{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ}

د عبدالعزيز التويجري
1443/05/19 - 2021/12/23 11:42AM
الخطبة الاولى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ}              20 / 5 /1443ه
الحمدُ لله الذي أعزَّنا بالدين، وجعلنا خيرَ أمةٍ أخرجت للعالمين، وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له ولي المؤمنين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله سيدُ الأولين والآخرين-  صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
أخرج ابن سعد في الطبقات، وابن اسحاق في المغازي  قَالَ: لَمَّا نَقَضَت قريشُ العهدَ قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ. فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ r طَوَتْهُ دُونَهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ أَرَغِبْتِ بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنِّي، أَوْ رَغِبْتِ بِهِ عَنِّي؟ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجِسٌ مُشْرِكٌ. فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِهِ.
موقفٌ عظيمٌ مهيبُ من امرأةٍ تُجلي فيه روحَ العزةِ والتميزِ والإباءِ في قطعةِ فراشٍ أن لايمسه مشركُ، حتى ولو كان هذا الكافرُ أقربَ قريبٍ، لأنه فراشُ رسول الله  r.
 فما عساه أن يجليهِ منهزمي أمتِنا وضِعافِ الإيمانِ في مجتمعِنا في ترقبٍ واستعدادٍ لبسطِ فراشِ من ورودٍ يُلطِخُ سنةَ سيدِ الأنامِ، ويخالفُ أصولَ الإسلامِ {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
تنهزمُ النفوسُ حين تَجعلُ من شعاراتِ عزِها تبعيةً لمن يحارب دينَها .. وتَعتقدُ تميُزِها حينما تحاكي من يحاكي كيف يَصدُها عن دينهِا، ويستولي على ثرواتهاِ ويسلبُ خيراتهِا {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}
هذه امنياتُهم وهذه خططُهم التي نطق القرآنُ بها لتدميرِ الإسلامِ فكريا واقتصاديا وعسكريا {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.
 لا يعتزُ من لا يفهمُ القرآنَ، ولا يفلحُ من يَحيدُ عن منهجِ الإسلامِ {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} لا ينصُر اللهُ من اتبع هواهم، ليس اتباعَ دينهم، إنما اتباعُ هواهُم ومرادُهم لاينصُرهُ الله، ولا يعزُه ولا يحميِه ولا يقيِه {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} ويحشرهُ الله مع الظالمين {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}
هذه حقائقُ القرآنِ واضحةٌ بينةُ، وشواهدُ الزمانِ ظاهرةُ جليةُ .. أنّ من اتبع غيرَ هدى اللهِ، ورجا العزةَ في باتباعِ نهج الكافرين فإنّ الذلةَ تَرْهقه والخسرانَ نهايتُه، وفي الحديث: «وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» أخرجه الإمام احمد وغيره.
يَظهرُ خلل العقيدةِ في المجتمعِ  حينما يَترك المنهزمون في الأمةِ المنبعَ الصافي من المنهجَ الرباني، ليتسولوا على فتاتِ أخلاقِ الأممِ، ويدسوا أنوفَهُم في جحورِهم، فيرونَ العزةَ في اتداءِ لباسِهم، والتميزَ بمحاكاةِ مسمياتهِم، والتفاخرَ في اظهارِ شعاراتِ أعيادِهم،  ولو دخلوا جحرَ ضبٍ مليءٍ بالنتنِ لدخلوه . «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»
كيف يرضى مسلمٌ يشهدُ في كلِ صلاةِ أنه لا إله إلا الله  يجاري ويوالي ويحاكي من ينازعُ اللهَ في ألوهيتهِ ويدعي له الولدَ والصاحبه {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}
كيف ترجو أمةٌ من ربِها الغيثَ والنصرَ والرزقَ وسفهاؤها يتسابقون في ملاحقةِ واحتواءِ من { قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } والله يقول {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
إذا حاد الانسانُ عن تشريعاتِ الإسلامِ اقتات من فُتاتِ الأممِ ، وتسول على رذائلِ أخلاقِ النحلِ، ففي كلِ يومٍ له لباسٌ، وأصبح عائرًا بين الناسِ، يُكمل نقص نفسهِ بترهاتِ غيرِه، ويبني شخصيتَه على شفا جرف هار، ضحالةُ في المعنى، واضطرابُ في المبنى .
      مَرضت أخلاقُنا مذ تبِعت     **    أمةٌ الأخلاقِ أخلاقَا سواها
   كيف عن أخلاقِها قد أعرضت   **    وتبنت كلَ أخلاقٍ عداها!؟
     كيف لا ترضى بأخلاقٍ بها     **   سادت الدنيا ونالت مبتغاها؟
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "فَهَذَا عُمَرُ قَدْ نَهَى عَنْ تَعَلُّمِ لِسَانِهِمْ وَعَنْ مُجَرَّدِ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَكَيْفَ مَنْ يَفْعَلُ بَعْضَ أَفْعَالِهِمْ؟ أَوْ قَصَدَ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ دِينِهِمْ؟ أَلَيْسَتْ مُوَافَقَتُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَعْظَمَ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ فِي اللُّغَةِ؟ أَوَ لَيْسَ عَمَلُ بَعْضِ أَعْمَالِ عِيدِهِمْ أَعْظَمَ مِنْ مُجَرَّدِ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ؟، وَإِذَا كَانَ السَّخَطُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ، فَمَنْ يُشْرَكُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَوْ بَعْضِهِ أَلَيْسَ قَدْ تَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ ذَلِكَ؟
 وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ t: "مَنْ صَنَعَ نَيْرُوزَهَمْ وَمِهْرَجَانَهمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ حُشِرَ مَعَهُمْ". وَفي سنن البيهقي قَالَ عُمَرُ: «اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ». وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ الإمام مَالِكٍ: "فَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ، وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.
 فاتقوا الله معشر المؤمنين، وخالفوا المشركين وحذِروا منه أهليكم، وانصحوا من ترونه متشبها بهم، وانكروا على من يروج لأعيادهم.. يتولاكم ربكم ويعزكم وينصركم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }..
استغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات، فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه، إنه كان للاوابين غفورا.
الخطبة الثانية ... الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد ..
فالتمسكُ بالتوحيدِ والارتباطُ بالعقيدةِ  حفظُ للعبدِ من مضلات الفتنِ وشبهاتِ النحلِ .. أخرجه الإمام أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ " وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: " قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ "
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا "
قضى الله أنه متى ما حادت الأمةُ عن عقيدتِها، وتعلقت بهذا أوبذاك؛ إلا وتقلبت في ثنايا الإهاناتِ والنكباتِ والنكسات حتى ترجعَ إلى كتابِ ربها وسنةِ نبيها.
        من يتق الله وينصر دينه        لابد في ساح المعارك يُنصَرٌ
اللهم اهدنا للحق ورزقنا الثبات عليه وأعذنا من مضلات الفتن.... اللهم آمنا في دورنا واصلح ولاة أمورنا .. اللهم اجعلهم نصرة للحق وأهله وحربا على الباطل واهله
المرفقات

1640261631_أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ.pdf

1640261647_أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ.docx

المشاهدات 1296 | التعليقات 0