«أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَة»
محمد البدر
1440/06/30 - 2019/03/07 11:01AM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى :﴿ وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ » رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
ويستحب صلاة النوافل في المسجد أو في البيت ، واجعلوا بعضاً من النوافل في بيوتكم؛ ليقتدي بكم أولادكم وزوجاتكم، فيتعلم الصغير، ويتذكر الكبير، وتنزل في البيت الرحمة والملائكة ولقدْ حرصَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، ومِنْ بعدِهِ سلفُ هذهِ الأمةِ على صلاةِ النوافلِ في البيوتِ ،قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْرًا » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ زيدِ بنِ ثابتٍ رضيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْزَةً، مِنْ حَصِيرٍ، فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَة» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إنَّ مِن رحمةِ اللهِ بعبادِهِ أنْ شرعَ لهم نوافلَ مِنْ العباداتِ والطاعاتِ يُكمُلُ بها نقصُ فرائضِهم، وَإِنَّ لِلنَّوَافِلِ فَضَائِلَ مُتَعَدِّدَةً، فَمِنْ أَعْظَمُهَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِنَيْلِ مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضَائِلِهَا أَنَّهَا سَبَبٌ لمُرَافَقَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَسَبَبٌ لإجابةُ الدعاءِ وتفّرَّيجَ الهَمَّ، والغَمَّ، وَسَبَبٌ لجبر نقصَ الفرائضِ وَسَبَبٌ لزيادةِ الإيمانِ وقُوَّتِهِ وَهي سَبَبٌ لبناء بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ، أَفَلا نُحِبُّ أَنْ يَبْنِيَ اللهُ لَنَا بُيُوتًا فِي الْجَنَّةِ، فِي نَعِيمٍ لاَ يَحُولُ وَلا يَزُولُ، مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ؟! هَلِ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ نُجَاوِرُ فِيهِ الْحَبِيبَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :«مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ تَعَالى كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعاً غَيرَ الفَرِيضَةِ ، إلاَّ بَنَى الله لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ ، أو إلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ فَضَائِلِهَا : أَنَّهَا تُنْجِي العَبْدَ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، وَتَحُطُّ عَنْهُ الْخَطَايَا وَتَرْفَعُ دَرَجَاتِهِ فِي الجَنَّةِ، فَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رملة بِنْتِ أبي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، حَرُمَ عَلَى النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَمِنْ فَضَائِلِ النَّوَافِلِ: أَنَّهَا تَعْدِلُ صَدَقَاتٍ كَثِيرَةً؛ فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَاتَّقُوا اللهَ وَحافِظُوا على السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ، فَعَنْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَصِيَامُ رَمَضَانَ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
واحرصوا -رحمكم الله- على أداءِ الوترِ، واجعلوه آخرَ صلاتِكم من الليل قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
قَالَ تَعَالَى :﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ:لقد كَانَ الصَّحَابَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ، وَسَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَخَلَفِهَا، يَحْرِصُونَ عَلَى النَّوَافِلِ كَمَا يَحْرِصُونَ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِعِلْمِهِمْ وَيَقِينِهِمْ أَنَّ الخَيْرَ ،وَالْبَرَكَةَ فِي اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالاقْتِدَاءِ بِهِ ،وَلَقَدْ قَلَّ عِلْمُ الكثير من النَّاسِ الْيَوْمِ بِدِينِهِمْ، وَانْتَشَرَ فِيهِمُ الْجَهْلُ بِالسُّنَنِ، وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنيَا وَاطمَأَنُّوا بِهَا، وَتَعَلَّقُوا بِزَخَارِفِهَا وَمَلَكَتْ قُلُوبَهُمْ شَهَوَاتُهَا، صَارَ أَحَدُهُمْ لا يَرْفَعُ بِالسُّنَنِ رَأْسًا، وَلا يُقِيمُ لِلنَّوَافِلِ وَزْنًا.
الا وصلوا .