أفكار قرآنية في شهر رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

أفكار قرآنية في شهر رمضان

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:

 

عباد الله: فإننا في شهر رمضان شهر القرآن بحاجة إلى أن نراجع أنفسنا تجاه القرآن؛ نعم الكثير منا قد أقبل على القرآن الكريم تلاوةً وختماً، ولكن هل التلاوة والختم هو غاية نزول القرآن الكريم؟ وهل التلاوة والختم هو عادتنا وديدننا في كل شهر؟ أما هل التلاوة والختم هو غاية نزول القرآن الكريم؛ فقد أجاب القرآن الكريم عن ذلك بقوله -تعالى- عن أهل الكتاب؛ (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ)؛ أي تلاوة، ويبين الله -تعالى- هدف نزول القرآن بقوله -سبحانه-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وهذا دليل على خطأ من يظنّ أنه بتلاوة القرآن ينال كل البركة وتبرأ ذمّته، كان عمر -رضي الله عنه- حريصاً على معرفة معنى الكلالة، وكان يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها أكثر من مرة، وقال: إني لا أدع بعدي شيئا أهم من الكلالة، وما راجعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء منذ صاحبته ما أغلظ لي في الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري، وقال: يا عمر أما تكفيك آية الصيف التي أنزلت في سورة النساء.

 

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: قال: "ظللت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب فتمنعني هيبته، حتى حج وحججت معه، وعدل -أي: ترك طريق الناس ليقضي حاجته- فلما قضى حاجته وجاء وكانت الإداوة -وهي شيء يشبه الإبريق فيه ماء- في يد ابن عباس، وهو يصب عليه وضوءه قال: يا أمير المؤمنين! إنني أريد أن أسألك منذ سنة، ولكن تمنعني هيبتك؛ فقال: يا ابن أخي! إذا علمت أن عندي علماً فاسألني؛ فقال له: من المرأتان اللتان قال الله فيهما: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)؟.

لم يا ترى يحرص عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- على معرفة معنى الآية، وهما يحسنان تلاوتهما؟ حتى يتدبرا في كتاب الله -سبحانه-، ويحققا المراد من إنزال القرآن؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لأن أقرأ: (إِذَا زُلْزِلَتِ) و (الْقَارِعَةُ)، أتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا، وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: لأن أقرأ القرآن في شهر أحب إليّ من أن أقرأه في خمس عشرة، ولأن أقرأه في خمس عشرة أحب إلي من أن أقرأه في عشر، ولأن أقرأه في عشر أحب إلي من أن أقرأه في سبع؛ أقف وأدعو.

 

وذم النبي -صلى الله عليه وسلم- قوماً من أمته يأتون من بعده يكتفون بقراءة القرآن دون عمل واتباع، روَى البخاريّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه- أنه قال: سَمعت رسول الله يقول: "يخرُج فيكم قومٌ تحقِرون صلاتَكم مَع صلاتهم، وصِيامَكم معَ صِيامهم، وعمَلَكم مع عَملِهم، يقرؤونَ القرآنَ لا يجاوز حَناجِرَهم، يمرُقون من الدّين كما يمرُق السّهمُ من الرميّة".

 

اسأل نفسك: أين أنا من القرآن؟ أين أبنائي من القرآن؟ أين مالي من القرآن؟

وقبل التدبر وبعده يأتي حفظ القرآن الكريم، وحفظ القرآن الكريم نعمة كبيرة؛ لأن القرآن ربيع القلوب، وروضة الصالحين، وشفاء الصدور؛ فمن امتلأ قلبه بالقرآن فهو القلب السليم من الأمراض المطمئن من القلق؛ فكم أحفظ من القرآن؟ ولم لا أكون في زمرة الحفاظ؟

 

قبل أيام استمعت إلى مقطع لرجل يقول إن والدته البالغة 80 سنة أتمّت حفظ القرآن الكريم قريباً.

 

قلت ما سمعتم ولي ولكم فاستغفروا الله ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:

 

أيها المسلمون: وكان جبريل -عليه السلام- يدارس النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في شهر رمضان، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدارس الحفاظ من الصحابة في غير شهر رمضان، حتى بلغ من فضل ومنزلة حفاظ القرآن أن أمر الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقرأ على أبيّ بن كعب سورة البيِّنة؛ قال أبيّ: وسمّاني؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: نعم. فبكى أبيّ. الرسول -صلى الله عليه وسلم- المعلّم يطلب منه أن يراجع سورة البينة مع أحد تلاميذه، والطلب ممن؟ من الله- سبحانه-، الله أكبر، هذا تشريف حافظ القرآن.

 

هل أنا معظم للقرآن الكريم؟ إنَّ تعظيمَ كلامِ الله تعظيمٌ لله، ومِن تعظيم كتابِ الله أن لاَ يقرَأَه الإنسانُ وهو جنُب، وأن لا يمَسَّ المصحفَ إلاّ على طَهارة.

 

ومِن تعظيم القرآن أنّه لا يجوزُ الكلامُ فيه بِغير عِلم، وعدم قَطع القراءةِ لكلام الناس، روَى البخاريّ عَن نافع قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- "إذا قرَأ القرآنَ لم يتكلَّم حتّى يفرغَ منه"، ومِن تعظيمِه عدمُ السّفر بالقرآنِ إلى أرضِ العدوّ؛ لأنهم في الغالب سيمتهنونه، وكذلك عدم تمكين الكافر المتعصب منه، أما من أجل الدعوة فلا بأس.

 

ومِن تعظيمِ القرآن المحافظةُ على الكُتبِ والصّحُف التي تشتمِل على آياتٍ من القرآنِ الكريمِ، ومِن تعظيم كلام الله أن يُرفَعَ فلا يوضَع في الأرض، لا سيما في الأرض التي ليسَت محتَرَمة، ومِن تعظيمِ القرآن أن لا تمدَّ إليه رجلَيك، وأن لا تولّيَه ظهرَك.

 

وكان عكرمة بن أبي جهل -رضي الله عنه- يضع المصحف على وجهه ثم يضعه فوق الرفّ ويقول: كتاب ربي كتاب ربي.

 

أخيراً؛ فإن من حق القرآن الكريم علينا تلاوته وتجويده، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران"؛ لذا فإن أفضل التلاوة ما كانت مرتّلة باتباع أحكام التجويد ومشافهة المقرئين؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحب أن يستمع إلى القرآن الكريم من المجودين من الصحابة؛ كابن مسعود وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-.

 

عباد الله: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال صلى الله عليه وسلم؛ "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي"، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللهم أمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمناً مباركاً وجميع بلاد المسلمين.

 

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ، والنَّجاةَ مِنَ النَّارِ.

 

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل بلادنا آمنةً مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.

المشاهدات 269 | التعليقات 0