أكل الحلال ، وتوقي الربا
إبراهيم بن صالح العجلان
1435/12/22 - 2014/10/16 22:48PM
إخوة الإيمان:
المالُ عَصَبُ الحياة ، وقوام العَيْش ، وأساس الاستغناء والعفاف .
المال غُرِست النفوس على حبِّه، ورُكِّبتالطباع على طلبه؛ {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}
هو زهرة الحياة، وبهجة الدنيا {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
وهو نِعمة يمنُّ الله بها على عباده؛{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}
بالمال تُصان الأعراض، وتُحفَظ الكرامة،ويتسابق به المؤمِن في درجات البِرِّ والطاعة.
المال مع الدِّين والنَّفْس والعقل والعِرْض، ضرورات خمس، جاءتِ الشريعة الإسلامية بحفِظها وصيانتها، فلقد اهتمَّ الإسلام بأمر المال، وحثَّ على كسْبه، وحضَّ على العمل والنشاط لتحصيله.
يقول سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِيمَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.
رأى عمرالفاروق قومًا قابعين في رُكْن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: مَن أنتم؟ قالوا: نحن المتوكِّلون على الله، فعلاهم عمر بالدِّرَّة، ونهاهم عن مِثْل هذا الكلام،وقال: لا يقعدنَّ أحدُكم عن طلب الرِّزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أنَّ السماءلا تُمطر ذهبًا ولا فِضَّة، وأنَّ الله يقول: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُفَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}.
فدين الإسلام لا يُريد من المسلِم أن يكون راهبًا في صومعته، أو ناسكًا في مُعتكَفه، بلا عملٍ ولاكسْب.
الإسلام يربِّي المسلِم على أن يكون كادحًا عاملاً، مؤديًا دَورَه في الحياة، آخذًا منها،معطيًا لها، والمؤمِن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمِن الضعيف.
وهل يُنشر الخير، وتُبلَّغ الدعوة، وتُرفع راية الدِّين، إلاَّ بأموال أهل الإيمان والإحسان، مع ألْسنة أهل الحق والبيان
وها هم أصحابُ النبي صلَّى الله عليهوسلَّم لما هاجروا إلى المدينة مخلِّفين وراءَهم المال والدِّيار، لم يقعدوا ويتكاسلوا عالةً على غيرهم في المدينة، بل دخلوا الأسواق، وزاحموا الناسَ في البيع والشراء، وببركةِ مال هؤلاء، قَويتْ شوكةُ الإسلام، وظهر الدِّين، وانتشرتِ الدعوة،وحمل الناس في سبيل الله، ويَكْفي أن نعرف أن سبعةً من المبشَّرين بالجنة كانوا من أهل الأموال الضخْمة، وأصحاب الضَّرْب في الأسواق.
ألا ما أسعدَ الحياةَ، وما أطيبَ العيش، حينيَأكل المرءُ ويُؤكِل، ويَلبس ويُلبِس، مِن عَرَق جبينه.
طلبُ المال الحلال مِن خيرالعبادات، وأفضلِ الطاعات، إذا صحَّت معه النيات، ويكفي أهله شرفًا أنَّ الله قد قرَنَهم مع المجاهدين الذين يُقدِّمون أرواحَهم في سبيل الله؛ {وَآخَرُونَيَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
مرَّ رجلٌ بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يشتعل حيويةً ونشاطًا، فأُعجِب الصحابة به، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله! فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنْ كان خرج يَسْعى على ولده الصِّغار، فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يَسْعى على أبوين شيخين، فهو في سبيل الله، وإن كان يَسْعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج رِياءً ومفاخرةً، فهو في سبيل الشيطان)؛ رواه الطبراني، وهو حديث صحيح.
وأطيبُ الكسْب وأبركُه ما كان بعمل اليد وعَرَق الجبين، يسأل النبي صلَّى الله عليهوسلَّم : أيُّ الكسْب أفضل؟ قال: ((عَمَلُ الرجل بيده، وكلُّ بيع مبرور))؛ رواه البزار، وصحَّحه الحاكم.
وها هم أنبياء الله، صفوة الخَلْق صلوات الله عليهم كانوا يأكلون مِن عمل أيديهم، فإبراهيم عليه السلام كان بزَّازًا؛أي: يبيع أنواع اللباس، وزكريا كان يعمل نجَّارًا ، أما داود عليه السلام فكانتْ صنعتُه الحدادة، وخير البرية محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم في صدر شبابه كان يَرْعى الغنم سنين عِدَّة، ثم اشتغل بالتِّجارة في مال خديجة بعدَ ذلك.
فالعمل عباد الله، عِزُّ الرَّجل وشرفُه،ولا غَضاضةَ في أيِّ صنعة، ولا شنار مع أيِّ حِرْفة، بل الدناءة تأكُّل فُتاتِ أموال الآخرين، والنقيصة استشرافُ أعطيات المحسنين، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:مكسبةٌ في دناءة خيرٌ من سؤال الناس.
وقال بعض السلف: خيرُ الناس مَن كفَّ فكَّه عن الحرام، وفكَّ كفَّه عن السؤال.
وطلبُ المال من حلاله، والسعيُ في جمعه من أبوابه، لا يُنافي خُلُقَ الزهد، فالزهد الحقيقي: ألاَّ يكون المال في قلْبك، إنما يكون في يدِك، يقول الإمام أحمد بن حنبل: الزُّهد أن يكون عندَك المال، فلا يستبد بك الحُزن إن نقص، ولا يستبد بك الفَرَح إن زاد.
عبادالله:
وأمامَ طُغيان المادة، وطنين المال ورنينه، تضعُف نفوس، وتذوب أخلاقيات،فيُؤكَل الحرام، ويُكتسَب الخبيث.
الكَسْب الخبيث شؤمٌ وبلاء،ونكدٌ ووباء، يُضعِف الدِّيانة، ويمحق السكينة، ويُذهِب البركة، فعلى صاحبه غُرْمُه، ولغيره غُنْمه.
الكسْب الخبيث يُقسِّي القلْب، ويُطفئ نور الإيمان، ويُبعد العبدَ من ربِّه، فلا تُقبل له صَدَقة، ولا يُرْفع له دعاء.
شرُّ المال: الكسب الحرام ، لازمٌ إثمه، ومحرومٌ أجره، وفي الحديث: أنَّ سعد بن أبي وقاص قال: يا رسولالله، ادع الله لي أن يجعلني مستجابَ الدعوة، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (يا سعدُ، أطِبْ مطعمَك، تكن مستجابَ الدعوة(
وفي الحديث : (لا يدخل الجَنَّةَ جسدٌ غُذِي بحرام)؛ رواه الطبراني، وقال الذهبي: سنده صحيح.
والقاعدة في هذا الباب - عباد الله -: أنَّ المحرَّم لا يجوز بيعُه، ولا التكسُّب منه، فإنَّ الله تعالى إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنَه، فالتكسُّب من الرِّبا والرِّشوة والدُّخَان، والمجلات الخليعة،والغِناء، كل ذلك مِن أكْل الحرام، وكذا تصريفُ السِّلع بالأَيْمان الكاذبة، واختلاس الأموال العامَّة والخاصَّة، بأساليبَ مختلفة، وسُبلٍ ملتوية، كل هذا مِن الكسْب الخبيث، وصَدَق الصادق المصدوق: (يأتي على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ ماأخذ منه، أمِن الحلال أم مِن الحرام)؛ رواه البخاري.
ومِن المسائل التي لن تزولَ قدمَا عبدٍ حتى يُسألَ عنها بين يدي ربِّه عريانًا: مالك، مِن أين اكتسبتَه؟ وفيمَ أنفقتَه؟
الْمَالُ يَذْهَبُ حِلُّهُ وَحَرَامُهُ ** يَوْمًا وَتَبْقَى فِي غَدٍ آثَامُهُ
لَيْسَ التَّقِـيُّ بِمُتَّـقٍ لِإِلَهـِهِ ** حَتَّى يَطِيبَ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ
وَيَطِيبَ مَايَحْوِي وَتَكْسِبُ كَفُّهُ ** وَيَكُونَ فِي حُسْنِ الْحَدِيثِ كَلاَمُهُ
نَطَـقَ النَّبِيُّ لَنَا بِهِ عَنْ رَبِّهِ ** فَعَلَى النَّبِيِّ صَلاَتُهُ وَسَلاَمُهُ
الحمدُ لله وليِّ المتقين، ولا عدوانَ إلاعلى الظالمين، والصلاة والسلام على نبيِّه الأمين، وعلى آله وصحْبه أجمعين، أمابعد فيا إخوة الإيمان:
إن عدت المكاسب الخبيثة فالربا أشدها إثماً ، وأعظمها وزراً ، حرَّمه الله في جميع الشرائع، وهو كسب خبيث وضائع.
الربا دمار للدنيا والديانة، وفساد للأخلاق، وحرمان من التوفيق، وفقد للطمأنينة والسعادة، ومحق للبركة( يمحق الله الربا ويربي الصدقات).
شؤم الربا يلاحق صاحبه في حياته، وقبره، وحشره، فأكلة الربا ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، قال جابر : لعن رسول الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء.
يموت آكل الربا ويبقى هذا الكسب الخبيث عذاباً على صاحبه في قبره، ففي حديث سمرة الطويل في صحيح البخاري، قال النبي في رؤياه: فانطَلَقنا ، فَأتينَا على نَهْرٍ حَسِبْتُ أنَّهُ كان يقول: أحْمَرَ مِثْل الدَّم وإذَا في النَّهْرِ رجُلٌ سابِحٌ يسْبَحُ ، وإذا على شط النهر رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عنْدهُ حِجَارَة كَثيرة ، وإذا ذلك السابح يسْبَحُ ما سَبَحَ ، ثم يأتي ذلك الذي قَد جَمَعَ عنْده الحجارة ، فَيَفْغَرُ فَاهُ ، فَيُلْقِمُهُ حَجَرا، فيَنْطَلِقُ فيَسْبَحُ ، ثم يرجعُ إليه ، كُلَّما رَجع إليه فَغَر فَاهُ ، فأَلْقَمَهُ حجرا، قال: قلتُ لهما : ما هذا ؟ قال : «قالا لي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ ،... وفي آخر الحديث قال له الملكان عن سبب هذا العذاب: (وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا).
ويوم يقوم العالمين لرب العالمين يقوم آكل الربا على حال بشعة، يراه الخلق متخبطاً، يقوم ويسقط، كحالة المصروع الذي يقوم ويسقط بسبب الصرع؛ (كالذي يتخبطه الشيطان من المس).
وتوعَّدَ اللهُ تعالى أصحابَ الرِّبا بالنارِ، بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (إبطال الحيل) أنه جاء الوعيد في الربا ما لم يأت في أي ذنب آخر سوى الشرك والكفر.
وأخيراً ، فإن حديث المجتمع في فائت الأيام كان عن اكتتاب الأسهم في أحد البنوك المحلية، وهو اكتتاب ضخم ، يطرح 500 مليون سهم ،يجمع له البنك أكثر من 22 مليار ريال.
وقد صدرت عشرات الفتاوى من أهل الاختصاص بحرمة هذا الاكتتاب ،لوجود مليارات
ضخمة في أصول البنك من الأموال الربوية.
وللمَجْمع الفقهي لإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمةقرار بحرمة شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا .
وقبل يومين صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء بحرمة الاكتتاب فيها.
فحذار حذار من التساهل في هذا الإثم الكبير، والمعصية الموبقة، فالأمر خطير ، وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به .
والقضية محاربة لله ولرسوله، وأذان بنزول العذاب، وشيوع الفساد، وممحقة للكسب والكد، ودمار للبيوت وحلول للشتات، والمصائب والنكبات.
وأعلم أخا الإيمان، أنَّ من دلائل الإيمان تركك للمحرمات خوفاً من مقام ربك، فربك الرزاق، يعطي من يشاء ويبارك لمن يشاء، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه .
اللهم يا حي يا قيوم أغْنِنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتِك عن معصيتك، وبفضْلك عمَّن سواك،وهبْ لنا غنًى لا يُطغينا، وصحةً لا تُلهينا، وأغْنِنا اللهمَّ بفضلك عمَّن أغنيتَه عنا .
المالُ عَصَبُ الحياة ، وقوام العَيْش ، وأساس الاستغناء والعفاف .
المال غُرِست النفوس على حبِّه، ورُكِّبتالطباع على طلبه؛ {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}
هو زهرة الحياة، وبهجة الدنيا {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
وهو نِعمة يمنُّ الله بها على عباده؛{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}
بالمال تُصان الأعراض، وتُحفَظ الكرامة،ويتسابق به المؤمِن في درجات البِرِّ والطاعة.
المال مع الدِّين والنَّفْس والعقل والعِرْض، ضرورات خمس، جاءتِ الشريعة الإسلامية بحفِظها وصيانتها، فلقد اهتمَّ الإسلام بأمر المال، وحثَّ على كسْبه، وحضَّ على العمل والنشاط لتحصيله.
يقول سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِيمَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.
رأى عمرالفاروق قومًا قابعين في رُكْن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: مَن أنتم؟ قالوا: نحن المتوكِّلون على الله، فعلاهم عمر بالدِّرَّة، ونهاهم عن مِثْل هذا الكلام،وقال: لا يقعدنَّ أحدُكم عن طلب الرِّزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أنَّ السماءلا تُمطر ذهبًا ولا فِضَّة، وأنَّ الله يقول: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُفَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}.
فدين الإسلام لا يُريد من المسلِم أن يكون راهبًا في صومعته، أو ناسكًا في مُعتكَفه، بلا عملٍ ولاكسْب.
الإسلام يربِّي المسلِم على أن يكون كادحًا عاملاً، مؤديًا دَورَه في الحياة، آخذًا منها،معطيًا لها، والمؤمِن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمِن الضعيف.
وهل يُنشر الخير، وتُبلَّغ الدعوة، وتُرفع راية الدِّين، إلاَّ بأموال أهل الإيمان والإحسان، مع ألْسنة أهل الحق والبيان
وها هم أصحابُ النبي صلَّى الله عليهوسلَّم لما هاجروا إلى المدينة مخلِّفين وراءَهم المال والدِّيار، لم يقعدوا ويتكاسلوا عالةً على غيرهم في المدينة، بل دخلوا الأسواق، وزاحموا الناسَ في البيع والشراء، وببركةِ مال هؤلاء، قَويتْ شوكةُ الإسلام، وظهر الدِّين، وانتشرتِ الدعوة،وحمل الناس في سبيل الله، ويَكْفي أن نعرف أن سبعةً من المبشَّرين بالجنة كانوا من أهل الأموال الضخْمة، وأصحاب الضَّرْب في الأسواق.
ألا ما أسعدَ الحياةَ، وما أطيبَ العيش، حينيَأكل المرءُ ويُؤكِل، ويَلبس ويُلبِس، مِن عَرَق جبينه.
طلبُ المال الحلال مِن خيرالعبادات، وأفضلِ الطاعات، إذا صحَّت معه النيات، ويكفي أهله شرفًا أنَّ الله قد قرَنَهم مع المجاهدين الذين يُقدِّمون أرواحَهم في سبيل الله؛ {وَآخَرُونَيَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
مرَّ رجلٌ بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يشتعل حيويةً ونشاطًا، فأُعجِب الصحابة به، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله! فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنْ كان خرج يَسْعى على ولده الصِّغار، فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يَسْعى على أبوين شيخين، فهو في سبيل الله، وإن كان يَسْعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج رِياءً ومفاخرةً، فهو في سبيل الشيطان)؛ رواه الطبراني، وهو حديث صحيح.
وأطيبُ الكسْب وأبركُه ما كان بعمل اليد وعَرَق الجبين، يسأل النبي صلَّى الله عليهوسلَّم : أيُّ الكسْب أفضل؟ قال: ((عَمَلُ الرجل بيده، وكلُّ بيع مبرور))؛ رواه البزار، وصحَّحه الحاكم.
وها هم أنبياء الله، صفوة الخَلْق صلوات الله عليهم كانوا يأكلون مِن عمل أيديهم، فإبراهيم عليه السلام كان بزَّازًا؛أي: يبيع أنواع اللباس، وزكريا كان يعمل نجَّارًا ، أما داود عليه السلام فكانتْ صنعتُه الحدادة، وخير البرية محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم في صدر شبابه كان يَرْعى الغنم سنين عِدَّة، ثم اشتغل بالتِّجارة في مال خديجة بعدَ ذلك.
فالعمل عباد الله، عِزُّ الرَّجل وشرفُه،ولا غَضاضةَ في أيِّ صنعة، ولا شنار مع أيِّ حِرْفة، بل الدناءة تأكُّل فُتاتِ أموال الآخرين، والنقيصة استشرافُ أعطيات المحسنين، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:مكسبةٌ في دناءة خيرٌ من سؤال الناس.
وقال بعض السلف: خيرُ الناس مَن كفَّ فكَّه عن الحرام، وفكَّ كفَّه عن السؤال.
وطلبُ المال من حلاله، والسعيُ في جمعه من أبوابه، لا يُنافي خُلُقَ الزهد، فالزهد الحقيقي: ألاَّ يكون المال في قلْبك، إنما يكون في يدِك، يقول الإمام أحمد بن حنبل: الزُّهد أن يكون عندَك المال، فلا يستبد بك الحُزن إن نقص، ولا يستبد بك الفَرَح إن زاد.
عبادالله:
وأمامَ طُغيان المادة، وطنين المال ورنينه، تضعُف نفوس، وتذوب أخلاقيات،فيُؤكَل الحرام، ويُكتسَب الخبيث.
الكَسْب الخبيث شؤمٌ وبلاء،ونكدٌ ووباء، يُضعِف الدِّيانة، ويمحق السكينة، ويُذهِب البركة، فعلى صاحبه غُرْمُه، ولغيره غُنْمه.
الكسْب الخبيث يُقسِّي القلْب، ويُطفئ نور الإيمان، ويُبعد العبدَ من ربِّه، فلا تُقبل له صَدَقة، ولا يُرْفع له دعاء.
شرُّ المال: الكسب الحرام ، لازمٌ إثمه، ومحرومٌ أجره، وفي الحديث: أنَّ سعد بن أبي وقاص قال: يا رسولالله، ادع الله لي أن يجعلني مستجابَ الدعوة، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (يا سعدُ، أطِبْ مطعمَك، تكن مستجابَ الدعوة(
وفي الحديث : (لا يدخل الجَنَّةَ جسدٌ غُذِي بحرام)؛ رواه الطبراني، وقال الذهبي: سنده صحيح.
والقاعدة في هذا الباب - عباد الله -: أنَّ المحرَّم لا يجوز بيعُه، ولا التكسُّب منه، فإنَّ الله تعالى إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنَه، فالتكسُّب من الرِّبا والرِّشوة والدُّخَان، والمجلات الخليعة،والغِناء، كل ذلك مِن أكْل الحرام، وكذا تصريفُ السِّلع بالأَيْمان الكاذبة، واختلاس الأموال العامَّة والخاصَّة، بأساليبَ مختلفة، وسُبلٍ ملتوية، كل هذا مِن الكسْب الخبيث، وصَدَق الصادق المصدوق: (يأتي على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ ماأخذ منه، أمِن الحلال أم مِن الحرام)؛ رواه البخاري.
ومِن المسائل التي لن تزولَ قدمَا عبدٍ حتى يُسألَ عنها بين يدي ربِّه عريانًا: مالك، مِن أين اكتسبتَه؟ وفيمَ أنفقتَه؟
الْمَالُ يَذْهَبُ حِلُّهُ وَحَرَامُهُ ** يَوْمًا وَتَبْقَى فِي غَدٍ آثَامُهُ
لَيْسَ التَّقِـيُّ بِمُتَّـقٍ لِإِلَهـِهِ ** حَتَّى يَطِيبَ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ
وَيَطِيبَ مَايَحْوِي وَتَكْسِبُ كَفُّهُ ** وَيَكُونَ فِي حُسْنِ الْحَدِيثِ كَلاَمُهُ
نَطَـقَ النَّبِيُّ لَنَا بِهِ عَنْ رَبِّهِ ** فَعَلَى النَّبِيِّ صَلاَتُهُ وَسَلاَمُهُ
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وليِّ المتقين، ولا عدوانَ إلاعلى الظالمين، والصلاة والسلام على نبيِّه الأمين، وعلى آله وصحْبه أجمعين، أمابعد فيا إخوة الإيمان:
إن عدت المكاسب الخبيثة فالربا أشدها إثماً ، وأعظمها وزراً ، حرَّمه الله في جميع الشرائع، وهو كسب خبيث وضائع.
الربا دمار للدنيا والديانة، وفساد للأخلاق، وحرمان من التوفيق، وفقد للطمأنينة والسعادة، ومحق للبركة( يمحق الله الربا ويربي الصدقات).
شؤم الربا يلاحق صاحبه في حياته، وقبره، وحشره، فأكلة الربا ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، قال جابر : لعن رسول الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء.
يموت آكل الربا ويبقى هذا الكسب الخبيث عذاباً على صاحبه في قبره، ففي حديث سمرة الطويل في صحيح البخاري، قال النبي في رؤياه: فانطَلَقنا ، فَأتينَا على نَهْرٍ حَسِبْتُ أنَّهُ كان يقول: أحْمَرَ مِثْل الدَّم وإذَا في النَّهْرِ رجُلٌ سابِحٌ يسْبَحُ ، وإذا على شط النهر رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عنْدهُ حِجَارَة كَثيرة ، وإذا ذلك السابح يسْبَحُ ما سَبَحَ ، ثم يأتي ذلك الذي قَد جَمَعَ عنْده الحجارة ، فَيَفْغَرُ فَاهُ ، فَيُلْقِمُهُ حَجَرا، فيَنْطَلِقُ فيَسْبَحُ ، ثم يرجعُ إليه ، كُلَّما رَجع إليه فَغَر فَاهُ ، فأَلْقَمَهُ حجرا، قال: قلتُ لهما : ما هذا ؟ قال : «قالا لي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ ،... وفي آخر الحديث قال له الملكان عن سبب هذا العذاب: (وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا).
ويوم يقوم العالمين لرب العالمين يقوم آكل الربا على حال بشعة، يراه الخلق متخبطاً، يقوم ويسقط، كحالة المصروع الذي يقوم ويسقط بسبب الصرع؛ (كالذي يتخبطه الشيطان من المس).
وتوعَّدَ اللهُ تعالى أصحابَ الرِّبا بالنارِ، بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (إبطال الحيل) أنه جاء الوعيد في الربا ما لم يأت في أي ذنب آخر سوى الشرك والكفر.
وأخيراً ، فإن حديث المجتمع في فائت الأيام كان عن اكتتاب الأسهم في أحد البنوك المحلية، وهو اكتتاب ضخم ، يطرح 500 مليون سهم ،يجمع له البنك أكثر من 22 مليار ريال.
وقد صدرت عشرات الفتاوى من أهل الاختصاص بحرمة هذا الاكتتاب ،لوجود مليارات
ضخمة في أصول البنك من الأموال الربوية.
وللمَجْمع الفقهي لإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمةقرار بحرمة شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا .
وقبل يومين صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء بحرمة الاكتتاب فيها.
فحذار حذار من التساهل في هذا الإثم الكبير، والمعصية الموبقة، فالأمر خطير ، وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به .
والقضية محاربة لله ولرسوله، وأذان بنزول العذاب، وشيوع الفساد، وممحقة للكسب والكد، ودمار للبيوت وحلول للشتات، والمصائب والنكبات.
وأعلم أخا الإيمان، أنَّ من دلائل الإيمان تركك للمحرمات خوفاً من مقام ربك، فربك الرزاق، يعطي من يشاء ويبارك لمن يشاء، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه .
اللهم يا حي يا قيوم أغْنِنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتِك عن معصيتك، وبفضْلك عمَّن سواك،وهبْ لنا غنًى لا يُطغينا، وصحةً لا تُلهينا، وأغْنِنا اللهمَّ بفضلك عمَّن أغنيتَه عنا .
المرفقات
أكل الحلال وتوقي الربا.docx
أكل الحلال وتوقي الربا.docx
أبو اليسر
خطبة موفقه لكن ليتها نزلت في وقت أبكر قليلاً ليتم الإستفادة منها
وفقك الله لكل خير
تعديل التعليق