أفضل أيام الدنيا
د. محمود بن أحمد الدوسري
1441/11/22 - 2020/07/13 10:51AM
أفضلُ أيامِ الدُّنيا
د. محمود بن أحمد الدوسري
الحمد لله الذي مَنَّ على عباده بمواسم الخيرات؛ لِيَغْفِرَ لهم الذنوب, ويَجْزِلَ له الهِبات, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وبعد: أيَّامُ عشرِ ذي الحجة أيامٌ مُعظَّمةٌ, أقسَمَ اللهُ بها, فقال سبحانه: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1, 2]. والإقسامُ بها دليلٌ على عِظَمِها؛ كيف لا, وهي أفضلُ أيامِ الدُّنيا على الإطلاق, بشهادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حيث قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ, فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» صحيح - رواه أبو داود والترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ, وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» صحيح - رواه أحمد والبيهقي. وقال أيضاً: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللهِ, وَلاَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي الْعَشْرِ الأَضْحَى» صحيح - رواه الدارمي والبيهقي.
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» صحيح - رواه البزار. وقال أيضاً: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ تعالى مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعالَى؟ قَالَ: «هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ, إِلاَّ عَفِيرًا يَعْفِرُ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ» صحيح - رواه أبو يعلى. وكان سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ - رحمه الله - إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
فدلَّت هذه الأحاديث على أنَّ كلَّ عَمَلٍ صالحٍ يقع في عشر ذي الحجة فهو أحبُّ إلى الله تعالى, وأعظمُ وأزكى - من نفسِه - إذا وقع في غيرها, وإذا كان أحبَّ إلى الله تعالى فهو أفضل عنده, وأنَّ الذي يجتهد في الطاعات, سواء كانت قولية أو عَمَلية - في هذه العَشر - فهو أفضل من المُجاهد الذي رَجَعَ بنفسِه وماله, وهذا فَضْلُ اللهِ سبحانه يؤتيه مَنْ يشاء. قال ابنُ حجرٍ - رحمه الله: (والذي يظهر أنَّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لِمَكانِ اجتماعِ أُمَّهاتِ العِبادة فيه, وهي الصلاة, والصيام, والصدقة, والحج, ولا يتأتَّى ذلك في غيره).
فينبغي على المسلم أنْ يَعْمُرَ هذه العَشْرَ الفاضِلة بالإكثار من طاعة الله تعالى؛ من الصلاة, والصيام, والصدقة, وقراءة القرآن, وبِرِّ الوالدين, وصِلَةِ الأرحام, وغير ذلك من سُبُلِ الخير القولية والعملية القاصرة والمُتعدِّية النفع للعباد.
وأيضاً يُشرَعُ الإكثارُ مِنْ ذِكْرِ الله تعالى بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والاستغفار والدعاء؛ لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]. والأيامُ المعلومات: هي عشر ذي الحجة. وقال سبحانه: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]. وهي أيام التشريق, ولقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم وأحمد.
فلا بدَّ من كثرة الذِّكر, والجهرِ بالتكبير المُطلَق؛ ابتداءً من دخول هذه العَشْر إلى فجر يوم عرفة, ويُشرع التكبيرُ المُطلَق مع التكبير المُقيَّد عَقِبَ كلِّ صلاةٍ من فجر يوم عرفة إلى آخِر أيام التشريق. ولم يُحَدِّد النبيُّ صلى الله عليه وسلم صِيغَةً مُعيَّنة للتكبير, ومن أشهر صِفتِه: الله أكبر الله أكبر, لا إله إلاَّ الله, الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد. ومن صفته: الله أكبر الله أكبر الله أكبر, لا إله إلاَّ الله, الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد, والأمر فيه واسع.
الخطبة الثانية
الحمد لله ... عبادَ الله .. إنَّ يوم عرفة من أعظم أيام هذه العَشر؛ لأنه يوم مغفرة الذنوب, والتجاوز عنها, وفيه تُجاب الدعوات, وتُقال العثرات, وهو يوم عِيدٍ لأهل عرفة, وقد أكملَ اللهُ فيه الدِّين, وأتمَّ فيه النِّعمة على المسلمين, وتأمَّل ما قاله النبيُّ صلى الله عليه وسلم - في فضل يوم عرفة: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ, وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ, فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ» رواه مسلم.
ويُستحَبُّ صيامُ يومِ عرفةَ لغير الحاج؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم - لَمَّا سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ - قال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» رواه مسلم.
ويومُ النَّحْرِ هو أفضلُ أيامِ العام؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ» صحيح - رواه أبو داود.
ودلَّت السُّنَّة على أنَّ مَنْ أراد أنْ يُضَحِّي وجبَ عليه أنْ يُمسِكَ عن الأخذ من شَعرِه وظُفرِه وبَشَرَتِه منذ دخول العَشْر إلى أنْ يَذبَحَ أُضحيَتَه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ, وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ؛ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» رواه مسلم. وفي رواية: «فَلاَ يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ, وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا, حَتَّى يُضَحِّيَ» رواه مسلم.
فقوله: «فَلْيُمْسِكْ» أمرٌ للوجوب. وقوله: «فَلاَ يَأْخُذَنَّ» نهيٌ للتحريم. ولا صارف لَهُما, ولكنْ لو تعمَّد الأخذَ, فعليه أنْ يستغفرَ اللهَ ويتوبَ إليه؛ لوجوب التوبة من كلِّ ذنب, ولا فديةَ عليه إجماعاً, والأضحيةُ بحالها.