ألاسلوب النبوي في التعامل مع المشكلات

ابو احمد
1433/04/22 - 2012/03/15 09:52AM
الخطبةالأولى:.
أما بعد: فعن أبي سعيد الخدري (t) قال: لما أصاب رسولُ الله (r) الغنائمَ يوم حنين، وقسّم للمتأَلفين من قريش وسائر العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار منها شيء قليل ولا كثير، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى قال قائلهم: لقي واللهِ رسول الله قومه. فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله (r) فقال: يا رسول الله! إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم. فقال: «فِيمَ؟» قال: فِيمَ كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شــيء، فقال رسول الله (r): «فأين أنت مـن ذلك يا سعد؟» قال: ما أنا إلا أمرؤ من قومي، قال: فقال رسول الله (r): «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فإذا اجتمعوا فأعلمني!»، فخرج سعد فصرخ فيهم، فجمعهم في تلك الحظيرة، فجاء رجل من المهاجرين فأذن له، فدخلوا وجاء آخرون فردهم حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه، فقال: يا رسول الله! قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، حيث أمرتني أن أجمعهم؛ فخرج رسول الله (r) فقام فيهم خطيباً: فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «يا معشر الأنصار! ألم آتكم ضُلاَّلاً فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداءً فألف الله بين قلوبكم؟»: قالوا:بلى! ثم قال رسول الله (r):«ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟!» قالوا: وماذا نقول يا رسول الله، وبماذا نجيبك؟ المنّ لله ولرسوله. قال: «والله! لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم: جئتنا طريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، وخائفاً فأمَّنَّاك، ومخذولاً فنصرناك»، فقالوا: المنُّ لله ولرسوله، فقال رسول الله (r): «أوَجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لُعاعة من الدنيا تألَّفت بها قوماً أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله (r) إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شُعْباً، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار! ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار!» قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله رباً وبرسوله قَسَماً، ثم انصرف وتفرقوا...
عباد الله هذه حادثة وقعت بين رسول الله r وبعض اصحابه من الانصار ولنا معها وقفات نعرض فيها انفسنا على منهج محمد rواسلوبه في حماية علاقته باصحابه من أي عارض ....
1-لا بد ان نعي خطورة الشيطان على القلوب فهؤلاء النفر من الانصار رغم مابذلوا وقدموا للاسلام الا ان الشيطان كاد ان ينفث شيئاً من سمومه في قلوبهم حتى استخلصها رسول الله باسلوبه النبوي الراقي... والشيطان حريص جدا على افساد العلاقات الانسانية ولذك قال rفي بيان خطره على العلاقات الانسانية "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ،ولكن في التحريشبينهم"رواه مسلم ... ... بل لاحظوا كيف ان الله دعى في مواضع الصلح بين الناس الى الحذر من الشيطان لانه حريص على افساد علاقات الناس: ففي سورة الاسراء قال تعالى (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَيَنْـزَغُ بَيْنَهُمْإِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَلِلإِنْسَانِ عَدُوًّامُبِينًا)
وفي سورة الاعراف قال تعالى(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ () وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌفَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)وفي سورة المؤمنون قال تعالى(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ () وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ () وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ((
وفي سورة فصلت قال تعالى(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ () وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)فلنحذر ياعباد الله مداخل الشيطان الى النفوس ولنحرص على غلق نوافذ تسلله حتى لايفسدها
2-مبادرة النبي r الى حل المشكلات فما أن سمع بالخبر حتى ذهب مسرعاً إلى القوم، بعد أن استدعاهم، وأنهى بحكمته وحنكته هذا الأمر الطارئ؛ فلو أنه تأخر أو استهان به وتركه، لربما كان هذا الموقف من الأنصار (رضي الله عنهم) قنبلة موقوتة، ربما ستنفجر يوماً من الأيام، وتعلق في أفئدة الرجال استفهامات وتقديرات خاطئة، والشيطان لا يترك مثل هذه الفرص، بل يؤججها ويجعلها فتيلاً قابلاً للاشتعال....كثير من الاباء والازواج والمربون عموما لاينتبهون الى مسألة سرعة حل المشكلات واخماد نارها سريعا وتقريب النفوس وتهذيبها ؛ لأن بعضهم يزعم أنهـا ستشغلهم عن مهمات كبيرة جداً، ولا أدري: هل هذه المهمـات أعظـم من التفكك والانشقاقات والتصدعات في علاقاتنا بمن حولنا...إن هذه الخلافات التي تبدو لأول وهلة صغيرة فإن فيها من اسباب النمو ما هو كفيل بأن يجعلها دماراً وخراباً لكل ما بناه الانسان في سنينه التي خلت.
3-الرفق الحلم مع القدرة: سعة صدر النبي (r) وتحمّله للنقد الموجّه له؛ «يغفر الله لرسول الله (r)؛ يعطي قريشاً ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم؟» فلم يرتفع صوته أو يحمرَّ وجهه ويَسوَدَّ، ولم يرتب أحكاماً ومواقف على هؤلاء المتكلمين؛ فيتعامل معهم معاملة جديدة وفق هذه المعطيات، فيهجرهم ويقاطع العمل معهم؛ بحجة أنهم لا يحترمون القيادة، ولا يوقرون الكبار،ولا يقدرون فضائل من ضَحّى من أجلهم. كلا، لم يفعل (r) شيئاً من ذلك؛ بل ذهب إليهم، وطرح عليهم أسئلة حكيمة، ثم مدحهم، وأثنى عليهم ثناءً ومدحاً فوق مستوى الحدث، لم يكن أحد منهم يتوقع هذا المدح والثناء؛ فلم يستطيعوا أن يوقفوا تدفق الدموع على خدودهم.
إن بعض الاباء والمربين يستطيع أن يستميل قلوب اهله و تلامذته لو رآهم أخطؤوا بموعظة بليغة تَوْجَل منها القلوب، وتذرف منها الدموع، لكن بعض الناس للاسف تغلبه الطبيعة التي تربى عليها منذ صغره؛ فيرى أن كبرياءه قد جرحت وخدشت، ولا يعيدها إلا اعتذار يجرح به كبرياءهم ويخدشه مثلما فعلوا.
إن الرفق بالمخطئ أمر مهم جداً؛ إذ إن القسوة عليه في غير محلها، وهو يحبك ويقدرك يوغر في صدره أموراً، كما ان الحلم على المنظور البعيد افضل نتاجا من الغضب والعقاب السريع الذي يقع من البعض فقد بسبب فورة الغضب وحرارة الموقف..فلا بد ياعباد الله ان نتربى على الحلم في المواقف والهدوء عند وقوع الاخطاء حتى نستطيع ازالة ماوقع منها الى الابد
نسال الله ان يهدينا لاحسن الاخلاق والاقوال انه جواد كريم
ونكمل في الخطبة الثانية مابقي من الوقفات اقول ماتسمعون استغفر الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة على النبي المصطفى وبعد
4-أمر رسول الله rأن يجتمع الأنصار في مكان واحد و لم يدع معهم أحدا ... فهذا الأسلوب من الأساليب التربوية الناجحة لمعالجة الخطأ , حتى يكون هناك مجال واسع لفتح الحوار والمناقشة بدون وجود أطراف أخرى قد تتسبب في تأزم الموقفبعض الاباء الان لو وقع خطأ بسيط من احد أفراد الأسرة ناقش هذا الخطأ امام الجميع مما كان سببا في احراج المخطئ او عناده او تشعب الموضوع وهذا خطأ.
5-استخدام الرسول r أسلوب استرجاع الذاكرة ,و تذكر الفضائل قبل الحكم على الموقف الحالي و الموازنة بين الأمرين فذكر فضله عليهم ( ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ربي , و كنتم متفرقين فألفكم الله ربي , و كنتم عالة فأغناكم الله بي )حينئذ تذكروا فضله عليهم فهتفوا قائلين ( بلى , لله ولرسوله المن والفضل ) بل انه استحضر فضلهم ودورهم في نصرة نبي الله ودين الله فقال لهم في نفس السياق («والله! لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم: جئتنا طريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، وخائفاً فأمَّنَّاك، ومخذولاً فنصرناك»
ومن ذلك يجب أن يستفيد الآباء والمربون في وقتنا الحاضر من هذا الجانب وهو عدم اتخاذ موقف شديد القسوة تجاه الفرد بمجرد خطأ بسيط في نظرنا دون أن ننظر إلى الإيجابيات العظيمة , بل علينا الموازنة والترجيح .
6-من الضرورة الملحة تفسير وتوضيح سبب إعطائه عليه الصلاة والسلام لأهل مكة , فقد فسر عليه الصلاة و السلام سبب إعطائه لهم وذلك عندما قال ( أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم من أجل لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ) فإذاً السبب ليس القرابة إنما كان ذلك من صلب الدعوة وهو الرغبة في إسلامهم , فالهدف من العطاء الوصول لغاية سامية وهي الإسلام . وبذلك استطاع الرسول r أن يزيل الغشاوة عن النفوس التي حاول الشيطان أن يستثمرها . وكذلك المربي يجب عليه أن يوضح ويفسر كل عمل يعتقد أنه غامض على من حوله , وذلك حتى لا يجعل للشيطان مدخلاً يدخل منه فيعظمه في نفوس المتعلمين .
7- الصراحة والوضح: لقد كان سعد بن عبادة (t): صريحاً وواضحاً في خطابه مع النبي (r)؛ فها هو يقول له: «يا رسول الله! إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت؛ قسمت في قومك وأعطيت عطايا في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء».وما أجمل وضوح سعد بن عبادة (t) وشفافية رده للنبي (r) عندما سأله: «فأين أنت من ذلك يا سعد؟» فقال (t): «يا رسول الله! إنما أنا رجل من قومي»؛ أي: أن قولهم ورأيهم هو قولي ورأيي. لم يكن سعد (t) متكلفاً أو مجاملاً أو متلوناً..او نماما ينقل الخبر من اجل الفتنة بل من اجل الاصلاح السريع للمشكلة..
واخيرا يا عباد الله لابد ان نعي انها مسألة قد تقع أن يجد الإنسان في نفسه عندما يرى العطايا تقسم ولايصل له منها شيء،مع أنه جزء من المستحقين؟ فهي مسألة مرتبطة بفطرة الإنسان في محبته للمال والعطاء؛ فلا أحد يرضى أن يكون فقيراً أو معدوماً، والله قد أحل الغنائم لأمة محمد (r)؛ فأي مشكلة أن يطلب الإنسان حظه منها؟!وهنا يأتي دور الإيمان واليقين والتسليم والاحتساب، يأتي دور المربي كي يبني بنيان الإسلام في قلب من حوله ، حتى لا يبقي في قلبه سوى حب الله وحب الرسول (r) وما أعده الله للصابرين الذين باعوا الدنيا وما فيها، واشتروا بها جنة عرضها السموات والأرض، وهذا الذي فعله (r)؛ فقد أعلنها واضحة جلية: أن قضيتَهم ليست مرتبطة بلُعاعة الدنيا وحقارتها، وإنما مرتبطة باتباع هديه، ونصرة دينه، وإعلاء كلمة الله؛ فليذهب الناس بالشاة والبعير، فليس هناك مشكلة؛ بل أعظم المصيبة والبلاء أن يذهب المرء ومعه حظوظ الدنيا، وهو خالي الوفاض من دينه، وتمسكه بما أمر به ربُه،
وهذا ملمح مهم يجب ان نبنيه في قلوب من حولنا الأهم هو الدين والايمان.. والدنيا كلها بمالها وقصورها ودورها مجرد لعاعة لا تساوي إن تعارضت مع ماعند الله شيئا...
عباد الله لقد بلغ هذا الرسول الكريم r أعلى درجات الكمال البشري.... لقد نجح هذا القائد العظيم r في معالجته لأعسر وأشد المواقف متخذاً( الحكمة , والحب , والتواضع , والصراحة , إعطاء كل ذي حق حقه ) وسائل لتهدئة النفوس فإذا بها تعود خاضعة محبة نادمة لا تملك إلا التسليم بكل رضا .وصدق الله العلي العظيم حيث يقول : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) .وأخيرا عباد الله فهذه دعوة : ( لقراءة سيرته عليه الصلاة و السلام ثم دراستها و تطبيقها فإن في ذلك الفوز و النجاح في الدارين )
المشاهدات 2636 | التعليقات 0