العَبْدَ إذَا أخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلبِهِ نُكْتَةٌ سَودَاءُ، فَإذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإنْ عَادَ زِيْدَ فِيْهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الذِي ذَكَرَ اللهُ ) { كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } المطففين 14. وَقَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ: هُوَ الذَّنبُ عَلَى الذَّنْبِ حَتَّى يَمُوتَ القَلْبُ.
رَأَيتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ * وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُـلُوبِ * وَخَيْرٌ لِنَفْـسِكَ عِصْيَانُهُا
وَمِنْ أسْبَابِ سَلَامَةِ القُلوبِ وَصَلَاحِهَا: دُعَاءُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا بِطَهَارَةِ القَلْبِ وَثَبَاتِهِ عَلَى الدَّينِ، وَحِفْظِهِ مِنَ الزَّيْغِ. { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } آل عمران 8 وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي ) أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
اللَّهُمَ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ ... رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا... اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ... عِبَادَ اللهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا...
المرفقات

1191.doc

المشاهدات 2817 | التعليقات 1

جزاك الله كل خير