أقبلت العشر الأواخر فاغتنموها 16 رمضان
نجم الدين
أقبلت العشْــرُ الأواخر 16 رمضان 1444هـ
الخُطْبَةُ الأُولَى: إن الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إلَيْهِ؛ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وَصَحْبِهِ أجمعين وسَلَّمَ تَسْـلِيمًا كَــثِيْــرا، أمَّا بَعْدُ :
فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللَّهِ - وَنَفْسِي بِتقوى الله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون﴾
أيُّها المُسلمونَ الصَّائِمونَ، لنتق اللهَ تعالى, ولنشكره أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَاْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، فله سبحانَهُ الـمِنّــةُ، ولَـهُ الفضل، ولهُ الحمد، وله الشكر.
وقد منَّ عَلَينا بواسع فضله فبلّغنا شهر الصيام والقيام، ونسأله سبحانه أن نكون مـمن صام أيامَـــهُ وقام لياليهِ إيمانا واحتسابا.
عبادالله: وفي هذا الأسبوع تدخل علينا ليال العشر الأواخر، هي خير ليالي الشهر، وفيها ليلة خير من ألف شهر، فليس العمل فيها كما يقول البعض يعادل ما يقارب ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر بل خير من ذلك ﴿ خير من ألف شهر ﴾ ولايُــفرّطُ في القيام في هذه العشر التي تُـتَحَـــرَى فيها ليلةُ القدر إلا محروم ، فمن الناس من يبدأ مجتهدا في أول رمضان، فإذا دخلت العشر دبّ إليه الكسل ، وحصل له التفريط، الله ، الله، عبادالله في لزوم المساجد في هذه الليالي المباركة، والصلاة، خلف إمام يتأنى في قراءته، ويخشع في ركوعه وسجوده،
وإذا كان اللهُ سبحانه في سائر أيام السنة يفرحُ بالعبد الذي يجلس في المسجد، فكيف بفرحه سبحانه بعبده في هذه الليالي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُوطِنُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ بِهِ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ» أخرجه أحمد في مُسندِهِ، وصححه الألباني.
وإن الله تعالى إذا فرح بالعبد أكرمه ببره، ورحمته، ووفقه للطاعة.
أيها المؤمنون: لَيلَةُ القدرِ، لَيلَةٌ غَيرُ مُعَيِّنَةٍ ، وَلَكِنَّهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ قَطعًا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنِّي أُرِيتُ لَيلَةَ القَدرِ ثم أُنسِيتُهَا ، فَالتَمِسُوهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ في الوِترِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَإِنَّهُ لا يُوَفَّقُ مُسلِمٌ لِقِيَامِ العَشرِ الأَخِيرَةِ كُلِّهَا إِلاَّ بُلِّغَ لَيلَةَ القَدرِ وَلا بُدَّ ، وَتَاللهِ مَا هَذَا بِأَمرٍ عَسِيرٍ، وَلا مُستَحِيلٍ ، وَلَكِنَّهُ يَحتَاجُ إِلى عَزمٍ وَجِدٍّ وَتَشمِيرٍ ، وَاحتِسَابِ أَجرٍ وَاحتِبَاسِ نَفسٍ وَصَبرٍ ، وَسُؤَالٍ للهِ الإِعَانَةَ وَالتَّوفِيقَ ،
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد وَصَفَ اللهُ لَيلَةَ القَدرِ بِأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ ، فقَالَ ـ سُبحَانَهُ :﴿إِنَّا أَنزَلنَاهُ في لَيلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾
، وَفِيهَا تَتَنَزَّلُ المَلائِكَةُ حَتى أَفضَلُهُم وَهُوَ جِبرِيلُ عليه السلام، وَهِيَ سَلامٌ حَتَّى مَطلَعِ الفَجرِ ، يَسلَمُ فِيهَا المُؤمِنُونَ مِنَ العِقَابِ وَالعَذَابِ بما يَقُومُونَ بِهِ مِن طَاعَةِ رَبِّهِم ، وَمَا يَرفَعُونَهُ إِلَيهِ مِن دُعَاءٍ وَرَجَاءٍ
أيها الحريص على العمل الصالح، أيها الحريص على عمل ماينفعك في قبرك وآخرتك، لقد بشّرَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصَّادِقُ المَصدُوقُ أَنَّ مَن قَامَهَا إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ؟!
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ ِإذَا كَانَ رَسُولُ الهُدَى وَإِمَامُ المُتَّقِينَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ المَغفُورُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، يَجتَهِدُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِها ، فَيَشُدُّ مِئزَرَهُ وَيُحيِي لَيلَهُ، وَيُوقِظُ أَهلَهُ ، فَكَيفَ بِنَا وَنَحنُ المُذنِبُونَ المُخطِئُونَ ؟نَحنُ أَولى بِالعَمَلِ وَالاجتِهَادِ وَرَفعِ الدَّعَوَاتِ ، وَالتَّعَرُّضِ لِلرَّحَمَاتِ وَالنَّفَحَاتِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : ﴿ إِنَّا أَنزَلنَاهُ في لَيلَةِ القَدرِ . وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ . لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ . تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطلَعِ الفجر﴾
اللهم وفقنا، و اكتبنا فيمن يصوم أيامَ هذا الشهر ويقومه إيمانا واحتسابا ونسألك يا حي ياقيوم يا ذا الجلال والإكرام أن نكون ممن يقوم ليلة القدر إيمانا واحتسابا .
باركَ اللّهُ لِي ولَكُم في الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بـما فِــيهِ مِنَ الآيَاتِ والذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُوُلُ قَوْلِي هَذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ ا الْجَلِيلَ لي وَلَكم ولِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَانِيَةُ : الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدهُ لاشريك لهُ، تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَتْبَاعِهِ، إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرا ، أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَاشكُرُوهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيكُم مِن بُلُوغ مَا مَضَى مِن شَهرِكُمُ الكَرِيمِ ، مَن كَانَ مِنكُم أَحسَنَ فِيمَا مَضَى فَلْيُتِمَّ إِحسَانَهُ ، وَمَن كَانَ مُقَصِّرًا فَلْيَتَدَارَكْ نَفسَهُ فِيمَا بَقِيَ ؛ فَإِنَّمَا الأَعمَالُ بِالخَوَاتِيمِ ، وَالعِبرَةُ بِكَمَالِ النِّهَايَاتِ لا بِنَقصِ البِدَايَاتِ ، قَدِّمُوا لأَنفُسِكُم وَاجتَهِدُوا في طَاعَةِ رَبِّكُم ، مَن أَطَاقَ مِنكُمُ الاعتِكَافِ فَلْيَفعَلْ ؛ فَقَد اعتَكَفَ نَبِيُّكُم وَاعتَكَفَ أَزوَاجُهُ مِن بَعدِهِ ، وَمَن لم يَستَطِعْ فَلا أَقَلَّ مِنَ المُحَافَظَةِ عَلَى الفَرَائِضِ في المَسَاجِدِ ، وَالحِرصِ عَلَى القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ حَتى يَنصَرِفَ ، وَإِلاَّ فَمَا دُونَ ذَلِكَ إِلاَّ الخَسَارَةُ وَالغَبنَ ،وإن جاءكم من يقول رأى فلان رؤيا أنَّ ليلةَ القدر البارحة، أو أرسل لكم صور الشمس، فلا تتكاسلوا فيما بقي من الليالي فإن كانت ليلةُ القدر قد مرّت فالقيام لايزاُل مشروعا والأجر عليه ثابتٌ وإن كانت لم تـمر فتكونوا قد أدركتم فضلَها ولم يفُــــتْــــكم أجرَها
عبادالله: صَلُّوا وَسَلِّمُوا -رحمكم الله- على مَنْ أمركم الله بالصلاة عليه، فقال عَـــزّ مِنْ قائل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [ الأحزاب:56]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَأَصْحَاْبِهِ الطَّاهِرِينَ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَ اقْتَفَى أَثَرَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بكرمكَ وَمَنّكَ، يَاْ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.اَللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيْمَنْ خَافَكَ، وَاتَّقَاكَ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ.
رَبِّ أَعِنّا وَلَا تُعِنْ عَلَينا، وَانْصُرْنا وَلَا تَنْصُرْ عَلَينا، وَامْكُرْ لِنا وَلَا تَمْكُرْ عَلَينا، وَاهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَى لِنا، وَانْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيّنا.
عبادالله :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ النحل:90] فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرَكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ على نِعَمهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1680864508_أقبلت العشْــرُ الأواخر 16 رمضان 1444هـ.docx
1680864519_أقبلت العشْــرُ الأواخر 16 رمضان 1444هـ.pdf