( أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ )

مبارك العشوان 1
1443/11/02 - 2022/06/01 23:03PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران 102

عِبَادَ اللهِ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ؛ إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ: أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ ) رَوَاهُ  البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فِي هَذَا الحَدِيثِ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ لِلْعِلْمِ، وَذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَالجُلُوسِ لِذَلِكَ؛ وَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ؛ وَقَدْ تَكَاثَرَتِ النُّصُوصُ فِي فَضْلِ مَجَالِسِ العِلْمِ، وَحِلَقِ الذِّكْرِ، وَالحَثِّ عَلَيْهَا، وَمَدْحِ أَهْلِهَا؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللهُ فِيمَنْ عِنـْدَهُ ) رَوَاهُ مْسِلْمٌ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ؛ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا... ) رَوَاهُ مْسِلْمٌ.

فَاللهَ اللهَ فِي مَجَالِسِ العِلْمِ؛ مِنْ دُرُوسٍ، وَمُحَاضَرَاتٍ، وَحِلَقٍ لِلْقُرْآنِ الكَرِيمِ وَغَيْرِهَا؛ فَفِيْهَا حَيَاةُ القُلُوبِ وَاطْمِئْنَانُهَا: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }الرعد28  

قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ رَحِمَهُ اللهُ: أَشْكُوا إِلَيْكَ قَسْاوَةَ قَلْبِي، فَقَالَ: أَدْنِهِ مِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ.

ثُمَّ احْذَرُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ -  مِنْ مَجَالِسِ الغَفْلَةِ، مَجَالِسِ الغِيْبَةِ وَالنَّمِيْمَةِ، وَالقِيْلِ وَالقَالِ، وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِ المُسْلِمِينَ.

اِحْذَرُوا مَجْلِسًا لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيْهِ؛ فَإِنَّهُ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ.

وَفِي هَذَا الحَدِيثِ بَيَانُ فَضْلِ الحَـيَاءِ: ( وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَيْ تَرَكَ المُزَاحَمَةَ وَالتَّخَطِي حَيَاءً مِنَ اللهِ تَعَالَى وَمِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالحَاضِرِينَ، أَوِ اِسْتِحْيَاءً مِنْهُمْ أَنْ يُعْرِضَ ذَاهِبًا كَمَا فَعَلَ الثَّالِثُ. اهـ

وَالحَيَاءُ - رَحِمَكُمُ اللهُ - خَصْلَةٌ حَمِيْدَةٌ، وَخُلُقٌ كَرِيْمٌ، وَشُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيْمَانِ.

الحَيَاءٌ خَيْرٌ كُلُّهُ، وَلَا يَأْتِي الحَيَاءُ إِلَّا بِخَيْرٍ، مَنْ وُفِّقَ لِلْحَيَاءِ وُفِّقَ لِعَظِيْمٍ، وَمَنْ حُرِمَهُ حُرِمَ خَيْرًا كَثِيرًا، مَنْ سُلِبَ الحَيَاءَ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنِ ارْتِكَابِ القَبَائِحِ مَانِعٌ: وَفِي الحَـــدِيثِ: ( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

مَنْ حُرِمَ الحَيَاءَ جَاهَرَ بِمَعْصِيَتِهِ؛ وَفِي الحَدِيثِ: ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ. 

 

الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَفِي هَذَا الحَدِيثِ: التَّحْذِيْرُ الشَّدِيْدُ مِنَ الإِعْرَاضِ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ: ( وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَنــْهُ ) يَقُولُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: لَمْ يَرْحَمْهُ، وَقِيْلَ سَخِطَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أنهُ ذَهَبَ مُعْرِضاً لَا لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ.

الإِعْرَاضُ عَنْ حِلَقِ الذِّكْرِ، وَالصُّدُودُ عَنْ مَجَالِسِ العِلْمِ والنُّفْرَةُ مِنْهَا، وَضِيْقُ الصَّدْرِ بِهَا، عَلَامَةُ حِرْمَانٍ، وَتَعَرُّضٌ لِلْعِقَابِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الزمر45

وَمِنْ أَقْبَحِ الإِعْرَاضِ وَأَخْطَرِهِ: الإِعْرَاضُ عَنْ تَعَلُّمِ الدِّينِ وَمَا يَحْتَاجُهُ المُسْلِمُ فِي عِبَادَاتِهِ.

يُوجَدُ فِي النَّاسِ مَنْ يَجْهَلُ كَثِيرًا مِنْ أُمُورِ دِيْنِهِ، يُوجَدُ فِيْهِمْ مَنْ لَا يُحْسِنُ الطَّهَارَةَ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ قِرَاءَةَ الفَاتِحَةِ، وَمَنْ يَجْهَلُ أَحْكَامَ الصَّوْمِ وَالحَجِّ وَنَحْوِهَا، يُوْجَدُ فِي النَّاسِ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ؛ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْلِسْ يَومًا لِيَتَعَلَّمَ مَا يَجْهَلُ مِنْ أُمُورِ دِيْنِهِ، وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُ ذَلِكَ بِبَالٍ، لَمْ يَجْلِسْ يَوْمًا لِيَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَتَطَهَّرُ مِنَ الحَدَثِ، كَيْفَ يَتَطَهَّرُ مِنَ الجَنَابَةِ، لَمْ يَجْلِسْ لِيَتَعَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ الصَّحِيْحَةَ، لَمْ يَجْلِسْ يَومًا لِيَقْرَأَ الفَاتِحَةَ وَقِصَارَ السُّوَرِ عَلَى مَنْ يُتْقِنُها؛ بَيْنَمَا هُوَ فِي نَفْسِ الوَقْتِ مُسْتَعِدٌّ لِأَنْ يَقْضِيَ السَّاعَاتِ الطَّوِيْلَةِ فِي أُمُورِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَمُتَابَعَةِ أَمْوَالِهِ، وَاللَّهَثِ وَرَاءَهَا، هُوَ مُسْتَعِدٌّ لِإِهْدَارِ وَقْتِهِ فِي مَجَالِسِ قِيْلٍ وَقَالٍ، أَوْ أَمَامَ القَنَوَاتٍ الفَضَائِيَّةِ.

أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ - وَفَّقَكُمُ اللهُ -، وَإِيَّاكُمْ وَالإِعْرَاضَ عَنْ دِينِ اللهِ، أَقْبِلُوا عَلَى اللهِ، وَهَلُمُّوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ، هَلُمَّوا إِلَى مَجَالِسِ العِلْمِ، هَلُمٌّوا إِلَى إِصْلَاحِ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. 

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

1654124551_( أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ ).pdf

1654124577_( أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ ).doc

المشاهدات 1473 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا