أكاذيب العرافين
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى:(23/3/1443هـ)
أما بعد: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ .
عباد الله:إنَّ علم التوحيد أشرفُ العلوم، وأجلُّها قدرًا، وأوجبُها مطلبًا؛ لأنه العلم بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وحقوقه على عباده، ولأنه مفتاح الطريق إلى الله تعالى، وأساس شرائعه.
ولذا؛ أجمعت الرسل على الدعوة إليه، قال الله تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾. التوحيد من أجله خلق الله الخلق:
قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾
التوحيد فطرة الله التي فطر الناس عليها:
قال - تعالى -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
التوحيد من أجله أنزل الله الكتب:
قال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾.
التوحيد من أجله انقسم الناس إلى مؤمن وكافر وبينهما ولاء وبراء: قال - تعالى -: ﴿ لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ
الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون ﴾.
التوحيد من أجله شرع الله الجهاد:
قال - تعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
التوحيد شرط في النصر والتمكين:
قال - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.
التوحيد شرط في قبول الأعمال:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾.
التوحيد شرطٌ في الشفاعة:
﴿ يَوْمَئِذٍ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ﴾، والله لا يرتضي إلاَّ التوحيد؛ كما قال - تعالى -:﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
التوحيد شرطٌ في دخول الجنة والنجاة من الخلود في النار:
﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾.
فيا مَن مَنَّ اللهُ عليه بمعرفة التوحيد، اشكر ربك ومولاك بما مَنَّ بِه عليك واصطفاك واسأله أن يثبتك عليه حتى تلقاه فإنه العروة الوثقى التي من تمسك بها نجى يقول الله جل وعلا ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ﴾
بارك الله لي ولكم ،،،،
الخطبة الثانية:
إنَّه متى ما قُدِح في التوحيد ونِيل منه، اختلَّ الأمن، واضطرب الحال، وإليكم مِصداقَ ذلك من كتاب ربكم في قوله: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾.
واعلموا علمني الله وإياكم أنه لا يستقيم توحيد العبد إلا بمعرفة الشرك والتبرؤِ منه.
فكم منا نحن المسلمين من يناقض التوحيد الخالص لله ويقع في الشرك الأكبر بتعلقه بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم .
والكهان والعرافين والمنجمين، وإن كانوا موجدين في كل عصر، لكن شرهم كان لا يصل إلا لمن ذهب إليهم، أما في عصرنا فمع وجود وسائل التقنية والاتصال أصبحوا يصلون بكفرهم وشرهم إلى الناس بكل سهولة، فالحذر
الحذر منهم.
وَمِنَ الْعَجَبِ الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ، وَالتَّلْبِيسِ الْخَسِيسِ مِنْ إِبْلِيسَ وَأَعْوَانِهِ مِمَّنْ يُجِيدُ التَّدْلِيسَ عَلَى بَعْضِ الْبَشَرِ؛ أَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ يُصَدِّقُ هَؤُلاَءِ الْكَهَنَةَ وَالْعَرَّافِينَ وَالْمُنَجِّمِينَ!بَلْ يَصِفُهُمْ بِالْمُعَالِجِينَ الرُّوحَانِيِّينَ، وَيُسَوِّقُ لَهُمْ بِأَسْمَاءٍ حَدِيثَةٍ كَالْخُبَرَاءِ، أَوِ الْمُجَرِّبِينَ، أَوِ الْمُدَرِّبِينَ، أَوِ الْمُكْتَشِفِينَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَسْمَاءِ الْمُسْتَجَدَّةِ، وَيُقَالُ عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ أَهْلُ خِبْرَةٍ وَدِرَايَةٍ وَمَعْرِفَةٍ وَتَدَرُّبٍ، مِنْ خِلاَلِ النَّظَرِ مَثَلاً إِلَى تَوْقِيعِ الشَّخْصِ، أَوْ تَارِيخِ مِيلاَدِهِ أَوِ اسْمِهِ أَوْ بُرْجِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ وَهَؤُلاَءِ بِأَيِّ اسْمٍ تَسَمَّوْا وَبِأَيِّ صِفَةٍ كَانُوا فَإِنَّهُمْ : هُمُ الْعَرَّافُونَ الَّذِينَ حَذَّرَ مِنْهُمْ نَبِيُّنَا -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- صِيَانَةً لِعَقَائِدِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» [رواه مسلم]، فَسُؤَالُ الْعَرَّافِ الْمُجَرَّدِ لاَ يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى التَّصْدِيقِ، وَلأَنَّ فِي سُؤَالِهِمْ إِظْهَارًا لِشَأْنِهِمْ وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِهِمْ وَإِظْهَارًا لأَمْرِهِمْ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَقْدِيرًا لِمَا يَقُومُونَ بِهِ مِنْ جُهُودٍ! وَيَدْخُلُ فِي الإِتْيَانِ الاِتِّصَالُ بِهِمْ عَبْرَ الْجَوَّالِ أَوِ التَّوَاصُلُ عَبْرَ الإِنْتَرْنِتْ أَوِ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْوَاجِبُ التَّبْلِيغُ عَنْهُمْ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُمْ، وَفَضْحُ أَمْرِهِمْ، وَهَجْرُهُمْ وَالتَّقْلِيلُ مِنْ شَأْنِهِمْ.
ثم صلوا وسلموا،،،