ألا فشمروا أيها الصائمون!

سامي بن محمد العمر
1446/09/21 - 2025/03/21 03:32AM

خطبة في العشر الأواخر من رمضان

 

أما بعد:

الدنيا كلها سبْق ومسابقات، وجرْيٌ ومنافسات، تختلف فيها الجوائز، وتتفاوت فيها الهمم، وتتباين فيها العزائم.

غير أن أهل الإيمان - وإن اشتركوا في بعض ما أبيح منها - لا يرون منها سباقاً حَقيقاً بالعناية، حَفياً بمزيد الاهتمام إلا سباقاً واحداً لا يوجد في الكون متخلف عنه، ولا رافض له، قد دخله الجميع شاؤوا أم أبوا.

سباق ٌمعلومُ الميدان، معروفُ الخاتمة، معيّنُ الجائزة.

قد تمّ الإعلان عنه بقول الله تعالى {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21]

سباق شمّر له أهل الإيمان خوفاً من أن يقول أحدهم يوما ما {يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء: 73]

أو أن يقول: {يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } [الفرقان: 27، 28]

أو أن يقول: {يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [الفجر: 24]

إنه السباق الذي لا يخلو ابداً من المتسابقين؛ يدخله أناس بالولادة، ويغادره أناس بالوفاة، والسباق جارٍ حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

 والعجب أن كثيراً من الناس عن سباقهم ساهون، وعن عظيم جائزته غافلون؛ مع أنهم يقرأون ويسمعون {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 22 - 26]

ويقرأون ويسمعون {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ } [الواقعة: 10 - 14]

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكريم الكرائم

وتكبر في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم

وألا فاعلموا:

أن علامةَ صحةِ الهم، وقوةِ العزم أمران: صبر وتقوى {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186]

عن شداد بن أوس - رضي الله عنه -: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم» ([1]).

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

يا عباد الله:

أما ورمضانكم هذا ميدانُ سباقٍ قد حلَّ ضيفاً كريماً، وأوقاتُه تجري جريًا سريعاً؛ فكونوا كأبي بكرٍ رضي الله عنه في ذاك الزمان؛ لا يُنافِس في أمرٍ إلا سبق، ولا يترك باب خير إلا طرق..

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)}

ألا فشمروا أيها المؤمنون لتدارك ما بقي من ليالي شهركم الكريم، وأحِلُّوا في قلوبكم حبَّ الله ولقائه، وأشغلوها بتذكر مصيركم في الدار الاخرة، وألزموها تحمل عناء القيام، وتعب الصيام، حتى تلوح لكم رايات الختام،

 

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)).

اللهم أنقذ قلوبنا من القسوة، وأحيها بعد الغفلة، وهب لنا نفوسا رضية، وهمما علية، وقلوبا سليمة

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا ..



([1]) الترمذي (3404) والنسائي (3/54) وفيه كلام.

المرفقات

1742517166_خطبة في العشر الأواخر من رمضان.docx

1742517167_خطبة في العشر الأواخر من رمضان.pdf

المشاهدات 654 | التعليقات 0