أكذب الحديث..سوء الظن بالمسلمين

أكــــذب الحـــديــث
سوء الظن بالمسلمين
الحمد لله العظيم حمدًا حمدًا، الحمد لله الجليلِ أبدًا سرمدًا، تبارك ربنا وتعالى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ربَّ لنا سواه وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليهِ، وعلى آله وصحبهِ والتابعينَ، ومن تبعهُم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا ۝٧٠ یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا ۝٧١﴾
عباد الله:
أكذب الحديث آفة مهلكة كم أتت على قلوب فأفسدتها، وعلى نفوس فغيرتها، وعلى أرحام فقطعتها، وأُسر متآلفة فمزقتها،
أكذب الحديث، كم رُوِّع به أناس، وظُلِم به أقوام، وهُجِر به صلحاء دون مسوِّغ شرعي، وكما قال الأول: وأرى العداوة لا أرى أسبابها،
سوء الظن إذا تسرّب إلى النفوس أدّى بها إلى اتهامات زائفة، وتتبع العورات، وتلقّط الهفوات، والتجسّس الدنيء، ظنٌّ آثم، فغيبة نكراء، فبهتان وافتراء،
وإذا شاع سوء الظن تقاذف الناس التهم فتباغضوا وتدابروا وتقاطعوا فخسروا كلهم وانتصر الشيطان.
وإذا اعتبرت الظنون، واستمع إلى مُصدِّريها أحالت السلام شتيمة منكرة، وفسرت الابتسامة استهانة، وصار المدح بسوء الظن قدحا مظمنا. عباد الله:
"الظن تهمةٌ تقع في القلب بلا دليل"
ولذلك أمر الله تعالى باجتناب كثير الظن؛ احترازاً من الوقوع في الإثم فقال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)
نداءٌ للمؤمنين، يأمرهم أن لا يتركوا أنفسهم نَهْباً لكل ما يهجس فيها حول الآخرين من ظنون وشبهات، وبهذا يطهّر القرآن الضمير من داخله أن يتلوّث بالظن السيئ فيقع في الإثم، ويدعه نقيًّا بريئاً من الهواجس والشكوك، أبيض، يُكِنّ لإخوانه المودة التي لا يعكّرها ظن السوء، والبراءة التي لا تلوّثها الريب والشكوك.
وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إياكم والظنَّ! فإن الظن أكذب الحديث".
وقال ابن عباس رضي الله عنه:
(إنَّ الله قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن يظنَّ به ظنَّ السوء)
فالظن الذي بمجرد الوهم لا يجوز.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" اعلم أن سوء الظن حرامٌ مثل القول، فكما يحرم أن تُحَدِّث غيرَك بمساوئ إنسان ، يحرم أن تحدث نفسك بذلك وتسيئ الظن به ،...والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيرك بالسوء ، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء ؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه ، " ا.هـــ بتصرف
عباد الله:
قال الإمام الغزالي رحمه الله:
"ومن علامة إساءة الظن أن يتغير قلبك معه عما كان عليه ، فتنفر منه ، وتستثقله ، وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيئته ، فإن الشيطان قد يقرب إلى القلب بأدنى خيالٍ مساوئَ الناس ، ويلقي إليه : أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبهك ، وإنما هو على التحقيق ناطق بغرور الشيطان وظلمته"
انتهى كلامه رحمه الله
ومن سوء الظن بالمسلمين حمل أقوالهم وأفعالهم على محمل سيئ بتضخيم السيئات، والنظر إليهم بمنظار الاتهام والإدانة دون البحث عن الأسباب، أو التماس المعاذير؛ وتفسير كل قول أو فعل يحتمل وجهين: وجهَ خير ووجهَ شر؛ فسبحان الله! كيف يحكمون على النيات والمقاصد؟!
قال ابن القيم رحمه الله:
"والله إن العبد ليصعب عليه معرفة نيته في عمله، فكيف يتسلط على نيَّات الخلق"
فعلم خبايا النفوس وأسرارها والمحاسبة عليها من خصائص الله سبحانه وتعالى الذي يعلم السر وأخفى، وهو العَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ.
ورغم علمنا بذلك فإنه كثيراً ما يطرق السمع في مجالس المسلمين العامة والخاصة: فلان قصد كذا، وفلان نوى كذا، وفلان أراد مِن فعله أو قوله كذا، سوء ظن مقيت، يقطع حبال الأقربين، ويزرع الشكوك بين أفراد المجتمع،
وقد قال سعيد بن المسيب -رحمه الله تعالى-:
"كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم-: أن ضعْ أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظننَّ بكلمةٍ خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً" رواه البيهقي.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:
"لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءاً وهو يجد لها في شيء من الخير مصدراً". ورحم الله القلاعي إذ يقول:
"فقد يوحش اللفظ وكله وُد، ويُكره الشيء وليس من فعله بُد، هذه العرب تقول: لا أبا لك! في الأمر إذا همّ، وقاتله الله، ولا يريدون الذم، وويل أمِّه! للأمر إذا تم، ومن الدعاء: تربت يمينك،" انتهى كلامه رحمه الله.
فليس من منهج المسلم الصالح تأويل الألفاظ، وليّ المعاني، والفرح بالعثرات، ومعاملة المسلمين بسوء الظن،
أسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين من وساوس الشيطان، ومن القيل والقال، وأن يجعل قلوبنا سليمة على إخواننا المسلمين، إنه سميع مجيب.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَمْدُ لِلهِ الرَّبِّ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ الْحَلِيمِ الْعَظِيمِ؛ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عباد الله:
لا ينبغي للمسلم أن يلتفت كثيرا إلى أفعال الناس، يراقب هذا ، ويتابع ذاك ، ويفتش عن أمر تلك ، بل الواجب عليه أن يُقبل على نفسه فيصلحَ شأنها ، ويُقوِّمَ خطأها ، ويرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية ، فإذا شغل نفسه بذلك ، لم يجد وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وظن السوء بهم .
"ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة لا شك فيها، فانصحه في السر ، ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه ، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه... ولكن اقصد تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك "

"فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، و"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"،
المرفقات

1651949055_سوء الظن بالمسلمين أكذب الحديث.docx

المشاهدات 1246 | التعليقات 0